

(385) 8/10/2015 (شبهات حول قوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)
عدد المشاهدات : 430
أولا: عندما تحدث القرآن عن الخلافات الزوجية لم يتحدث من منطلق علاجها بعد أن تقع، وإنما من منطلق (الوقاية خير من العلاج)، وعندما أمر الحكمين بالتدخل أمرهما عند الخوف من حدوث (الشقاق) وليس عند الشقاق، وعندما أمر الرجل بالتدخل أمره عند الخوف من (النشوز) وليس عند حدوث النشوز، وعندما أمر المرأة أن تتدخل أمرها عند الخوف من نشوز زوجها أو إعراضه وليس عند تحقق النشوز والإعراض!!
ثانيا: ولذلك عندما ننطلق في فهم الآية من منطلق تحقق النشوز، ويرى البعض أن من معاني نشوز المرأة أن تضرب زوجها وبالتالي على الزوج أن يضربها كما ضربته…، فهذا الفهم لا علاقة له مطلقا بسياق هذه الآية، لأن هذه الآية لا تتحدث عن معركة بين الزوجين قد يكون الضرب فيها بالسكين، لأن الضرب باليد أو السكين من معاني الضرب، وبناء على هذا الفهم يكون من معانى نشوز المرأة!!
ثالثا: إن الشريعة القرآنية لا تنتظر حتى يحدث الشقاق والنشوز ثم تبدأ بالعلاج، وإنما تتحرك مع بداية ظهور أعراض النشوز!! إن التلميذ الذي يأتي من المدرسة ومعه في شنتطته قلم ليس له، ولا يسأله أحد من أين جئت بهذا القلم، فسيأتي غدا بقلمين، ثم يصبح بعد ذلك لصا!!
رابعا: إن النشوز ينشأ عليه الإنسان في طفولته حسب البيئة التي تربى فيها، ويظل يحمله طوال حياته إن لم يجد من يعالجه، ويتزوج وهو يحمله، ولن يظهر فجأة إلا في مستشفى المجانين، فلا يعقل بعد فترة من الزواج أن يجد الرجل امرأته تدخل عليه وتصفعه فجأة على وجهه بدون أي مقدمات، فيقوم هو أيضا بضربها، وتشتعل المعركة بينهما!!!
خامسا: إذن فلابد من ظهور أعراض أو علامات تبين للرجل أن امرأته ليست هي التي عرفها بأخلاقها الحميدة، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة ترى زوجها ليس هو الذي عرفته …. هذه فقط هي الدائرة التي يتحدث في حدودها سياق الآية، دائرة (الوقاية خير من العلاج)، وذلك في حالة الخوف من نشوز المرأة أو الخوف من نشوز الرجل، فالخوف من النشوز (وليس النشوز) هو القضية الرئيسة التي حملها سياق الآيات المتعلقة بهذا الموضوع: (واللاتي تخافون)، (وإن امرأة خافت)، (وإن خفتم شقاقبينهما)!!
سادسا: سياق الآية لا يتحدث عن رد فعل الزوج تجاه تصرفات زوجه، فلا يعظها إلا إذا وعظته، ولا يهجرها إلا إذا هجرته، ولا يضربها إلا إذا ضربته، فعلى أي أساس علمي نحصر مفهوم الضرب في سياق الآية على رد فعل الزوج في حالة ضرب زوجه له؟!
سابعا: إن الذين يستدلون بقوله تعالى: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ”، على أن ضرب الرجل امرأته يكون في حالة واحدة وهي إذا ضربته هي أولا، فيقوم بضربها كما ضربته، هؤلاء لم يتدبروا قوله تعالى: “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ”!!
إن سياق الآية لا علاقة له بأحكام العقوبات وإنما بكيفية إدارة نشوز المرأة حسب ما أمر الله في سياقها، والله تعالى عندما تحدث عن نشوز الرجل لم يأمر امرأته أن تفعل شيئا معه مطلقا، وإنما أمرها أن ترفع شكواها إلى الحكمين أو إلى المؤسسة المتخصصة المعنية بشئون الأسرة، وفي هذه الحالة من حقها أن تطلب (الخلع)، وقد بينت ذلك في المقال.
ثامنا: إن المرأة التي تضرب زوجها، هذه امرأة قد تعدت حدود النشوز أصلا، ودخلت دائرة الإجرام، لذلك يستحيل أن يقابل زوجها العاقل ضربها بضرب مثله بدعوى القصاص ثم تستمر حياتهما الزوجية، وإنما عليه أن يتجنبها فورا ثم يطلقها.
تاسعا: لقد ذكرت في المقال أن سياق الآية بدأ بالحديث عن النساء الصالحات، ثم تحدث عن الناشزات من النساء، إذن فليس كل النساء ناشزات!! ثم قسم الناشزات ثلاثة أقسام:
قسم تنفع معه الموعظة، وقسم ينفع معه الهجر، أي الابتعاد عن المرأة داخل البيت، وقسم ينفع معه الضرب وهنا نحتاج الى وقفة:
إن القضية التي تقوم الدنيا ولا تقعد بسببها تتعلق بنسبة من النساء لا تكاد تذكر أصل ا إلا أنها موجودة، وقد قلت في المقال إن هذا الصنف من النساء موجود ويسأل عنه علماء النفس، وهذه المرأة لا ترى في ضربها إهانة لأنها نشأت منذ طفولتها لا تقوم بواجباتها إلا إذا ضربت!!
فهل يعقل أن نقوم بتحريف آيات الذكر الحكيم، ونبتدع قراءات قرآنية معاصرة تخدم هذا التحريف، وكل ذلك من أجل نسبة من النساء لا تكاد تذكر من مجموع النساء، وهن يرفضن أصلا دفاع أصحاب هذه القراءات عنهن، ولا حتى التحدث باسمهن؟!!
شيء عجيب وغريب!!!
(386) 10/10/2015 (علم الجرح والتعديل .. هكذا تحمي كل فرقة مروياتها في كتب الحديث)
عدد المشاهدات : 458
لا يشك مسلم أن الله تعالى رضي عن المؤمنين من صحابة رسول الله الذين أخلصوا دينهم لله، وبايعوا الرسول على ذلك، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. ولا يشك مسلم أن الله تعالى حذر من المنافقين من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، ومات رسول الله وهو لا يعلم من هم، يقول الله تعالى:
«وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ».
فعلى أي أساس شرعي أقام أئمة الجرح والتعديل علمهم بأحوال الرواة الذين قام عليهم علم الحديث، وهناك صفات في البشر تحتاج إلى فترات زمنية طويلة، وإلى مواقف متعددة من الابتلاء والتمحيص، حتى يمكن اكتشافها، خصوصا أن الله وحده هو الذي يعلم ما يحمله الإنسان في قلبه، فهو القائل:
«الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى».
لقد دوّن أئمة الجرح والتعديل كتبهم في معرفة أحوال الرواة على أساس عقدي مذهبي، وليس على أساس أخلاقي، وذلك على مستوى كل الفرق الإسلامية، فجعلوا الشرط الأول لقبول رواية الراوي أن يكون مذهبه العقدي موافقا لمذهب الفرقة التي ينتمي إليها إمام الجرح والتعديل!!
فإذا درسنا مدارس الجرح والتعديل على مستوى الفرق الإسلامية، سنجد أولا أن الإشكال الأكبر هو غياب مدوناتها عن القرن الأول الهجري، وهو القرن الذي حمل الحلقات الأولى من السند الروائي!! وثانيا: لن نستطيع أن نخرج بنتيجة شافية في الحكم على أي راو من الرواة، فالمجروح عند الشيعة عدل عند السنة، بل وسنجد داخل الفرقة الواحدة أن المجروح عند مذهب من مذاهبها العقدية عدل عند مذهب عقدي آخر!!
فإذا ذهبنا إلى مدونات القرن الثاني الهجري، وجدنا الذهبي يذكر قائمة بأسماء جمع من المؤلّفين قيل إن لهم مدونات، وعند التحقيق العلمي لم يعثر إلا على صحف منسوبة إلى الإمام مالك قيل إنها الموطأ، وأصحاب هذه المدونات هم:
ابن جريج «ت١٥٠هـ»، أبو حنيفة «ت١٥٠هـ»، ابن اسحاق «ت١٥٢هـ»، سعيد بن عروبة «ت١٥٦هـ»، الأوزاعي «ت١٥٧هـ»، سفيان الثوري «ت١٦١هـ»، حماد بن سلمة «ت١٦٧هـ»، الليث بن سعد «١٧٥هـ» مالك بن أنس «ت١٧٩هـ»، ابن المبارك «ت١٨١هـ»، ابن وهب «ت١٩١هـ».
