

(908) 5/10/2017 «وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ»
فبراير 2
5 min read
0
1
0
يبدو أن الرسالة التي أردت إيصالها للأصدقاء، عبر منشور الأمس، كانت مجملة، فلم يقف البعض على مقصدها، فأقول:
أولًا:
لم يدخل الناس في «دين الإسلام»، الذي جاء به جميع الرسل، إلا بعد الإيمان والإقرار بصدق «الآيات الحسية» التي أيد الله بها الرسل، كدليل على صدق بلاغهم عن الله.
ولقد ارتبطت فعالية «الآيات الحسية» بحياة الرسل، فإذا مات الرسول انتهت آيته، وأصبح الإيمان بالرسل يتوقف على مدى ثقة الناس بميراث «الآبائية»، إلى أن يبعث الله رسولًا:
«مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»
ونلاحظ أن قوله تعالى: «حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» يعني حتى نبعث من يحمل «الآية الإلهية» الدالة على «صدق» ادعاء أي رسول أنه مرسلٌ من الله.
ثانيًا:
لم يتعهد الله بحفظ كتاب من الكتب التي أنزلها إلا كتابه الخاتم «القرآن الكريم»، الذي جعله «آية عقلية» على صدق «نبوة» رسوله محمد، قائمة بين الناس إلى يوم الدين.
ولم يؤمن الناس بالنبي محمد ولم يتبعوا كتابه، إلا بعد إيمانهم، وإقرارهم، بصدق هذه «الآية العقلية»، وأصبحت هي الباب الوحيد للدخول في «دين الإسلام».
وبعد وفاة رسول الله محمد، لم يعد الإيمان به يتوقف على مدى ثقة الناس بميراث «الآبائية»، كما كان هو حال أتباع الرسل السابقين.
لقد أصبح «القرآن» رسولًا قائمًا بين الناس إلى يوم الدين، يحمل «الآية» الدالة على صدقه.
لقد أصبح الباب الوحيد لـ «الإيمان» بأصول الإيمان الخمسة، والتسليم لأحكام الشريعة الإلهية التي حملها «القرآن»، هو باب «الآية القرآنية».
لم يعد لـ «الإسلام الوراثي» أي وزن في «دين الإسلام».
ثالثًا:
لم يرث المسلمون بعد وفاة رسول الله إلا كتابًا «إلهيًا» واحدًا هو «كتاب الله»، وقد شهد الله بذلك، فقال تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا:
* «وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ»
ولا تنسوا أن الخطاب لرسول الله والذين آمنوا معه في عصر الرسالة، أي قبل أن يَفتن الشيطان المسلمين ببدعة «المصدر الثاني للتشريع»، بدعوى متهافتة، وسؤال ساذج يردّدونه دائما، وهو:
من أين عرفتم كيفية «الصلاة»، وعددها، وعدد ركعاتها.. إلى آخره؟!
فتدبروا ماذا قال الله بعدها:
* «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا..»
والسؤال:
كم عدد «الكتب» التي ورثها «المسلمون» بعد تفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم، باسم «المصدر الثاني للتشريع»؟!
صحيح أنه «كتاب إلهي» واحد، ولكن يستحيل فهم كلماته، ولا آياته، ولا استنباط أحكامه، بمعزل عن ما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي».
إن «منظومة التواصل المعرفي» لا علاقة لها مطلقًا بما يسميه السلف بـ «التواتر العملي»، والموضوع مفصل على موقعي.
رابعًا:
لم يستطع الشيطان اختراق القرآن، كما فعل مع الكتب السابقة، فماذا كان عليه أن يفعل؟!
لقد استغل مكانة الرسول في قلوب الذين آمنوا به في عصر الرسالة، وحبهم له، وتقديسهم لكلامه، وزين لهم أن يرووا كلامه شفاهة، باعتباره «سنة نبوية»!!
ولكن هل أقر أحد من «الخلفاء الراشدين الأربعة» أن تكون «روايات» الرواة مصدرًا ثانيًا للتشريع؟!
بدهية منطقية:
لو أقرّوا، لانتقل «عصر التدوين» من القرن الثاني الهجري، إلى منتصف القرن الأول الهجري، تحت إشراف «الخلافة الراشدة»، وما كان لـ «علم الحديث»، ولا لـ «علم «الجرح والتعديل»، أن يظهرا أصلا!!
وعليه، ومن هذا المنطلق، أقمت مشروعي الفكري «نحو إسلام الرسول»، وأنا لا أعلم شيئًا عن «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد، إلا من خلال نصوص «الآية القرآنية».
إن «الآية القرآنية» هي البرهان الوحيد الذي يملكه المسلمون لإثبات صدق «نبوة» رسولهم محمد، فكيف ينشغلون عنها بهذا الهراء الذي نراه يوميا على شبكات التواصل الاجتماعي باسم التجديد أو التنوير؟!
