

(1771) 14/4/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [1]
يناير 26
4 min read
0
1
0

إن أول شيء سيسأل عنه المسلمون يوم القيامة هو:
لماذا هجرتم لغة القرآن؟!
انتبه: أنت شخصيًا سيسألك الله تعالى:
كيف فهمت القرآن، وعلى أي أساس عملت بأحكامه أنت وزوجك وأولادك؟!
فإذا قلت:
على أساس «مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا»، وكان آباؤك:
* «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
* «الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ»
* فمصيرك جهنم «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ».
١- إن اختلاف ألسن الشعوب، «وَاخْت ِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ»، لا يعني اختلاف طبيعة اللسان الذي هو «آلة النطق»، وإنما اختلاف «اللغات» التي تنطق بها ألسن الشعوب.
٢- إن الحديث عن «اللسان العربي» هو حديث عن «اللغة العربية» التي كانت ألسن قوم النبي محمد تنطق بها من قبل بعثته، بأساليبها البيانية البلاغية كلها.
٣- والذين يقولون إن «اللغة» من «اللغو»، ويستحيل أن يكون «كلام الله» لغوا، نقول لهم:
لقد وردت مادة «اللغو» في القرآن بمعنى:
(أ): الكلام الخطأ:
* «لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ»
أي لا يؤاخذكم الله بـ «الأيمان» التي لا تقصدون حقيقتها، ولا يُعتد بها، أي أن الحديث عن «كلام عربي» ينطق به «لسان العرب»، ولكنه ليس على سبيل الحقيقة.
(ب): الكلام الباطل:
* «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»
لاحظ أن «عباد الرحمن» لا يمرّون بذات «اللغو»، وإنما بأصحابه المتلبسين به، أي أنهم عندما يمرون على قوم تنطق ألسنتهم بكلام عربي لكنه «باطل» لا وزن له في دينهم، فإنهم يُنَزّهون أنفسهم عن المشاركة فيه.
(ج): الكلام الذي لا خير فيه:
«وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»
فمن أسباب فلاح المؤمنين إعراضهم عن «الكلام» الذي ينطق به لسانهم العربي لا جدوى منه ولا فائدة، ذلك أن الكلام العربي، كأي كلام تنطق به شعوب العالم، يحمل الحق والباطل، اللغو وغير اللغو.
(د): التشويش وإشغال الناس بأشياء تمنعهم من سماع القرآن:
* «لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ»
ولذلك قال الله تعالى عن أهل الجنة:
* «لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً»
٤- إن «اللغات» التي تنطق بها «ألسن» شعوب العالم، تحمل الحق والباطل، وفيها «اللغو» وغير «اللغو»، وكذلك الحال مع «اللغة العربية» التي كان ينطق بها «لسان العرب».
ولكن من قال إن الكلمات المستخدمة في هذا «اللغو» لم تكن كلمات عربية فصيحة، تحمل أساليب البلاغة والبيان التي استخدمها القرآن، الذي لم يستطيعوا أن يأتوا بسورة من مثله؟!
ولذلك كان المسؤول الأول والأخير عن عدم وصول «لغة القرآن» إلى شعوب العالم هم المسلمون الذين سيحاسب الله على تخليهم عن هذه المسؤولية وعن معصيتهم وعدم تنفيذ أمره، فقد قال لهم:
(أ): «وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
فتفرقوا شِيَعًا: سنة – شيعة – معتزلة – إباضية: و«كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».
(ب): «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»
فلم يُخرجوا الناس «مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» بكتاب ربهم الذي حمل «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، وخرجوا هم «مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ»، وأصبحوا اليوم «أعاجم» يفتخرون بألسنتهم وألسنة أبنائهم «الأعجمية».
(ج): إن خروج المسلمين «مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ»، وعدم تحملهم مسؤولية الشهادة على الناس ونشر لغة القرآن بينهم:
* «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ – وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»
لا علاقة له، بوجوب دخول الناس في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، ذلك أن الخطاب القرآني للعالمين، فتدبر:
* «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ – لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»
* «إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ – لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ»
الخطاب القرآني للناس جميعًا:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ»:
– «إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»
– «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»
– «لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ»
– «فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ»
– «الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ»
– «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
وهذه الآية هي البرهان قطعي الدلالة على وجوب اتباع شعوب العالم للنبي الخاتم رسول الله محمد، وعلى المسلمين الذين لا يؤمنون بذلك، أن يحذفوا من مصاحفهم هذه الآية حتى لا تكون حجة عليهم يوم القيامة.
