

بعد حوار طويل مع الصديق Mourad Jabloun، حول الآية «١٨٩» من سورة الأعراف، بيّنت خلاله أن النفس الواحدة التي خلقها الله ليست ذكرًا ولا أنثى، فإذا به يخرج اليوم بتعليق يقول فيه:
«أنا أعلق حين لا تكون إجابتك ضافية.. أنت أغفلت النفس الأولى ولم تحدد ما إذا كانت ذكرا أم أنثى وكأنها مجهولة الجنس..»
فأردت إيضاح هذه المسألة، التي بينتها بمنشور ملحق به رسم توضيحي، لعل هناك أصدقاء لم يصل إليهم أيضا ما أردت بيانه، فأقول:
أولا:
أنا لم أغفل النفس الأولى، وهذا ما قلته في المنشور بالنص:
«ما يتعلق بالأصل البشري، يقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وهي النفس البشرية، أو الجنس البشري، أي آدم»
ثانيا:
إن هذه النفس، الأولى، قال الله عنها إنها واحدة:
«خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»
وكلمة «واحدة» تعنى أن الله خلق البشر من شيء واحد اسمه «النفس»، ومن هذه «النفس» خلق الزوجين الذكر والأنثى بكلمة «كن».
ثالثا:
يقول الله في سورة النساء «الآية ١»:
١- «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ»
٢- «الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»:
* أي من شيء اسمه «النفس»، مخلوق بـ «كن»
٣- «وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا»:
* وبـ «كن» خلق الله من هذه «النفس» الزوجين «الذكر والأنثى»، ذلك أن كلمة «زوج» لا تعني «الذكر» فقط، ولا تعني «الأنثى» فقط، وإنما «الذكر والأنثى» معًا.
٤- «وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً»:
* هنا تبدأ مرحلة عمل «السنن» و«الأسباب» التي قام عليها الوجود البشري.التقاء ماء آدم الزوج «الذكر»، ببويضة زوجه «الأنثى»، فخرج «بنو آدم» إلى الحياة،
وهذا ما بيّنته كلمة «تَغَشَّاهَا»، في جملة:
«فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً»
الواردة في سورة الأعراف «الآية ١٨٩»، حيث يقول تعالى:
رابعا:
١- «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»:
* إشارة إلى أصل الخلق «السابق بيانه (رقم٢) في سورة النساء»
٢- «وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»:
* وقال تعالى في سورة النساء:
«وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا»
و«الجعل» غير «الخلق»
«الخلق»: يكون من عدم
أما «الجعل»: فهو من نتائج «الخلق»، من سنن وأسباب تقوم عليها فعاليته، قال تعالى في سورة يونس:
١- «هُوَ الَّذِي جَعَلَ»: فعالية
٢- «الشَّمْسَ»: وهي من عالم «الخلق»
٣- «ضِيَاءً»: من عالم «الجعل»، الناتج عن خلق الشمس.
٤- «وَالْقَمَرَ نُوراً»: كما بيّنت سابقا
إذن فقوله تعالى:
«وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»
حديث عما يسفر عنه التقاء ماء الرجل ببويضة الأنثى، والذي يقابله «رقم ٤» في سورة النساء، حيث يقول تعالى:
«وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً»
٣- «فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ»
أي فلما التقى ماء الرجل ببويضة الأنثى، وحملت المرأة..، وقد بيّنت ذلك في المنشور السابق.
خامسا:
ولبيان أن سنن «آية الجعل» وأسبابها، لا تعمل إلا بمشيئة الله وإرادته، أي بـ «كن»، بيّن الله ذلك بقوله في سورة النجم:
«وَأَنَّهُ (خَلَقَ) الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى»
لقد جاء بفعل «الخلق»، لبيان أن «آية الجعل» تتوقف عند انتهاء أسبابها، والتقاء ماء الرجل ببويضة المرأة، أما ما يتم بعد ذلك من مراحل تكوين الجنين، فيحدث بـ «أوامر إلهية»:
«أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ»
فيحدث بآية «الخلق»، وبأمر «الروح»، فيقول تعالى في سورة السجدة:
١- «ثُمَّ سَوَّاهُ»: عالم الخلق
٢- «وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ»: عالم الأمر
٣- «وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ»: عالم الأمر
وكل هذا يحدث داخل رحم المرأة، من لدن آدم، عليه السلام، وإلى يوم الدين، ولقد بيّن الله ذلك في سورة المؤمنون بقوله:
«ثُمَّ (جَعَلْنَاهُ) نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ»
«ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً»
«فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً»
«فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً»
«فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً»
«ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ»
«فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»
إذن، فمهما حاول البشر صنع إنسان حي، مستفيدين من سنن «الجعل» الموجودة في عالم الشهادة، فيستحيل أن يُصبح المخلوق خالقًا، ولا المصنوع صانعًا!!
وعليه، يستحيل أن يصبح الإنسان، المُصنّع بأيدي البشر، إنسانًا حقيقيًا، إلا بأمر «الروح»، فمن أين سيأتون بهذا «الأمر»، وهو أمر الله:
«وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ»
«قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»
«وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً»
والذي يريد أن يعرف، ما إذا كان «الذكر»، هو الذي خلقه الله أولا من «النفس الواحدة»، أم «الأنثى»، عليه أن يسأل الله عند لقائه.
محمد السعيد مشتهري