


«قصة خلق الإنسان الأول»، في السياق القرآني، (الأخير)لقد سَقَطَ «التطور»، وصُمَّتْ «آذان الأنعام»
الحادي عشر:
ثم خرجوا ببدعة جديدة اسمها «نظرية آذان الأنعام»، أرادوا بها أسلمة «نظرية التطور» قرآنيا، وهنا ظهرت حقيقة قدراتهم الفكرية والعقلية.
(١)
استندوا إلى قوله تعالى:
«خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ»
واعتبروا أن الأنعام «الضأن والمعز والبقر والإبل» آية نزلت مباشرة من السماء «ولم تخضع للتطور»، فعندما يشاهدها «البشر الأول»، يعلمون أن هناك مخلوقات أخرى غيرهم، تحمل إليهم رسالة بوجود خالق لهذا الوجود.
إن من معاني «الإنزال»، خلق المواد الأولى للأشياء، ثم إلهام الناس كيفية التعامل معها، حسب متطلبات العصر الذي يعيشون فيه، كقوله تعالي:
«يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً»
فقد ألهم الله البشر، كيف يصنعون من هذه المواد الأولية ما يسترون به أجسامهم، كما ألهمهم كيف يستفيدون من الأنعام التي (خلقها)، ثم «ذللها» لهم، قال تعالى:
«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا (خَلَقْنَا) لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا (أَنْعَاماً) فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. (وَذَلَّلْنَاهَا) لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ»
فإذا تدبرنا سياق الآية الأولى، الذي وردت فيه جملة «وَأَنْزَلَ لَكُم ْ مِنْ الأَنْعَامِ»، نجد أنه يتحدث عن دلائل الوحدانية «ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ»، لذلك كان استخدام كلمة «أَنْزَلَ» من بلاغة الأسلوب القرآني.
إن قوله تعالى: «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ»، كقوله قبلها «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»، تذكيرٌ بفعالية الإرادة الإلهية «كن» في خلق الأنعام «مذللة»، كفاعليتها في خلق الزوجين من «نفس واحدة».
(٢)
استخدموا كلمة «آذان» في قوله تعالى عن الشيطان:
«وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ»
بمعنى «النداء» والإعلام، فقالوا إن الله أنزل هذه الأنعام لدعوة مجموعة البشر الأول، التي يسمونها «آدم»، إلى الإيمان بوجود خالق لهذا الكون، ولكن الشيطان وقف أمام هذه الدعوة، وفتن هذه المجموعة «آدم»، فلم يستمعوا لدعوة «آذان» الأنعام!!
ولكن المصيبة «العقدية» الكبرى، التي تجعل قائلها خارج منظومة «تدبر القرآن»، والتي تجعل كل من هب ودب يتحدث عن القرآن حسب هواه الشيطاني، والتي يشترك فيها كل من يقولون إن القرآن يبين نفسه بنفسه، قولهم:
«يجب أن نعلم أن الله تعالى ما تعلم اللغة العربية من امرؤ القيس أو المعلقات العشر كما تعلمناها نحن… ما كان يحتاج لمرجع من أشعار العرب يجيز له أن يجمع (أذان) بمعنى النداء الواحد إلى (آذان) لتحمل مدلولا أكبر صدى يدوي عبر العصور… فكان أن جمع (أذان) إلى (آذان) الأنعام، لتكون جمعًا فريدًا وابتكارًا لغويًا يجري مجرى اللغة»
وهل يقول أصحاب بدعة «القرآن يبين نفسه بنفسه» بغير هذا، وأن «اللغة العربية» لا علاقة لها بفهم وتدبر القرآن، ليخلو لهم الطريق أمام إلحادهم في الآيات القرآنية؟!
هل هناك مؤمن مسلم يعلم معنى «تدبر القرآن»، يفتري على الله الكذب، ويقول: «فكان أن جمع (أذان) إلى (آذان) الأنعام، لتكون جمعًا فريدًا وابتكارًا لغويًا يجري مجرى اللغة»؟!
