

(849) 10/8/2017 كيف نتعامل مع القرآن (30)
فبراير 3
٤ min read
0
0
0

هل «حرم» الله «الخمر» في القرآن؟!
يقول «المصدر الثاني للتشريع»، المفترى على الله ورسوله، إن تحريم «الخمر» جاء على مراحل:
المرحلة الأولى:
التحذير فقط من الخمر، دون تحريمها، لقوله تعالى:
«يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا..»
* تعقيب:
إن ما جاء في سياق هذه الآية، إجابة على سؤال السائلين، ولا علاقة له بتشريع الحلال أو الحرام، فقد جاءت الإجابة ببيان حقيقة الواقع الذي كان يعلمه السائلون:
«قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ»
إن قوله تعالى:
«فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ» بيان لعلة تحريم «الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ»، التي ذكرها الله في الآية «٩٠» من سورة المائدة، التي سيأتي الحديث عنها في «ثالثا».
ولقد «حرّم» الله «الإثم» فقال تعالى:
* «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
* «وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ»
* «وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً»
* «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ»
فانظروا وتدبروا موقع «الإثم» بين هذه المحرمات، فما بالنا إذا كان «إِثْمًا كَبِيرًا»، وعظيما، نص الله عليه بقوله تعالى في سياق بيان صفات الذي «عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»:
«وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ (كَبَائِرَ الإِثْمِ) وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِب ُوا هُمْ يَغْفِرُونَ»
فهل «كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ» ليست محرمة لأن الله لم ينص على تحريمها صراحة، وإنما قال فقط «اجتنبوها»؟!
ما هذا «الهوس الديني» الذي أصاب معظم من يُسمّون أنفسهم بالمفكرين «القرآنيّين»، و«العصريّين»، و«المستنيرين»، أصحاب القراءات القرآنية «الشاذة»؟!
إن إثبات أن مشاريعكم «متهافتة» لا يستغرق من أي غلام دقائق، يبحث خلالها عن كلمة «الإثم» في القرآن، فتظهر له الآيات، وبمجرد النظر إليها، سيعلم مدى هذا «التهافت»، فماذا تقولون أيضا في قوله تعالى:
* «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»
* «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»
* «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى (إِثْماً) عَظِيماً»
فما رأيكم في هذه الآية، التي لم تحمل نصًا صريحًا على تحريم «الشر ك بالله»، وقالت فقط إن من يشرك بالله «فَقَدْ افْتَرَى (إِثْماً) عَظِيماً»، فهل «الشرك» حلال لأنه «إثم» فقط؟!
المرحلة الثانية:
نهي المسلمين عن الاقتراب من الصلاة وهم سكارى، لقوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ»
* تعقيب:
إن «الآية» تتحدث عن حالة من الحالات التي يفقد فيها الإنسان توازنه العقلي، وهي حالة «السُكر» التي يُصاب بها لأسباب كثيرة، و«شرب الخمر» سبب من هذه الأسباب، فالإنسان قد «يسكر» بدون هذا الشراب، وقد بيّن الله ذلك في عدة آيات منها بقوله:
«وَتَرَى النَّاسَ (سُكَارَى) وَمَا هُمْ بِسُكَارَى»
ويُصاب الناس بحالة «السكر»، وتضطرب قلوبهم، ويفقدون «آلية التعقل»، عندما يشاهدون أحوال يوم القيامة:
«وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»
وكذلك قوله تعالى:
«لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ»
إنني عندما أصف أصحاب «القراءات القرآنية الشاذة» بـ «الهوس الديني»، أستند إلى هذه الآية، فهؤلاء لا يعقلون ما يقولون، ولا ما يكتبون، فقد غشي الهوى قلوبهم، فأصبحوا حيارى لا يهتدون، إنهم حقا في «سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ».
ولذلك أمر الله المؤمنين ألا «يَقْرَبُوا الصَّلاةَ» وهم في حالة «سكر»، لا يستطيعون «التركيز» ولا تدبر ما يقولون، «لأي سبب كان»:
«حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ»
المرحلة الثالثة:
نسخ الآيتين السابقتين بقوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْ خَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
* تعقيب:
وهذا هو عين افتراء الكذب على الله ورسوله، فكيف يكون الخمر «رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، ويشربه «الذين آمنوا» بعد أن أسلموا، حتى نزل تحريمه؟!
ثم إذا كانت المسألة مسألة تدرج في التشريع، لمواجهة «مرض الإدمان» كما يدّعون، فهل لم يُدمن «الذين آمنوا» في جاهليتهم غير «الخمر»؟!
ألم يُدمنوا ما ورد مع الخمر «الْمَيْسِرَ وَالأَنصَابَ وَالأَزْلامَ»، وكلها من «شهوات القلب»، وإن ما يُدمنه «القلب»، كـ «الشرك بالله»، أشد خطورة مما تدمنه «الدماء» التي يسري فيها إدمان الخمر؟!
ولذلك لم يأت «الاجتناب» متعلقًا بهذه المحرمات ذاتها، وإلا لقال تعالى «فاجتنبوهن»، وإنما قال «فاجتنبوه»، لبيان أن التحريم واقع على ما في القلب من «رِجْس» – «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، لذلك قال تعالى: «فَاجْتَنِبُوهُ».
إن «التحريم»، الذي أفاده فعل الأمر «فَاجْتَنِبُوهُ»، لا يتعلق بـ «الخمر»، وإنما بـ «الرجس» الذي هو «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، فتدبر ولا تكن من الغافلين، وهذا ما بيّنه الله في قوله تعالى:
«وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ (اُعْبُدُوا اللَّهَ) وَاجْتَنِبُوا (الطَّاغُوتَ)، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ»
إن «الطاغوت» هو كل ما يُعبد من دون الله، أي كل «متبوع» يتبعه الناس وهو يخالف ما أمر الله به.
فهل اجتناب «الطَّاغُوت»، الذي يُعبد من دون الله، لا يعني تحريمه؟!
هل يحل للمؤمنين عبادة «الشيطان»، من دون الله، والله تعالى يقول للناس جميعًا:
«أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا (تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ) إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنْ (اعْبُدُونِي) هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ»؟!
فاعلم أن من أشد وأبلغ «صيغ التحريم»، هو ما جاء في تحريم «الخمر»، وقوله تعالى:
«إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
أولا:
تصدير الآية بـ «إنما»، لإفادة الحصر
ثانيا:
جاء التحريم متعلقًا بالسبب الرئيس وراء معظم المعاصي، وهو ما يعمله الشيطان في القلب: «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، وهل يأتي الشيطان إلا بكل الشر؟!
ثالثا:
جعل اجتناب أعمال الشيطان في القلوب، ومنها تزيين «الخمر»، من الفلاح، «فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، وطبعا عكس الفلاح الخسران المبين.
رابعا:
أنه أعقب ذلك ببيان بعض نتائج شرب الخمر:
«إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»
فإذا تركنا هذه النتائج جانبا، وهي لا شك من البراهين قطعية الدلالة على «التحريم»، حتى لا ننشغل بها عما هو أهم منها، وهو قوله تعالى بعدها:
«فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»؟!
وأنا أقول:
فهل أنتم، مع كل هذه البراهين قطعية الدلالة، منتهون عن افتراء الكذب على الله ورسوله؟!
وكما أقول دائما، فيما يتعلق «ببيان أحكام القرآن»، إن الموضوع له جوانب وتفاصيل أخرى، أشعر عندما استطرد الكلام فيها، أني خرجت عن الإطار الخاص بمشروعي الفكري.
فأكتفي بهذا القدر
محمد السعيد مشتهري