

(854) 15/8/2017 كيف نتعامل مع القرآن (32)
فبراير 3
٣ min read
0
0
0

«فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»
إن من أعراض «الهوس الديني»، الذي يصيب القلب بسبب الجهل بعلوم «اللغة العربية»، وبـ «أساليبها البيانية»، ما سبق بيّانه في المنشورات السابقة، من الرد على الذين يقولون إن «المحرمات» يجب أن يُنص عليها صراحة، وقد ضربنا الأمثلة الدالة على تهافت هذا القول.
ومن أعراض «الهوس الديني»، قولهم:
«إن مفهوم العبادة في القرآن لا يشمل الصلاة والصيام والحج»!!
لماذا يا أيها «الجهلاء»؟!
لأنهم لم يجدوا في الآيات التي وردت فيها كلمة «العبادة» ومشتقاتها ما يجعلها تشمل «الصلاة والصيام والحج»، وأن هناك آيات فرّقت صراحة بين «العبادة»، و«الصلاة»، كقوله تعالى:
«فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»
فتعالوا نُبيّن كيف يعمل مرض «الهوس الديني» في قلوب «أصحاب القراءات الشاذة»، وقلوب التابعين لهم المقلدين بغير علم.
يقول الله تعالي في سورة طه، مخاطبًا موسى عليه السلام:
«إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»
تعالوا نقسم هذه الجملة القرآنية إلى قسمين:
* التصديق بالوحدانية: «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا»
* الالتزام بالشريعة الإلهية: «فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»
أولا: سؤال
هل بيّن الله تعالى لموسى، عليه السلام، «كيفية» أداء تلك العبادة:
«فَاعْبُدْنِي»؟!
الجواب: لم يشر القرآن إلى ذلك.
وهل بيّن الله لموسى، عليه السلام، «كيفية» إقامة تلك «الصلاة»:
«وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»؟!
الجواب: لم يشر القرآن إلى ذلك.
ومما لا شك فيه، أن الله تعالى بيّن لموسى مفهوم «العبادة» وكيفية أدائها، وكذلك مفهوم «الصلاة» وكيفية إقامتها، لأنه لا يُعقل أن يأمر الله الناس بفعل شيء وهم لا يعلمون كيفية أدائه؟!
وهذا دليل على أن الله قد لا يأتي بتفصيل أداء «العبادات» في القرآن، وتحملها «منظومة التواصل المعرفي» للناس، محفوظة بحفظ الله للنص الذي أمر بأدائها.
ثانيا: «فَاعْبُدْنِي»
تدبر قول الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»
«إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»:
إنها القاعدة التي يقوم عليها «إيمان» ا لمرء، و«إسلام» وجهه لله، وتسليمه واتباعه لأحكام شريعته.
فهل يُعقل أن يأمر الله الإنسان بـ «التسبيح بحمده» فقط، مثله مثل سائر المخلوقات، دون أي تكليف بعبادات أخرى، بدعوى أنه سبحانه قال:
«إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»؟!
ما هذا «الهوس الديني»، وما هذه النوعية الغريبة من «الإلحاد»؟!
إن «العبودية» لله تعالى، هي منتهى التسليم والخضوع لأحكام «الإسلام» هذا الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعًا، «ملة وشريعة»، أوامر ونواهي.
إن كُلُّ ما لا تتم «العبودية» إلا به، فهو «عبادة»، فالذي لا يطيع أوامر الله لا يكون «عبدًا» لله.
ثالثا:
إن «الفاء»، في صيغة الأمر «فَاعْبُدْنِي»، جاءت لبيان أن التصديق بالوحدانية:«إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا»
يقتضي ألا تُوجَه «العبادة» لغير الله تعالى.
لذلك جاءت «الواو» في «وَأَقِمْ الصَّلاةَ» من باب «عطف الخاص»، الذي هو «الصلاة»، على «العام» الذي هو «العبادة».
وطبعا باب «العام والخاص» من أبواب «علم البيان»، وهو من علوم «اللغة العربية» التي يكفر بها «أصحاب القراءات الشاذة»، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
وخُصَّت «الصلاة» بالذكر، لأنها الفريضة التي لا تسقط عن المؤمن المسلم أبدا، يقيمها خمس مرات في اليوم، مهما كانت الظروف، حتى ولو أقامها بقلبه، طبعا إلا في حالة «السُكر» وفقدان آلية التعقل.
رابعا: «لِذِكْرِي»
اللام «لام» التعليل، متعلقة بـ «فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ»، أي إذا كنت تريد أن تحقق إخلاص عبوديتك لله، فأقم «الصلاة» على الوجه الذي أمرك الله به، وهذا معناه أن فريضة «الصلاة»، وسائر الفرائض، تعمل تحت مظلة «فَاعْبُدْنِي».
لقد أراد الله أن يلفت نظر موسى، عليه السلام، إلى ما يقتضيه «إخلاص العبودية لله».
فكما توجه موسى، عليه السلام، بـ «العبادة» إلى الله وحده، فعليه:
* أن يقيم «الصلاة» وهو في مقام «ذكر الله» وحده
* مقام إدراك مفهوم «الله أكبر»، هذه الجملة التي يبدأ بها صلاته
* مقام خشوع القلب وهو بين يدي رحمة الله
محمد السعيد مشتهري