قال الذهبي: ومن هذا يُعرف أنّ عمدة التدوين انّما وقعت في القرن الثالث من الهجرة!!
فإذا ذهبنا إلى القرن الثالث الهجري، عصر النهضة الحديثية، الذي ظهر فيه فجأة أصحاب أصح وأشهر أمهات كتب الحديث عند أهل السنة وهي الكتب الستة، نجد كتاب «الطبقات الكبرى»، لصاحبه محمد بن سعد «ت٢٣٠هـ»، وهو أهم كتاب من كتب تراجم الصحابة ومن جاؤوا بعدهم.
لقد قسم ابن سعد المصادر التي استقى منها تراجمه إلى قسمين: قسم لم يصرّح فيه بمصادره، وهو القسم الأكثر من كتابه، وقسم أفصح فيه عن مصادره وعددها ثمانية، وقد ضعف المحدثون كثيرا منها، وسأذكر منها ثلاثة:
١- محمد بن إسحاق «ت١٥٢هـ»: صاحب كتاب السيرة النبوية، اتهمه بعض أهل الحديث بالزندقة، وأنه أدخل في السيرة النبوية روايات منكرة منقطعة، نقل عنه زياد البكائي «ت١٨٣هـ» أخبار السيرة، ثم نقل ابن هشام «ت١٨٢هـ» عن زياد هذه السيرة بعد أن نقحها واختصرها وسماها «سيرة ابن هشام»!!إن معظم المسلمين يعلمون أن سيرة ا بن هشام، «ت١٨٢هـ»، هي المرجع الصحيح لمعرفة السيرة النبوية والأكثر شهرة بينهم، ولكنهم لا يعلمون أن صاحب هذا الكتاب أصلا هو ابن إسحاق، «ت١٥٢هـ»، المتهم من قبل أئمة الجرح والتعديل بالزندقة!!
٢- هشام بن محمد الكلبي الكوفي «ت٢٠٦هـ»: من كبار الأخباريين الشيعة الأُوَل، جرحه أهل السنة لأنه انتقد الأمويين واعتبرهم المسئولين عن الفتنة الكبرى، وأيد العلويين والعباسيين، واعتمد الطبري في تاريخه على روايات الكلبي في الأحداث التي تخدم موقفه من الفتنة الكبرى، ولم ينظر إلى مسألة تشيعه!!
٣- محمد بن عمر الواقدي «ت٢٠٧هـ»: اتُهم بالتشيع، انفرد بروايات وأخبار وأحاديث غير معروفة، بلغ عددها ثلاثين ألف حديث، تباينت آراء المحدثين في درجة توثيقه، واعتبره البعض متروكا لتشيعه، وتبدو ميوله العلوية واضحة في رواياته، فقد أيد علي بن أبي طالب في مواجهته لجيش السيدة عائشة وطلحة والزبير، وكذلك جيش معاوية، وانتقد بشكل حاد سياسة عثمان!!
لقد رمي أئمة الجرح والتعديل الكلبي والواقدي بالتشيع، فمتى علموا بتشيعه؟! الجواب: بعد أن اخترق رواة الشيعة مرويات أهل السنة، وبعد أن دونها المؤرخون والمحدثون في كتبهم، ثم بعد عقود من الزمن اكتشفوا هذا الاكتشاف العظيم!!
لقد أورد الشيخ محمد جعفر الطبسي في كتابه «رجال الشيعة في أسانيد السنة، الصحاح الستة» مئة وأربعين رجلا من رجال الشيعة «١٤٠» دخلوا أسانيد السنة في أصح كتبها مع الإشارة إلى تشيعهم، ومن هؤلاء:
١- سليمان بن صرد الخزاعي «ت٦٥هـ»: ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقال ابن الأثير في أسد الغابة: كان خيّرا فاضلا له دين وعبادة، وقال الذهبي: من شيعة علي ومن كبار أصحابه!!
٢- ظالم بن عمرو الدؤالي «ت٦٩هـ»: ورد في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وعده يحيى بن معين من الثقات، وكذلك ابن حجر، وقال الذهبي: كان من وجوه الشيعة!!
٣ـ فضيل بن مرزوق «ت٧٠هـ»: ورد في صحيح مسلم، وقال سفيان الثوري: ثقة، وقال الذهبي: كان معروفا بالتشيع من غير سبّ!!
فهذه صورة من الصراع المذهبي الذي كان يحكم قلوب رواة الفرق والمذاهب المختلفة قبل عصر تدوين أمهات الكتب الدينية: «تفسير – حديث – فقه – سيرة»!!
فتدبر قوله الذهبي: «كان معروفا بالتشيع من غير سبّ»، لتعلم أن مسألة سب الصحابة، سواء كانوا من السنة أو الشيعة، مسألة لها جذورها التاريخية، وأن أئمة الجرح والتعديل أقاموا على هذه المسألة توجهاتهم العقدية والتشريعية في الجرح والتعديل!!
إن من فضّل عليّ بن أبي طالب على عثمان قالوا عنه «متشيع»، ومن فضل عليّا على أبي بكر وعمر قالوا عنه «رافضي»، ومن نال من معاوية ومن بني أمية فهو «متشدّد في التشيّع»، ومن نال من أبي بكر وعمر فهو «مغال في الرفض»!!
ووسط هذه البيئة المذهبية التخاصمية، عاش محمد بن إسماعيل البخارى «١٩٤ـ-٢٥٦هـ»، صاحب أصح كتاب من كتب الحديث عند أهل السنة، «صحيح البخاري»، وولد محمد بن يعقوب الكليني عام «٢٥٢هـ»، وهو صاحب أصح كتاب من كتب الحديث عند الشيعة، كتاب الكافي، «ت٣٢٩هـ»!!
هذه هي المنظومة الروائية المذهبية التي ظهر فيها المصدر الثاني للتشريع، الذي يحكم أئمة السلف والخلف على منكره بالكفر، ولكن لماذا هذا الحكم الذي ما أنزل الله به من سلطان؟! الجواب: لحما ية هذا المصدر الثاني للتشريع، الذي ظهر ينافس دين الله تعالى ويكون حاكما عليه، بعد أن عجز الشيطان عن اختراق كتاب الله تعالى!!
فإذا سألت معظم علماء المسلمين: هل عقوبة الرجم من الشريعة الإسلامية؟! قالوا: نعم!! هل هي في كتاب الله؟! قالوا: لا!! أليست هذه العقوبة سفكا للدماء بغير حق يُخلد من فعلها في جهنم؟! قالوا: كيف وهي من المصدر الثاني للتشريع الذي حمل «السنة النبوية» التي أوحاها الله لرسوله خارج حدود كتاب الله!! وقد كتبت في هذا الموضوع مقالا بعنوان: «عندما يكون الرجم شريعة يهودية لبست ثوب السنة النبوية»!!
لقد كان الصحابة معاصرين لرسول الله، ومنهم من تولى الخلافة، فلماذا لم يكن تدوين الحديث من أولويات عملهم إذا كان حقا شريعة إلهية واجبة الاتباع؟! وإذا كانت هناك مدونات في القرن الأول الهجري، كما يدعي أهل الحديث، فلماذا لم تأخذ مكانتها العلمية قبل مدونات القرن الثالث الهجري؟!
والسؤال الذي يفرض نفسه دائما: لماذا لم تتول «الخلافة الراشدة»، بمؤسساتها الحكومية المختلفة، مسؤولية تدوين كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ الإسلامي، وأعطت ظهرها لما يفعله المسلمون في دين الله تعالى، كلٌ حسب عقيدته التي تربى عليها، فلا نجد كتاباً من أمهات كتب التراث الديني إلا وصاحبه إن لم يكن إمام مذهب يكون تابعا له مقلدا!!
لقد قام «علم الجرح والتعديل» على أسس وشروط عقدية تحمي كل فرقة بها مروياتها من أن تُخترق من رواة الفرق الأخرى، ومع ذلك حدث الاختراق، ومازال موجودا في الكتب إلى يومنا هذا، ولم يستطع المتأخرون من علماء الحديث أن يحذفوا حرفا منه، لأنهم لو فعلوا هدموا مكانة المتقدمين العلمية، ولذلك اكتفوا بالتنبيه في هذه الكتب على أن هذا الراوي صفته كذا وكذا، فهل هذا العلم المسمى بعلم الحديث يمكن أن يحمل مرويات «السنة النبوية» التي يكفر منكرها؟!
