

(1782) 25/4/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [١٢]
يناير 26
3 min read
0
1
0
إشارة سريعة إلى جانب من عمل «الهمزة» في لغة القرآن
حسب ما بيّناه في المقال السابق، فإن حروف الهجاء تنقسم من حيث مخارجها، إلى حروف مخرجها من الحلق أو اللسان أو الشفتين، وحروف مخرجها من الجوف، وحروف مخرجها من أقصى الحلق، ومنها «الهمزة».
١- هناك كلمات تبدأ بـ «الهمزة»، تنفي عن الشيء صفة من صفاته، فإذا ذهبنا إلى الإنسان وقلنا إن فلانًا:
(أ): «أبكم»: (نفي) صفة الكلام عنه، أي أنه لا ينطق.
(ب): «أحدب»: (نفي) صفة استقامة ظهره.
(ج): «أحول»: (نفي) صفة استقامة نظره.
(د): «أحمق»: (نفي) صفة التفكر والتعقل عنه.
(هـ): «أعجم»: (نفي) درايته بلغة القرآن.
٢- وليس كل همزة تدخل على الفعل لتعديته، فهناك همزات لا يحقق دخولها تعدية للفعل، أي أن ليس كل همزة للتعدية، فعندنا:
(أ): «همزة» الاستفهام:
مثال: أكَتَبَ المدرس الدرس؟!
ذلك أن الفعل «كتب» متعد بنفسه لا تؤثر الهمزة في تعديته.
(ب): «همزة» الإزالة:
مثال: أطَقْتُ العملَ.
لم أتحملْه، لقد كان فوق طاقتي، أي «نفيت» استطاعتك تحمله.
فإذا قلت «طِقْتُ العملَ»:
فقد (أثبت) أن العمل كان في حدود استطاعتك وطاقتك.
(ج): الفرق بين «عَذَرَ» و«أعْذَرَ»:
نجد أن «عَذَرَ» التمس العذر.
أما «أعْذَرَ» نفى «العذرَ» وأزاله.
(د): الفرق بين «قسط» و«أقسط»:
نجد أن «قسط» بمعنى «ظلم».
أما «أَقْسَط» فنفي «الظلم»، أي «عَدَلَ».
وأصل الموضوع:
أن «قسط»:
فعل ماضي «ثلاثي» معناه ظلم وجار، واسم الفاعل منه «قاسط»، والقاسط الظالم:
* «وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً»
أما «أقسط»:
ففعل ماضي «رباعي»، عندما أدخلت عليه «الهمزة» نفت معناه الثلاثي «قسط»، وحولته إلى «عَدَلَ»:
* «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»
٣- تعالوا الآن إلى قول الله تعالى «البقرة / ١٨٤»:
* «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ – فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ»
فإذا بحثنا موضوع الآية من حيث دلالات لغة القرآن العربية، بعيدًا عما ذكرناه في المقالات السابقة عن عدم العمل بأحكامها بعد عصر التنزيل، سنجد ما يلي:
(أ): أن كلمة «يُطِيقُونَهُ» مضارع فعل «أَطَاقَ» الذي ينفي الاستطاعة، فهو عكس «طَاقَ» بمعنى «استطاع».
(ب): إن كلمة «أَطَاقَ» تنفي قدرة الإنسان على العمل، إذا كان العمل يسلب طاقته كلها، فيؤديه بمشقة، يقول الله تعالى في سياق بيان قصة طالوت وجالوت:
* «لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ»
(ج): وعليه فإن معنى «يُطِيقُونَهُ» أي يؤدونه بمشقة بالغة «تفقدهم» «طاقتهم»، أو «تسلبهم» طاقتهم.
وكما قلنا في المقالات السابقة:
فإن الذي يسلب الصيام طاقته، بسبب مرض مزمن أو عمل شاق، فلا شيء عليه إن أفطر، لأنه خارج حدود قول الله تعالى:
* «… فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ … وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ»
فإن تصدّق وأطعم المساكين فهو خير له.
٤- إن «الحرف الواحد»، في آيات التنزيل الحكيم، لم يخرج عن فعالية «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام.
وأتعجب كل العجب من قوم يفتون في أحكام القرآن وهم يجهلون لغته العربية وأساليبها البيانية:
فهل تدبروا يوما قول الله تعالى:
* «مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ»:
– «وَلاَ خَلْقَ أَن فُسِهِمْ»
– «وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»؟!
فمن أين جاؤوا بنظرية «النشوء والارتقاء» الداروينية الإلحادية التي يتبعها «الشحروريّون»؟!
هل تدبروا يوما عمل حرف «الفاء» في سياق الحديث عن نشأة الإنسان، وقول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الإِنْسَان – مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ»
* «الَّذِي خَلَقَكَ (فَـ) سَوَّاكَ (فَـ) عَدَلَكَ (فـ) ي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ»؟!
لقد جاء السياق بحرف «الفاء»، ولم يأت بـ «ثم» التي تفيد التراخي، لبيان أن خلق الإنسان لم يمر بمراحل على الإطلاق، فتدبروا:
* «أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى»
* «ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً (فَـ) خَلَقَ (فَـ) سَوَّى»
* «(فَـ) جَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى»
* «أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى»؟!
أي أن «الإنسان» الموجود اليوم، هو نفسه «الإنسان» الذي خلقه الله في أول الأمر، باستثناء «الشحروريين» فإنهم من فصيلة إلههم «دارون» الذي يؤمنون به.
محمد السعيد مشتهري



