

(435) 28/3/2016 (هل كان الغزالي منكرا للسنة، مزدريًا للدين الإسلامي؟)
عدد المشاهدات : 219
في فصل بعنوان « في عالم المرويات »، من كتابه «الطريق من هنا»، قال الشيخ محمد الغزالي:
«ولأترك ما قاله صاحب إظهار الحق، ولأعد إلى حوار الباقلاني مع ملك الروم! إنني لو كنت مكان الرجل، وسألني هذا القيصر عن «انشقاق القمر» لقلت له كلاما آخر، لقلت له:
أيها الإمبراطور الكبير إن سلفا عظيما سبقك في حكم الرومان، جاءه كتاب من رسولنا يقول له فيه: «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين»، ثم يختم كتابه بقوله تعالي:
«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَ عْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
أيها الإمبراطور، إن نبينا عندما كاتب سلفك، لم يذكر له خارقة من خوارق العادات التي عرضت له، وإنما خاطب عقله، واستثار أنبل ما في نفسه، وذكر له أنه باق على إسلامه هو لله، إن أبى الإمبراطور متابعته على ما جاء به، وأشهده على ذلك، فإن رفض ملك الروم هذه الإجابة مني قلت له:
إن شرحت صدرًا بعقيدة التوحيد، ورفضت من الناحية التاريخية انشقاق القمر، وتوقف الشمس، فأنت مسلم مقبول الإيمان، ولا يصدنك عن دين الله خبر راو من الرواة حفظ أم نسي، واعلم أن من مفكري المسلمين ومفسري دينهم من اعتبر الانشقاق من أشراط الساعة، وأن من المتكلمين من توقف في أخبار الآحاد، كما قال إبراهيم النظام: «إن القمر لا ينشق لابن مسعود وحده»، وابن مسعود هو الذي روي عنه الحديث المذكور.
ربما قال لي قائل: كيف تتهاون في حديث صحيح على هذا النحو؟!
وأجيب: إن رد حديث بالهوى المجرد مسلك لا يليق بعالم، وقد رد أئمتنا الأولون أحاديث صحاحًا لأنها خالفت ما هو أقوي منها عقلا ونقلا، وبذلك فقدت مقومات صحتها، ومضى الإسلام بمعالمه ودعائمه لا يقفه شيء!!
وقد قلت: إنني لا أربط مستقبل ديننا بحديث آحاد يفيد العلم المظنون، وأزيد الموضوع بيانا فأقول:
إنني أومن بخوارق العادات، وأصدق وقوعها من المسلم والكافر والبر والفاجر، وأعلم أن قانون السببية قد يحكمنا نحن البشر، بيد أنه لا يحكم واضعه تبارك وتعالى!!
وعندما قرأت حديث الانشقاق شرعت أفكر بعمق في موقف المشركين، إنهم انصرفوا مكذبين إلى بيوتهم ورحالهم بعدما رأوا القمر فلقتين عن يمين الجبل وشماله وقالوا: سحرنا محمد، ومضوا آمنين سالمين لا عقاب ولا عتاب، قلت: كيف هذا؟!
في سورة الأنبياء يحكي الله سبحانه سر كفر المشركين بنبيهم محددين مطلبهم منه:
« بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ »
ويحكي القرآن لماذا لم يجابوا إلى طلبهم، يقول الله تعالى في سورة الأنبياء:
«مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا، أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ»؟!
إن التكذيب بعد وقوع الخارق المطلوب يوجب هلاك المكذبين، فكيف يترك هؤلاء المكّيون بدون توبيخ ولا عقوبة، بعد احتقارهم لانشقاق القمر؟! ويؤكد القرآن الكريم هذا المنطق في سورة الإسراء:
«وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا، وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا».
فإذا كان إرسال الآيات ممتنعا لتكذيب الأولين بها، فكيف وقع الانشقاق؟! بل كيف يقع أو يقع غيره، والله يقول في سورة الحجر:
« وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ».
ثم إن المشركين في مواطن أخرى ألحوا في طلب الخوارق الحسية كقوله في سورة الأنعام:
«وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا، قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ، وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ»
فلماذا لم يقل لهم: سبق أن انشق لكم القمر فكذبتم؟! أيمر هذا الحدث ليعقبه صمت تام؟!
وفي سورة أخرى قيل للكافرين وهم ينشدون المعجزات الحسية: حسبكم القرآن، فيه مقنع لمن نشد الحق، كقوله في سورة العنكبوت:
«وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».
إن مئات الآيات، في سور كثيرة طوال العهد المكي، دارت في إثبات الرسالة على محور إيقاظ العقل وتعريفه بربه، واعتبار صاحب هذا الوحي إمام السائرين إلى الله المعتصمين بحبله، وتجاوزت مقترحات الكفار أن يروا آية مادية معجزة.
من أجل ذلك لم أقف طويلا عند حديث الانشقاق وأبيت بقوة أن أربط مستقبل الدعوة به أو بغيره من أحاديث الآحاد التي تصطدم بأدلة أقوى منها، ولست بدعا في هذا المسلك فأبو حنيفة ومالك ردوا أحاديث من هذا الطراز عارضها من دلالات القرآن ما هو أقوى منها.
إننا لا ننكر الخوارق من حيث هي، وإنما نناقش الأسانيد التي جاءت بها، ونوازن بين دليل ودليل، وإيماننا بالخوارق هو الذي جعلنا نحن المسلمين نصدق بميلاد عيسى من غير أب، فالقرآن قاطع في هذه القضية، وإذا ثبت قول الله فلا كلام لأحد» اهـ.
وقال الشيخ: «لقد رأيت الأمة الإسلامية محكومة بجملة من الأحاديث المتروكة والمنكرة والشاذة، ورأيت هذه الأحاديث تطرد أمامها المتواتر وا لمشهور والصحيح، كما تطرد العملة المزيفة العملة الصحيحة، ولا أدري كيف استطاعت هذه الأحاديث تنويم حملتها!!
ولا أزال أعجب كيف أن رجلا من أساطين المحدثين كابن حجر يعترف بحديث الغرانيق وهو أكذوبة غليظة وإن كان يضعفه، لكنه يري له أصلا!! أيُ أصل غفر الله لك؟!
وكذلك فعل مع حديث «أفعمياوان أنتما؟!»، مع أن الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم ترده، وتجعله حديثا لا وزن له!!
ورأيت ابن كثير يروي حديثا أن سورة الأحزاب كانت في طول سورة البقرة، وأن النسخ عرض لأكثرها فبقي منها ما بين أيدينا!! قلت أيُنزّل الله وحيا في نحو ثلاثين صفحة، ثم يمحو منه ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين صفحة، ويدع الباقي؟!
إذا لم يكن هذا الكلام علة تقدح في الحديث فما تكون العلل القادحة؟! هذا حديث لا يساوي المداد الذي كُتب به» اهـ.
وفي خطبة عن «السُنة النبوية»، بمناسبة المولد النبوي، قال الشيخ: «انفرد الإمام الشافعي وحده على أن قراءة الفاتحة في الصلاة فريضة، و حديث «لا يقتل مسلم بكافر» حديث صحيح، لكن الأحناف ردوه، قالوا: إن الله يقول: «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، وبعدها قال: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله»، ومعنى النفس بالنفس: أن المسلم إذا قتل كافرا قتل به، ورفضوا الحديث مع صحته.
وقال الشيخ: يرى الإمام مالك أن عمل أهل المدينة مقدم على حديث الآحاد ولنضرب مثالا:
روى العلماء الرواة في صحيحهم أن قبل المغرب ركعتين سنة لمن شاء، لكن الإمام مالك بنى مذهبه على كراهية ركعتين قبل المغرب، لماذا؟!
قال: أهل المدينة أعرف بسنة رسول الله وألصق بحياته وأدرى بما فعل، ولقد عاهدتهم مطبقين على أنه لا ركعتين قبل المغرب، وبنى سنته ومذهبه على هذا، ليكن هو حر، غيره رأى أنه تقبل ركعتان قبل المغرب ولا حرج!!
وقال الشيخ: من الأحاديث التي ردها الأحناف والمالكية معا حديث الرضاع، وهو حديث رواه مسلم في صحيحه: «كان مما نزل عشر رضعات يحرمن نسخن بخمس يحرمن ثم مات الرسول وهن مما يقرأ من القرآن»، رفض الأحناف والمالكية الحديث رفضا باتا، وبنوا أحكامهم ع لى غير ذلك، ولهم الحق.
وقال الشيخ: لما روي حديث «دنا الجبار فتدلى»، رفض العلماء جميعا هذا الحديث مع أنه صحيح في روايته، وقالوا إن الذي دنى فتدلى هو جبريل، وأوهم الراوي!!
ثم تدبر ماذا قال بعدها: «لا يعطل نص قرآني بتاتا لحديث ورد أبدا».
وقال الشيخ: «إن الأمة الإسلامية اليوم تتعرض من بعض دعاتها وعلمائها، الذين أخذوا مواقعهم على قمة الدعوة الشعبية الجماهيرية، لنوع من التسكع الفكري، وفوضى الثقافة الإسلامية، والضحية في ذلك هي الأمة، الأمة التي شغلها علماؤها بالمسائل الفرعية التافهة، وعمقوا في صفوفها الخلاف والفرقة والتشرد.
ما ذنب رجل الشارع أن نشغله بالمسائل التخصصية الفقهية التي لا يعلمها ولن يفهمها إلا أهل الاختصاص؟! لو أن مسلما مات ولم يقرأ شيئا من الكتب إلا كتاب الله تعالى، وعمل بما فيه، ما سأله الله تعالى عن عدم قراءته لصحيحي البخاري ومسلم!!
وعن مسألة الإجماع قال الشيخ: «فالإجماع الذي هو حجة، على ما قيل فيه، هو اتفاق جميع المجتهدين على حكم شرعي، ولم يقل أحد إنه اتفاق الأكثرية أو الجمهور، فالأمر ليس أمر تصويت بالعدد!! صحيح أن لرأي الجمهور وزنا يجعلنا نمعن النظر فيما خالفه، ولا نخرج عنه إلا لاعتبارات أقوي منه، ولكنه ليس معصوما على كل حال!!
كم من صحابي انفرد عن سائر الصحابة برأي لم يوافق عليه سائرهم ولا يضره ذلك، وكم من فقهاء التابعين من كان له رأى خالفه آراء الآخرين، ولم يسقط ذلك قوله، فالمدار على الحجة لا على الكثرة، وكم من الأئمة الأربعة من انفرد عن الثلاثة بآراء وأقوال مضى عليها أتباع مذهبه مؤيدين ومصححين.
والمذاهب الأربعة، على مالها من اعتبار وتقدير لدى جمهور الأمة، ليست حجة في دين الله، إنما الحجة ما تستند إليه من أدلة شرعية منقولة أو معقولة، وما يقال عن بعض الآراء: إنها شاذة أو مهجورة أو ضعيفة، فهذا لا يؤخذ على إطلاقه وعمومه، فكم من رأى مهجور أصبح مشهورا، وكم من قول ضعيف في عصر جاء من قواه ونصره، وكم من قول شاذ في وقت هيأ الله له من عرف به وصححه، وأقام عليه الأدلة حتى غدا هو عمدة الفتوى» اهـ.
وفي مُدارسة بعنوان «كيف نتعامل مع ا لقرآن»، وعن مقابلة تمت بينه وبين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وهو من علماء الحديث، قال له: أريد أن أعرف منك حكاية قرأتها، وبحاجة لأن أعرفها، الذهبي عندما مر بحديث «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب»، والحديث رواه البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع، قال: لولا جلالة الحافظ أبي عبد الله البخاري، النفس فيها شئ من هذا الحديث، لكني لا أكذبه!!