إنه أمر طبيعي أن يكون تراث الأمم ظنياً في ثبوته عن أصحابه، وظنياً في دلالة مروياته، فلا توصف مروياته بالقطعية بأي حال من الأحوال، أما دين الله تعالى فقطعي الثبوت عن الله، فلماذا يصر أئمة السلف أن يجعلوا الظني الثبوت عن البشر حاكما على القطعي الثبوت عن الله، والله تعالى يقول:
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
معلومات:
* ابن جريج: ضعف العلماء رواياته، أباح زواج المتعة استنادا إلى فقهاء مكة ومذهب شيخه عطاء، قال الشافعي: استمتع بتسعين امرأة، وقال الضبي: وتزوج ستين امرأة، وقيل رجع عن المتعة في آخر حياته.
* الزندقة: تعني الإلحاد والابتداع وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، يرمي بها كل إمام من أئمة الفرق المختلفة المخالف له، وهي تعني عند أئمة الجرح والتعديل الطعن الشديد في عدالة الراوي من جهة دينه.

(387) 15/10/2015 (أهل السنة والجماعة بايعوا عليا حتى خرج عليه معاوية وقاتله .. فبايعوه)
عدد المشاهدات : 227
أهل السنة والجماعة بايعوا عليا حتى خرج عليه معاوية وقاتله .. فبايعوه!
إن ما أنقله من أحداث تاريخية لا يعني قبولي أو رفضي لها، فالتاريخ عندي تراث بشري لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى، وإنما أضعه أمام أنصار «الفُرقة والمذهبية»، ليقفوا على حقيقة تدينهم الوراثي المذهبي، وما حملته مصادرهم الثانية للتشريع من فتن ومصائب، تقتضي أن يخلعوا ثوب هذا التدين المذهبي!
ولقد حرصت أن أنقل هذه الأحداث من أمهات كتب المؤرخين الأُول، وهم: ابن قتيبة «توفي أواسط القرن الثالث الهجري»، البلازري «ت٢٧٩هـ»، اليعقوبي «ت٢٩٢هـ»، الطبري «ت٣١٠هـ».
لقد شهدت خلافة علي بن أبي طالب ثلاث معارك حربية راح ضحيتها آلاف القتلى من الجانبين، وكانت سببا في تعميق أزمة التفرق والتخاصم بين المسلمين، وظهور فتاوى التكفير واستباحة الدماء بغير حق، الأمر الذي اقتضى إسقاط العدالة عن كل من شاركوا فيها، حسب شروط علماء الجرح والتعديل، وهذه المعارك هي:
موقعة الجمل: بين علي بن أبي طالب، ابن عم النبي وصهره، وأم المؤمنين عائشة، زوج النبي وأكثر رواة الحديث، ومعها طلحة والزبير.
معركة النهروان: بين علي والخارجين عليه، الذين عُرفوا بعد ذلك بفرقة الخوارج.
موقعة صفين: بين علي ومعاوية ذي النسب الأموي، الذي حافظ على ولايته للشام عشرين سنة.
لقد اشتعلت الحرب، وقُتل آلاف المسلمين في موقعة الجمل وحدها، منهم طلحة والزبير، وانتصر خليفة المسلمين علي، وتعامل مع المتمردين بحكمة، وأعاد السيدة عائشة إلى المدينة، ونجح في توحيد الصفوف باستثناء جبهة الشام بسبب وقوف «حركة القراء» بجوار معاوية، فقد انضم إلى جيشه أربعة آلاف من القراء بقيادة عبيد الله بن عمر بن الخطاب!
لقد قامت «حركة القراء» بدور خطير في أحداث الفتن الكبرى، وبلغ عدد المشاركين منها في معركة «صفين» أربعة آلاف قارئ، من مجموع عشرين ألفا في معسكر الطرفين، فما هي «حركة القراء»؟!
القراء: هم قارئوا القرآن ومعلموه، وكان يُنظر إليهم باعتبارهم أهل الورع والتقوى والصلاح من صحابة رسول الله، وقد أخذت هذه الطبقة تزداد يوما بعد يوم حتى أصبحت حركة منظمة «غير رسمية» يقودها مالك بن الحارث الملقب بالأشتر، وأصبح لها نفوذ في البلاد، الأمر الذي جعل ولاة الأمور يقربون القراء إليهم، ويشركونهم في صنع القرار السياسي!
لقد قامت «حركة القراء» بأدوار خفية لتحقيق مصالح سياسية، وكانت تتلوّن باللون السياسي الذي ترى فيه مصلحتها، فقد استغلت فرصة خروج سعيد بن العاص والي الكوفة لمقابلة خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وقررت منعه من دخول الكوفة، وعينوا مكانه أبا موسى الأشعري، ساعدهم في ذلك عبد الله بن مسعود خازن بيت مال الكوفة، مما اضطر عثمان إلى قبول هذا الوضع مكرها!
ولقد استغلت «حركة القراء» حرق عثمان المصاحف التي كانت موجودة في أيدي القراء، والإبقاء على نسخة واحدة بقراءة واحدة هي لغة قريش، في التحريض ضده، خصوصا بعد أن رفض عبد الله بن مسعود تسليم مصحفه لعثمان، ووقف أبو موسى الأشعري معهم!
لقد اعتبرت «حركة القراء» أن ما يفعله عثمان بدعة مخالفة لسنة رسول الله وخليفتيه، فقد كان في الكوفة قُراء ينسبون قراءاتهم إلى ابن مسعود، وفي البصرة والشام أيضا قراؤها، فشعرت الحركة أن جمع عثمان المسلمين على رسم واحد للقرآن يسحب نفوذه م الديني من بين المسلمين، وبالتالي سلطتهم الشرعية على الخليفة، باعتبارهم الممثلين لرسول الله في العمل بكتاب الله وسنة رسوله!
ولكن اللافت للنظر، والذي يكشف الدور السياسي المتلون الذي كانت تقوم به «حركة القراء»، أنها أشاعت بعد مقتل عثمان أن عليا كان وراء مقتله، وعندما علمت السيدة عائشة ذلك، وكانت وقتها في مكة، طلبت القصاص من قتلة عثمان، فانقسمت البلاد إلى قسمين: الأول: وقف مع السيدة عائشة بقيادة طلحة والزبير، والثاني: وقف مع علي بن أبي طالب باعتباره الخليفة الشرعي.
لقد أخذ علي بن أبي طالب البيعة بإجماع أهل المدينة، وحدث ذلك بصورة سريعة لحسم الخلافات والصراعات والفتن التي ظهرت بعد مقتل عثمان، واستند أهل المدينة في هذه البيعة إلى نتائج مجلس الشورى الذي كان قد اختاره عمر بن الخطاب قبل موته، والتي أسفرت عن أن يكون الاختيار بين عثمان وعلي، فتولى عثمان الخلافة وجاء الدور على عليّ.
وأمام هذه التحديات، ولإحكام السيطرة على البلاد، اضطر علي بن أبي طالب إلى الاستعانة بـ «حركة القراء» ونجح في عزل أبي موسى الأشعري واسترداد الكوفة والسيطرة ع ليها، ولكن الفريق المعارض بقيادة السيدة عائشة وطلحة والزبير، أعلنوا رفضهم بيعة علي حتى يسلمهم القراء الذين شاركوا في التحريض على قتل عثمان!
وكانت هناك طائفة يطلق عليها «أهل الجماعة»، تنادي بطاعة الإمام الذي تؤول إليه السلطة، ووجوب المسارعة إلى بيعته وتحريم الخروج عليه، حتى وإن فسد وطغى، فهؤلاء انضموا إلى «حركة القراء» وسارعوا إلى بيعة عليّ، وهؤلاء سيبايعون بعد ذلك معاوية الذي خرج على عليّ وقاتله، وهم الذين أطلق عليهم معاوية «أهل السنة الجماعة» بعد أن أصبح خليفة المسلمين!
والسؤال: هل كان لقراء القرآن، أهل الورع والتقوى والصلاح من صحابة رسول الله، دور في حفظ كتاب الله، ووصوله إلينا سالما من التحريف والتبديل، كما يدعي أنصار الفرقة والمذهبية؟!
الجواب: إن تاريخ «حركة القراء»، الذي أشرنا إلي جانب منه، خير شاهد على فاعلية حفظ الله تعالى كتابه دون تدخل أحد من البشر، ولو كان قراء القرآن هم الذين حفظوه لوصل إلينا كما وصلت مرويات الرواة المذهبية التكفيرية المتخاصمة!
لقد أصب ح الموقف بين الفريقين صعبا، فالسيدة عائشة وأنصارها لن يبايعوا عليا، وعليّ لن يُسلمهم من تتهمهم السيدة عائشة بقتل عثمان حتى ينتهي التحقيق في هذه الواقعة، ولكن وبسبب تحريضات أصحاب المصالح السياسية الخاصة، انزلق الفريقان في عمل عسكري: جيش تقوده زوج النبي، والآخر يقوده خليفة المسلمين وابن عم النبي!
ولقد استغل الوضّاعون والمفتون المغرضون هذا الصراع السياسي الطائفي في وضع الأحاديث المفتراة على الله ورسوله، والإفتاء بشرعية الخروج على خلافة عليّ، وفتاوى أخرى تدعم هذه الشرعية وتطالب بمحاربة الخارجين عليها! لقد أخرج البخاري في صحيحه: «كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم».
نلاحظ أن هذه الرواية ذكرت الخلفاء حسب ترتيبهم التاريخي، ولم تذكر الخليفة الرابع، في الوقت الذي يخبر فيه الراوي عن واقعة حدثت في زمن النبي، «كنا في زمن النبي»، أي قبل ظهور الخلفاء أصلا!
ألا يُشتم من ذلك رائحة الوضع، وأن الفريق الأول الذي تقوده السيدة عائشة ومعها الأمويون، أرادوا بهذه الرواية إخراج عليّ بن أبي طالب من المفضلين الراشدين، وإباحة الخروج عليه في المعارك الثلاث السابق ذكرها؟!
ويروي البخاري عن عمار بن ياسر قوله: «إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي».
يقول ابن حجر عند شرحه هذه الرواية: «مراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام، ولا أن تكون زوجة النبي في الجنة، فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق»!
ونحن نتحدث عن مدى تحقق شرط العدالة في رواة الأحاديث المنسوبة إلى النبي، فإن قول ابن حجر إن الصواب كان مع علي اعتراف منه بأن السيدة عائشة أخطأت، وعندما يترتب على هذا الخطأ سفك دماء آلاف المسلمين في المعركة التي قادتها، وهي معركة الجمل، فإن ذلك يسقط عدالتها حسب شروط علماء الجرح والتعديل، ولن يشفع لها أنها زوج النبي!
فإذا علمنا أن عمار بن ياسر كان يقاتل في جيش عليّ، وأن هناك رواية في البخاري تقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»، واعتبرنا أن هذه الرواية حديثا نبويا ووحيا من الله تعالى، كما يدعي المحدثون وأئمة السلف والخلف، إذن فقد حكم هذا الحديث على جيش السيدة عائشة بأنه جيش البغاة، وبذلك تسقط عدالة كل المشاركين فيه من الصحابة، استنادا إلى صحيح «السنة النبوية» التي نقلها أصح كتاب في الحديث عند أهل السنة والجماعة!
فإذا ذهبنا إلى رواية أخرى أخرجها البخاري في باب الفتنة التي تموج كموج البحر، عن أبي بكرة، قال: «لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي أن فارسا ملّكوا ابنة كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»!
وفي هذه الرواية، ينقل لنا أبو بكرة من مسرح الأحداث «أيام الجمل» حديثا جعله يمتنع عن القتال في صف عائشة، ثم تأكد له صحة هذا الحديث عندما انتصر جيش علي!
ألا يُشتم من ذلك رائحة الوضع الشيعي، الذي اخترق أمهات كتب أهل السنة على حين غفلة من أهلها، وهو كثير؟! ألم تأت هذه الرواية ضمن منظومة الروايات المذهبية التي تم توظيفها لخدمة أغراض سياسية تحت رعاية «السنة النبوية» المذهبية؟!
إننا لو صدقنا ر واية البخاري، واعتبرناها وحيا من الله أسقطنا عدالة كل من اشتركوا مع السيدة عائشة في حرب عليّ، لأنهم قوم لا يفلحون! ولو كذبناها أسقطنا عدالة الفريقين، لأن الله تعالى يقول:
«وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»!
معلومات:
أبو بكرة: اسمه نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، كان من فقهاء الصحابة، مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالبصرة «ت ٥٢هـ»، قال الحسن البصري: لم ينزل البصرة أفضل من أبي بكرة، وعمران بن حصين.

(388) 19/10/2015 (الفئة الباغية التي لا نعرف من هي بالضبط ؟)
عدد المشاهدات : 223
لقد كان الناس على منهج الله وشريعته أمة واحدة، ففتنهم الشيطان فاختلفوا في الدين، وبغى بعضهم على ب عض، فأرسل الله النبيين لهدايتهم وردهم إلى صراطه المستقيم، يقول الله تعالى:
«كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
تدبر قوله تعالى:«وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ»، أي أن الذين اختلفوا في الكتاب هم أنفسهم الذين أوتوا الكتاب، وقد اختلفوا: «مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ»، لماذا؟! «بَغْياً بَيْنَهُمْ»!!
أما أن يتعدى البغي الخلاف الفكري والعقدي إلى سفك الدماء بغير حق، فإن المصيبة أكبر!!
إن الله تعالى عندما قال عن الفئة الباغية: «فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»، فذلك لبيان دور السلطة الحاكمة عند نشوب تقاتل بين طائفتين في البلاد، وقد سبق بيان ذلك في مقال بعنوان: «عند السلفیین .. اقتل أخاك المسلم وادخل الجنة».
يذكر المؤرخون أن الزبير قال لعمار بن ياسر في موقعة الجمل: أتقتلني يا أبا اليقظان؟ ويضربه عمار بالرمح دون أن يدخله في صدره ويقول له: لا يا أبا عبد الله. ويخشى الزبير أن يكون ممن وصفهم الرسول بالفئة الباغية حين قال لعمار: «وَيْحَكَ ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»، فيخشى الزبير أن يكون من هذه الفئة الباغية، ويريد أن يكفّ عنه، ولم يقتل أحدهما الآخر.
إن هذه الرواية لم تحدد من هي الفئة الباغية، لذلك فإن «الفئة الباغية» التي قتلت عمار ليست إلا قتلة عثمان، وهي التي سفكت الدماء في معركة الجمل، وفي صفين، وبعدها من مصائب وكوارث، فليست القضية في قتل شخص عمار!!
ولنبدأ قصة البغي من بدايتها: لماذا لم يواجه خليفة المسلمين عثمان بن عفان الفئة الباغية، والفتنة المشتعلة خارج قصره، واكتفى بالصبر، ولم يأمر جيشه بالتدخل لفك حصاره؟! إذن فنحن أمام تصرفات غير مفهومة، وغير مبررة شرعا، ولذلك نحتاج أن نسأل:
أولا: ألا يتحمل خليفة المسلمين وجيشه، وكبار الصحابة الذين جلسوا في بيوتهم خوفا من المشاركة في هذه الفتنة، مسؤولية سفك دماء آلاف الصحابة بسبب سوء إدارة هذه الأزمة، التي قال عنها شيخ السلفيين ابن تيمية: «حتى قُتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين»؟!
إذن فمن الذي سيتحمل مسؤولية هذه الدماء التي سفكت، والتي امتدت نيران فتنتها إلى ما بعد مقتل عثمان؟! وكيف يقيم علماء الجرح والتعديل مرويات السنة النبوية على قاعدة «عدالة الصحابة»، وقد مس معظمهم الجرح في هذه الفتن الكبرى؟!
ثانيا: أين كانت الأحاديث المنسوبة إلى النبي، وقت حصار خليفة المسلمين عثمان، التي تأمره بقتال الفئة الباغية، وتأمر المسلمين بالوقوف في صف إمامهم، والتي دوّنها المحدثون في كتبهم في عصر التدوين، كسنة نبوية واجبة الاتباع؟!
لماذا لم يطع خليفة المسلمين وكبار الصحابة رسول الله في هذه الأحاديث التي كانت متداولة على ألسنة الرواة في عصرهم، وإلا فكيف وصلت إلى عصر التدوين؟!
أم أن هذه الأحاديث وُضعت لمواجهة إشكاليات سفك الدماء عمدا مع سبق الإصرار والترصد، ثم دُونت في أمهات الكتب كسنة نبوية، كلٌ حسب وجهة نظره في الدفاع عن موقفه وتبرئة ساحته، وذلك لقطع الطريق على المشككين في عدالة الصحابة أو في عصمة الأئمة؟!
ثالثا: لماذا لم تصدر فتوى من كبار الصحابة بكفر الطائفة الباغية التي كانت وراء فتنة مقتل عثمان، هذه الفتنة التي امتدت نيرانها إلى يومنا هذا؟! هل لأن هناك من كبار الصحابة من اتهموا بإشعال نار هذه الفتنة، ثم راحوا بعد ذلك يطالبون بدم عثمان، فحدثت معركة الجمل، كطلحة والزبير؟!
روى الطبري في تاريخه عن علقمة قال، قلت للأشتر: قد كنت كارها لقتل عثمان فكيف قاتلت يوم الجمل «أي مع جيش علي»؟! قال: إن هؤلاء بايعوا عليا ثم نكثوا عهده، وكان الزبير هو الذي حرك عائشة على الخروج فدعوت الله أن يكفينيه، فلقيني كفه بكفه فما رضيت لشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه ضربة فصرعته!!
