


«قصة خلق الإنسان الأول» في السياق القرآني (1)
إن عدم رؤية الناس كيف خلق الله السماوات والأرض، ولا كيفية خلقهم، وعدم إيمانهم بـ «عالم الغيب»، جعل منهم من أنكروا «البعث»، ومن أنكروا أن يكون الإنسان خُلق من أول يوم من نفس عاقلة كاملة سوية، فجاء رد القرآن عليهم بقوله تعالى:
«أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ»
«قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
أولا:
لا يوجد مخلوق شاهد «كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ»، وإنما جاءت هذه الجملة للفت نظر المكذبين، إلى الحقائق الكونية المشاهدة، الدالة على تجدد «منظومة الإحياء والإماتة»، بالنسبة لجميع المخلوقات، على مدار الثانية من الزمن.
لقد أنكر الله على الذين لم يشاهدوا خلق السماوات والأرض، ولا خلق أنفسهم، أن يُقحموا أنفسهم فيما ليس لهم به علم، ولا يعلمون تأويله، لافتًا نظرهم إلى أنهم تركوا الاستدلال بما هو من «عالم الشهادة»:
«قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ»
الموصل إلى الإيمان بما هو من «عالم الغيب»:
«ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ»
لقد أمرهم الله بالسير في الأرض، ليروا أحوال جميع المخلوقات، داخل منظومة «الإحياء والإماتة»، وكذلك أحوال الأمم، داخل منظومة «الإنشاء والإعادة»، عندها سيعلمون أن «الخلق الأول»، الذي خرج إلى الوجود بالإرادة الإلهية «كن»، يستحيل أن يحصلوا على أي معلومات عنه.
ثانيا:
استبعاد استخدام السياق القرآني لكلمتي «إنسان»، و«بشر»، لعدم وجود علاقة بينهما وبين الموضوع، وبرهان ذلك استخدام الكلمتين في سياق واحد على حد سواء، قال تعالى:
١- «وَلَقَدْ خَلَقْنَا (الإِنْسَانَ) مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ»
«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ (بَشَراً) مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»
٢- «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ (الإِنسَانِ) مِنْ طِينٍ»
«إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ (بَشَراً) مِنْ طِينٍ»
ثالثا:
لقد أخبرنا الله عن مراحل تطور خلق الإنسان في بطن أمه، فقال تعالى:
«مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً»
وبيّن هذه الأطوار بقوله تعالى:
«يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ»
ثم فصّل أكثر فقال تعالى:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»
فإذا كان «آدم»، الإنسان العاقل الكامل، نسخة مطورة للإنسان الأول غير العاقل، فلماذا لم يذكر الله أطوار خلقه في سياق بيان نشأة الإنسان الأولى؟!
رابعا:
إن كل ما جاء في كتاب الله عن مراحل تسوية الإنسان وتصويره هو:
١- «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ (تُرَابٍ) ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ»
٢- «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ (طِينٍ) ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ»
٣- «فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ»
٤- «خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ (صَلْصَالٍ) كَالْفَخَّارِ»
٥- «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ (حَمَإٍ مَسْنُونٍ) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ..»
٦- «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ (صَوَّرْنَاكُمْ) ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ»
(يتبع)
محمد السعيد مشت هري