فالذهبي لا يريد أن يقول إن في الحديث كلامًا، لكن هناك مَن قال: إن في رواة البخاري كلاما، وذكرت له فلانا وفلانا، ونفس الأسماء التي وردت في كتاب المغاربة، فسكت قليلا ثم قال: هذه الأسماء أثيرت حولها شكوك لكن تجاوزوها، وليس لها قيمة، قلت له: لماذا؟ إذا كان هناك شخص متهم بالوضع؟!
وفي رأيي أن الكلام في بعض رجال الصحيحين له أصل، والذين رفضوا بعض أحاديث في البخاري أو مسلم لهم عذرهم، كل القراء تقريبا وكل المصاحف تقول: إن المعوذتين سورتان مكيتان، وكلام البخاري يفيد أن المعوذتين مدنيتان ومن آخر ما نزل» اهـ.
وعن إعمال العقل فيما ورثته الأمة من «مرويات»، يقول الشيخ في كتابه: «تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل»، تحت عنوان «ينهون عن التقليد ويقلدون»، عن قضية رمي الجمار في الحج:
«وقد اختلف الفقهاء في حكم الرمي نفسه كما في الفتح: فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم، وعند المالكية أنه سنة مؤكدة، وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه، ومقابله قول بعضهم: إنما شرع الرمي حفظا للتكبير، فإن تركه وكبر أجزأه، حكاه ابن جرير عن عائشة وغيرها.
ويقول بعض الإخوة: إن الرأي الذي ينفرد به فقيه أو اثنان خلافا لجمهور الأمة يجب ألا يعتد به ولا يعول عليه، وقال غيرهم: إن ما خالف المذاهب الأربعة التي تلقتها الأمة بالقبول، يجب أن يرفض ولا يقام له اعتبار، والحق أن هذا كله لا يقوم عليه دليل من كتاب أو سنة» اهـ.
وفي نفس الكتاب، وتحت عنوان «المفسرون أخطاء وخطايا»، يقول الشيخ: «القرآن الكريم أصدق ما بقي على ظهر الأرض من مواريث السماء، إن اليقين يحف كلماته حرفا حرفا، وتم الوعد الإلهي بحفظه، فهو مذ نزل إلى اليوم مصون، يقول تعالى في سورة الحجر: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».وكان يجب على مفسري القرآن بالأثر أن يتجاوبوا مع هذه الحقيقة، وأن يجنبوا تفاسيرهم كل ما فيه ريبة، وأن يلتزموا بما وضعه الأولون من شروط الصحة والقبول، فإن هذه الشروط جديرة بالاحترام كله.
إذا خالف الثقة من هو أوثق منه عددنا حديثه شاذًا ورفضناه، فإذا كان المخالف ضعيفًا وروى مالا يعرفه الثقات فحديثه منكر أو متروك، فلماذا يكثر في التفسير الأثري الشاذ والمتروك والمنكر؟!
بل كيف تروى حكايات هي السخف بعينه، يطبق المسلمون على إنكارها واستبعادها ومع ذلك تبقى مكتوبة يقرها ضعاف العقول فيضطربون لها؟!
انظر ما كتبه الخازن تفسيرا لقوله تعالى في سورة النساء: «
« لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا »
قال: اختلف العلماء في وجه نصبه، فحكي عن عائشة وأبان عن عثمان أنه غلط من الكتاب ينبغي أن يكتب «والمقيمون»، قال عثمان: إن في المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتهم، فقيل له: أفلا تغيره؟! قال: دعوه، فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا!!
وذهب عامة الصحابة وسائر العلماء ومن بعدهم إلى أنه لفظ صحيح ليس فيه خطأ من كاتب ولا غيره، وأجيب عما روي عن عائشة وعثمان وأبان بأن هذا بعيد جدًا، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والفصاحة، فكيف يتركون في كتاب الله لحنا يصلحه غيرهم؟! لا ينبغي أن ينسب هذا إليهم!!
وقال ابن الأنباري: ما روي عن عثمان لا يصح لأنه غير متصل، لنفرض أن السند متصل فما قيمته مع متن فاسد؟! إن الذين ينحصرون في السند ويعمون عن المتن لا ثقة بهم، طعن في السند، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا فاسدا ليصلحه غيره، ولأن القرآن منقول بالتواتر فكيف يمكن وجود اللحن فيه؟!
قد يقال: إن تفسير الحازن مشحون بالترهات والإسرائيليات، وإن الثقة به مهتزة، ووقوع هذه الهنات فيه، وإن كان مستهجنا، لا يجوز أن يكون مثار شكوى عامة!!
أقول: هذا صحيح ، لكن تسلل ذلك السخف إلى تفسير محترم كالقرطبي يسوغ غضبي، إن الخرافة انتقلت من الشام إلى الأندلس بسهولة، وإن كان المفسر الكبير قد أثبتها ثم عقب عليها بقول القشيري: هذا مسلك باطل، لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة فلا يظن بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل!!
وليت القرطبي ما ذكر ولا نكر، لعل ازدراءه للقضية كلها جعله يكتفي بهذا الرد الخافت، وإلا فهو يدري أن النقل الشفوي المتواتر هو أساس ثبوت القرآن، وأن الكتابة أداة تسجيل وحسب، وأن الحفاظ عن ظهر قلب كانوا جيشا كثيف العدد وأن الحكايات المتلصصة حول هذه الحقيقة لا تساوي قلامة ظفر، ولو نقلت في بعض كتب النوادر!!
وهناك رواية لأحمد في مسنده نقلها ابن كثير في تفسيره وهو مصدر من مصادر التفسير الأثرى، جاء فيها عن زرّ، قال لى أبي بن كعب: كأين تقرأ سورة الأحزاب؟! أو كأين تعدها؟! قلت: ثلاثًا وسبعين آية! فقال: قط لقد رأيتها وأنها لتعادل سورة البقرة…. إلخ.
وهذا كلام سقيم، فإن الله لا ينزل وحيًا يملأ أربعين صفحة ثم ينسخه أو يحذف منه أربعًا وثلاثين ويستبقي ست صفحات وحسب، وهذا هزل ما كان ليروى ، والمسند قد ترى فيه الأحاديث الواهية والموضوعات المرفوضة!!
وأنبه إلى أن ما يتصل بالقرآن لا يتحمل هذه الحكايات المنكرة، وفي المسند حديث عن الأحرف السبعة يثير الضحك، وقد رفضته الجماهير بداهة، ومع ذلك فإن النووي في شرحه لصحيح مسلم ذكر أن من الحروف السبعة أن تضع حكيما عليما مكان سميعا بصيرا ما لم تضع آية رحمة مكان آية عذاب!!
وهذه حكاية في غاية الغثاثة وما كان يجوز أن تذكر أو تنقل لكذبها، على أن هذه الموضوعات كلها تلاشت أمام حشود التواتر التي أحاطت بالوحي الخاتم، وتجاوزها العلماء بازدراء، وما عرضنا لها إلا لنلفت النظر إلى متحدثين في الإسلام بضاعتهم النقل الذي لا وعي معه، وحبذا لو ألف الأزهر لجانا علمية لتنقية التفاسير من أمثال هذه القمامات الفكرية فهي بإجماع المسلمين مرفوضة!!
هذه بعض المقتطفات، من المدرسة الفكرية للشيخ محمد الغزالي، وألفت النظر إلى قوله:
«لو أن مسلمًا مات ولم يقرأ شيئًا من الكتب إلا كتاب الله تعالى، وعمل بما فيه، ما سأله الله تعالى عن عدم قراءته لصحيح ي البخاري ومسلم»
وإلى قوله: «وحبذا لو ألف الأزهر لجانًا علمية لتنقية التفاسير من أمثال هذه القمامات الفكرية فهي بإجماع المسلمين مرفوضة»
وإذا كانت «القمامة»، تعني في اللسان العربي «الكناسة»، كما ذكر ابن منظور في اللسان:
«وقمامة البيت ما كسح منه فألقي بعضه على بعض، يقال: قم بيته يقمه قما إذا كنسه»
فإن السؤال:
هل لو كان الشيخ محمد الغزالي حيًا، كان من الممكن اتهامه بازدراء الدين الإسلامي ووضع في السجن، لأنه وصف الباطل الذي حمله التراث الديني بـ «القمامات الفكرية» وكتابه الذي حمل هذا الازدراء، موجود بين أيدي الناس منذ عام ١٩٩٢م؟!
محمد السعيد مشتهري
(436) 1/4/2016 (إشكالية أصدقاء الترانزيت)
عدد المشاهدات : 234
مازلت أواجه مشكلة كبيرة مع الذين يدخلون الصفحة «ترانزيت»، ويقومون بالتعليق على المنشورات، لمجرد أن العنوان استهواهم، أو شيّره لهم صديق «share»، وينتقدون ما جاء فيها بغير علم، لجهلهم بمشروعي الفكري، وما يحمله من أدوات لتدبر القرآن، واستنباط أحكامه!!
واللافت للنظر، أن الرد على كل الشبهات التي يثيرها «أصدقاء الترانزيت»، والإجابة على الأسئلة التي يطرحونها، موجود على هذه الصفحة، ولكنهم لا يملكون الوقت للاطلاع عليه، ومع أننا نضع لهم الروابط، ليسهل عليهم الاطلاع عليها، فإذا بهم لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يتدبرون، ويستمرون في جدلهم يعمهون!!
يقول أحدهم، تعليقا على منشور: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ»
[ما علاقة الجمل بسم الخياط؟! ولماذا لم يقل «حتى يلج البعير»، والبعير مذكور نصا في سورة يوسف؟! واذا كان الجمل تعني البعير فهذا ترادف محض في القرءان…، وما علاقة البعير بالإبرة والخيط؟! هل هذا منطقي؟! لماذا لم يقل مثلا «الحبل الغليظ»؟!
ويقول الأستاذ مجدي شحاته: [تفسير الآية الخاصة بعبور الجمل من ثقب الإبرة تحتاج فقط إلى قاموس للغة العربية، ولا تحتاج أي منهج، القرآن لا يحتاج بعد القاموس والعقل والقلب والضمير إلى مفاتيح أخرى. القرآن المفروض أن يكون سهل الفهم، وفي متناول جميع المسلمين الذين قد يفهموه بدرجات متفاوتة العمق، على حسب علمهم وقدراتهم. القرآن لا يجب أن يكون معقدا وعبارة عن مجموعة أسرار و ألغاز تحتاج إلى متخصصين أو نخبة قليلة تفسره لباقي المسلمين]!!
ثم يقول: [أنا مثلا أجد إنه من الغريب أن تبدأ آية بالتحدث عن فرد ثم تنتهي بالت حدث عن جماعة: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»]!!
ويسألني آخر: [هب أنك كنت غير مسلم، ولست من أتباع محمد «لنفرض مسيحي» ورسالتك غير محفوظة، ولمدة ٢٠٠٠ سنة ، فكيف تعرف أنك على خطأ وأنك من أصحاب النار، وأنت رسالتك محرفة، وأنت عشت وتربيت على أن المسيح ثالث ثلاثة من والديك وبيئتك ومحيطك…]!!
الأصدقاء الأعزاء
أولا: الإسلام دين العلم والعلماء
« فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » – «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» – « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» – «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ».
ثانيا: جهل المسلمين وتخلفهم ليس حجة على الإسلام، وإنما حجة عليهم، ولذلك هم الذين يدفعون إلى اليوم ثمن جهلهم وتخلفهم، وليس الإسلام.
ثالثا: الذين يتعاملون مع كتاب الله ككتاب إلهي، مثله مثل الكتب السابقة، هؤلاء لم يدخلوا الإسلام بعد، فكتاب الله الخاتم، قد حمل في ذاته «الآية العقلية» الدالة على صدق نبوة الرسول الذي جاء به، وهو رسول الله محمد عليه السلام، فيستحيل أن تؤمن بالرسول وأنت لم تؤمن بآيته!!
رابعا: عندما نتعامل مع كتاب الله، باعتباره «آية إلهية» كآيات الآفاق والأنفس، بل هو الذي جمع هذه الآيات وأرشدنا إليها، يجب أن نحمل منهجية علمية، وأدوات تيسر لنا هذا التعامل، لا تقل عن الأدوات العلمية التي يحملها علماء الآفاق والأنفس.
خامسا: نعم وألف نعم: القرآن لا يؤتي ثماره وعطاءه إلا للعلماء، الذين يعلمون البراهين الدالة على صحة ما يقولون، من مصادرها الموثقة علميا، وليسوا هم الذين يحملون «الشهادات» العلمية، فليس كل من هب ودب يتعامل مع القرآن ويستنبط أحكامه.
سادسا: إذا ذهبنا إلى لسان العرب لابن منظور، وكلمة «بعر»، وجدناه يقول: [البعير الجمل البازل «أي الذي انشق نابه في السنة الثامنة أَو التاسعة». والبعير في القرآن الحمار، وذلك أن يعقوب وأخوة يوسف، عليهم الصلاة والسلام، كانوا بأرض كنعان، وليس هناك إبل، وإنما كانوا يمتارون على الحمير، قال الله تعالى: «وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ»، أي حمل حمار، وكذلك ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره].
وعند كلمة «جمل»، يقول ابن منظور: [وقد ذكر عن ابن عباس أنه قرأ: الجمل بتشديد الميم، يعني الحبال المجموعة]، وحكي عنه أيضا: [فأما الجمل بالتخفيف، فهو الحبل الغليظ، وكذلك الجمل مشدد]
إذن فالكلمة القرآنية في اللسان العربي قد يكون لها أكثر من معنى، والذي يحدد المعنى المطلوب هو سياق الجملة القرآنية الذي وردت فيه.
سابعا: فإذا ذهبنا إلى سياق الجملة القرآنية: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ»، وجدنا أنه يستحيل فهمه بالاستعانة بقاموس مفردات القرآن فقط، بمعزل عن البناء البلاغي للجملة، لذلك كان من الضروري أن نكون على دراية بما يُعرف عند أهل اللسان لعربي بـ «علم البيان».
ثامنا: إن البناء البلاغي للجم لة القرآنية «علم»، نستطيع عن طريقه إثبات أصول الدين ببراهين عقلية قاطعة، تدحض حجج المعاندين المكابرين، وذلك عن طريق استنتاج النتائج الصحيحة من مقدمات صادقة، فكيف نقول: [القرآن لا يجب أن يكون معقدا وعبارة عن مجموعة أسرار و ألغاز تحتاج إلى متخصصين أو نخبة قليلة تفسره لباقي المسلمين]؟!!
لذلك لم يكن غريبا أن يقول الأستاذ مجدي شحاته: [أنا مثلا أجد إنه من الغريب أن تبدأ آية بالتحدث عن فرد ثم تنتهي بالتحدث عن جماعة: « وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»]، لأنه لا دراية له بـ «علم البيان»!!
تاسعا: إن في السياق الذي ورد فيه قوله تعالى: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ» مقدمتين:
الأولى: لا يدخل الكافرون الجنة، حتى يدخل الجمل «أو الحبل الغليظ» في خرم الإبرة.
الثانية: يستحيل أن يدخل الجمل «أو الحبل الغليظ» في خرم الإبرة.
النتيجة: يستحيل أن يدخل الكافرون الجنة أبدا.
وهذه النتيجة كانت هي موضوع المنشور: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ» والمقصد منه، فهل كانت تحتاج إلى كل هذا الشرح لتُفهم؟!
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
محمد السعيد مشتهري
(437) 3/4/2016 (أسئلة مشروعة، ولكن )
عدد المشاهدات : 239
السؤال الأول: هل الإسلام دين فطرة؟
الجواب: الإسلام دين «شريعة»، وليس دين «فطرة»، دين «شريعة إلهية» نزلت على النبي الخاتم محمد ليتبعها الناس، وليس دين «فطرة بشرية» يتبعها الناس حسب أهوائهم!!
يقولون: ولكن الله تعالى يقول عن الدين الإسلامي: « فِطْرَتَ اللّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا »؟!
وهنا أقول: هذه هي فائدة أن يكون متدبر القرآن على دراية بـ «علم السياق»، الذي يجهله كثير ممن يتبعون أهواءهم بغير علم، استنادا إلى بدعة «استفت قلبك وإن أفتاك الناس»!!
إن السياق الذي ورد فيه قوله تعالى: « فِطْرَتَ اللّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا »، لا علاقة له بأحكام الشريعة، التي يريد أن يتحلل منها «أهل الهوى»، وإنما يتعلق بملة «الوحدانية» التي قامت عليها أحكام الشريعة، ويستحيل أن نفهم هذا السياق بمعزل عن علم اللسان العربي، وما يحمله من أساليب بلاغية.
يبدأ السياق بمخاطبة «أهل الهوى»، فيقول تعالى:
« بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ »ثم تدبر ماذا قال الله بعدها:
« فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»
ثم تدبر قوله تعالى بعدها:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ »
إن كلمة «فطرة» من «الفَطْر»، أي «الخَلْق»، لقوله تعالى بعدها: «الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»، أي أن السياق يتحدث عن النظام الذي خلق الله النفس البشرية عليه، والذي بيّنه الله تعالى بقوله في سورة الشمس:
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا – فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا – قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا – وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»
إن الفطرة التي فطر الله الناس «جميعًا» عليها، أن خلقهم بأدوات وآليات تجعلهم يهتدون إلى ملة «الوحدانية»، بالوقوف على فاعلية آيات الله في الآفاق والأنفس، هذا لو أنهم عاشوا بمعزل عن «الآبائية» الضآلة المشركة: «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ».
إن الفطرة التي فطر الله الناس جميعا عليها، تأمر الناس أن يكونوا «حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ»، وذلك باتباع ملة أبيهم إبراهيم، الذي قال عنه الله تعالى:
« إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »
وبعد أن وضع الله تعالى القاعدة العامة للدين القيم، وهي قاعدة «الوحدانية»، وبعد أن وجه الخطاب إلى النبي والذين آمنوا معه، فقال تعالى:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ »
تدبر ماذا قال بعدها:
« مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
وهذا هو ما كان يجب أن يشغل بال «أهل الهوى»، وهم ينظرون حولهم في كل مكان، في بيوتهم، وبين أقاربهم وجيرانهم، وفي الأسواق، وعلى شاشات التلفاز، والله تعالى يصف هؤلاء المشركين بقوله:
« مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
ألا تخجلون وأنتم تَدْعون إلى مزيد من التحلل من ملة «الوحدانية»، باتباع أهوائكم، ومن أحكام الشريعة، بدعوى أن الدين يسر، فإذا بالذي يسره لكم هو هواكم، ثم تكون هذه هي القراءة القرآنية العصرية؟!
محمد السعيد مشتهري
(438) 3/4/2016 (أسئلة مشروعة، ولكن )
عدد المشاهدات : 232
السؤال الثاني: هل الإسلام يحتاج إلى وسطاء بين المسلم وبين الله؟!
الجواب: نعم، الوسطاء بين المسلم والله ضرورة شرعية، فالرسل وسطاء، والذين علّمونا في المدارس اللسان العربي، وعلم البيان، وسطاء، والذين نقلوا لنا المعارف ودلالات الأسماء، التي فهمنا بها كلام الله، وسطاء، والربّانيون الذين درسوا الكتاب وعلموه للناس وسطاء، يقول الله تعالى:
«مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ، وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ، بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ»
ووجود وسطاء لا يعني تعطيل آليات التفكر والتدبر والتعقل … آليات عمل القلب، لأن بتعطيلها يتحول الاتباع إلى تقليد أعمى، وهو محرم شرعا، وإنما مهمة الوسطاء أنهم مصابيح هداية على الطريق، يستحيل أن تسير فيه بدونها.
السؤال الثالث: هل فهم القرآن يتطلب من كل مسلم أن يضيع نصف عمره في دراسات متخصصة لكي يفهم القرآن؟!
الجواب: نعم، وبرهان ذلك موجود في جميع الدراسات العلمية المتخصصة الموجودة على هذه الصفحة، والتي أتمنى من الذين يخالفونني الرأي، أن يختاروا دراسة من هذه الدراسات، ويعيدوا صياغتها بمعزل عن الدراسات المتخصصة التي يجب أن يكون الكاتب على دراية بها.
السؤال الرابع: متى يُعمر المسلم الأرض، ويبني ويعمل، ويندمج في الحياة إذن؟!
الجواب: السائل ينطلق بسؤاله هذا من قاعدة الجهل والتخلف، الذي أصاب المسلمين بعد تفرقهم وتقاتلهم، ويجعل هذه القاعدة حاكمة على حقيقة الإسلام وجوهره، هذا الإسلام الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، الأمر الذي لا يمكن تحققه إلا إذا كان المسلمون، هم القوى العظمى التي تتحكم في مقدرات الشعوب اليوم!!
السؤال الخامس: هل مطلوب من المسلمين أن يسيروا قطيعا خلف المتخصصين أو الدارسين؟!
الجواب: الذين يسيرون «قطيعا» خلف المتخصصين أو الدارسين ليسوا بمسلمين، وارجع إلى إجابة السؤالين الثالث والرابع.
السؤال السادس: هل يمكن للمسلم يوم الحساب أن يتخذ من العالم أو من المنهج ذريعة لسلوكه؟!
الجواب: الذي يتخذ من العالم أو من المنهج ذريعة لسلوكه ليس بمسلم أصلا، بنص القرآن؟!
السؤال السابع: هل هناك تفسير واحد حتمي للقرآن لا يتغير على مدى العصور؟!
الجواب: السائل ينطلق من مدرسة تفسير السلف، ولا يعلم شيئا عن مدرسة «الآية القرآنية»، المتجددة العطاء على مر العصور، حسب إمكانات كل عصر الثقافية والعلمية والمعرفية، وإلا ما كانت «آية»!!
السؤال الثامن: لماذا لم يُنزل الله نصا صريحا واضحا قاطعا غير قابل لأكثر من تفسير في القرآن؟!
الجواب: ارجع إلى إجابة السؤال السابع!!
السؤال التاسع: هل المطلوب تفسير موحد دائم لجميع المسلمين؟! من يملك حق فرض تفسيره هو على باقي المسلمين؟!
الجواب: ارجع إلى إجابة السؤالين السابع والثامن!!
السؤال العاشر: في العالم اليوم ١٥٠٠ مليون مسلم، كم منهم تتوقع أن يتعمقوا و يدرسوا القرآن ليكتشفوا ألغازه و أسراره ويكونوا علماء كما يتطلب الأستاذ محمد مشتهري؟!
الجواب: السائل لا يعلم شيئا عن مشروع محمد مشتهري الفكري، ويفتري عليه الكذب ويقول: «كما يتطلب الأستاذ محمد مشتهري»!!