رابعا: اتفق البخاري ومسلم على تحريم الخروج على الإمام في عدة روايات، منها:
– من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية!!
– ومن رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية!!
– ومن كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية!!
إذن فالذين خرجوا على خليفة المسلمين عثمان بن عفان بغاة ماتوا ميتة جاهلية، فهل اطلع علماء الجرح والتعديل، أتباع الفرق الإسلامية المختلفة، على قلوب من شاركوا في فتنة مقتل عثمان، أو تخاذلوا عن نصرته، فعلموا أنهم تابوا وأنابوا إلى ربهم، لذلك شهدوا لهم بالعدالة؟!
وهل يقبل الله توبة القاتل عمدا مع سبق الإصرار والترصد من غير قصاص؟! وهل شهد التاريخ أن عليا اقتص من قتلة عثمان؟! وهل قامت معارك الفتن الكبرى، التي قتل فيها آلاف الصحابة، من أجل البحث عن قتلة عثمان لقتلهم؟!
خامسا: يروي البخاري في موضعين من صحيحه، الأول: كتاب الصلاة، والثاني: كتاب الجهاد، رواية منسوبة إلى النبي تقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»!!
ألا تعتبر هذه الرواية بيانا نبويا يتهم الفئة التي تحارب جيش علي في معركة الجمل «وفيه عمار»، بارتكاب كبيرة من الكبائر لقيامها بدعوة جيشه إلى النار، وعلي ومن معه يدعونهم إلى الجنة، حسب ما ورد في هذه الرواية؟!
وهل يمكن أن تشمل هذه الرواية أيضا معاوية في قتاله لعلي في معركة صفين، والذي راح ضحيتها عدد كبير من كبار الصحابة وأبنائهم؟!
لقد اختلف المحدثون حول جملة وردت في هذه الرواية هي: «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»، لماذا؟! لأن هذه الجملة تبين مفهوم كلمة البغي التي وردت في الجملة قبلها، وتجعل البغاة في النار، وبذلك تسقط عدالة كل من شاركوا في أحداث الفتن الكبرى!!
انظر ماذا قال ابن حجر في فتح الباري: «ويظهر لي أن البخاري حذفها عمداً، وذلك لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد الخدري أعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي، فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة، والرواية التي بيّنت ذلك ليست على شرط البخاري… »، إلى آخر ما ذكر!!
وقال الحميدي في «الجمع بين الصحيحين»: «ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها عمداً»!!
ثم انظر قول النووي في شرحه على صحيح مسلم: «قال العلماء هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً، والطائفة الأخرى «بغاة»، لكنهم مجتهدون، فلا إثم عليهم، إلى أن قال: «وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله من أوجه منها: أن عماراً يموت قتيلاً، وأنه يقتله مسلمون، وأنهم بغاة، وأن الصحابة يتقاتلون، وأنهم يكونون فرقتين، باغية وغيرها، وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح، صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»!!
انظر وتدبر قول النووي جيدا، وكيف كان أئمة السلف يقدسون هذه الروايات، الظنية الثبوت عن الرواة أنفسهم، بدعوى أنها وحي يوحى!!!
سادسا: ثم يأتي الحافظ ابن كثير فيرفض تكفير البغاة وإن سفكوا الدماء عمدا مع سبق الإصرار والت رصد، فيقول في «البداية والنهاية»:
«ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية «بغاة» تكفيرهم، كما يحاوله جهلة الفرقة الضالة من الشيعة وغيرهم، لأنهم وإن كانوا «بغاة» في نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيباً، بل المصيب له أجران، والمخطئ له أجر، ومن زاد في هذا الحديث بعد «تقتلك الفئة الباغية»، «لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة»، فقد افترى في هذه الزيادة على رسول الله، فإنه لم يقلها إذا لم تنقل من طريق تقبل والله أعلم».
فها هو ابن كثير يثبت صحة رواية «تقتلك الفئة الباغية»، وينفي صحة الزيادة «لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة»، وعلى كل حال فهذه الزيادة ليست موضوعنا، وإنما انظر إلى قوله: «فإنه (يقصد الرسول) لم يقلها إذا لم تنقل من طريق تقبل والله أعلم»!!
إذن فإثبات حجية أقوال الرسول تتوقف على طرق نقل الرواة لها، وطبعا هذه مسألة مذهبية تتوقف على توجهات الرواة العقدية والتشريعية!!
وهكذا كانت تُصنع الأحاديث المنسوبة إلى النبي عند تدوين المحدثين الأُو ل لها، ثم يُعاد تنقيتها وفك ألغازها بعد قرون على أيدي جهابذة علم الحديث، وذلك على مستوى الفرق الإسلامية المختلفة!!
والسؤال: عندما خرج خليفة المسلمين علي بن أبي طالب إلى موقعة الجمل لمواجهة الفئة الباغية بقيادة السيدة عائشة وحدثت المعركة، وسفكت الدماء بغير حق، ألم يستخدم حقه الشرعي في ردع هذه الفئة الخارجة على إمامته، حسب ما نصت عليه الأحاديث المنسوبة إلى النبي، والمتعلقة بتحريم الخروج على الإمام، ووجوب قتال الفئة الباغية؟!
إذن، وبصرف النظر عن الخلاف حول زيادة جملة «الدعوة إلى النار» إلى جملة «تقتلك الفئة الباغية»، وبصرف النظر عن أزمة التخاصم بين السنة والشيعة، فإن السؤال المنطقي الذي سينطلق من قاعدة علم الجرح والتعديل:
ألا يعتبر كل الصحابة الذين قاتلوا في جيش السيدة عائشة بغاة لا تُقبل مروياتهم؟!
لقد وقعت هذه الفتن، وهذا البغي، في بداية القرن الأول الهجري، وشارك فيها كبار الصحابة، وكانت بين جيوش مسلمة، فلماذا غض أئمة الجرح والتعديل الطرف عن الصحابة الذين شاركوا ف يها؟!
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
معلومات
– البغي: في اللسان العربي له أكثر من معنى، ومن معانيه التعدي على حقوق الآخرين، والتخاصم في الدين القائم على اعتزاز كل صاحب مذهب بمذهبه، وتحميل نصوص الشريعة غير محاملها بهدف إفساد رأي الآخرين!!

(389) 29/10/2015 (أئمة السلف فسروا « السلف » في القرآن خطأ واعتبروها مذهبا)
عدد المشاهدات : 197
لقد ذُكرت كلمة «السلف»، في القرآن الكريم في موضع واحد من سورة الزخرف، وهو قوله تعالى عن هلاك فرعون وقومه: «فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ». لقد جعل الله مصير فرعون وقومه «سَلَفاً» ومثلا، ليأخذ الخلف منه العبرة، وليعلموا أن انتقام الله سينالهم إن هم ساروا في طريقهم، وعملوا عملهم فهل أخذ المسلمون العبرة، وسلكوا طريقا غير طريق سلفهم الطالح،
«الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!!
عندما تحدث القرآن عن السلف الصالح، ذكر إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه، وأمر المسلمين أن يتأسوا بهم في ملة «الوحدانية»، فقال الله تعالى: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ»، ثم بيّن بعدها موضع الدرس فقال: «إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ».
لقد ضرب إبراهيم والذين آمنوا معه المثل الأعلى في الوحدانية، قال تعالى في سورة البقرة الآية ١٣٣:
«أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاه ِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ».
ثم بيّن الله تعالى أن الناس لا يسألون عن أعمال سلفهم الصالح أو الطالح، موحدين أم مشركين، وإنما يسألون عن أعمالهم هم، فقال تعالى الآية ١٣٤:
«تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، ولأهمية هذا البيان كرر هذه الآية مرة أخرى «الآية ١٤١».
إن قوله تعالى «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ» خبر عن أمة مضت، أي خلا منها المكان والزمان، وعندما يذكرها القرآن في هذا السياق فذلك لبيان أن من خلت منهم الأرض «الموتى»، لن ينفعوا من عليها «الأحياء»، إلا في حدود ما جاءت ببيانه الرسالات الإلهية، وليس من خلال المرويات والمدونات التاريخية، لذلك عقب الله بقوله «وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
هذا عن تحرير مصطلح «السلف»، حسب وروده في السياق القرآني واللسان العربي، فكيف استطاع أئمة السلف تحريفه وتوظيفه لخدمة توجهاتهم المذهب ية؟!