لقد هجر المسلمون كتاب الله، ولم يقوموا بتفعيل نصوص «آيته القرآنية» في حياتهم، وانشغلوا بـ «الروايات» عن «الآيات»، وهذا ما كشف الله تعالى عنه حيث قال:
* «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»
* «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً»
فما علاقة المسلمين اليوم، بما يُسمى بـ «المصدر الثاني للتشريع؟!
إن المسلمين اليوم، كانوا بالأمس في عصر الجاهلية، ثم دخلوا في «دين الإسلام»، فانقطعت علاقتهم تماما بكل ما عرفوه وتعلّموه في الجاهلية.
وهذا هو «الطريق الوحيد» لعودتهم إلى كتاب الله.
خامسًا:
لقد حذر الله المؤمنين المسلمين في «عصر الرسالة» مرتين:
١- من الانقلاب على الأعقاب:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»
وقد انقلبوا على أعقابهم بعد وفاة النبي!!
٢- من الشرك بالله إن هم تفرقوا في الدين، ووجه الخطاب إلى رسوله محمد:
* «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»
* «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
* «مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
وقد تفرقوا في الدين بعد وفاة النبي!!
والغريب، اللافت للنظر، أنه لم تنجح كل محاولات التق ريب بين الفرق والمذاهب العقدية والفقهية المختلفة، وإعادتها إلى ما كان عليه الرسول، قبل تفرق المسلمين بعد أقل من نصف قرن من وفاته!!
ولمواجهة الإشكاليات العقدية المتعلقة بالتحذيرين السابق الإشارة إليهما، وضع الرواة «رواية» نسبوها إلى الرسول تقول: «اختلاف أمتي رحمة»!!
ثم جاء «الجُهّال» وظنّوا أن هذه الرواية «الموضوعة» لها علاقة بقوله تعالى:
* «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»
* «إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»
وعليه، أبقى المسلمون على تخاصمهم وتقاتلهم وتفرقهم في الدين، بل وسعدوا بذلك، إلى يومنا هذا، دعوى أنها «مشيئة الله»، وأنهم لا يستطيعون رفض شيء «شاءه الله»، وخلقهم من أجله «وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»!!
سادسًا:
لم يخلق الله تعالى الناس مختلفين في الدين، وخلقهم أحرارا يختارون دينهم بإرادتهم، فمن اختار الحق نالته رحمة الله، «وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» من أجل أن يختار كل إنسان دينه بإراته.
إن من اختار بإرادته طريق «الحق»، لم يخرج عن «مشيئة الله»، ومن اختار طريق «الضلال» لم يخرج عن «مشيئة الله»، فتدبر:
«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»
إن الإنسان يولد وسط منظومة دينية مذهبية، تتكون وتتشكل بداخلها شخصيته وهويته الدينية، دون إرادة منه ولا اختيار.
فهل عندما يبلغ رشده يظل تابعًا مقلدًا لمذهب آبائه الديني، أم عليه أن يراجع تدينه، لعله ضل صراط ربه المستقيم؟!
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً»
* «اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
إننا يجب أن نفرق بين علم الله، وإرادته، ومشيئته عز وجل:
١- إن الله عالم الغيب والشهادة، يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وإن منأصول الإيمان التسليم بذلك.
٢- إن الله لا يريد ولا يرضى لعباده الكفر ولا المعصية، ولا أن يتفرقوا في الدين:
«إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»
٣- إن مشيئة الله مطلقة، فلو شاء لهدى الناس جميعًا، ولكنه سبحانه شاء أن يختار الإنسان دينه بإراته.
سابعًا:
إن الله تعالى لم يأمر المسلمين إلا باتباع كتابه.
ولم يُجبر الله المسلمين على عدم تفعيل الكتاب أمة واحدة.
وترك الله الناس لاختياراتهم العقدية، فماذا فعل المسلمون بـ «كتاب الله»؟!
هل بدأ فريق منهم يتجه «نحو إسلام الرسول»
* نحو مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»
* نحو إقامة بيوت الزوجية على أساس من الفهم الواعي لما سبق؟!
* نحو بناء «نموذج» عملي يشهد بذاته أن القرآن ليس كتابًا إلهيًا فقط، كسائر الكتب السابقة، وإنما «آية قرآنية» نزلت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، على أرض الواقع وليس على أرض «الترف الفكري»؟!
* فأين هذا النموذج، الذي نشرت لبيانه والدعوة إليه «مبادرة نحو إسلام الرسول»، ولم يستجب إليها أحد؟!
* إذن: ثم ماذا بعد؟!
هذا هو موضوع منشور الأمس.
محمد السعيد مشتهري