محمد مشتهري لا علاقة له بالمليار ونصف مسلم: « الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »، محمد مشتهري يُبيّن للناس ما هو الإسلام، الذي كان عليه رسول الله محمد، وصحبه الذين رضي الله عنهم، قبل ظهور الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، ثم بعد ذلك:
« لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ ا لْغَيِّ، فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، لَا انفِصَامَ لَهَا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »
محمد السعيد مشتهري
(439) 5/4/2016 (هل كان «أبو حنيفة» منكرا للسنة، مزدريًا للدين الإسلامي؟)
عدد المشاهدات : 4٬743
إن البحث في تاريخ الفرق والمذاهب الإسلامية بحث شاق، يتطلب الاطلاع على أمهات كتب التاريخ للوقوف على ما أجمع عليه المؤرخون من حقائق تاريخية، بعيدا عن المعالجات المذهبية التي حملت روح التفرق والتخاصم والتكفير بين أتباع الفرق المختلفة، حتى أصبح التفرق في الدين هو السمة المميزة للمسلمين، تحميه مؤسساتهم الدينية، وتقاتل في سبيل الدفاع عنه.
عندما ظهرت الفرق والمذاهب الكلامية العقدية، مع بداية القرن الثاني الهجري، كانت هناك مدرستان: «مدرسة الحديث»، وتسمى «مدرسة المدينة»، ومكانها مدينة رسول الله، و«مدرسة الرأي» وتسمى «مدرسة العراق» ومكانها الكوفة.
أولا: ظهرتْ «مدرسة الحديث» في مدينة رسول الله على يد التابعين، كسعيد بن المسيب «ت٩٤هـ»، وعُروة بن الزبير، »ت٩٤هـ«، وغيرهما، واكتملت ملامحها في عصر الإمام مالك بن أنس «ت ١٧٩هـ» إمام دار الهجرة، وأهم هذه الملامح أن يكون الحديث حاكما على الرأي.
لقد كان أصحاب «مدرسة الحديث» يثقون ثقة كبيرة في الأحاديث التي يروونها، وكانوا يقدمون أحاديثهم على أحاديث أهل الشام والعراق، باعتبار أنهم أهل المدينة، المتمسكون بسُنة النبي، ولذلك جعلوا من شروط صحة الحديث موافقته لعمل أهل المدينة.
ولقد اتهم أهل المدينة أهل العراق بوضع الأحاديث، لأنهم يقدمون العقل على النص، حتى قال المحدث الزهري «ت١٢٤هـ»: «يخرج الحديث من عندنا شبراً فيعود في العراق ذراعاً»، لذلك كان مالك يسمي الكوفة: «دار الضرب»، يقصد ضرب الأحاديث، أي صناعتها!!
والسؤال: إذا كان الأمر كذلك، وكانت هذه هي البيئة المذهبية التخاصمية التي انطلقت منها الفرق والمذاهب العقدية في القرن الثاني الهجري، فلماذا لم يخرج من مدينة رسول الله، «كتاب جامع للحديث النبوي»، يكون حجة يُرجع إليه لمعرفة الحديث الصحيح؟!
ثانيا: لقد كان للكوفيين دور رئيسي في نصرة الإمام علِي، واتخاذ الكوفة عاصمة للدولة الإسلامية، ونظرا لانفتاح الحياة الفكرية في العراق، ظهرت المذاهب الكلامية المختلفة، من معتزلة ومرجئة وغيرهما، وكانت تضع الأحاديث لإثبات صحة وحجية مذاهبها!!
وبعد انتقال علي بن أبي طالب إلى الكوفة، وجعلها عاصمة الخلافة، وتولى تعليم أهلها، اكتملت ملامح »مدرسة الرأي«، وساعده في ذلك عبد الله بن مسعود، وسعد ابن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، وكثير من فقهاء الصحابة.
لقد كان عبد الله بن مسعود يعتمد كثيرًا على الرأي والاجتهاد في فتاواه، وكان من تلاميذه عَلْقمة بن قيس النخعي، وعن علقمة أخذ إبراهيم بن يزيد النخعي العلم، وعن إبراهيم أخذ حماد بن أبي سليمان العلم، وعن حماد أخذ أبو حنيفة النعمان العلم، وكان من أشهر أئمة »مدرسة الرأي« في النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
يقول ابن خلدون في مقدمته: «وكان الحديث قليلًا في أهل العراق، فاستكثروا من القياس ومهروا فيه، فلذلك قيل (أهل الرأي)، وكان أهل الحجاز أكثر روايةً للحديث من أهل العراق..، والإمام أبو حنيفة إنما قلَّتْ روايته للحديث لما شدد في شروط الرواية والتحمل».
والسؤال: إذا كان الأمر كذلك، ووقف كبار وفقهاء الصحابة بجوار خليفة المسلمين علي بن أبي طالب في الكوفة، يُعلّمون الناس دينهم، فلماذا لم يخرج من العراق، «كتاب جامع للحديث النبوي»، يكون حجة يُرجع إليه لمعرفة الحديث الصحيح؟!
لماذا ظهرت أصح الكتب الجامعة للحديث النبوي، التي يتبعها المسلمون اليوم، في القرنين الثالث والرابع الهجريين، فظهر عند أهل السُنة صحيح البخاري «ت٢٥٦هـ» وظهر عند الشيعة صحيح الكافي «ت٣٢٩هـ»، بعد أن انتشرت المذاهب العقدية التخاصمية التكفيرية بين المسلمين؟!
لماذا لم يظهر «الكتاب الجامع للحديث النبوي» في القرن الأول أو الثاني، إذا كانت هذه الأحاديث حقا «سُنة نبوية» مبينة ومكملة لأحكام القرآن؟! وهل يشفع لأئمة السلف قولهم: إن أئمة القرنين الأول والثاني كانوا أئمة في الفقه وليس في الحديث؟!
ألم يكن كتاب الله في بيوت المسلمين ومساجدهم؟! فأين «الكتاب الجامع للحديث النبوي»، الذي يدّعي أئمة السلف والخلف أنه حمل الوحي الإلهي، والذي من المفترض أن يكون موجودا بعد وفاة النبي مع كتاب الله في بيوت المسلمين ومساجدهم، ليكون حجة ومرجعًا لهم؟!
إنه يستحيل أن يخرج علينا في يوم من الأيام مَن يخبرنا بأن هذا «الكتاب الجامع للحديث النبوي» موجود مع كتاب الله في بيوت المسلمين ومساجدهم، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، لأننا سنسأل: أين هو؟!
فلماذا خدع أئمة الفرق والمذاهب المختلفة المسلمين، وجعلوهم يعيشون في عالم «المرويات»، بدعوى أنها من الدين الإلهي الذي يكفر منكره؟!
إن من أشهر مذاهب أهل السنة مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان «ت١٥٠هـ»، الذي كان يرى أن «الإمامة» ليست أصلا من أصول الإيمان، وكان معاصرا لإمام الشيعة جعفر الصادق «ت١٤٨هـ«، الذي كان يرى أن «الإمامة» أصل من أصول الإيمان، وأن عليًا كان أحق بها بعد وفاة النبي، فلماذا تفرق الإمامان في الدين، ولم يجتمعا على مذهب واحد، هو ما كان عليه النبي وصحبه الذين رضي الله عنهم؟!
تعالوا نلقي نظرة سريعة على هذه البيئة المذهبية التخاصمية التي سبقت عصر تدوين أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ونضرب المثل بالإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، «ت١٥٠هـ»، الذي انطلقت في وجهه سهام التخاصم والتكفير، واتُهم بمعصية الله ورسوله.
(أولا): لم يرو البخاري «ت٢٥٦هـ»، ومسلم «ت٢٦١ًًهـ» عن أبي حنيفة حديثا واحدًا، بل اعتبره البخاري من الضعفاء المتروكين، وروى في تاريخه الصغير أن سفيان لَمَّا نُعي أبو حنيفة قال:
«الحمد لله، كان ينقض الإسلام عروة، ما وُلد في الإسلام أشأم منه»، وقال في التاريخ الكبير: «كان أبو حنيفة مرجئاً، سكتوا عن رأيه وعن حديثه».
لماذا قال البخاري »ت٢٥٦هـ«، بعد قرن من الزمن عن أبي حنيفة »ت١٥٠هـ«: «سكتوا عن رأيه وعن حديثه»، لأنه كان «مرجئاً»؟!
كما يرى ابن حبان «ت٣٥٤هـ» عدم جواز الاعتماد على روايات أبي حنيفة فيقول: «ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج بخبره لأنه كان داعياً لـ «الإرجاء»، والداعية إلى البدع لا يجوز أن يُحتج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم خلافاً على أنّ أئمة المسلمين وأهل الورَع في الدين في جميع الأمصار وسائر الأقطار جرّحوه».
فماذا يعني: أن أبا حنيفة كان داعياً لـ «الإرجاء»، وأن الإرجاء بدعة لا يجوز أن يُحتج بصاحبها عند أئمة أهل السُنة قاطبة؟!
يقول ابن منظور، في لسان العرب، مادة «رجا»: «المرجِئة صنف من المسلمين يقولون: الإيمان (قول بلا عمل)، كأنهم قدَّموا القول وأرجؤوا العمل، أي أخّروه، لأنهم يرون أنهم لو لم يصلّوا ولم يصوموا لنَجّاهم إيمانهم».
ويقول ابن عبد البر «ت٤٦٣هـ»، في «الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء»، باب ذكر ما ذُمَّ به أبو حنيفة: «ممن طعن عليه وجرحه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه في الضعفاء والمتروكين: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نع يم بن حماد: نا يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استُتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين»!!
ويقول: «كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لردِّه كثيرًا من أخبار الآحاد العدول؛ لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن، فما شذَّ عن ذلك ردَّه وسمّاه شاذًّا».
إذن فقد كان لأبي حنيفة موقف من الأحاديث عامة، لأن معظمها آحاد!!
ويقول ابن عبد البر بعدها: «وكان مع ذلك أيضًا يقول: الطاعات من الصلاة وغيرها لا يُسمى إيمانًا، وكل مَن قال من أهل السنة: الإيمان قول وعمل، ينكرون قوله ويبدّعونه».
إذن فقد كان لأبي حنيفة موقف من مسألة «الإيمان قول وعمل»، فهو يذهب مذهب «المرجئة»، الذين يقولون إن الإيمان تصديق وقول بلا عمل، وبذلك يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان، فمن قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو مرجئ.
ويقول الشهرستاني «ت٥٤٨هـ» في الملل والنحل عن المرجئة: «يقولون: لا تضر م ع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة».
ولا أريد أن أشغل القارئ الكريم بالخلاف القائم بين المحدثين وأصحاب المذاهب الكلامية حول «الإرجاء» وطوائفه المختلفة، وهل الأعمال داخلة في الإيمان أم لا، وهل الإيمان يزيد وينقص، ويكفي أن نعلم أنهم عندما وجدوا أن من أئمة مذاهب أهل السُنة من يعتقدون في «الإرجاء»، قسّموه إلى قسمين: مرجئة أهل السنة، ومرجئة أهل الضلالة، لإخراج أئمة أهل السنة، كأبي حنيفة وتلاميذه، من دائرة الضلال!!
والسؤال: إذا كان أبو حنيفة لم يُتهم بالضلال، فلماذا كل هذا التجريح والعداء، الذي مُلئت به أمهات الكتب، من أئمة وفقهاء المذاهب الأخرى؟!
(ثانيا): روى الخطيب البغدادي، «ت٤٦٣هـ»، في تاريخ بغداد، عن أبي زرعة الرازي «ت٢٦٤هـ»: كان أبو حنيفة جهميا، وكان محمد بن الحسن جهميا، وكان أبو يوسف جهميا، إلى آخر أئمة المذهب الحنفي، وقد ذهب البعض إلى كفر الجهمية بسبب قولهم بخلق القرآن، وكذلك مخالفتهم للسنة في الصفات الإلهية، وغير ذلك أيضاً.