لقد ظهرت «السلفية» في القرن الثالث الهجري على يد أحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ»، ثم قام ابن تيمية بعد ما يقرب من خمسة قرون بإحيائها وتجديدها «ت٧٢٨هـ»، وخلال هذه القرون وإلى اليوم، عاش المسلمون داخل هذه المنظومة السلفية، يفهمون الدين كما فهمه السلف، يأكلون ويشربون كما فعل السلف، ويختلفون كما اختلف السلف، ويتخاصمون كما تخاصم السلف، ويسفكون الدماء بغير حق كما فعل السلف!!
لقد تشكلت المرجعية السلفية لفرقة أهل السنة والجماعة على مرحلتين: الأولى: على يد أحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ»، والثانية: على يد أبي الحسن الأشعري «ت٣٢٤هـ»، ومنذ القرن الثالث الهجري وأهل السنة والجماعة لا يعرفون شيئا عن الإسلام ملة وشريعة، إلا من خلال المذهب الحنبلي أو الأشعري!!
ولكن المذهب الحنبلي لم يستطع الانتشار لأنه كان أكثر المذاهب تشددا وإشعالا لأزمة التخاصم والتكفير بين المسلمين، استنادا إلى اجتهادات أئمته المغلقة والمفرطة، خصوصا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى جاء عصره الذهبي عندما تبناه محمد بن عبد الوهاب النجدي «ت ١٢٠٦هـ»، باعث السلفية المعاصرة، الذي استطاع توفير الأموال الطائلة التي ساعدت على انتشار المذهب الحنبلي في البلاد حتى أصبح هو الممثل الرسمي للإسلام!!
لقد اختلف أئمة السلف أنفسهم في تعريف من هم «السلف»، فمنهم من قال هم رسول الله وصحبه، ومنهم من أضاف إليهم الخلفاء الراشدين والتابعين، ومنهم من قال هم أئمة القرون الثمانية الأولى، ولكن الحنابلة حصروا «السلفية» في أئمة القرون الهجرية الثلاثة الأولى، استنادا إلى رواية البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود:«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته».
قال النووي في شرح الحديث: الصحيح أن قرنه الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم.
لقد اعتبر الحنابلة أن وفاة أحمد بن حنبل في القرن الثالث الهجري «ت٢٤١هـ»، يعني أن مذهبهم هو خير المذاهب العقدية، باعتبار أن الحنفية والمالكية والشافعية مذاهب فقهية، فلم يكونوا يعلمون أن هناك من سيأتي في القرن السابع الهجري ليحيى مذهبهم ويجدده ويكون هو الأكثر تأثيرا في عقائد المسلمين وتطرفها، وهو ابن تيمية «ت ٧٢٨هـ»، ثم من بعده محمد بن عبد الوهاب «ت ١٢٠٦هـ»!!
فلماذا لم ترتبط «السلفية» بمذهب أبي حنيفة «٨٠ ـ١٥٠هـ»، أو بمذهب مالك «٩٣-١٧٩هـ» وهو إمام دار الهجرة، أو بمذهب الشافعي «١٥٠-٢٠٤هـ»، الذي عاصر أحمد بن حنبل «١٦٤-٢٤١هـ»، وهي ليست مذاهب فقهية فقط وإنما تكلمت أيضا في العقائد، وقد عدّها البعض من المذاهب الكلامية التي تبحث في صفات الله؟!
لقد ذكر البغدادي، في كتابه «الفرق بين الفرق»، أن أول المتكلمين من أهل السنة هما أبو حنيفة والشافعي، اللذان تحدثا عن القضاء والقدر والجبر والاختيار، وعن الذات الإلهية، وغيرها من القضايا الكلامية، نقلا عن بعض الصحابة والتابعين!!
فإذا أردنا اليوم تحرير مصطلح «السلفية» من كل لبس أو تحريف مذهبي شابه، فهل نستطيع؟!
إننا أمام حديث متفق عليه بين البخاري ومسلم، أي في أعلى درجات الصحة، تستند إليه «المنظومة السلفية» في خيرية أئمة القرون الثلاثة الأولى على سائر الأئمة، ولكن «السلفية» التي تربى عليها المسلمون من أهل السنة، هي سلفية ابن تيمية «ت ٧٢٨هـ»، وسلفية محمد بن عبد الوهاب «ت ١٢٠٦هـ»، وهما خارج القرون الثلاثة الأولى، فما موقف أنصار ابن تيمية والوهابية من رواية البخاري ومسلم؟!
وهل هذه الخيرية التي خص بها الرسول القرون الثلاثة الأولى كانت قاصرة على فرقة أهل السنة والجماعة، وبذلك يكون هذا الحديث دليلا صريحا على أن الفرقة الناجية هي فرقة أهل السنة بقيادة منظومتها «السلفية»، والباقي في النار؟!
ثم كيف تشمل الخيرية القرن الأول الهجري، وقد حدثت فيه الفتن الكبرى، التي شارك فيها الصحابة، وسفكت فيها الدماء بغير حق، وقام فيه الملك العضوض بقيادة الخلافة الأموية؟!
لقد ظهرت المذاهب العقدية المتصارعة في القرون الثلاثة الأولى، واحتدم الصراع بينها، فأحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ» يتهم أبا حنيفة «ت١٥٠هـ» بالقول بخلق القرآن، وكل من قال بخلق القرآن فهو جهمي، وكل جهمي في نظر الحنابلة كافر!!
وكان أحمد بن حنبل يؤمن بوجوب طاعة الحكام وإن فجروا وظلموا، وهو موقف السلفية بشكل عام، فكان يُحرم الخروج على خلفاء عصره من العباسيين، وهذا ما جعله يُخرج أبا حنيفة من أئمة السل ف، لأنه لم يقبل الخضوع لأبي جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس «ت١٥٨هـ»، ووقف مع آل البيت في مواجهة ظلم المنصور، وعندما دعاه ليتولى منصب قاضي القضاة امتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد عام١٥٠هـ!!
ولقد كان للحنابلة مواقف تخاصمية تكفيرية على مر العصور، فقد كفروا الأشاعرة، ورفضوا المذهب المالكي ونهوا السلفيين عن تقليده، وسبوا الشافعي وطعنوا في إمامته وترصدوا لأتباعه في الطرقات، وما حدث من فتن ببغداد بين الشافعية والحنابلة، وبين الحنابلة والأشعرية وما يعرف بفتنة ابن القشيري «الأشعري»، التي وقعت في القرن الخامس الهجري.. إلى آخر ما هو مفصل في تاريخ الفرق والمذاهب العقدية.
سأل أحد المصلين الشيخ عبد الله الهروي «ت٤٨١هـ»، وهو أحد شيوخ الحنابلة، وصاحب كتاب «ذم الكلام»: هل تجوز الصلاة خلف صاحب عقيدة مخالفة لأهل السنة والجماعة كالأشعري مثلا؟!
الجواب: «الحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام، أو فاسق فسقا ظاهرا لا يخرجه من الإسلام، لكن ينبغي أن يولى صاحب السنة»!!
انظر إلى قوله: «لكن ينبغي أن يولى صاحب السنة»، أي أن الأشعري ليس من أهل السنة، لأنه في نظر السلفية مبتدع!!
لقد اعتبر ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية الأشعري جبريا، ثم جاءت الأشعرية فأفتوا بسجن ابن تيمية، لأنه ذهب إلى التجسيم والتشبيه، وأصدروا فتوى أن من كان على دين ابن تيمية فقد حل دمه!!
فهل يعقل أن تكون القاعدة الأساس التي قام عليها تدين معظم المسلمين اليوم هي هذه المنظومة السلفية بقيادة أحمد بن حنبل «١٦٤-٢٤١هـ»، ويقابلها المنظومة الأشعرية بقيادة أبي الحسن الأشعري «٢٦٠ -٣٢٤هـ»، والمنظومتان ضربتا أسوأ المثل في تاريخ الصراع العقدي المذهبي؟!
لقد أصبحت الحدود الجغرافية للبلاد حدودا دينية سلفية، تقتل على الهوية، ويحافظ السلفيون على هذه الحدود السلفية أكثر من محافظة الأنظمة الحاكمة على حدودها الجغرافية، وعلى الرغم من أن دساتير البلاد تنص على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فإن التابعين للمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية في البلاد، العاملين بالكتاب والسنة، أعضاء في هذه المنظومة السلفية المتطرفة!!
فمتى ستتعلم الشعوب الدرس، وتفهم أن الإسلام الذي كان عليه رسول الله محمد، عليه السلام، لم يكن إسلام ابن حنبل، ولا إسلام ابن تيمية، ولا إسلام ابن عبد الوهاب؟!
«فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ».

(390) 2/11/2015 (شبهات مشروعة بشهادة المؤرخين الأوائل)
عدد المشاهدات : 190
لقد ذكرت في مقال سابق بعنوان «أهل السنة والجماعة بايعوا عليا حتى خرج عليه معاوية وقاتله .. فبايعوه! »: «إن ما أنقله من أحداث تاريخية لا يعني قبولي أو رفضي لها، فالتاريخ عندي تراث بشري لا يعلم حقيقته إلا الله تعال ى، وإنما أضعه أمام أنصار «الفُرقة والمذهبية»، ليقفوا على حقيقة تدينهم الوراثي المذهبي، وما حملته مصادرهم الثانية للتشريع من فتن ومصائب، تقتضي أن يخلعوا ثوب هذا التدين المذهبي».
وقلت: «ولقد حرصت أن أنقل هذه الأحداث من أمهات كتب المؤرخين الأُول، وهم: ابن قتيبة «توفي أواسط القرن الثالث الهجري»، البلازري «ت٢٧٩هـ»، اليعقوبي «ت٢٩٢هـ»، الطبري «ت٣١٠هـ».
لذلك سأكتفي في مقالي هذا بذكر الأحداث دون الإشارة إلى مرجعيها، وذلك لكثرتها، وثانيا لعلمي أن القارئ الكريم سيسهل عليه التعرف على ما إذا كانت مرجعية الخبر سنية أم شيعية، مع ملاحظة أن الصحيح عند السنة ضعيف عند الشيعة، والعكس صحيح!
هناك إشكالية فرضتها الأسباب التي دعت إلى إحداث الفتن الكبرى، بداية بمقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وتهاون جيشه وكبار الصحابة في فك حصاره الذي دام أربعين ليلة، وانتهى بقتله، وهي:
لقد كان للسيدة عائشة مكانة كبيرة في قلوب الصحابة، وشخصية قوية يُسمع لها ويُستجاب لأمرها، حتى أنها استطاعت أن تجهز جيشا صمد أمام جيش خليفة المسلمين علي بن أبي طالب لمدة عشرة أيام، فلماذا لم تفعل ذلك لفك الحصار عن خليفة المسلمين عثمان بن عفان؟! وأين كانت السيدة عائشة خلال فترة هذا الحصار؟!
لقد علمت السيدة عائشة بمقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان وهي عائدة من مكة متجهة إلى المدينة، وذلك عندما لقيها عبيد بن أم كلاب فسألته عن أحوال المدينة فأخبرها بمقتل عثمان، فقالت:
«ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالإجماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، واجتمعوا إلى علي بن أبي طالب، فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ويحك انظر ما تقول؟!».
قال: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين، فولولت فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين والله لا أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه، ولا أحق، ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلماذا تكرهين ولايته؟!
صاحت أم المؤمنين: ردوني ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قُتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه، فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟! فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت، فلقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر. قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولى الأخير خير من قولى الأول.
لقد عادت أم المؤمنين إلى مكة، واجتمع إليها الناس، وقالت لهم: «يأيها الناس إن عثمان قتل مظلوما والله لأطلبن بدمه»، وفي رواية: «يا معشر قريش إن عثمان قد قتل، قتله علي بن أبي طالب، والله لأنملة، أو قالت لليلة، من عثمان خير من علي الدهر كله».
وكان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام قد سألا عليا أن يوليهما البصرة والكوفة فرفض، فكان ذلك من أسباب خروجهما عليه، فبايعاه تقية حتى يسمح لهما بالخروج من المدينة، فيتمكنا من السفر إلى مكة واللحاق بأم المؤمنين عائشة!!
لقد نكث طلحة والزبير بيعتيهما لعي بعد أن سمح لهما بالخروج، وأصبحا من كبار قادة جيش السيدة عائشة، ولما علم عليّ بموقفهما قال: إنه قد بايع أبا بكر مرغما، ومع ذلك فقد ألزم نفسه بشروط هذه البيعة، ولم ينكث بيعته أبى بكر ولا عمر ولا عثمان.
والحقيقة أن الخلاف حول مبايعة طلحة والزبير للخليفة علي، وهل كانت طوعا أم كرها، أم طوعا وفي نيتهما الخيانة والغدر، خلاف قد حسمه واقع الصراع الطائفي، وقيادتهما جيش السيدة عائشة في مواجهة جيش خليفة المسلمين علي بن أبي طالب.
لقد استقر الرأي على مسير جيش السيدة عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة لمواجهة جيش علي، وفي الطريق مر الجيش بـ «ماء الحوأب»، وهو مكان للماء قريب من البصرة، فنبحتهم كلابه، فسألت السيدة عائشة عن اسم مكان هذا الماء الذي مروا به، فقيل لها: إنه «ماء الحوأب»، فضربت عضد بعيرها وأناخته وقالت: أرجعوني فقد سمعت رسول الله يقول وعنده نساؤه: «كأني بإحداكن قد نبحتها كلاب الحوأب وإياك أن تكوني أنت يا حميراء».
والسؤال: إذا كانت السيدة عائشة قد سمعت هذا الحديث من رسول الله، فلماذا لم ترجع بعد أن علمت أنها المقصودة به؟! لماذا لم تطع حديث النبي؟! أم أن طاعة النبى ومعصيته لا يملك مفاتيحها إلا أئمة الجرح والتعديل؟!
هل خالفت أم المؤمنين عائشة سنة النبي بعدم التزامها بالتحذير الذي وجهه لها مباشرة: «وإياك أن تكوني أنت يا حميراء»، ومع هذا التحذير استمرت في معركتها مع جيش علي، والتي أسفرت عن سفك دماء آلاف الصحابة؟!
ولكن الغريب أن يخرج علينا من يبرر استمرار السيدة عائشة في مسيرها بدعوى أن فريقا ممن كانوا حولها خدعوها، وقالوا لها إن هذا ليس هو مكان «ماء الحوأب»!!
ولو أنها رجعت لأنقذت الأمة الإسلامية من كل الفتن الكبرى والمصائب التي حلت بها إلى يومنا هذا؟!
أما خليفة المسلمين علي بن أبي طالب فقد خرج لمواجهة جيش السيدة عائشة باعتباره الفئة الباغية الناكثة لبيعته، المخالفة لسنة النبي، ومن هذه السنة التي نسبوها إلى النبي، لإثبات شرعية موقف علي في قتاله جيش السيدة عائشة، أن النبي قال للزبير بن العوام: «ستقاتله وأنت له ظالم».
وفي رواية أن النبي قال لعلي: «أما إن ابن عمتك هذا سيبغى عليك ويريد قتالك ظالما». وفي رواية أخرى وجدناهم يقولون، إن علي بن أبي طالب فى أثناء معركة الجمل، سأل الزبير: هل تذكر قول النبي لك «ستقاتله وأنت له ظالم»، فأجاب: اللهم نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا»، الأمر الذي دفع الزبير إلى ترك المعركة!!
إذن، وحسب هذه الرواي ة، فإن الزبير ترك المعركة طاعة للنبي، بعد أن تذكر حديثه، ولكن الغريب أن يقابله ابنه عبد الله بن الزبير وينعته بالجبن لأنه ترك المعركة، فيغير الزبير رأيه ويعود مرة أخرى إلى المعركة، بعد أن أعتق غلامه كفارة عن قسمه!!
فهل كان الزبير يخدع عليا عندما قال له: «اللهم نعم»، وهو يعلم عدم صحة هذا الحديث المنسوب إلى النبي، لذلك عاد إلى القتال مرة أخرى؟!
إذن فحتى عصر كبار الصحابة، وفي حياة خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وهو إمام الشيعة «ت٤٠هـ»، ثم ما بعد عصر الخلافة الراشدة وإلى عصر التدوين، لم تكن هناك مدونات موثقة من السلطة الحاكمة يمكن عن طريقها معرفة حقيقة المرويات والأحداث التاريخية التي كانت منتشرة على ألسنة الرواة، ومنها كل مرويات الفتن الكبرى!!
لذلك لم يكن غريبا أن يختلف المؤرخون من السنة والشيعة حول ملابسات مقتل الزبير بن العوام، وهو من كبار الصحابة المبشرين بالجنة، ففي الوقت الذي يبرئ فيه الشيعة ساحتهم من مقتله، يرى أهل السنة أن مقتله كان بسبب موقفه من علي، وأن مقتله جريمة ارتكبت في حق الإسلام!!
أما عن ملابسات مقتل طلحة بن عبيد الله في موقعة الجمل «٣٦هـ»، وهو أيضا من المبشرين بالجنة، فيرى أهل السنة أنه أعلن قبل موته ندمه عن تخاذله وتهاونه في نصرة عثمان، وفريق آخر حمل مروان بن الحكم مسؤولية قتله ثأرا لبني أمية!!
