

(1780) 23/4/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [١١]
يناير 26
5 min read
0
0
0

«مخارج الحروف العربية»
لم يكن قوم النبي محمد، عليه السلام، وهم أهل اللسان العربي، ينطقون بحروف الهجاء العربية كما ينطق بها المسلمون اليوم في كلامهم، وإنما كانوا ينطقونها من مخارجها الصوتية الصحيحة.
ولم يخاطب الله تعالى قوم النبي محمد بأساليبهم البيانية البلاغية فقط، وإنما خاطبهم أيضًا بنفس الإيقاعات الصوتية التي تحملها حروف اللغة العربية التي كانوا ينطقون بها من قبل بعثة رسوله محمد، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
# أولًا:
والذي يهمنا بيانه فيما يتعلق بموضوع المقال، هو المصطلحات التي كان العرب يعبّرون بها عن مخارج الحروف، وهي:
١- الحروف الجوفية – الهوائية:
* حروف الم د الثلاثة: الألف والواو والياء.
٢- الحروف الحلقية:
* «الهمزة – الهاء – العين – الحاء – الغين – الخاء»
٣- الحروف اللهوية:
* «القاف – الكاف»
٤- الحروف الشجرية:
* «الجيم و- الشين – الياء»
٥- الحروف الذلقية:
* «اللام – النون – والراء»
٦- الحروف النطعية:
* «الطاء – الدال – التاء»
٧- الحروف الأسلية:
* «الصاد – السين – الزاي»
٨- الحروف اللثوية:
* «الظاء – الذال – الثاء»
٩- الحروف الشفوية:
* «الفاء – الواو – الباء – والميم»
ولقد التزمت سور القرآن بهذه الإيقاعات الصوتية الموزونة، التي يستطيع متدبر القرآن أن يقف على دلالاتها البيانية والبلاغية.
ومن السور التي حملت من أولها إلى آخرها «إيقاعًا موزونًا» يحمل دلالاته البيانية البلاغية، «سورة الكهف» التي قامت كلها على «الفتح» مع اختلاف حروف الكلمة الأخيرة، الأمر الذي يجب أن يرتبط بتناغم إعراب الكلمة الأخيرة مع ما قبلها.
# ثانيًا:
من الحروف الجوفية – الهوائية، التي هي «الألف والواو والياء»، التي وردت في هذه السورة، كمجرد عينة:
١- «الكهف / ١-٤»:
* « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ»:
– «وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ – (عِوَجاً)»
٢- «قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ»:
– «أَنَّ لَهُمْ أَجْراً (حَسَناً)»
٣- «مَاكِثِينَ فِيهِ – (أَبَداً)»
٤- «وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا – اتَّخَذَ اللَّهُ (وَلَداً)»
فإذا ذهبنا إلى وسط السورة «الكهف / ٥١-٥٣»:
٥- «مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ – وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ»:
– «وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ (عَضُداً)»
٦- «وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ – فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ»:
– «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم (مَّوْبِقاً)»
٧- «وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ – فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا»:
– «وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً»
وفي ختام السورة «الكهف / ١٠٩-١١٠»:
٨- «قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي- لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي»
– «وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
٩- «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ – يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ – فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً»:
– «وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَ بِّهِ (أَحَداً)»
# ثالثًا:
وتعالوا نأخذ عينات من السورة حسب مخارج الحروف السابق بيانها:
١- الحروف الحلقية:
«الهمزة – الهاء – العين – الحاء – الغين – الخاء»
* «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً»
* «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً»
٢- الحروف اللهوية:
«القاف – الكاف»
* «وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً»
* «فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً»
٣- الحروف الشجرية:
«الجيم – الشين – الياء – الضاد»
* «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً»
* «وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً»
٤- الحروف الذلقية:
«اللام – النون – والراء»
* «قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً»
* «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»
* «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً»
* «قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً»
* «أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً»
٥- الحروف النطعية:
«الطاء – الدال – التاء»
* «مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً»
* «وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً»
* «فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً»
* «وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً»
* «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً»
٦- الحروف الأسلية:
«الصاد – السين – الزاي»
* «وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً»
* «قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً»
٧- الحروف الشفوية:
«الفاء – الواو – الباء – والميم»
* «مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً»
* «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً»
* «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً»
* «هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً»
* «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً»
* «فَ أَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»
* «قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً»
# رابعًا:
ليس الهدف من هذا المقال، بيان دلالة «الإيقاع الموزون» الذي حملته سور التنزيل الحكيم، وإنما الهدف هو لفت النظر، إلى باب كبير جدا من أبواب لغة القرآن البيانية، غير أبواب «النحو والصرف»، لا ينتبه كثير من المسلمين إلى أثره على خشوع القلب.
فلماذا تكرر هذا الإيقاع الموزون، «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، في سورة «الرحمن» أكثر من مرة؟!
فبعد بيان فعالية أسماء الله الحسنى في الآفاق والأنفس، «١-١٢»، يقول الله تعالى:
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
ثم يستكمل السياق فعالية أسماء الله الله الحسنى:
«خَلَقَ الإِنْسَان مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ»
«وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ»
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
«رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ»
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»
«بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ»
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ»
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
«وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلاَمِ»
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»
«وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ»
# «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
* أقول:
إن المحور الأساس، الذي يدور حوله سياق سورة «الرحمن»، هو الرد على الشبهات التي يثيرها معشر الجن والإنس، وذلك «بإيقاع موزون» ينسف كل افتراء على الله من جذوره:
«فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
ويستمر هذا الإيقاع الموزون، الذي يهز القلوب هزًا، لتختم السورة بقول الله تعالى:
* «تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ»
الذي يشير إلى فعالية «الربوبية» في هذا الوجود، ويحمل «التنزيه المطلق» لله تعالى عما لا يليق بجلاله.
والسؤال:
عندما ينطق لسان المسلمين ويقول في أي مناسبة:
«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
هل تستحضر قلوبهم فعالية «الربوبية» و«الإلهية» في هذا الوجود وأثرها في حياتهم؟!
وهل يفعلون ذلك عندما يقرؤون القرآن ويتدبرون آياته؟!
هل ربّ الآباء أبناءهم على ما سبق بيانه في هذا المقال، وهو قطرة من بحار علوم لغة القرآن؟!
لو فعلوا ذلك، ما خرجوا من النور إلى الظلمات، وما كانت هذه هي معيشتهم.
محمد السعيد مشتهري
رابط فيديو مخارج الحروف:



