top of page

(899) 26/9/2017 على الطريق (29)

فبراير 2

6 min read

0

0

0

«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»

استكمالًا لمنشور:

«تذكير بما سبق نشره بخصوص نكاح المسلمة غير المسلم»

وسألت في ختامه:

«فمن هن الْمُحْصَنَاتُ الوارد ذكرهن في سياق أحكام النكاح»؟!

فأقول، مع ملاحظة أن جميع المنشورات السابقة، المتعلقة بهذا الموضوع، جزءٌ لا يتجزأ عن هذا المنشور:

تأتي «الْمُحْصَنَاتُ» في سياق «أحكام النكاح» ويُقصد بها:

أولًا:

الْمُحْصَنَاتُ: «المتزوجات»، لقوله تعالى:

«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

فيحرم نكاح المرأة «المتزوجة»، باستثناء التي فَصَلَ «الأسر» بينها وبين زوجها «الكافر»، وأصبحت «ملك يمين»، فأحل الله وطأها بعقد نكاح، بعد استبراء رحمها.

ثانيًا:

الْمُحْصَنَاتُ: «العفيفات»، لقوله تعالى:

١- «فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ»

٢- «وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ»

٣- «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ»

٤- «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»

ثالثًا:

الْمُحْصَنَاتُ: «الحرائر»، لقوله تعالى:

«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ»

وهذه الآية هي المحور الأساس لهذا المنشور، فأقول:

١- يُطلق على «المرأة» مما ملكت الأيمان «فتاة» و«أَمَة»، من باب المجاز لعدم امتلاكهم الأهلية الكاملة كالأولاد الصغار، وكذلك يطلق على الرجل «غلام» و«عبد».

٢- لقد أباح الله نكاح «الأَمَة المُؤْمِنة» عند تعذر نكاح «الحُرّة المُؤْمِنة»، وهو الاختيار الوحيد الذي كان متاحًا في «عصر التنزيل»، وإلا كان على الرجل أن يصبر:

«ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ»

ومن المهم ملاحظة أن الذي «حصّن» المرأة الحرة المؤمنة هو «حريتها»، وأنها ليست داخل منظومة «ملك اليمين» الممتهنة، لذلك قال تعالى:

«وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ»

٣- لقد جاء «دين الإسلام» بـ «تشريعات مرحلية» لمواجهة تحديات عصر التنزيل، ومن ذلك «ملك اليمين» الذي كان حاكما على أحوال الجزيرة العربية الاقتصادية والتجارية والأسرية، ومن هنا كانت «فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ» بديلًا عن «الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ».

و«الإحصان» يعني حماية الشيء، مع قطع الطريق الموصل إليه:

* فالطريق إلى نكاح «المتزوجة» مُحَصَّن، إلا إذا سمحت لأحد باقتحامه.

* والطريق إلى نكاح «الحرة» مُحَصَّن، إلا إذا قام أحد باقتحامه.

* والطريق إلى نكاح «العفيفة» مُحَصَّن، إلا إذا سمحت لأحد باقتحامه.

فإذا لم تحافظ المرأة على «حصنها»، وتصرفت بإرادتها تصرفات من شأنها اقتحام «حصنها»، فلا تلومنّ إلا نفسها.

وعليه فإن «القاعدة العامة» في دين الإسلام، أن لفظ «الْمُحْصَنَاتِ»، عندما يأتي في سياق «أحكام النكاح»، فإنه يعني «المؤمنات» بوجه عام، أي أن صفة «الإيمان» يجب أن تكون مصاحبة لمعاني «الإحصان» الثلاثة التي وردت في المنشور، وهي:

«المؤمنات المتزوجات» – «المؤمنات العفيفات» – «المؤمنات الحرائر»

٤- إن معنى «الإيمان»، في سياق أحكام النكاح، ليس «الأمان»، كما يدعي الذين «يُلحدون» في أحكام القرآن، فأين هذا «الأمان» مع من «كفرت» بنبوة رسول الله محمد، في عصر كانت جميع الملل والنحل تحارب الله ورسوله؟!

في عصر نزل القرآن يُحرّم نكاح أي امرأة «غير مؤمنة»، حتى لو كانت «ملك يمين»، وهل «الكتابية» التي لم تؤمن برسول الله محمد إلا أصلا «مشركة»، بنص قطعي الدلالة وهو قوله تعالى:

«اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»

أين سنذهب بقوله تعالى «سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»؟!

ولقد حرّم الله نكاح «المشركات» بنص قطعي الدلالة:

«وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ»

وأين سنذهب بقوله تعالى «حَتَّى يُؤْمِنَّ»؟!

ثم تدبر ماذا قال الله بعدها:

«ولأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»

أين سنذهب بقوله تعالى «ولأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ»؟!

إن إطلاق صفة «الشرك» على كل من «كفر» برسول الله محمد، كان باعتبار المعنى «الشرعي» وليس «اللغوي»، فجميع الملل التي كفرت برسول الله اتخذت «إلهها هواها»، والله تعالى يقول:

«أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ»؟!

٥- عندما يأتي «الإيمان» في سياق أحكام النكاح، فإن معناه «الإيمان العقدي»، يعني الإقرار بأصول «الإيمان» الخمسة التي جاءت بها رسالة النبي الخاتم محمد، ومن لم يقر بها ضلّ ضلالًا بعيدًا، فتدبر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (آمِنُوا) بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً»

وفي هذه الآية، يخاطب الله «المنافقين» في عصر التنزيل، و«الملحدين» في كل عصر، يقول لهم:

يا من تدّعون الإيمان «بالله واليوم الآخر والعمل الصالح»، أقيموا البرهان على صدق ادعائكم، وآمنوا بالكتاب الخاتم «الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ» محمد، كما آمنتم بـ «الْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ»، فإن كفرتم:

«وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً»

إذن فما علاقة «الأمن والأمان»، الذي هو مسألة «سياسية اجتماعية»، بسياق يحمل «أصول الاعتقاد»؟!

٦- يقول الله تعالى عن المهاجرات اللاتي هاجرن إلى المسلمين وهن يرفعن راية «الإيمان»:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ»

فلماذا قال تعالى: «فَامْتَحِنُوهُنَّ»، «اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ»؟!

ولماذا قال بعدها:

«فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ» «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ» «لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ»؟!

* إن «تقييد» نكاح «الْمُحْصَنَاتِ» بـ «الْمُؤْمِنَاتِ»

* وتقييد نكاح «فَتَيَاتِكُمُ» بـ «الْمُؤْمِنَاتِ»

* وتقييد نكاح «المهاجرات» بـ «الْمُؤْمِنَاتِ»

كلها آيات نزلت لتحريم نكاح غير المؤمنين، وغير المؤمنات، بـ «نبوة» رسول الله محمد، تحريمًا قطعيَّ الدلالة.

٧- لقد حرّم الله نكاح «الكافرات»، سواء كن من «أهل الكتاب»، أو «المشركات»، أو «المنافقات» اللاتي تأكد المؤمنون من نفاقهن، وأيضا حَرّم أن يُمسك «المؤمن» بعصمة امرأة كافرة، فقال تعالى:

«وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ»

وهذه الآية من البراهين قطعية الدلالة على «مرحلية التشريع»، وأن هناك بيوتًا كان الرجل يجمع فيها بين الأزواج المؤمنات والكافرات، وعندما نزلت الآية طلق المؤمنون الأزواج الكافرات، وأمسكوا بـ «المؤمنات».

وأيضًا كانت هناك نساء «مؤمنات» منعتهن تحديات عصر التنزيل أن يُعلنّ إسلامهن، وأيضا رجال، وقد أشار الله إليهم في عدة مواضع، منها قوله تعالى:

– «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»

ونلاحظ أن الضمير في قوله تعالى: «وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ» يعود إلى ما أنزل علي رسول الله محمد، أي أنهم «آمنوا» به، ولم يعلنوا عن إيمانهم، ولم يدخلوا في صفوف المؤمنين.

وهذا ما نفهمه من استخدام صيغة المضارع المستمر «لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ»، وليس «لَمَنْ آمَنً بِاللَّهِ» بصيغة الماضي.

وتدبر قوله تعالى:

– «قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»

إن جملة «وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» تعني أن هناك من «يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ – مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وهذا ما أفاده قوله تعالى:

– «لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ..»

خلاصة القول:

١- إن كل ما سبق بيانه يجب أن نضعه أمامنا ونحن نفهم معنى قوله تعالى:

«الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ..»

٢- إن التفريق بين «الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ»، و«الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، لم يكن بسبب اختلاف «الملة»، لأنه يستحيل أن يساوي الله بين نكاح «المؤمنة» برسوله، ونكاح «الكافرة» برسوله!!

وإنما جاء التفريق بسبب اختلاف «الحال»، فحال المؤمنة بالرسل السابقين وبكتبهم، وقد تكون من الذين يكتمون إيمانهم برسول الله محمد لظروف وتحديات عصر التنزيل، وزوجها يعلم ذلك، يختلف عن حال من أعلنت عن إسلامها، وتعيش مع زوجها بهذه الصفة.

ولذلك عندما قال الله «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، ولم يقل «من أهل الكتاب»، كان ذلك باعتبار أن «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» ليسوا من عامة «أهل الكتاب»، وإنما من «الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»، الأقرب إلى الإيمان برسول الله محمد، الذين قال الله فيهم ردا على الذين كفروا برسول الله محمد:

«قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (مِنْ قَبْلِهِ)، إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً»

تدبر قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (مِنْ قَبْلِهِ)، أي من قبل نزول «القرآن».

فمن هم الذين إذا «يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً»، إلا من كانوا في طريقهم إلى الإيمان برسول الله محمد، حسب علم الله تعالى، وليس حسب علمنا؟!

٣- لا يُعقل أن يقول الله تعالى في «الآية ٣» قبل هذه الآية:

«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً»

ثم يبيح للمؤمنين الذين خاطبهم بهذه الآية، وقال لهم «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ…»، يبيح لهم نكاح «الذين كفروا بدينهم»؟!

كما أنه لا يُعقل أن يقول الله تعالى في خاتمة هذه الآية:

«وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»

ثم يأتي في أولها بإباحة التزوج بالكتابية التي كفرت بالإيمان برسول الله محمد، ويقول:

«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»

لأن هذا تناقض يتنزه سياق الآية أن يكون هذا هو المعنى المراد منه.

٤- إن مفتاح فهم هذه الآية في كلمة «مِنْ قَبْلِكُمْ» التي قيدت جملة:

«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (مِنْ قَبْلِكُمْ)»

وعلينا أن نضع أمامنا أيضا قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (مِنْ قَبْلِهِ)، إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً»

فلماذا قيّد الله «الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، في سياق الحديث عن أحكام النكاح، بهذا القيد «مِنْ قَبْلِكُمْ»، والمعلوم ضمنيًا أن الحديث عن «أهل الكتاب» حديثٌ عن الذين نزلت عليهم الكتب «من قبل» القرآن؟!

إن شرط إمساك من دخل في الإسلام بعصمة زوجه التي ظلت على دينها، أن تكون مؤمنة برسول الله موسى، وبرسول الله عيسى، عليهما السلام، وبالتوراة والإنجيل، فتدبر:

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ..»

إن المرأة «الكتابية» التي آمنت بموسى وعيسى، وبالتوراة والإنجيل، يسهل عليها الإيمان برسول الله محمد وما أنزل عليه، فكانت هذه هي الحالة الوحيدة «المستثناة في عصر التنزيل»، ولم يعد لها أي فعالية بعد نزول القرآن وقوله تعالى «الآية ٣»:

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً»

وليس للموضوع بقية.

محمد السعيد مشتهري


فبراير 2

6 min read

0

0

0

Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page