

(1776) 19/4/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [٧]
يناير 26
٣ min read
0
0
0

إن الميزان الإيقاعي، الذي تميزت به لغة القرآن وأساليبها البيانية، يتناغم مع الميزان الإيقاعي للمقابل الكوني لكلمات القرآن في الآفاق والأنفس، بحيث يستحيل الفصل بينهما:
# فعندما نتدبر قول الله تعالى:
* «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ – وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ»:
– «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»
ونحن نعلم أن الليل والنهار لا يسبحان «فلكيًا»، وأن المقصود سباحة ما ينتج عنه الليل والنهار، ثم جاءت كلمة «كُلٌّ» لتشمل ما ذكرته الآية وما لم تذكره من أجرام لها أفلاك تسبح فيها ولا تتعداها.
ثم يتكرر الميزان الإيقاعي «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» في موضع آخر، فيقول الله تعالى:
* «وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ – نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ – فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ»
* «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا – ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»
* «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ – حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»
* «لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ – وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ»:
– «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»
# فنحن أمام آيات مقروءة، تحمل كلماتٍ يستحيل أن نفهم معنى حرف منها، إلا إذا كنا قد تعلمنا معناه «مُسَمّاه» من خارج القرآن:
والسؤال:
هل حَمَلَ القرآن الصورة الذهنية، التي صَوّرَها لنا الميزان الإيقاعي «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»؟!
والجواب:
لم يحمل القرآن أي صور ذهنية لكلماته، أما قوم رسول الله محمد، فقد كانت الصور الذهنية لكلمات القرآن مطبوعة في قلوبهم من قبل بعثته، ولم يتعلموها من داخل القرآن.
ثم يأتي اليوم قوم، لا علاقة لهم بـ «لغة القرآن»، ولا بـ «دين الإسلام»، يفترون على الله تعالى الكذب، ويقولون إن الليل يعني «الظلمة» في قوله تعالى:
* «ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ»
ولم ينتبهوا إلى أنهم بقولهم هذا يطعنون في قول الله تعالى:
* «ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»
لأن هذا الإيقاع الموزون المتعلق بـ «تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»، جاء تعقيبًا على قوله تعالى:
* «وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ – نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ – فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ – وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا – ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»
فماذا تعني كلمة «نَسْلَخُ» في هذا السياق الموزون ق رآنيًا وفلكيًا؟!
تعالوا نجيب على هذه السؤال ببيان أن الليل يمر بدرجات من الظلمة تبدأ مع غروب الشمس، حيث يقول الله تعالى:
* «أَقِمِ الصَّلاَةَ – لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ – وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً»
أي ليس إلى «اللَّيْلِ»، الذي هو غروب الشمس، وإنما إلى «غَسَقِ اللَّيْلِ» الذي هو موعد صلاة العشاء.
هذا هو تفاعل الكلمة القرآنية مع مقابلها الكوني المثبت لفعالية «ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ».
إن تعامل المسلمين مع كتاب الله الخاتم، الذي حمل «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، كما يتعامل أهل الكتب السابقة مع كتبهم، هو عين التزيين الإبليسي الذي جعل كل من هب ودب يتحدث عن القرآن وعن أحكام القرآن.
إن القرآن «علم» لا يقترب منه إلا «الذين يعلمون»، فتدبر:
* «كِتَابٌ – فُصِّلَتْ آيَاتُهُ – قُرْآناً عَرَبِيّاً – لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
فهل نحذف هذه الآية من كتاب الله، أم نخفيها ولا نتحدث عنها حتى لا يغضب «الذين لا يعلمون»؟!
وهل عندما يقرأ «الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» قول الله تعالى:
* «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً»
– «ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ»
– «ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً»
– «فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ»
– «وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ»
– «فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ»
– «وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ»
– «يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ»
– «يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»
– «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِي الأبْصَارِ»
هل يفهمون من داخل القرآن معنى كلمة «يُزْجِي» التي بدأ بها السياق؟!
يستحيل، وعليهم جبرًا وقهرًا أن يذهبوا إلى معاجم اللغة العربية، التي حملتها «منظومة التواصل المعرفي» التي يكفرون بحجيتها، ويقدمون لها الولاء والطاعة لتعلمهم معنى الكلمة.
إن «زْجِي» من الإزجاء، بمعنى الدفع ببطيء ورفق، وأزجت الريح السحاب، أي: دفعته، وشعوب العالم تشاهد هذا «الإزجاء»، ولكن هل يعلمون لماذا استخدم القرآن كلمة تبدأ بالياء «يُزْجِي» وتنهي بالياء؟!
والجواب:
إن سياق الآية يتحدث عن حركة «بلين ولطف» يناسبها حرف لين رخو وهو «الياء»، وهذه الحركة تتعلق بشيء ثقيل جدًا أشار إليه الله تعالى بقوله «وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ»، فناسبه الزاي والجيم من حروف الشدة والجهر:
* فجاءت الكلمة في موقعها المحكم، وإيقاعها المتوازن.
محمد السعيد مشتهري