

(1797) 8/5/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [٢٦]
يناير 26
٤ min read
0
0
0
إن بين اللغة العربية و«القرآن» تفاعلًا وتناغمًا في هذا الوجود، منذ عصر التنزيل وإلى يوم الدين، لأن الله تعالى هو الذي تعهد بحفظ «الذكر»، أي الكلمة القرآنية ومقابلها الكوني الذي يُذكر الناس بها.
وليس معنى هذا أن أهل التخصص في علوم اللغة العربية هم أهل «تدبر القرآن»، بل الأمر قد يكون عكس ذلك تماما، فالتخصص العلمي شيء، و«تدبر القرآن» شيء آخر لأنه يعتمد على عدد من الأدوات من بينها اللغة العربية.
إن اللغة العربية وحدها، لا قيمة لها في ميزان الآخرة إلا إذا تفاعلت وتناغمت مع آيات الذكر الحكيم بهدف إخراج الناس من الظلمات إلى النور:
* «الَر – كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ»:
– «لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»
– «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
ولا قيمة لـ «المليارين مسلم» عند الله تعالى، إذا لم يُخرجوا الناس بهذا الكتاب «القرآن» من ظلمات الجهل بـ «دين الإسلام» إلى نور العلم بـ مقتضيات الوحدانية وأصول الإيمان وأحكام القرآن.
فهل هذا هو حال «المليارين مسلم» اليوم؟!
إن الإجابة على هذا السؤال، هي التي تحدد لكل من حمل بالوراثة «اسم مسلم»، خارطة الطريق الموصل إلى الفهم الواعي لـ «دين الإسلام»:
١- فإذا قرأ المسلم قول الله تعالى «البقرة / ٢٥٧»:
* «اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ»:
– «يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ»
* «وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ»:
– «يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ»
– «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
عليه أن يحدد هل هو من «الَّذِينَ آمَنُواْ» أم من «الَّذِينَ كَفَرُواْ» وما الدليل على صحة ما توصل إليه؟!
٢- وإذا قرأ قول الله تعالى «فاطر / ١٠-٢٢»:
* «وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ – وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ – وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ»
* «وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاء وَلاَ الأمْوَاتُ – إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ – وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ»
– عليه أن يحدد هل هو من «الأحْيَاء» بقلوبهم المؤمنة، أم من «الأمْوَات» بقلوبهم المشركة وأجسادهم البالية؟!
(أ): يستحيل أن يخترق القرآنيّون والملحدون القلوب المؤمنة التي دخلت في «دين الإسلام» من بابه الصحيح وأعطت لـ «لغة القرآن» الأولوية والأهمية ال تي تستحقها.
(ب): هل يستطيع «قرآني ملحد» أن يجيب على سؤال ابنه الذي ورث عن أبيه بدعة «القرآن وكفى»، والسؤال هو:
أين بيان القرآن لمعنى كلمة «الْحَرُورُ» التي وردت في الآية السابقة؟!
والجواب: يستحيل أن يأتي له بالمعنى من داخل القرآن.
٣- لقد حمل قول الله تعالى «فاطر / ١٠-٢٢» الأضداد التالية:
* «الأعْمَى – الْبَصِيرُ / الظُّلُمَاتُ – النُّورُ / الظِّلُّ – الْحَرُورُ / الأحْيَاء – الأمْوَاتُ»
ولا شك أن معظم المسلمين يعلمون من البيئة التي ولدوا فيها، ودون الاستعانة بمعاجم اللغة العربية، معنى الكلمات السابقة باستثناء كلمة واحدة هي كلمة «الْحَرُورُ» التي سيضطرون مجبرين إلى الاستعانة بمعاجم اللغة العربية، لمعرفة معناها.
والسؤال:
هل كان قوم رس ول الله محمد، أهل الفصاحة والبيان، لا يعلمون معنى كلمة «الْحَرُورُ»، وراحوا «كالمسلمين اليوم» يبحثون عن معناها في معاجم اللغة التي لم تكن موجودة أصلا في حياتهم؟!
والجواب:
من اعتقد بذلك كفر بقول الله تعالى «إبراهيم / ٤»:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ»:
– «إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
– «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
– «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
(أ): إذن فما هي الكلمة التي تقابل «الظِّلُّ»؟!