قال ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله»: قال يحيى بن معين: إن أهل الحديث يُفْرِطون في أبي حنيفة وأصحابه، وبعض الذين انتقدوا أبي حنيفة هم فعلاً أصحاب تعصب مذهبي، فالخطيب البغدادي كان شافعياً متعصباً على الأحناف والحنابلة، كما ذكر ابن عبد الهادي، وقد رد عليه ابن الجوزي الذي لم يكن أقل منه تعصباً وحدّة لمذهب الحنابلة، وكثير من الأقوال التي نقلها الخطيب في ذم أبي حنيفة لا تصح.
و«الجهمية» فرقة كلامية تُنسب إلى جهم بن صفوان، يجعلون لله صفة واحدة وهي صفة الوجود المطلق، ويفسرون أسماء الله الحسنى بمخلوقات منفصلة، فاسم «القوي» اسم لذات خلقها الله للقوة، وهكذا باقي الأسماء عبارة عن دلالات على ذوات منفصلة عن ذات الله تعالى، ويقولون يكفي في الإيمان المعرفة فقط، فإبليس عندهم مؤمن، ولم يكفر لعدم الإيمان، وإنما كفر لمخالفته أمر الله.
فهل شهد النبي وصحبه في عصر الرسالة، هذا التخاصم المذهبي، وهذه المذاهب الكلامية، التي يدّعي أصحابها أنهم متمسكون بكتاب الله وسُنة وسوله؟!
(ثالثا): يقول المحقق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في تعليقه على كتاب «قواعد في علوم الحديث» للمحدث الفق يه ظفر أحمد العثماني: «ولا يخلو كتاب ألف بعد محنة الإمام أحمد (ت٢٤١هـ) في الرجال، من البعد عن الصواب كما لا يخفى على أهل البصيرة، الذين درسوا تلك الكتب بإمعان».
ثم يذكر الشيخ أن تحامل البخاري على أبي حنيفة ثابت لا ريب فيه، وذكر الأدلة على ذلك، ولكن ما سببه؟! يقول الشيخ، نقلا عن المحدث «ظفر»: «إن انحراف البخاري عن أبي حنيفة منشؤه صحبة البخاري لنعيم بن حماد المروزي، وقد كان نعيم شديد التعصب على أبي حنيفة، فتأثر البخاري به».
إن بين البخاري وأبي حنيفة قرن من الزمن، وها هي أزمة التخاصم المذهبي تسري في دماء المسلمين، فيتأثر البخاري بمذهب صحبه نعيم بن حماد، فإذا ذهبنا إلى «الميزان» وما قاله الذهبي في ترجمة نعيم، نجده يقول: قال الأزدي: كان نعيم ممن يضع الحديث في تقوية «السُنة»، وحكايات مزورة في ثلب النعمان أبي حنيفة كلها كذب».
ويدافع الشيخ المحقق عبد الفتاح أبو غدة عن أبي حنيفة، أمام تحامل البخاري عليه فيقول: «هذا يحيى بن معين هو ممن أخذ عن خاصة أصحاب أبي حنيفة، وخالطهم وصاحبهم، فعرفه حق المعرفة بالصحبة الطويلة لهم، وهو شيخ البخاري ومسلم و أبي داود وأحمد بن حنبل وأبي حاتم وهو إمام الجرح والتعديل بالاتفاق».
ويقول: «هذا الإمام هو الذي يزكي أبا حنيفة ويوثقه في الحديث، ويثني على حفظه فيقول: لا يحدث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ، ويقول أيضا: ما سمعت أحدًا ضعفه، فابن معين أدرى بأبي حنيفة، وأعلم به من غيره، لقربه منه زمانًا ومكانًا، ولكثرة مخالطته لأصحاب أبي حنيفة وأخذه عنهم، فقول ابن معين في توثيق أبي حنيفة هو المتبع، لا قول البخاري أو من تابعه، ممن ولد بعد وفاة أبي حنيفة بدهر أو دهور، ونقل له عنه نقل مشوه، أو داخله تعصب عليه».
ثم انظر ماذا قال بعدها: «فإذا تكلم يحيى بن معين سكت مثل البخاري ومسلم والنسائي وابن عدي، والدارقطني ومن دونهم، سكت كل هؤلاء مسلمين له، وقد شهدوا له بتفرده بمعرفة الرجال عامة وأذعنوا لإمامته بذلك».
وينقل الشيخ شهادة علي بن المديني، وهو شيخ البخاري، في توثيق أبي حنيفة فيقول: «فمثل هذا الإمام إذا وثق أبا حنيفة وهو بعهده أقرب، وبزمنه وسيرته أعرف وجرحه البخاري، وعلى فرض خلو جرح البخاري من الدوافع والمؤثرات، من دافع تعصب أو نقل مدخول أو اختلاف مذهب، إذ أبو حنيفة فقيه ومن (أهل الرأي)، والبخاري محدث، لا يحتمل التوسع في الرأي».
ثم يأتي إلى بيان «الإشكال العقدي» الذي كان بين أبي حنيفة والبخاري فيقول: «وأبو حنيفة لا يرى أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والبخاري يرى أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فتوثيق شيخه علي بن المديني مقدم بلا ريب على جرح تلميذه البخاري».
(رابعا): لقد أعلن أبو حنيفة عن موقفه من الأحاديث، المنسوبة إلى النبي، فقال في «العالم والمتعلم»، قال الله عز وجل: « وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ».
« ونبي الله لا يخالف كتاب الله تعالى، ومخالف كتاب الله لا يكون نبي الله، فرد كل رجل يُحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن ليس ردًّا على النبي، ولا تكذيبًا له، ولكنه رد على من يُحدث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بالباطل والتهمة دخلت عليه، ليس على نبي الله ».
ولقد بيّن البزدو ي، في أصوله، وجهة نظر الأحناف في حكم الحديث المخالف للكتاب، فيقول بعد أن ذكر أنه منقطع انقطاعات باطنية:
«إن الكتاب ثابت بيقين، فلا يترك بما فيه شبهة «يعني بخبر الآحاد»، ويستوي في ذلك الخاص والعام، والنص والظاهر، حتى إن العام من الكتاب لا يخص بخبر الواحد عندنا، خلافًا للشافعي، رحمه الله، ولا يزاد على الكتاب بخبر الواحد عندنا، ولا يترك الظاهر له من الكتاب، ولا ينسخ بخبر الواحد وإن كان نصًّا؛ لأن المتن أصل، والمعنى فرع له، والمتن من الكتاب فوق المتن من السُنة، لثبوته ثبوتًا بلا شبهة فيه، فوجب الترجيح به قبل المصير إلى المعنى».
لقد كان منهج أبي حنيفة في التعامل مع مرويات الرواة، أنه يشترط لصحتها شروطًا لم يوافقه عليها المحدثون الذين ظهروا بعده بقرن من الزمن، ولذلك عندما ترك الإمام مالك «ت ١٧٩هـ» الذي كان معاصرا لأبي حنيفة، العمل بحديث «البيعان بالخيار»، لرأي واجتهاد راجح عنده، ظهر من يقول: يُستتاب مالك، فإن تاب وإلا ضربت عنقه!!
يقول أحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ» في «العلل»: بلغ ابن أبي ذئب (المحدث المدني) أن مالكا لم يأخذ بحديث «البيعان بالخيار» فقال: يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه»!! ثم انظر ماذا قال أحمد بن حنبل عن ابن أبي ذئب، الذي استباح الدماء بغير حق، قال: «هو أورَع وأقوَل بالحق من مالك»!!
هكذا كانت الدماء تباح وتسفك بغير حق، بسبب ترك العمل بحديث ظني الثبوت عن الرواة «وليس عن النبي»، وكان لإمام المذهب حجته في ترك العمل به!!
لقد تخرّج داعش والجماعات والمنظمات الإرهابية من بطون أمهات كتب التراث الديني، التي حملت هذه المذاهب العقدية الكلامية السابق بيانها، برعاية وحماية المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، فهل نحارب المذاهب الفكرية التي تنتج الإرهاب، أم نحارب فقط الإرهابيين الذين يتكاثرون يوما بعد يوم في كل مكان؟!
ولذلك لم تجرؤ المؤسسات الدينية على تكفير هؤلاء المفسدين في الأرض، لأنها تنتمي إلى مذهب من هذه المذاهب الكلامية، التي ما أنزل الله بها من سلطان، يرى أن هؤلاء المفسدين في الأرض، مؤمنون، يشهدون ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وسيدخلون الجنة، مع أصرارهم على ارتكاب الكبائر، وفظائع الدنيا كلها!!
إن أئمة السلف والخلف يخالفون كتاب الله، الذي يقول مخاطبا المؤمنين الذين يشهدون ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله:
«وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا»
والذين يدّعون أن الخلود في جهنم لا يعني التأبيد، لأنه لو أراد التأبيد لجاء بالصيغة الدالة على ذلك، وهي كلمة «أَبَدًا»، هؤلاء أقول لهم:
إن مفهوم الخلود في جهنم يعني الإقامة فيها على وجه التأبيد، سواء أضيفت إليه كلمة «أَبَدًا»، للتأكيد على استحالة الخروج منها، أم لم تضَف، ذلك أن الله تعالى يقول في سورة الجن، مبينا القانون العام للجزاء في الآخرة:
« وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً »
محمد السعيد مشتهري

(440) 13/4/2016 ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ )
عدد المشاهدات : 204
عندما ننظر إلى المصلين وقت دخولهم وخروجهم من المساجد، في أوقات الصلوات المفروضة، ونراهم يُسرعون للحاق بالجماعة قبل الركوع، حتى لا تفوتهم ركعة، ثم وهم يخرجون سعداء لأنهم قد أدوا ما أمرهم الله به، فإذا نظرنا إلى أحوال هؤلاء في بيوتهم وأعمالهم ومعاملاتهم، وجدنا الانفصال التام بينها وبين ما يقولونه في صلاتهم!!
إن دين الله تعالى ليس مظهرا، وشعائر تعبدية تقام بمعزل عن حياة الناس ومعايشهم، فهذا دين المنافقين، كما أنه ليس عملا فرديا يمارسه الإنسان حسب هواه، وإنما بناء محكم، يجمع ويربط أفراده بشريعة إلهية، تشمل كافة مجالات الحياة.
في «٦-٩-١٩٩٣م»، وفي مقالي الأسبوعي بجريدة الأحرار، وكان عنوانه «حوار العقل»، كتبت عن مفهوم إقامة الصلاة، والعلاقة بينه وبين مفهوم إقامة الدين، في قوله تعالى في سورة الشورى:
« شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ »
إن المسلم يستحيل أن يقيم الدين بمفرده، بمعزل عن فريق عمل متخصص يحقق أهدافه، فالدين بناء له متطلباته ولوازمه، ولذلك حذر الله تعالى من التفرق فيه: «وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ»، لأن التفرق سيهدم قواعده ودعائمه وأركانه.
لقد نزل القرآن يحذر المؤمنين من التفرق في الدين ويحرمه، ويصف المتفرقين في الدين بالمشركين، ويأمر المؤمنين أن يموتوا على الإسلام، فتدبر هذه الآيات:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ»
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ، وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
«وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»
فهل هناك مسلم عاقل يفهم من هذه الآيات أن الله تعالى أنزل الدين الإسلامي ليقيم الفرد بناءه مع نفسه، بمعزل عن أمته المسلمة؟!
وهل إذا تفرقت الأمة المسلمة، وغابت عن الساحة، وذاب أفرادها في متع الدنيا وشهواتها، يصبح هذا مبررا لتتحول شريعة الأمة إلى شريعة الفرد، وبذلك تسقط معظم آيات الشريعة القرآنية؟!
لقد ربط الله تعالى بين تلاوة الكتاب، أي بين قراءته واتباعه، وبين إقامة الصلاة، فقال تعالى:
« اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ »
إن الله تعالى لم يأمر المسلمين بالصلاة، فلم يقل «صلوا»، وإنما قال: «أقيموا الصلاة»، وذلك بعد أن أمرهم بتلاوة واتباع الكتاب، وهو من البلاغة القرآنية، فالأمر بصيغة «صل» يفهم منه مجرد أداء الصلاة، أما الأمر بصيغة «أقم» فيفهم منه أن المقصود تحقيق الأداء الوظيفي الذي من أجله شرعت الصلاة!!
إن أمة «الصلاة» هي أمة «الصلة» الدائمة بالله، هي أمة «إقامة الدين» وعدم التفرق فيه، هي الأمة التي قال الله تعالى عن أفرادها:
« الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ »
إن التمكين في الأرض ليس تمكينا لكل فرد على حده، واحد في الشرق وآخر في الغرب!!
إن التمكين في الأرض تمكين أمة، أمرها الله تعالى أن تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقال عن أفرادها: « الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ »، لم يجعلوا عبادتهم منفصلة عن حياتهم، ولا عن واقع الناس وأحوالهم.
إن العلاقة وثيقة بين «التمسك بالكتاب» ، و«إقامة الصلاة»، في منظومة «إقامة الدين» وعدم التفرق فيه، هذه المنظومة التي من شأنها أن تقيم «مجتمع الصلاة القائمة»، هذا المجتمع الذي مازلت أجاهد وأنتظر إقامته منذ عام ١٩٩٣م!!
محمد السعيد مشتهري
(441) 15/4/2016 (عندما يكون «التعميـم» شماعة الذين لا يعلمون)
عدد المشاهدات : 208
* مخطئ من يُعمم خطأ الفرد على عامة الشعب!!
* مخطئ من يُعمم تدين الفرد الفاسد على عامة المتدينين بديانته!!
* مخطئ من يعتقد أن الله سيعاقب الإنسان بوزر غيره:
« وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا »
* مخطئ من يعتقد أن القرآن عندما يستخدم أسلوب «التبعيض» ويقول عن بعض الأعراب:« وَمِنَ الأعْرَابِ…» يقصد جميع الأعراب!!
* مخطئ من يعتقد أن القرآن جاء بـ «العنصرية»، عندما حذر المؤمنين من التفرق في الدين وجعل الذين تفرقوا في الدين «من» المشركين، فاستخدم «من» للتبعيض، فقال تعالى مخاطبا الرسول والذين آمنوا معه:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
* مخطئ من يعتقد، أن الله لم يُعمم، عندما وصف « الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا » بالشرك!!
* مخطئ من يعتقد أن أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الذين لم يتبرؤوا من الفرقة الإسلامية التي ينتمون إليها، ومن أمهات كتبها، في التفسير والحديث والفقه…، ليسوا « مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
فمن هم إذن؟ وأي مرجعية دينية غير مرجعيات هذه الفرق الإسلامية يستقون منها أحكام شريعتهم؟!
إنهم يخدعون أنفسهم، ويُضلّون الناس بغير علم، عندما يقولون إن تعميم الأحكام يؤدي إلى تفكيك المسلمين، وخلق الصراعات، وبث الانقسام والفرقة بينهم!!
إنهم يدّعون فهم القرآن، ولا يعملون أن الذي أصدر حكم «التعميم» بالشرك، على
« الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا » هو الله تعالى!!
وفرق بين الفهم والتدبر!!
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
محمد السعيد مشتهري
(442) 16/4/2016 (عندما تحدث الفتنة بين كُتّاب الوحي)
عدد المشاهدات : 180
إن أحداث الفتن الكبرى، التي نقلتها لنا «منظومة التواصل المعرفي»، تجعل الحكيم حيران، لقد قُتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، عام «٣٥هـ»، بأيدٍ مسلمة، وقتل آلاف الصحابة أنفسهم في موقعة الجمل، عام «٣٦هـ»، وقد فصلنا القول عن هذه الأحداث ونتائجها في عدة مقالات:
١- «عند السلفيين .. اقتل أخاك المسلم وادخل الجنة»٢- «أهل السنة والجماعة بايعوا عليا حتى خرج عليه معاوية وقاتله .. فبايعوه»!٣- «الفئة الباغية التي لا نعرف من هي بالضبط؟»٤- «شبهات مشروعة بشهادة المؤرخين الأوائل»
وتزداد حيرة الحكيم عندما يعلم أن من المشاركين في هذه المعارك من كانوا يكتبون الوحي بين يدي رسول الله، ومنهم من بشرهم الرسول، عليه السلام، بالجنة، حسب ادعاء أئمة السلف!!
أما أن يقول أئمة السلف والخلف: إن انقلاب الصحابة على أعقابهم بعد وفاة النبي، وسفك دماء بعضهم بعضا مع سبق الإصرار والترصد، وارتكاب فظائع الدنيا كلها، لا ينزع عنهم صفة الإسلام، ولا صفة الإيمان، وسيدخلون الجنة «رغم أنف أبي ذر»، طالما أنهم يحملون شهادة الوحدانية..، فهنا تذهب الحيرة، وتذهب الحكمة، ونحن نرى المسلمين يستهزئون بكلام الله وأحكام شريعته.
إن استخفاف المسلمين بحرمة الدماء، وعدم تدبرهم لأحكامها القرآنية، جعل افتراء الكذب على الله ورسوله ما أيسره، وتحريف الكلم عن مواضعه القرآنية ما أسهله، وتوظيف الآيات القرآنية بما يبرر جرائمهم ما أبدعه!!
إن حرمة الدماء في كتاب الله شيء مقدس، مفصل بالدلالة القطعية التي لا شبهة فيها، ولا تحتمل التأويل المذهبي، فالله تعالى ينفي تماما عن المؤمن مجرد التفكير في قتل مؤمن، فإن حدث القتل فلا يكون مطلقا إلا عن طريق الخطأ، فتدبر:
«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ»، تدبر جيدا «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ»: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً»، ثم قال بعدها: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا».
تدبر: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا»: أي إذا قتل مؤمن مؤمنا متعمدا، فالقاتل «المؤمن» يخرج على الفور من دائرة الإيمان، ويدخل دائرة الكفر: « فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ».
هذه هي الآية المبينة لحرمة الدماء، الحاكمة على كل المذاهب البشرية، والتوجهات العقدية والتشريعية، وهي ليست آية مجملة جاءت أخرى بتفصيلها، وليست مطلقة جاءت أخرى بتقييدها، وليست عامة جاءت أخرى بتخصيصها!!
أما عن قولهم: إن الله شهد للطائفتين المقتتلتين بالإيمان، ولم ينزع عنهما صفة الإيمان، بل وسماهم مع قتالهم إخوة، وأمر المسلمين بالإصلاح بينهم، وذلك في قوله تعالى: « وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا..»، فقد قمنا بالرد على هذه الشبهة بالتفصيل في مقال بعنوان: «عند السلفيين .. اقتل أخاك المسلم وادخل الجنة».
لقد انقلب صحابة رسول الله على أعقابهم بعد وفاة النبي، ووقعت أحداث الفتن الكبرى، فهل تغير موقف الصحابة من تدبر القرآن، لذلك استحلوا دماء بعضهم بعضا، وارتكبوا فظائع الدنيا كلها، استنادا إلى شهادة الوحدانية التي يحملونها، والتي يدّعي أئمة السلف والخلف أنها طوق النجاة الذي سيخرجهم من جهنم؟!
وإذا كانت القضية تتلخص في أن المؤمنين الذين سفكوا الدماء بغير حق، وارتكبوا كبائر الدنيا كلها، لن يُخلّدوا في النار، وسيخرجون منها إلى الجنة، وذلك بشهادة الوحدانية، فكيف يقبل علماء الجرح والتعديل مرويات أهل الكبائر، ولا يمسوهم بجرح؟!
لقد نجح علي بن أبي طالب، بعد معركة الجمل، في توحيد صفوف الأمصار، باستثناء والي الشام، معاوية بن أبي سفيان، الذي خرج على الجماعة ولم يبايع عليًا، بدعوى أنه لم يقتص من قتلة عثمان، في الوقت الذي لم يأمر فيه معاوية والي الشام جيشه أن يتحرك لفك حصار عثمان وإنقاذه!!
لقد أرسل خليفة المسلمين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان، كتابا يدعوه فيه إلى البيعة، ويُعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، فاستشار معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام في ذلك، فأبوا أن يبايعوا عليا حتى يقتص من قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه!!
لقد ذكر مؤرخو الشيعة، أن مطالبة معاوية بدم عثمان، كان مجرد خدعة مكشوفة، تعاون معه فيها عمرو بن العاص لإثارة الناس ضد علي بن أبي طالب، والحقيقة أن معاوية وعمرو بن العاص كانا أول من خذل عثمان ولم ينصراه عندما استنصرهما في أثناء حصاره!!
وعلى الجانب الآخر يرى مؤرخو السُنّة، أن الثأر لعثمان كان واجبا دينيا مقدسا، خوصوصا أن جيش علي كان يضم عناصر عديدة شاركت في قتل عثمان، فدعا أهل الشام إلى المطالبة بدم عثمان، فبايعوه على ذلك.
ويبدأ علي بن أبي طالب في تجهيز جيشه لمواجهة جيش معاوية، وذكر مؤرخو الشيعة، أن المهاجرين والأنصار الذين شاركوا في جيش معاوية، لم يتجاوزوا أصابع الي د، وذلك لإظهار عدم تأييد الصحابة لمعاوية، ومعارضتهم الشديدة له، وتأييدهم لعلي، الخليفة الشرعي للمسلمين.
وفي شهر ذي الحجة عام «٣٦هـ»، التقى الجيشان في سهل صفين، وكل منهما حريص على حسم الأمور لصالحه، واشتدت المواجهة، وكثر القتلى، وخلّفت المعركة وراءها «خمسة وعشرين ألف قتيل» من جيش العراق، و«خمسة وأربعين ألف قتيل» من جيش الشام، وقيل عدد القتلى من الجيشين تجاوز «مئة ألف»، واستمر القتال إلى الليل، لا يحجز بين الفريقين إلا الصلاة!!
فأي صلاة هذه التي كانوا يقيمونها، وبعد انتهائها يسفكون دماء بعضهم بعضا؟! أي دين هذا الذي يستحل الدماء أياما وليالي، عمدا مع سبق الإصرار والترصد، استجابة لدعوة الشيطان الرجيم؟!
لقد كان عمّار بن ياسر، الذي جاوز الرابعة والتسعين «٩٤» عامًا، والذي أخبره النبي أن «الفئة الباغية» هي التي ستقتله، وحسب هذه الرواية، تصبح «الفئة الباغية» هي جيش معاوية، كان يحارب في صفين، ويُحرض على القتال، ويستنهض الهمم، وقد سمع رجلاً بجواره يقول: «كَفَرَ» أهل الشام، فنهاه عمار عن ذلك وقال: إنما «بغوا» علينا، فنحن نقاتلهم لبغيهم، فإلهنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة»!!
والسؤال: ماذا فعل إيمان الصحابة بالإله الواحد، والنبي الواحد، والقبلة الواحدة، والدماء تسفك بغير حق، في الجمل وصفين والنهروان؟!
لقد رأى عمار تقَهْقُر أصحابه وتقدُّم خصومه، فأخذ يستحثهم ويبين لهم أنهم على الحق، وأن جيش معاوية على الباطل، ويقول: «أزفت الجنة وتزينت الحور العين، اليوم ألقى الأحبة، محمّدًا وحزبه، من سره أن تكتنفه الحور العين، فليتقدم بين الصفين محتسبًا».
نعلم أن أهل الحق هم أهل الجنة، وأن أهل الباطل هم أهل جهنم، وعمار بن ياسر يرى أن معاوية وجيشه في جهنم، وأن عليا وجيشه في الجنة، ولكن السؤال:
ما الفرق بين عقيدة الإنتحاريين الذين يؤمنون أنهم سيلتقون بالحور العين فور موتهم، أي أنهم يعلمون مسبقا جزاءهم في الآخرة، وبين الصحابة الذين شاركوا في أحداث الفتن الكبرى، وقد تزينت الحور العين للقاتل والمقتول، وينتظرونهم فور موتهم في الجنة؟!
ثم ماذا سيكون م وقف الحور العين من رواية البخاري ومسلم التي تقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار»؟!
ووسط آلاف القتلى، ومع نزيف الدم المستمر، ارتفعت نداءات الاستغاثة من كلا الجيشين، واقترح عمرو بن العاص، وكان من كبار قادة جيش معاوية، أن ترفع المصاحف لإيقاف القتال، والتحاكم إلى كتاب الله، وقد قبل معاوية وجيشه اقتراح عمرو، واختاروه ممثلا عنهم في التفاوض مع عليّ، وكتب الطرفان وثيقة التحكيم في الثالث عشر من صفر عام «٣٧هـ».
وأمام الفتن الكبرى، التي بدأت بمقتل خليفة المسلمين الثالث عثمان بن عفان، ثم مأساة الجمل الكبرى، ومصيبة صفين العظمى، وبعد أن أعطى الصحابة ظهورهم لتحذير الله من الانقلاب على الأعقاب بعد موت النبي، وقوله تعالى لهم: «أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»، علينا أن نتوقف عند عدة مسائل:
أولا: افتراء ووضع «الأحاديث» التي نسبها رواة الفرق الإسلامية المختلفة إلى النبي، لتدعيم مواقفهم في أحداث الفتن الكبرى، وإعطاء هذه الأحداث شرعية نبوية، ومنها:
١- رواية الشيعة التي يأمر النبي عليا »بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»، و«الناكثون»: هم أهل الجمل، و«القاسطون»: هم أهل الشام، و«المارقون»: هم أهل النهروان، ولقد أعطت مثل هذه الأحاديث غطاءً شرعيًا نبويا لخليفة المسلمين علي بن أبي طالب في مواجهة أعدائه، لتصبح مواجهتهم فرض عين على كل مسلم.
٢- رواية أهل السنة التي أخرجها البخاري عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري عن النَّبِيُّ أنه قال: «وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ»
يقول ابن حجر في «فتح الباري»: «فإن قيل: كان قتله بصفين وهو مع علي، والذين قتلوه مع معاوية، وكان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إِلى النار؟!
فالجواب: أنهم كانوا ظانّين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي، وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون للتأو يل الذي ظهر لهم»!!
٣- يقول الحافظ ابن كثير، في «البداية والنهاية»: «وهذا الحديث من دلائل النبوة، حيث أخبر صلوات اللَّه وسلامه عليه عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية، وقد قتله أهل الشام في وقعة صفين، وعمار مع عليٍّ وأهل العراق، وقد كان عليّ أحق بالأمر من معاوية».
انظر كيف تُصنّع الروايات وتصبح من دلائل النبوة، ليكون معاوية وجيشه »الفئة الباغية«، في النار، ويكون عليّ وجيشه «الفرقة الناجية»، في الجنة، ثم يأتي ابن تيمية ويمسك العصا من المنتصف، ويقول في الفتاوى:
«فهذا الحديث الصحيح دليل على أن الطائفتين المقتتلتين: عليّ وأصحابه، ومعاوية وأصحابه، على حق، وأن عليّاً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه»!!
ماذا يعني أن «عليّاً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه«، وقد سفكت دماء عشرات الآلاف من الصحابة في معركة صفين وحدها، عمدا مع سبق الإصرار والترصد، وكانوا يصلون، ويقرؤون القرآن، ولكن: ألم يقرؤوا قوله تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَز َاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»؟!
٤- لقد تنازع أهل السُنّة والشيعة حول رواية: «تقتل عمارا الفئة الباغية»، فعمار كان في جيش عليّ، فاعتبر الشيعة التهاون في نصرة عليّ مخالَفَة صريحة لسنة النبي، ومعاوية وأهل السُنّة يعتبرون الشيعة هم الفئة الباغية، لماذا؟! لأنهم جاؤوا بعمار ليقاتل معاوية، فقتله معاوية!!
يقول المجلسي في «بحار الانوار»، وهو من أكبر كتب الحديث عند الشيعة، عن حبة العرني قال: أبصر عبد الله بن عمر رجلين يختصمان في رأس عمار، يقول هذا أنا قتلته ويقول هذا: أنا قتلته، فقال ابن عمر: يختصمان أيهما يدخل النار أولا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قاتله وسالبه في النار، فبلغ ذلك معاوية لعنه الله فقال ما نحن قتلناه، قتله من جاء به».
ويعلق الشيخ أبو جعفر بن بابويه فيقول: «يلزمه على هذا أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قاتل حمزة رضي الله عنه، وقاتل الشهداء معه، لأنه عليه السلام هو الذي جاء بهم»!!
تذكر أننا ننقل مواقف حدثت في النصف الأول من القرن الأول الهجري، أي قبل ظهور أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة بقرنين من الزمن، على أقل تقدير!!
ثانيا: افتراء ووضع الأحاديث في «فضائل الصحابة»، والتي ظهرت مع أحداث الفتن الكبرى، ومنها حديث »غدير خم«، الذي يُبيّن دعم النبي الكامل لعلي في صراعه مع خصومه!!
والسؤال: لماذا لم يذكر الطبري السني، «ت٣١٠هـ»، حديث »غدير خم« في تاريخه، في أثناء استعراضه لأحداث الصراع بين علي ومعاوية، مع أنه أثبت صحته، وهو الحديث الذي وردت فيه جملة: «من كنت مولاه فعلي مولاه»؟!
لقد ذكر الطبري حديث »غدير خم« في كتابه: «فضائل علي بن أبي طالب»، وأثبت طرقه، وذلك للرد على تكذيب بعض الأئمة في بغداد لهذا الحديث، وقد أثنى الذهبي «ت٧٤٨هـ» على الطبري لجمعه طرق هذا الحديث قائلا: «جمع طرق (خم) في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك».
إن الطبري لم يصحح حديث «غدير خم» للاحتجاج به على صحة إثبات الخلافة لعلي، كما ذهب إلى ذلك الشيعة، و إنما صححه لبيان فضائل عليّ والرد على منتقديه، لذلك نجده لم يذكر هذا الحديث في كتاب التاريخ، حتى لا يُستخدم كدليل وغطاء شرعي لإثبات عدالة علىّ ومواقفه وتحركاته ضد أعدائه، في الوقت الذي يرى فيه أئمة الشيعة وعلماؤهم، أن هذا الحديث نص صريح في إمامة عليّ وأحقيته بالخلافة من أبي بكر!!
فكم من القرون تفصل بين الذهبي »ت٧٤٨هـ« والطبري »ت٣١٠هـ«، وبين الطبري وعلي بن أبي طالب «ت٤٠هـ»، وبين علىّ ووفاة النبي «ت١١هـ»، وإشكاليات الأحاديث التي نسبها الرواة إلى رسول الله مازالت قائمة بين أئمة السلف، ثم يدعي أئمة الخلف أنها « وحي يوحى »، يكفر من ينكرها!!
ثالثا: لقد حملت وثيقة التحكيم بين عليّ ومعاوية إشكاليات كبيرة، أهمها رفض معاوية وأنصاره، كتابة لقب «أمير المؤمنين» في الوثيقة بجانب اسم عليّ، وذلك لعدم اعترافهم بخلافته أصلا، وقد أبدى عليّ موافقته على محو لقبه، الأمر الذي اعتبره الخوارج تنازلا منه عن الخلافة التي بايعه عامة المسلمين عليها، وأنه بهذا التصرف قد أعطى معاوية الحق في الخروج عليه!!
من هنا بدأت قصة الخوارج، فقد كانوا من أتباع عليّ بن أ بي طالب، ثم خرجوا عليه، وهم فرقة من الفرق الإسلامية، بشهادة أمهات كتب الملل والنحل، يعترفون بصحة خلافة أبي بكر وعمر، أما عثمان فخلال السنوات الست الأولى من حكمه، ويعترفون بخلافة علي حتى كتابة وثيقة التحكيم، ثم تبرؤوا منه، واتهموه بالكفر، وطالبوه بالتوبة!!
لقد استحل الخوارج قتل كل مسلم لا يرى رأيهم في عليّ، وفي المحرم عام «٣٨هـ» توجه عليّ لقتالهم في «النهروان»، وظهرت الأحاديث التي تدعم عليا في قتاله الخوارج، ومنها أن الرسول أمره بقتال المارقين، وهم أصحاب النهر، فقال له: «إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، طوبى لمن قتلهم وقتلوه».
إن كل الجماعات والتنظيمات الجهادية التي تستحل الدماء بغير حق، والتي تصفها المؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام المختلفة، بـ «خوارج العصر»، تستمد أفكارها وشريعتها من أمهات كتب الفرقة التي ينتمون إليها، التي قامت على شريعة الفتن الكبرى، واستحلال الدماء بغير حق، وفتاوى الجهل والتخلف!!
فعلى أي أساس شرعي استحل عبد الرحمن بن ملجم »الخارجي« دم خليفة المسلمين علي ّ؟! ولماذا استسلم عليّ للقاتل، فيصبح الخليفة الثاني الذي قُتل بأيدٍ مسلمة؟! فقد استسلم عثمان بن عفان أيضا لقاتله، إيمانا منه بأن الموت قدر لا مفر منه؟!
رابعا: لقد انتشر مذهب «القدرية» بين الصحابة، وكان حاكما على ظروف مقتل الخليفة الثالث عثمان ابن عفان، فاستسلم عثمان للموت، ليفطر مع رسول الله في الجنة، ثم تابعه في المذهب القدري الخليفة الرابع عليّ بن أبي طالب، الذي كان يعلم قبل قتله: من هو القاتل، وأين ستوجه إليه الضربة القاتلة، وموعد قتله!!
لقد رأى عليّ القاتل أمامه ولم يفعل شيئا تجاهه، لماذا؟! لأن النبي أخبره أن ما سيلقاه هو قدر الله الذي لا راد له، فخرج من بيته ينشد أبياتا عن الشجاعة في مواجهة الموت، وبعد أن ضربه ابن ملجم بسيفه صاح قائلا: «فزت ورب الكعبة»!!
ولقد ذكر مؤرخو الشيعة، أن الحادث قدر مقدر كتبه الله على عباده، ولا يمكن لهم مواجهته أو الحيلولة دون وقوعه، لذلك رفض عليّ مواجهة هذا القدر بالقبض على قاتله أو قتله، وقد كان قادرا على ذلك، فهو يعرف القاتل وقابله ووقف معه، بل وعرف موعد طعن القاتل له!!
أما مؤرخو أهل السُنّة فقد تجاهلوا كثيرا من مرويات الشيعة، لإيمانهم بأنها موضوعة على الرسول وعلى عليّ، وهو اعتراف واضح من الفريقين، بأن المرويات التي نسبوها إلى النبي، لا علاقة لها بدين الله الذي أمر اتباعه، فلا يعقل أن يترك الله نصوص مصدر تشريعي واجب الاتباع في أيدي الرواة والمحدثين، وعلماء الجرح والتعديل، يوظفها كلٌ منهم حسب مذهبه العقدي والتشريعي!!
