

(975) 2/12/2017 كيف نتعامل مع القرآن (59)
فبراير 2
4 min read
0
0
0

«وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ»
إن التعامل مع نصوص «الآية القرآنية» تعاملٌ علميٌ، يقوم على قواعد منهجية، تحمل أدوات فهم مستنبطة من ذات النص القرآني، على أن يقوم هذا «الفهم» على قاعدة التنزيه المطلق لله تعالى استنادا إلى قوله تعالى:
«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
أولًا:
في لسان العرب: توفَّى الشيءَ إذا قَبَضه تامًا غير منقوص، أي أخذ الشيء وافيًا، ولقد استخدم السياق القرآني هذه الكلمة بمعناها الحقيقي والمجازي، حسب السياق الذي وردت فيه الكلمة.
١- فنفهم «توفّاه الله» أي قضى الله بموته بعد استيفاء أجله.
٢- و«توفّاه ملك الموت» أي أنفذ الملك إرادة الله بموت الإنسان الذي استوفى أجله.
٣- فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى:
* «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ»
* «ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى»
* «ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
فإن «الوفاة» جاءت هنا على سبيل «المجاز» بعلاقة المشابهة، أي قد شبه الله حالة النوم بالوفاة، كقوله تعالى:
* «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»
* «وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا»
إذن تأتي «الوفاة» بمعنى «النوم»، فالنفس لم تمت وإنما توفاها الله، أي أن الذي لم يستوف أجله، يميته الله في منامه موتاً «شبيهًا» بمن استوفى أجله:
* «فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ»
* «وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»
ولم ترد «الوفاة» في السياق القرآني إلا بمعنى «الموت»، باستثناء آيتين جاءت بمعنى «النوم»، مع وجود قرينة دالة على ذلك:
أ- قرينة «الليل»:
«وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ»
ب- قرينة «منامها»:
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا»
قاصمة:
لم ترد قرينة في كتاب الله، تصرف «الوفاة» المتعلقة بـ «عيسى» عن معنى «الموت».
ثانيًا:
تعالوا نتدبر قول الله تعالى على لسان عيسى، عليه السلام:
* «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ»
* «فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ»
إن الله تعالى سيسأل «عيسى» يوم القيامة عما فعله أتباعه من بعده، وجاءت إجابته بما يفيد أنه «مات»، ولا علم له بما أحدثه أتباعه.
فكيف يسأل الله هذا السؤال، وكيف يجيب «عيسى» هذه الإجابة، وقد نزل «عيسى» إلى الناس، وعلم كل ما فعله أتباعه، الذين سيؤمنون به، ويُقرّون بـ «الوحدانية»؟!
إذن فما معنى قوله تعالى: «فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي »؟!
إننا لا يمكن أن نحمل الوفاة هنا على المعنى «المجازي» بعلاقة المشابهة، كما في الآية السابقة، ونقول إن «عيسى» ما زال «نائمًا» إلى اليوم!!
وهل لا يستطيع الله أن يرفع «عيسى» إلى السماء إلا وهو نائم؟!
ثالثًا:
عندما يقول الله في سورة مريم على لسان «عيسى» عليه السلام:
«وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً»
ثم يقول تعالى عن «يحي» عليه السلام، في نفس السورة:
«وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً»
فما الفرق، والموت والبعث في الحالتين واحد؟!
ولماذا كانت فترة «الرفع»، بين ولادة «عيسى» وبين «موته»؟!
فهل هناك في كتاب الله نص صريح يُبيّن أن «موت» عيسى كان بعد نزوله آخر الزمان، وليس بعد «ولادته» وهو على الأرض؟!
ثم هل يُعقل أن ينسى الله تعالى أن يخبر «مريم» بأعظم بشرى تتعلق برفع «عيسى»، ثم نزوله آخر الزمان؟!
ثم هل يُعقل أن ينسى الله ذكر حلقة مهمة جدًا من حلقات نعمه على «عيسى»، ولا يذكرها في سياق الحديث عن «السلام»، ويضيف إلى السياق:
يوم «رُفِعَ» ويوم «ينزل»؟!
خاصة وأن نزول «عيسى» آخر الزمان جاء لنشر السلام والمحبة بين الناس، كما يدّعون؟!
رابعًا:
لقد أحس عيسى من بني إسرائيل الكفر:
* «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ»
والتبييت ومؤامرة قتله:
* «قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ»
فهل يُعقل أن يعجز الله عن نصرة «عيسى»، وإنقاذه من أيدي أعدائه، لذلك رفعه إلى السماء، حتى لا يتمكنوا من ق تله؟!
قالوا: إذن فماذا عن قوله تعالى:
* «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ..»
١- إذا كان الله قد رفع «عيسى» إلى السماء، فما معنى أن يأتي برجل «شبهه» ليُصلب مكانه؟!
٢- ثم ما ذنب هذا الرجل الذي قُتلوه لأنه كان شبه «عيسى»؟!
٣ـ ولماذا لم يعلن الرجل أنه ليس «عيسى» عندما علم بمصيره؟!
إذا تدبرنا جملة «وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ»، نعلم أن إسناد الفعل «شُبِّهَ» إلى رجل مصلوب، غير صحيح، لأن الرجل لا ذكر له أصلا في السياق.
إذن ليس أمامنا إلا أن نستنبط أن الله أنزل «ملكا» في صورة عيسى، الأمر الذي جعل أهل الكتاب يختلفون بشأنه، ولذلك قال تعالى بعدها:
* «وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي هِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ»
* «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ»
* «وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً»
* «بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»
* «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً»
والسؤال:
من هم المقصودون بـ «أهل الكتاب» الذين سيؤمنون بـ «عيسى» قبل موته، أي بعد نزوله آخر الزمان، كما يدّعون، مع ملاحظة جملة «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»، التي تفيد عموم أهل الكتاب؟!
هل هم «أهل الكتاب» الذين خاطبهم الله في عصر الرسالة، أم هم الذين كانوا يعيشون في زمن «عيسى»؟!
إن كلمة «به»، الواردة في جملة «إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ»، عائدة على «صورة الملك المصلوبة» التي هي شبه «عيسى».
وأمام هذه الصورة، سيؤمن كل فرد «مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»، من اليهود والنصارى، بصلبه قبل موته، فيذهب النصارى إلى عقائدهم وتأليه «عيسى»، ويذهب اليهود إلى لعنه وتكذيبه!!
خامسًا:
إن المسائل المتعلقة بـ «أصول الإيمان»، التي تفصل بين «الكفر والإسلام» يستحيل أن يتركها الله لمرويات الرواة، ولتأويلات المذاهب «الباطنية»، التي تقيم على «الكلمة القرآنية» عقائد ما أنزل الله بها من سلطان؟!
محمد السعيد مشتهري