إذا سألت الناس، دون الرجوع إلى معاجم اللغة العربية، سيقولون لك إن ما يقابل «الظل» هو «الضوء» أو «الوهج» على أساس أن «الظل» يظهر عندما يحجب شيء أشعّة الضوء ومنها «أشعة الشمس».
(ب): ولكن القرآن لم يجعل مقابل «الظل» كلمتين هما «أشعة الشمس» أو «وهج الشمس» وإنما عبّر عنه بكلمة واحدة هي «الْحَرُورُ» وهي مصدر «حرّ – يحرّ» وتطلق عند اشتداد حرّ الشمس عندما تكون في كبد السماء حيث ينعدم «الظل».
٤- وعندما يقرأ «القرآني» قول الله تعالى «القمر / ١٨-٢١»:
* «كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ»
* «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً – فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ»
* «تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ – أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ»
* «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ»
فإذا كان قد تعلم من البيئة التي ولد فيها معاني هذه الكلمات:
«رِيحاً – صَرْصَراً – نَحْسٍ – تَنزِعُ – أَعْجَازُ (جذور) – نَخْلٍ»
(أ): فهل تعلم أيضا معنى كلمة «مُّنقَعِرٍ» التي وردت بعد كلمة «نَخْلٍ»:
* «أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ»؟!
(ب): أم سيجد معناها داخل القرآن انطلاقًا من «غيبوبة الجهل» التي يعيش فيها والفهم الباطل لقول الله تعالى:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ – تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»
* «وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
(ج): أم سيذهب وسيف العلم على رقبته إلى معاجم اللغة العربية ليفهم معنى كلمة «مُّنقَعِرٍ»؟!
إن كلمة «مُّنقَعِرٍ» حملت في ذاتها «كلمتين»:
– الأولى: عملية الاقتلاع: أي اقتلاع النخلة.
– الثانية: القعر: أي اقتلاع النخلة من قعرها «جذرها».
– ليكون المعنى العام:
هو تشبيه عذاب الكافرين باقتلاعهم من على الأرض، كاقتلاع النخل من جذروها بريح شديدة البرودة ذات صوت مرتفع، تجعله يطير في الهواء.
ولقد اختار الله تعالى «النخل» باعتبار أنه من أطول الأشجار التي لها جذور قوية راسخة في الأرض، وتشبيه قوم عاد به لأنهم كانوا يتميزون بضخامة أجسامهم وقوتها فأصبحت تطير في الهواء.
يقول الله تعالى «الفجر / ٦-٨»:
* «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ – إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ»
– «الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ»
ويقول الله تعالى «الأعراف / ٦٩»:
* «وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ»
– «وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً»
٥- والسؤال:
هل يُصبح القرآن، وفق ما سبق بيانه، مُيسّر الفهم لكل مسلم جاهل بلغته العربية، بدعوى أن الله تعالى قال «القمر / ٢٢»:
* «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ – فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ»؟!
والجواب:
من هم الذين «يَسَرّ» الله لهم «الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ»؟!
(أ): هل هم «القرآنيّون» الغافلون الذين يكفرون بـ «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت معاجم اللغة العربية، التي يستحيل فهم حرف واحد من القرآن دون الرجوع إليها؟!
(ب): أم هم «الملحدون المسلمون» الذين لا عمل لهم غير نقد «التراث الديني» للفرقة التي ولدوا فيها، وتحريف «أحكام القرآن» حسب ما يأمر به شيطانهم؟!
(ج) ألم يكرر الله جملة «و َلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ» قبل وبعد الآية السابقة «القمر / ٢٠» التي وردت فيها كلمة «مُّنقَعِرٍ» فقال تعالى:
# «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ»
* «كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ»
* «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ»
* «تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ»
* «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ»
# «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ»
فهل يسر الله فهم كلمة «مُّنقَعِرٍ» وبيّن معناها داخل «الذكر»؟!
* حقًا:
– إن ها ليست مصيبة القرآنيّين والملحدين العقدية والعقلية:
– وإنما هي مصيبة «الببغاوات» الذين يتبعونهم بغير علم لأن إلحادهم في أحكام القرآن يوافق هواهم الشيطاني.
محمد السعيد مشتهري