

(976) 3/12/2017 «أين ذهب مفتاح البركات»؟!
فبراير 2
٣ min read
0
0
0
إن «عمر الإنسان» هو فترة حياته التي نعرفها، منذ ولادته وحتى يموت، حسب معطيات «عالم الشهادة» الذي نعيش فيه.
أما بالنسبة لما هو مكتوب عند الله في «عالم الغيب»، فإن «عمر الإنسان»، الذي عرفناه، قد يكون أقل من عمره الذي قدره الله له.
فقد يموت الإنسان قبل الأجل المقدر له، والله يعلم أن هذا الإنسان لن يستكمل أجله لأنه سيُقتل، على سبيل المثال، ونحن نتصور أنه مات وفق الأجل المُقدّر له.
يقول الله تعالى:
«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ»
وأجل الإنسان هو الوقت المضروب لانقضاء عمره، والآية دالة على حصول أجلين لكل إنسان:
١- «الأَجَلْ المُسمَّى»:
هو «عمر الإنسان» الذي لم يعترضه عارض يُنْقِصه، والذي قال الله فيه:«إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ»
فلو بقي الإنسان مصونًا من العوارض و«الأسباب الخارجية»: كالقتل والغرق والحرق..، لاستوفى أجله «المُسمَّى» المقدر له.
٢- «الأَجَلْ غَيْرِ المُسمَّى»:
وهو «عمر الإنسان» الذي اعترضه عارض جعله لم يُستكمل، والذي قال الله تعالى فيه:
«وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ»
فقوله تعالى: «وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ» معناه أن لهذا الإنسان عمراً مُقدَّراً «فِي كِتَابٍ»، ثم طرأت «أسباب خارجية» منعت من استكماله.
ولقد أفادت الآية أنَّ «العمرين» مُقدران عند الله «فِي كِتَابٍ»، وقد يكون هذا بيانًا لقوله تعالى:
«يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»
إن «المحو» لا يكون إلا لـ «مكتوب»، و«الإثبات» إبقاء على المكتوب، والإثنان في «أُمُّ الْكِتَابِ».
وهذا يشمل فعاليات أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، بما في ذلك:
١- «وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ»
٢- «ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ»
والسؤال:
ما الحكمة من نشر هذا الموضوع؟!
الجواب:
لنقض أصلٍ سادس أضافه أئمة السلف إلى أصول الإيمان الخمسة وهي:«الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»
وهذا الأصل هو «القضاء والقدر»
و«القضاء والقدر» من عالم الغيب، الذي لا نعلم عنه شيئًا إلا ما أشار القرآن إلى مَثَلِه.
إن المريض المصاب بمرض خطير وينتظر الموت، إذا عَلِم أن للإنسان «أجلين»، وأن أجله قد يكون «أجَلًا مُسمَّى»، قد يكون ذلك سببًا لرفع معنوياته، وتحسن صحته، وعودته لاستكمال حياته، إلى أن يأتيه «أَجَله المُسمَّى».
وحسب ما وصلنا عبر «منظومة التواصل المعرفي»، وتفعيلا لقوله تعالى مخاطبًا صحابة رسوله:
«أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»
فإن من مظاهر هذا «الانقلاب»، أن يُقتل خليفة المسلمين، عثمان بن عفان، على أيدي عدد من المسلمين، في الوقت الذي يملك فيه جيشًا كان بإمكانه أن يفك حصاره في دقائق.
والإشكال هنا، أن هناك بعض الروايات وصلت إلى خليفة المسلمين، يبشره فيها رسول الله بـ «الشهادة والجنة»!!
ولقد أوحت هذه الروايات للخليفة أن قتله «قَدَرٌ مكتوب»، وبناء عليه استسلم لقدره، ولم يفعل شيئًا خلال فترة حصاره!!
والذي يقوم بتفجير نفسه، هو الذي حدد أجله «غَيْرِ المُسمَّى»، ليفوز بـ «الشهادة والجنة»، فيموت كافرًا.
فماذا لو حدث عطل لـ «المُفَجّر»، وهرب «المنتحر» الذي ظنَّ أميره أنه ذهب إلى الجنة مع «الحور العين»، فإذا به يراه أمامه، ينتظر أجله القادم.
ومن المسلمين من يؤمنون بأن «الرزق» مكفول لهم، ولن يحصل الإنسان على أكثر مما قَدَّره الله له، بصرف النظر عن سعيه لتحصيله، وهل قام بجهد في سبيل ذلك أم لم يقم..، فهؤلاء لا يملكون القدرة على التغيير.
وهناك من يؤمنون بأن «السعي» مُقدّر عند الله، سواء سعوا أو لم يسعوا، استنادًا لقوله تعالى:
«وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى»
وهؤلاء يتعاملون مع القرآن بمعزل عن أدوات فهمه، لأن هذه الآية تتحدث عن عكس ما ذهبوا إليه، فهي تحث الإنسان بأسلوبها البلاغي على العمل، وتُبيّن أن ثمرة عمله متوقفة على سعيه.
لذلك قال تعالى بعدها:
«وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى»
إن الذين يؤمنون بقدرتهم على تغيير واقعهم، وأن «الرزق» مرتبط بـ «السعي»، وأن «الفقر» يمكن أن يتحول إلى «غنى»، هؤلاء يملكون القدرة على التغيير.
أما إذا قام «السعي» على «الإيمان والتقوى»، فإن ثماره تختلف جذريًا عن الذي لا يقوم عليهما، لأن الله تعالى يقول:
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»
إن الناس يظنون أن ما هم فيه من نِعَم، وأموال، وما يتناولونه من أطعمة وأشربة..، لها علاقة بمفهوم «البركة»، التي تشفي الإنسان من أمراضه، ولا تصيبه بالأمراض.
إن أقرار الإنسان بـ «الوحدانية»، وبأصول الإيمان الخمسة، ودخول «دين الإسلام» من باب فعالية نصوص «آيته القرآنية»، وتقوى الله، وعمل الصالحات، مفتاح فتح بركات السماء والأرض.
فأين ذهب المفتاح؟!
محمد السعيد مشتهري