ويرى الشيعة أن هذا الاعتراف يُسقط عن علي تهمة الضلوع في مقتل عثمان، ويجعل خروج السيدة عائشة للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان في غير محله!!
وأمام كل هذه الإشكاليات التي واجهت أئمة السلف عند تدوين أمهات الكتب، من تفسير وحديث وفقه وتاريخ، والتي تُسقط عدالة كل من كان له دور في أحداث الفتن الكبرى، وذلك بأي صورة من الصور، خرج علينا من أهل السنة من يدّعون أن وراء كل هذه المصائب التي حلت بالمسلمين شخصية يهودية تدعى «عبد الله بن سبأ» هي التي قامت بدور رئيس في مقتل عثمان، وفي معركة الجمل، وذلك لرفع المسؤولية عن الصحابة حتى لا تسقط عدالتهم!!
فإذا أردنا الوقوف على المصدر الرئيس لهذا الخبر، وجدناه «سيف بن عمر»، وهو عند علماء الجرح والتعديل مطعون في ضبطه وعدالته!! أما إذا أردنا الوقوف على المؤرخ الرئيسى الذي نقل عنه دور عبد الله بن سبأ في فتنة عثمان والجمل، وجدناه «الطبري»، وهو عند علماء الجرح والتعديل ليس بالثقة!!
والسؤال: هل يستطيع شخص واحد اسمه «عبد الله بن سبأ»، أن يكون وراء كل هذه الفتن، التي استطاعت في فترة زمنية وجيزة أن تغير مجرى التاريخ لصالح أعداء الإسلام، خصوصا إذا علمنا أن المؤرخين يُرجعون عدم إتمام الصلح بين السيدة عائشة وعلي إلى نجاح المؤامرة التي قام بها ابن سبأ، والتي أدت إلى اشتباك الطرفين؟!
لقد حٓمٓل ما يُسمى بالمصدر الثاني للتشريع إشكاليات لا وزن لها عن التحقيق العلمي، ولا تساوي قيمة المداد التي كتبت به، ولا الصفحات التي دُونت عليها، لذلك أسأل أئمة الخلف:
كيف تجعلون هذا المصدر الثاني للتشريع، الذي حمل أمهات كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ، عند كل الفرق الإسلامية، مصدرا تستقون منه أحكام الحلال والحرام، باعتبارها وحيا إلهيا باسم «السنة النبوية»، وقد آتاه الباطل من بين يديه ومن خلفه؟!
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

(391) 6/11/2015 (الإسلام.. إسلام الآية القرآنية)
عدد المشاهدات : 182
لقد خُتمت «النبوة»، وبدأ عصر تتحمل فيه البشرية مسؤوليتها في التعامل المباشر مع رسالة الله و«آيته القرآنية»، القائمة بين الناس إلى يوم الدين، وأصبح هناك سبيلان للدخول فى الإسلام: الأول، باب «الآية القرآنية»، والثاني، باب «الإسلام الوراثي».
الأول، باب «الآية القرآنية»: التعامل المباشر مع كلام الله، وآيات ذكره الحكيم، من خلال تعلم ودراسة نصوص رسالته الخاتمة، القرآن الحكيم، وهو الباب الذي دخل منه النبى، عليه السلام، وصحبه الذين رضى الله عنهم، ويدخل منه الناس إلى يوم الدين، وليس للإسلام باب غيره.
ولقد سمى الله تعالى المسلمين الداخلين من باب الآية القرآنية «الربانيين»، ووصفهم في كتابه الحكيم بقوله:
«مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ».
إن الإسلام دين العلم، و«الربّانيون» هم العلماء الذين وقفوا على فاعلية آيات الكتاب في الآفاق والأنفس، في كل مجالات العلوم المختلفة، لذلك يستحيل أن يصل المرء إلى «الربانية» دون تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر … ، آليات عمل القلب.
والذين يتصورون أن نصوص «الآية القرآنية» يمكن أن تُفهم دون منهجية علمية، تحمل أدوات لفهم سياقاتها وعطاءات كلماتها، للوصول إلى درجة «الربانية»، هؤلاء واهمون، متناقضون في اجتهاداتهم، يُضلون الناس بتأويلات عشوائية متناقضة لا علاقة لها بالفهم الواعي لمنظومة «الآية القرآنية».
إن المسلمين، قبل غير المسلمين، لا يصدقون أن القرآن الذي بين أيديهم اليوم «آية إلهية»، وأنها البرهان الوحيد الذي يملكونه لإثبات صدق «نبوة» النبي الخاتم محمد، عليه السلام، وأنها لا تقل في حجيتها عن «الآيات الحسية» التى أيد الله بها الرسل السابقين، ورآها الناس بأم أعينهم، كعصى موسى، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله…، بل إن القرآن هو الذى حفظ خبر هذه الآيات الحسية للناس.
ألم يكن الله تعالى قادرا على أن يجعل آيات هذا القرآن تخرج من المصحف بمجرد تلاوتها، فتكون آية حسية يشاهدها الناس؟! ألم يكن الله تعالى قادرا أن يجعل آيات هذا القرآن تسبح في الهواء أو تمشي على الماء؟! ألم يكن ذلك معينا على إيمان الناس وتصديقهم بنبوة رسول الله محمد، عليه السلام، والإقرار بأن هذا القرآن حقا من عند الله؟!
هل يعلم أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة لماذا لم تأت آية النبى الخاتم حسية تراها الأعين؟! الجواب: لأن مفعول الآية الحسية ينتهي بوفاة النبى الحامل لها، ولذلك جاءت آية النبي الخاتم آية عقلية تراها القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر …، فهى ليست مرتبطة بشخص النبى!
وهل يعلم أنصار وأتباع المنظمات المتطرفة الإرهابية، التي أصبحت اليوم تشكل تهديدا حقيقيا لشعوب العالم وهي ترفع راية الإسلام، أن هذا القرآن ليس ورقا يحمل جملا وكلمات عربية، يوظفونها لصالح شريعتهم الجهادية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما يحمل فى ذاته «آية إلهية»، لن يقبل الله تعالى إسلام المرء إلا إذا دخل من بابها، فهل دخلتم الإسلام من هذا الباب؟!
لقد تعامل المسلمون مع القرآن باعتباره كتابا إلهيا، ككتب الرسل السابقين، يدرسون آياته، ويبحثون في إعجازه العددي، وفي حرفه ورسمه …، ويقدمون الأبحاث العلمية عن موضوعاته، ويقرؤونه في المناسبات، وفي الصلاة وتراويح رمضان…، تماما كما فعل أهل الكتب السابقة.
لقد غاب عن أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية أن أهل الكتب السابقة ما كانوا ليؤمنوا برسولهم دون برهان يثبت أنه رسول الله، فلولا عصا موسى ما آمن أحد بالتوراة، ولولا الآيات الحسية التي أيد الله بها عيسى ما كانوا ليؤمنوا بالإنجيل، ولولا «الآية القرآنية» ما آمن أحد بالنبى الخاتم محمد.
إنه مع إيماننا بأن العلوم والمعارف، والتقنيات…، سلسلة مت صلة الحلقات، ومع اعترافنا بأنه لولا حلقات السلف ما وصلت هذه المعارف إلى الخلف، فإننا نؤمن بأن مجىء رسالة الله الخاتمة «آية قرآنية» حجة على العالمين إلى يوم الدين، وأن حجيتها ليست بشرية، ولا تاريخية، ولا تراثية دينية، وإنما في تفاعل آياتها مع آيات الآفاق والأنفس، تفاعل كل عصر، حسب متطلباته وتحدياته.
لقد جاء الأمر بتدبر القرآن للناس كافة، وليس لفئة معينة، لذلك كان على الناس أن يتعلموا كيف يتدبرون القرآن، لا من خلال تراث المسلمين الدينى، ¬وما حمل من أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، وإنما من خلال المنهجية العلمية التي اشترط القرآن اتباعها، وما حملته من أدوات مستنبطة من ذات النص القرآنى، يستحيل فهم أحكام القرآن بمعزل عنها.
إن علماء كل عصر، بتخصصاتهم العلمية المختلفة، مصابيح هداية وإرشاد للناس، ونقل خبرات علمية وتقنية، إنهم والناس جميعا طلاب علم أمام نصوص «الآية القرآنية»، فليس فى الإسلام رجال تفسير وحديث وفقه، فكل هذه التخصصات الدينية ظهرت بعد عصر الخلافة الراشدة، بعد أن تفرق المسلمون إلى فرق عقدية وتشريعية متخاصمة متقاتلة.