

(1788) 1/5/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [١٩]
يناير 26
4 min read
0
0
0
ماذا يعني «التكرار» في السياق القرآني؟!
تعالوا نتدبر دلالات التكرار في سياق الآيات «النساء / ١٢٥- ١٣٣»:
# أولًا:
١- يقول الله تعالى «النساء / ١٢٥»:
* «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً – مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله – وَهُوَ مُحْسِنٌ – واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً – وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً»
(أ): «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً»:
إنه «دين الإسلام» الذي عرفته الرسالات الإلهية كلها، والذي يقوم على العمل بمقتضيات الوحدانية التي هي ملة إبراهيم، عليه السلام.
(ب): «مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَ جْهَهُ لله»:
التنزيه المطلق لله تعالى، والخضوع والانقياد لأحكام كتابه.
ولقد استخدم السياق «الوجه» باعتباره أهم أعضاء جسم الإنسان الظاهرة، وهو استخدام مجازي يُقصد به الإنسان نفسه.
(ج): «وَهُوَ مُحْسِنٌ»:
ذلك أن «المحسن» هو الذي لا يسلم وجهه إلا لله تعالى وحده لا شريك له، فتدبر «الأنعام / ١٩»:
* «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً»:
– «قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»
– «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ»
– «لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ»
– «أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى»
– «قُل لاَ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ»
– «وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ»
(د): «واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً»
ولقد جاء هذا التبرؤ من الشرك:
* «وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ»
على لسان إبراهيم عليه السلام، عندما قال لقومه في نفس سورة «النساء / ٧٨-٧٩»:
* «فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً – قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ – فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ»:
– «إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ»
ثم تدبر ماذا قال بعدها مشيرًا إلى «الوجه»:
* «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ – لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ – حَنِيفاً – وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
(هـ): «وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً»:
وحتى لا يفهم الناس، أن الله كان في حاجة إلى اتخاذ «إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً»، بالمعنى المتعارف عليه بينهم، والذي قال تعالى فيه:
* «الأخِلاَّء يَوْمَئِذٍ – بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ – إِلاَّ الْمُتَّقِينَ»
جاء بعدها بالبرهان على عدم صحة فهم لفظ «الخليل» في هذا السياق بمعنى الصداقة والمجانسة، فقال تعالى:
(ز): «وَللّهِ (مَا فِي) السَّمَاوَاتِ (وَمَا فِي) الأَرْضِ»
* «وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً»
فجاء بلفظ «مُّحِيطاً» لرفع اللبس عن معنى «الخليل»، وبيان أن المقصود بـ «الاتخاذ» مقام القرب من الله القائم على علم الله الذي أحاط بكل شيء:
* «وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً»
ومن هذه الإحاطة إخلاص عبودية إبراهيم لله تعالى، هذا الإخلاص الذي قرّبه إلى الله إلى درجة «الخلّة».
# ثانيًا:
ثم يقول الله تعالى «النساء / ١٢٧-١٣٠»:
* «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء»:
– «قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء اللاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ»
– «وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً»
* «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً»:
– «فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ»
– «وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً»
* «وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ»
– فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ»
– «وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً»
١- ولما كان السياق يتحدث عن أحكام النساء، وعن الطلاق وعن الإصلاح ثم عن فراق الزوجين:
بيّن الله تعالى أنه قادر على أن يجعل كل واحد منهما مستغنيًا عن الآخر بعطائه الواسع وبحكمته، فقد يرزق المرأة خيراً من مطلِّقها، ويرزق الرجل خيراً من مطلَّقته:
– «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ»
– «وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً»
٢- ثم قال الله تعالى بعدها «النساء / ١٣١»:
(أ): «وَللّهِ (مَا فِي) السَّمَاوَاتِ (وَمَا فِي) الأَرْضِ»:
– فكيف لا يغني الله تعالى «كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ» وهو سبحانه مالك الملك:
* «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ – تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء – وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء – وَتُعِزُّ مَن تَشَاء – وَتُذِلُّ مَن تَشَاء – بِيَدِكَ الْخَيْرُ – إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
(ب): «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ – أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ – وَإِن تَكْفُرُواْ»
– وعندما يأمر الله تعالى «الَّذِينَ أ ُوتُواْ الْكِتَابَ» بـ «تقوى الله» وينهاهم عن الكفر، ويقول لهم في «النساء / ٤٧-٤٨»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ – آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا – مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم – مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا – أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ – وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً»
– ثم يقول لهم بعد ذلك مبينًا، أنه سبحانه لم ولن يقبل شركهم وافتراءاتهم الكذب على الله:
* «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ – وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ – وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ – فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً»
إذن: فيا أيها القرآنيّون، ويا أيها الملحدون المسلمون، لن يدخل الجنة من لم يؤمن بصدق «نبوة» رسول الله محمد، ولم يتبع رسالته، فإن كفرتم «وَإِن تَكْفُرُواْ»:
(ج): «فَإِنَّ لِلّهِ (مَا فِي) السَّمَاوَاتِ (وَمَا فِي) الأَرْضِ »:
– فهو سبحانه الغني عن إيمانكم وإسلامكم:
* «وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً»:
وهذا ما أشارت إليه الآية «فاطر / ١٥-١٦»:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ – أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ – وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ – إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) – وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ»
# ثالثًا:
ثم لماذا كرر الله تعالى بعد ذلك «النساء / ١٣٢»:
(أ): «وَلِلّهِ (مَا فِي) السَّمَاوَاتِ (وَمَا فِي) الأَرْضِ»
* «وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً»:
– إن «الوكيل» هو المتكفل بالأمر الذي أسندته إليه ليقوم بتدبيره وفق علمه وخبرته:
(ب): «إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ»
– لبيان أنه سبحانه «يُمْهِل – ولا – يُهْمِل»:
* ويبدو أن ذهاب الناس بلا عودة سيكون على يد «فيروس كورونا»، الذي يقف شامخًا متمكنًا منتصرًا على أسلحة الدمار الشامل كلها:
(ج): «وَيَأْتِ بِآخَرِينَ»:
فمن هم الآخرون؟!
هم الناجون «فصلت / ١٨»:
«وَنَجَّيْنَا – الَّذِينَ آمَنُوا – وَكَانُوا يَتَّقُونَ»
(د): «وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً»
محمد السعيد مشتهري



