


هل هو عقاب من الله؟!
نعم، فلم تعد هناك «مساجد لله»:
* «مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ»
«عَمْر المساجد»: عَمْرها بمن يحلّ فيها من المتعبّدين، ومن ذلك اشتقّت «العُمرة» إلى البيت الحرام «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ» لأنّ «المساجد» إنّما خصصت لتعميرها بالعبادة.
ولقد كان «المشركون» يتظاهرون بالعبادة في «المسجد الحرام»، فنزل القرآن ببيان أنّ «الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»، الأمر الذي يقتضي حرمانهم من دخول «مساجد الله»، بوجه عام، وهم «شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ».لذلك عقب الله على ذلك بقوله تعالى:
* «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ»
أولًا:
أين «مَسَاجِدَ اللَّهِ» على الأرض؟!
ثم ماذا نفهم من قول الله تعالى لرسوله محمد:
«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»
ثم بعد ذلك توجيه الخطاب للرسول والذين آمنوا معه، «محذرًا»، فقال تعالى:
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
ثم بيان الطريق إلى الشرك:
«مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
ثانيًا:
يقول الله تعالى في سورة الحج «٣٩-٤١»:
* «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»
الآيات بداية تشريع القتال، أي أُذِنَ للذين يُقاتلهم المشركون، أن يقاتلوهم.
ثم جاء ببيان وجه الظلم، فهم الذين بدؤوا قتال المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم:
* «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ»
ثم بيّن الله بعد ذلك أن من آليات حفظ دينه «سُنّة الدَفْع»:
* «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّه ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ»
ثالثًا:
لقد أذن الله للمسلمين بالقتال، كما أذن للأمم قبلَهم، لأنها «سُنّة الدَفْع»، حتى لا يطغى الباطل على الحق، فلولا القتال وتسليط الله المؤمنين على أعداء الدين في كل عصر وزمان، لهدمت متعبداتهم، ولذهبت عقائدهم.
ولقد جاء هذا الإذن تفعيلًا لقوله تعالى:
«لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»
إذن فقد جاء «الإسلام» بحرية «التدين»، وترك غير المسلمين لعقائدهم المختلفة، وعدم المساس بأماكن عباداتهم، بل والدفاع عنها، حسب ما بيّنه السياق:
* «لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً»
لقد استخدم السياق كلمة «لَّهُدّمَتْ» لبيان كيف كان الملحدون والمشركون يريدون المبالغة في إفساد تدين أصحاب هذه الملل، التي جاء القرآن ببيان أسماء أماكن عباداتهم.
وبصرف النظر عن الخلاف حول معاني هذه الأماكن، فإن الذي يهمنا بيانه في هذا المنشور هو كلمة «المساجد».
و«المساجد» اسم لمحل «السجود» من كل موضع عبادة، فيشمل كل مواضع العبادة من لدن آدم عليه السلام.
وبعد بعثة النبي الخاتم محمد، أصبح «المسجد» اسمَ علم على أماكن عبادة المسلمين، التي وصفها الله بقوله:
«يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً».
رابعًا:
لقد بعث الله النبي الخاتم محمدًا، وكان «الشرك» هو النظام الذي يحكم «البيت الحرام»، وقد كان يُشرك بالله في منطقة «المسجد الحرام»، ثم تحول «الشرك» إلى «الوحدانية»، وأصبح التوجه بمناسك الحج إلى الله وحده لا شريك له.
لقد تم بناء «المسجد الحرام»، و«المسجد النبوي»، من قبل ظهور الفرق والمذاهب العقدية المتخاصمة المتقاتلة، وقد ظهرت العقيدة «الوهابية» بعد قرون من بناء المسجدين.
أي أن كل الأنظمة السياسية، والعقائد الدينية، التي حكمت البلاد الإسلامية، أقامت «المساجد» كلٌ حسب مذهبه العقدي، ولم تعد «المساجد لله»، وإنما أصبحت منابر دعوية مذهبية.
وأرى أن الله تعالى حفظ الشعائر والمناسك المتعلقة بـ «المسجد الحرام» بحفظه للنص القرآني الذي ذكره، ولذلك نجد أن جميع أتباع الفرق والمذاهب العقدية المتخاصمة يُصلّون في هذا المسجد، خاصة وأنه «قبلة» المسلمين في «الصلاة».
خامسًا:
ولذلك كان من الضروري أن يُبيّن الله بعد ذلك للمؤمنين، ماذا يفعلون بعد أن ينصرهم ويمكنهم في الأرض:
* «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
* «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ»
عليهم أن يقيموا أمورًا أربعة:
١- «أَقَامُوا الصَّلاةَ»
٢- «وَآتَوْا الزَّكَاةَ»
٣- «وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ»
٤- «وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ»
وهنا، وحتى نعلم حجم المصيبة العقدية التي يعيش بداخلها المسلمون، علينا أن نتدبر مع الآيات السابقة قوله تعالى:
* «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»
* «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»
* «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»
علينا أن نتدبر هذه الآية مع سياق قوله تعالى:
«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ»
حتى نعلم أي «دين» هذا الذي يتبعه المسلمون اليوم؟!
* «وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً»
وأن نتدبر هذه الآية مع سياق قوله تعالى:
«وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
حتى نعلم لماذا يعيش المسلمون معيشة ضنكا؟!
* «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»
وأن نتدبر هذه الآية مع سياق قوله تعالى:
«وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
ثم ختم الله الآية بقوله:
* «وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»
إن تفاعل جميع التوجهات الدينية، «السلفية والقرآنية والمعاصرة والتنويرية»، مع أحداث «مسجد الروضة»، تفاعلٌ خارج الدين الذي ارتضاه الله لهم، وبرهان ذلك ما سبق بيانه في المنشور.
إن تفاعل جميع التوجهات الدينية، «السلفية والقرآنية والمعاصرة والتنويرية»، مع أحداث «مسجد الروضة»، تفاعلٌ فرقة «أهل السنة والجماعة» وإن أنكرت ألسنتهم ذلك!!
إن جميع التوجهات الدينية، «السلفية والقرآنية والمعاصرة والتنويرية» تتعامل مع التراث الديني لفرقة «أهل السنة»، سواء كان بالتقديس أو بالنقض، من منطلق أنه هي «الفرقة الناجية»!!
إنهم جميعا يعملون على ترميم ثقوب سفينة «أهل السنة» حتى لا تغرق، كلٌ حسب علمه وثقافته وتقليده الأعمى، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!
محمد السعيد مشتهري



