


«كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ»
يقول الله تعالى في سورة القصص:
«وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»
عندما خاطب الله المنافقين، يدعوهم إلى «تدبر القرآن»، فقال تعالى:
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
لم يكن ذلك لأن القلب «المعنوي» لا يحمل إيمانًا صادقًا، وإنما أيضا لأن القلب هو مستودع العلوم والمعارف، الذي يحمل آليات التفكر والتعقل والتفقه..، بل وآلية التدبر نفسه.
ولما كان القرآن «منظومة علمية»، يستحيل التعامل معها دون الاستعانة بهذه المعارف وبهذه الآليات، كان القلب الذي يقرأ القرآن بمعزل عنها قلبًا جاهلًا «مغلقًا»، لا يُفكّر، لا يعقل، لا يفقه.
وإذا كان «الأعجمي» الذي يريد أن يدخل في الإسلام، بشرط أن يقرأ القرآن، ليقف بنفسه على حقيقة قول الله تعالى:
«وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
إن هذا «الأعجمي» يريد أن يؤمن بـ «الآية الإلهية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، وأن هذا القرآن من عند الله، فهل سنرسله بعثة إلى عصر الرسالة ليتعلم «لسان العرب»، كي يفهم القرآن، أم سَنُعلّمه اللغة العربية وعلومها؟!
إن الذين يقولون لا حاجة لنا لـ «اللغة العربية» ولا لعلومها، هم أصحاب القلوب المغلقة بأقفال «الجهل»، فكيف يفهمون من داخل القرآن، وبمعزل عن اللغة العربية، قول الله تعالى:
«كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ»
سنجد من يتسرع بالتعليق، ويضع قوله تعالى:
«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»
ويتصور أنه بذلك يكون قد بيّن القرآن بالقرآن، ولم يستعن بعلوم اللغة العربية، وأن «وجه الله» الذي سيبقى بعد فناء كل شيء، ليس مثل الوجوه التي نعرفها، ولكن اسمه «وجه».
والسؤال:
إن من الصفات المثبتة لله في القرآن: الوجه، والعين، واليد، قال تعالى:
* «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ»
* «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي»
* «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ»
فإذا هلك كل شيء، إلا «وجه الله»، فهذا معناه هلاك «يد الله»، و«عين الله»، لأن الاستثناء لم ينص إلا على الوجه فقط:
«كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ»
إن هذه الإشكالية تتعلق بـ «ذات الله تعالى»، وليس بحكم من أحكام الشريعة، ولا بكلمة نظل ساعات وساعات حتى نأتي بمعناها من القرآن!!
فكيف نفهم هذا الاستثناء «إِلاَّ وَجْهَهُ» من داخل القرآن، وبمعزل عن علوم اللغة العربية؟!
مع ملاحظة أن أي تعليق سيأتي ببيان هذه الإشكالية من خارج القرآن سيحذف على الفور، لأن السؤال عن بيانها من داخل القرآن وليس من خارجه.
محمد السعيد مشتهري