إن الله تعالى إذا أراد «الأذ ان» بمعنى «الإعلام»، استخدم نفس الكلمة، فقال تعالى لإبراهيم عليه السلام:
«وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ»
وعندما اتهم الكافرون النبي بأنه يسمع كلامًا من هنا وهناك، رد عليهم الله تعالى بقوله:
«وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ»
فكلمة «آذان»، التي جاءت مرتبطة بـ «الأنعام»، جمع «أذن»، التي هي آلة السمع، والجملة كلها مرتبطة بما قبلها، أي بكلمة «فَلَيُبَتِّكُنَّ»، فماذا أراد الشيطان بقوله «فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ»؟!
إن «البتك» في اللسان العربي يعني القطع، و«التبتيك» التقطيع، فقد كان العرب في الجاهلية يُقدّمون القرابين للآلهة مزيفة، ومن بين هذه القرابين «الناقة»، التي ولدت خَمْسَة أبْطُن كان آخرُها ذَكَر.
فـ «الناقة» التي تتصف بهذا الوصف، تصبح مُحرّمة، لا يحل لأصحابها الانتفاع بها، ويقومون بعمل شق في أذنها، ليعلم الناس أن هذه «الناقة» محررة للآلهة، فلا يؤذيها أحد.فهذا هو «التبتيك» الذي أوحاه الشيطان لأهل الجاهلية، ونزل القرآن يحذر الناس منه، ويُحرّمه على المسلمين، فقال تعالي:
«مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ».
* إن البحيرة: هي الناقة كانوا يشقّون أذنها كعلامة على أنها محررة للآلهة، وهذا ما كان يفعله الشيطان «فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ».
* والسائبة: هي الناقة التي تُجعل نَذراً، واجب على صاحبها الوفاء به.
* والوصيلة: هي أنثى الغنم، التي تصل أنثى بأنثى، فتسمّى الأمّ وصيلة.
* والحام: فحل الإبل إذا نُتجت من صلبه عشرة أبطن، فيقولون إنّه حمى ظهره، فهو حام.
(٣)
قالوا: إن كلمة «آدم» في قوله تعالى:
«وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ»
لا تعني فردًا «ذكرا» واحدًا، وإنما «مجموعة من البشر»، اصطفاها الله من «الذكور والإناث»، وكانوا يعيشون في الغابة، ثم نفخ الله فيهم «الروح»، فأصبحوا مخلوقات عاقلة، وأنزل عليهم «الأنعام» لتكون «آية» تحمل رسالة لهم، وتُؤَذّن فيهم، «آذَانَ الأَنْعَامِ»، وتبلغهم بأن لهم خالقًا.
ولقد وقف الشيطان أمام استجابة هذه المجموعة «آدم» لهذه الرسالة الإلهية، وقام بانتزاعها من أذهانهم، وهذا معنى قوله تعالى عن الشيطان:
«وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ»
والحقيقة أن هذا الكلام يمكن أن نشاهده في «أفلام الخيال العلمي»، ويستحيل أن يكون قائله يعلم شيئًا عن معنى قوله تعالى:
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
فإذا سألناهم:
ومن أين جاءت هذه المجموعة من البشر «آدم» التي اصطفاها الله لتكون هي «العاقلة»؟!قالوا، استكمالا لمشاهد الخيال العلمي:
جاءت عن طريق الخلية الواحدة، التي تكاثرت تكاثرًا لا جنسي، ثم حدث تغيير في الوظيفة، فظهر الذكر والأنثى، وبدأ التكاثر الجنسي المعروف، وأن استخدام القرآن لكلمة «الإنسان» في هذه المرحلة من بداية الخلق استخدام مجازي، فليس هو الإنسان المعروف.
ولكن اللافت للنظر، والغريب حقا، أنهم يستندون في هذا الخيال العلمي لفهمهم لقوله تعالى:
«الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ»
وقد بيّنت في المنشورات السابقة، مدى تهافت الفهم العشوائي المعوج لهذه الآيات.