٥- لقد حمل كتاب الله الخاتم «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين بتعهد الله تعالى حفظها:
* «قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»
(أ): لقد نزل القرآن بـ «لسان العرب» الذي كانوا يتكلمون به من قبل نزوله، ولذلك فهموا كلماته دون الاستعانة بمعاجم في اللغة العربية كما نفعل نحن اليوم.
ولقد وُلد المسلمون وتعلموا اللغة العربية من البيئة التي عاشوا فيها، تعلّموا «الكلمات» وحفظت قلوبهم «مُسمّيات»، أي صورها و«مقابلها الكوني»، وعلى هذا الأساس يفهمون معاني كلمات القرآن.
(ب): إن المسلمين يفهمون فقط معاني الكلمات التي انطبعت صورتها «مُسَمّاها» في قلوبهم، ولذلك لن يفهموا غيرها، فيذهبون يبحثون عن معناها في معاجم اللغة، ثم يخرج علينا من يقولون:
* «إن القرآن بيانٌ وتفصيلٌ لكل شيء»
الحقيقة شيء عجيب وغريب!!
(ج): إن تعلم اللغة العربية «فرض عين» على كل مسلم، والدليل على ذلك أن الله يخاطبه بهذا القرآن كما يخاطب الناس جميعًا، ولغة هذا القرآن تحمل أساليب بيانية بلاغية يستحيل أن يفهمها أي إنسان إلا إذا كان على علم بها.
فهل فهم قوم النبي محمد، عليه السلام، وهم أهل اللسان العربي معنى «اليد، العين، الوجه، العرش، الكرسي، الاستواء، الإتيان والمجيئ..» المتعلقة بالله تعالى بمعناها الحقيقي الذي وُضعت له؟!
أم حسب علمهم بالأساليب البيانية فهموا أنها جاءت بمعناها «المجازي» وأن الله ليس كمثله شيء، ليس له يد وعين ووجه، وليس له عرش وكرسي يجلس عليهما، ولا يتحرك كالأجسام يذهب ويأتي؟!
٦- يقول الله تعالى:
(أ): «وَالْفَجْرِ – وَلَيَالٍ عَشْرٍ – وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ – وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ – هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ»
نلاحظ أن كلمة «يَسْرِ» من المفترض أن تكون «يسري».
والسؤال:
فلماذا حُذفت لام الفعل «الياء» دون أن يسبقها «أداة جزم»، وبقيت كسرة الراء دالة على «الياء»؟!
والجواب:
كي يتناغم إيقاع الوقف بين الآيات.
(ب): «قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى»:
– «قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى»
– «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَة ً مُّوسَى»
– «قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعْلَى»
والسؤال:
لماذا تأخر الفاعل «مُّوسَى» عن الفعل «أَوْجَسَ» والمفترض أن يتصل الفعل بالفاعل وتكون الآية:
* «فَأَوْجَسَ مُّوسَى فِي نَفْسِهِ خِيفَةً»؟!
والجواب:
لأننا إذا نظرنا إلى الحرف الأخير من كل آية، وجدناه «ألفًا لينة»:
– «وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَ (ى)»
– «مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَ (ى)»
فكان يجب أن تتأخر كلمة «مُّوسَى» لإحكام نظم السياق والمحافظة على إيقاع «الألف اللينة»:
– «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَ (ى)»
– «قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعْلَ (ى)»
ولذلك لم تأت الآية على هذا الوجه:
* «فَأَوْجَسَ مُّوسَى فِي نَفْسِهِ خِيفَةً»
لقد أردت بضرب هذا المثل بيان أن القرآن كله أساليب بيانية بلاغية، لا يعلم عنها 99.99 % من المسلمين شيئًا، في الوقت الذي تكون فيه هذه الأساليب هي الطاقة التي تجعل قلوبهم تسجد من خشية الله.
محمد السعيد مشتهري