(٤)
لقد استخدم السياق القرآني كلمة «إنسان»، كما استخدم كلمة «بشر»، في سياق الخلق الأول، وذلك على حد سواء، لم يفرق بينهما، وجاءت قصة الشيطان مع أدم وزوجه في سياق الآيات التالية:
* «وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (فَكُلا) مِنْ حَيْثُ (شِئْتُمَا) وَلا (تَقْرَبَا) هَذِهِ الشَّجَرَةَ (فَتَكُونَا) مِنْ الظَّالِمِينَ»
* «فَوَسْوَسَ (لَهُمَا) الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ (لَهُمَا) مَا وُورِيَ (عَنْهُمَا) مِنْ (سَوْآتِهِمَا) وَقَالَ مَا (نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا) عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ (تَكُونَا) مَلَكَيْنِ أَوْ (تَكُونَا) مِنْ الْخَالِدِينَ»
* «وَ(قَاسَمَهُمَا) إِنِّي (لَكُمَا) لَمِنْ النَّاصِحِينَ»
فانظر وتدبر صيغ «المثنى» الواردة في هذ ه الآيات، والتي تشير إلى «آدم» الذكر، و«زوجه» الأنثى.
فبأي منطق قرآني، يتحول «آدم» إلى مجموعة تشمل ذكورًا وإناثًا، خرجت إلى الوجود نتيجة «الانقسام الخلوي»؟!
لقد كذّب الله هذا كله بنص قطعي الدلالة، يثبت أن خلق «آدم وزوجه» كان بالأمر المباشر، ولم يكن مطلقا نتيجة هذا «الانقسام الخلوي»، فقال تعالى:
«وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ»
١- «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ»
مادة الخلق الأولى التي انتهت إلى:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ»
٢- «ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ»
آية «الجعل»، وهي التقاء ماء الرجل ببويضة الأنثى، التي حدثت بعد «الخلق» الأول، فتدبر:
«وَلَقَدْ (خَلَقْنَا) الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ (جَعَلْنَاهُ) نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ»
٣- «ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً»
«وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى»
فمن أين جاؤوا بهذا «الخيال العلمي»، الذي إن دل على شيء فإنما يدل على حجم «المصيبة الفكرية» التي يمر بها أصحاب «القراءات القرآنية المعاصرة»، بدعوى أن القرآن يُبيّن نفسه بنفسه؟!
الثاني عشر:
سؤال للمدافعين عن «نظرية التطور»:
ولماذا لا تكون حفريات سلالة «القرود»، التي تحدث عنها «الدارونيّون»، والتي يستدلّون بها على أن أصل الإنسان «قرد»، هي حفريات «بنو إسرائيل»، الذين قال الله تعالى لهم:
«وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ»؟!
على كل حال، فأنا لم أتعرض إلى النظرية ذاتها، لأن من السهل جدا الوقوف على أنها مجموعة من قصص الخيال العلمي، بأن تتفرغ ساعة على شبكة الإنترنت، ولقد أرفقت موضوعين كمثال لبيان أنها حقا قصص مضحكة، على الروابط المرفقة بالمنشور.
ومجمل القول:
إن المصدر الوحيد، الذي حمل «لسان العرب» الذي نزل به القرآن، والذي لا يملك الناس في العالم أجمع غيره، هو مراجع علوم «اللغة العربية».
لذلك فإن الذين يقولون إن القرآن ليس في حاجة إلى «اللغة العربية» لبيان آياته، لا شك أنهم «أهل الأهواء»، الذين يُلحدون في الآيات القرآنية لإقامة دين جديد معاصر لا يحمل للناس ملة ولا شريعة، إنهم الذين قال الله فيهم:
«إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا»«أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»«اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»
وهؤلاء سأخصص لهم سلسلة من المنشورات بعنوان «الذين يُلحدون في الآيات القرآنية» لبيان مدى تخلفهم عن منظومة «التفكر والتعقل والتدبر والنظر..» التي أمر الله الناس بدراسة القرآن على أساسها.
إنهم يُلحدون في الآيات القرآنية، بدعوى «أن القرآن يُبيّن نفسه بنفسه»، ويشهد هذا المنشور إنهم قوم كاذبون، لا يعقلون.
محمد السعيد مشتهري
الروابط:
(1)«انفجار الكامبري»Cambrian explosionوالظهور المفاجئ للكائنات الحية، الذي قضى على نظرية التطور من قواعدها.https://www.youtube.com/watch?v=2pAL7FgzxD8
(2)https://www.youtube.com/watch?v=RGzxWohgtRoنظرية التطور مجموعة قصص مضحكة