خامسا: بعد أن تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة، سمى العام الذي سيطر فيه أصحاب المذهب «السُنّي» على جميع المذاهب العقدية الأخرى، بعام «الجماعة»، فعملت هذه المذاهب العقدية في الخفاء، حتى ظهرت تكتلاتها في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وما بعدهما، وتفرق المسلمون في الدين إلى عشرات المذاهب العقدية والتشريعية، وقد حذرهم الله تعالى من هذا التفرق:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
إن الدا رس لتاريخ الفرق والمذاهب الإسلامية يعلم أن انتشار هذه المذاهب، واتباع كل فريق من المسلمين لها، يتوقف على قناعة السلطة الحاكمة بالمذهب، وما تملكه من قوة للدفاع عنه، فقد استطاع مذهب «أهل السنة والجماعة» الانتشار بقوة سلطان الخلافة الحاكمة، وكذلك انتشر المذهب «الشيعي»، ولم تستطع باقي المذاهب العقدية الانتشار لأنها لم تجد قوة السلطان الدافعة لها إلى هذا الانتشار.
إن دماء الفتن الكبرى مازالت تسري في شرايين وقلوب المسلمين إلى يومنا هذا، وهم يصرون على التفرق في الدين، ولم يتعلموا الدرس، فهل ينتظرون عودة الفتن الكبرى، عندما تحكمهم الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لينهضوا من سباتهم، ويفيقوا من غيبوبتهم؟!
مجمد السعيد مشتهري

(443) 18/4/2016 (على هامش لماذا ينكرون الجميل)
عدد المشاهدات : 227
أولا: منذ متى وأنا أتحدث أو أكتب في السياسة المحلية أو الدولية؟!
ثانيا: لقد حزنت حزنا شديدا، عندما أتلف المتظاهرون يوم الجمعة الماضية واجهات المحلات والسيارات، وأظن أن من حقي أن أحزن، فقلت في نفسي:
ما علاقة إتلاف الممتلكات الخاصة والعامة بأزمة الجزيريتن؟!
لقد نسينا رائحة الغاز المسيل للدموع، فمن «المحرض» على هذه المظاهرات إلا الجماعات الدينية، التي تريدها خلافة إسلامية، بعد أن فشلت أول مرة؟!
هكذا كنت أفكر، كمتخصص في تاريخ الإسلام السياسي للفرق والمذاهب والجماعات الدينية، وفرق كبير بين «السياسة»، «والإسلام السياسي»!!
فهل كان حزني أن تدخل البلاد مرة أخرى إلى دائرة العنف عملا سياسيا؟!
ثالثا: عندما قلت: «مخطئ» من لا يعترف بجميل رئيس الدولة على الشعب المصري، أن أنقذه في الوقت المناسب من فتنة ترك أرضه كلها، وليس فقط «جزيرتان»
لم أكن أقصد «أنقذه من يد جماعة بعينها»، وإن كان هذا هو الظاهر، وإنما كنت أرى وراء هذا الظاهر مصيبة كبرى ستحدث لمصر وشعبها، بعد أن شاهدت في «١٥-٦-٢٠١٣» المؤتمر الذي عُقد في الصالة المغطاة، لتأييد الشعب السوري، والدعوة إلى الجهاد لنصرته، والذي حضره رئيس الدولة وقتها، بالتحالف مع جميع الجماعات الدينية المتطرفة، التي أعلم تاريخها الدموي جيدا!!
هذا ما أراه وأعلمه عن هذه الجماعات، التي تنادي جميعها «وليس جماعة بعينها» بالجهاد لعودة الخلافة الإسلامية، وأنها لا تتحالف إلا من أجل تحقيق هذا الهدف فقط، ولو كان هذا التحالف استمر أكثر من ذلك، لسلم مصر وشعبها لداعش، لتكتمل زوايا المثلث، تماما كما فعل المجاهدون الأفغان، وقد كنت مراقبا وقتها، ثم بعد أن انتصروا سفكوا دماء بعضهم بعضا!!
هذا ما دفعني أن أقول، عن ما أعتبره «جميلا»، وهذا حقي، لذلك وضعته عنوانا للمنشور، قلت عن رئيس الدولة أن أنقذ شعبه في الوقت المناسب من فتنة ترك أرضه كلها، وليس فقط «جزيرتان»!!
إذن أنا لا أتحدث عن سياسة محلية أو دولية، ولا عن جزر، وإنما عن إفساد في الأرض يحدث باسم جماعات وتحالفات إسلامية، ولكن لا يرى إفسادها على مستوى العالم إلا أهل البصيرة!!
وهذا ما قلته بعدها: «بعد أن تعثوا فيها الجماعات والمنظمات الإرهابية فسادا»، ولم أخص جماعة بعينها!!
ثم قلت: «ثم ينتظر الشعب على حدودها، حتى تأذن البلاد المجاورة بقبوله لاجئًا»!!
إذن أنا أتحدث عن رؤية أوسع بكثير من رؤية بعض الأصدقاء المحدودة المرتبطة بحدث سياسي لا علاقة للمنشور به، ودليل ذلك قولي عن رئيس الدولة:
«أنقذه في الوقت المناسب من فتنة ترك أرضه كلها، وليس فقط جزيرتان»!!
وقولي: «جاهل» من يظن أني أدافع عن سياسة رئيس الدولة وحكومته، أو عن جزر مصرية كانت أم سعودية»!!
فماذا يفهم العقلاء، أهل البصيرة، من هذه الجملة؟!
وما علاقة كلامي هذا بالسياسة أو بأ زمة الجزيرتين؟!
أين وجد الأصدقاء في المنشور دفاعي عن ملكية الجزيرتين للسعودية أو لمصر؟!
على كل حال:
شكرا لمن قرأ ولم يتدبر
وشكرا لمن تدبر وغلبه الهوى
وشكرا للأصدقاء «الترانزيت»
محمد السعيد مشتهري
(444) 20/4/2016 (عندما يدعي علماء «مرصد الأزهر» أنهم الأمة الإسلامية)
عدد المشاهدات : 228
في إطار الرد على الشبهات الموجهة إلى «السنة النبوية»، وعلى موقع «مرصد الأزهر»، وداخل قسم «صحف صفراء»، كتب علماء المرصد في «١٧-٤-٢٠١٦م» ردا على مقال لي نشرته جريدة «الم قال»، بتاريخ «٢٢-٥-٢٠١٥م»، بعنوان «السنة حقيقة قرآنية في عصر النبوة وبعدها اجتهادات أئمة»، وقالوا في ردهم إن فحوى شبهتي تتمثل في:
أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع، وأن السنة النبوية ليست المصدر الثاني للتشريع، وإنما هي تفعيل الرسول – صلى الله عليه وسلم – للنص القرآني فقط، وهي سلوك وتصرفات عملية تحدث في واقع الحياة، وليست نصا يتلى على الناس ويدون في الكتب، وأننا لو بحثنا في القرآن كله عن آية واحدة تأمر الناس باتباع كتاب تشريعي مستقل غير القرآن لم نجد، وسنجد آيات كثيرة تثبت أن المسلمين لا يرثون إلا كتابا واحدا وهو القرآن، وأن السنة لم يحفظها الله كما حفظ القرآن.
وسأقوم بالرد على ما أثاروه من شبهات بالتحليل والنقض، وأبين كيف أن علماء المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، للفرق والمذاهب المختلفة، يفتقدون «المنهجية العلمية» في ردهم على الشبهات التي توجه للإسلام.
أولا: إن علماء «مرصد الأزهر» لم يتعرفوا أولا على مشروعي الفكري، الذي اتهموني بسببه بإنكار السنة، وتسرعوا بالرد على موضوع من موضوعاته، دون أن يعلموا «المنهجية العلمية» التي أقمت عليها مشروعي الفكري.
إنني، كاتب هذا المقال، لم يحدث أن وجهت خطابي لفرقة من الفرق الإسلامية، إلا على سبيل ضرب المثل، لبيان مشكلة عامة تتعلق بجميع الفرق، ذلك أن مشروعي الفكري يخاطب أتباع الفرق الإسلامية جميعهم، ولو كان علماء «مرصد الأزهر» على دراية بهذا الأمر، ما أجهدوا أنفسهم في الرد على أي شيء يتعلق بمشروعي الفكري، إلا بعد تشكيل لجنة من علماء الفرق الإسلامية التي أخاطبها!!
لذلك فإن ما سأقوم بالرد عليه، لا يخص المذهب «الأشعري» الذي ينتمي إليه علماء «مرصد الأزهر»، ولا يخص فرقة «أهل السنة والجماعة»، التابع لها تاريخيا، وإنما يخص مفهوم «السنة النبوية» عند جميع الفرق والمذاهب العقدية الإسلامية المختلفة.
ثانيا: إن علماء «مرصد الأزهر» ذكروا الشبهة، ولم يبينوا للناس وجه الانحراف فيها، هذا الانحراف الذي جعلهم يتهمونني بإنكار السنة، وهو أمر في منتهى الخطورة، لأن عامة المسلمين يعلمون «بناء على ثقافتهم المذهبية التخاصمية»، أن منكر السنة كافر، مرتد، يستتاب، وإن لم يتب قُتل!!
إن مصطلح «إنكار السنة»، الذي يرفعه أتباع كل فرقة في وجه من أنكر مروياتها، مصطلح هلامي، لا تستطيع أن تمسك به، لأن مرويات «السنة النبوية» ذاتها، شيء هلامي، إذا أمسكت الضعيف منها، وجدت من يخرجه من يدك بدعوى أنه يراه صحيحا!!
لقد اتهمني علماء «مرصد الأزهر» بـ «إنكار السنة»، لأنني أعتقد:
١- أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع:
وهل هناك عالم مسلم يشك في أن القرآن، الذي بين أيدينا اليوم، هو المصدر الإلهي الوحيد للتشريع، الذي ورثه المسلمون كتابا واحدا، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا؟!
٢- وأن «السنة النبوية» ليست المصدر الثاني للتشريع:
وهل هناك عالم مسلم يعتقد أن المصدر الثاني للتشريع الخاص بالفرقة التي ينتمي إليها، قد جمع مرويات «السنة النبوية» التي عند جميع الفرق الإسلامية المختلفة، ومن جميعها تستنبط أحكام الشريعة؟!
٣- وإنما هي تفعيل ال رسول – صلى الله عليه وسلم – للنص القرآني فقط، وهي سلوك وتصرفات عملية تحدث في واقع الحياة:
وهل هناك عالم مسلم، على دراية بعلم اللسان العربي، يشك في أن كلمة «السنة» تعني طريقة أداء، وسلوكا عمليا، وليست نصا يتلى على الناس ويدون في الكتب، كما سأبين بعد قليل؟!
ومما يؤخذ على علماء «مرصد الأزهر»، أنهم استخدموا مصطلح «السنة النبوية»، في ردهم على ما جاء في المقال، دون أن يبيّنوا للناس مفهومهم لهذا المصطلح، والفرق بين «السنة النبوية» التي لا أنكرها، لأنها محمولة داخل النص القرآني، وبين مرويات «السنة النبوية« التي أنكرها، لأنها ظنية الثبوت عن الرواة الذين نقلوها عن النبي، ووسموها باسم «الحديث النبوي» لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم، ثم دُوّنها المحدثون مذهبيا في أمهات الكتب بعد قرن ونصف القرن من وفاة النبي، على أقل تقدير!!
لقد بدأت مقالي، المشار إليه سابقا، بقولي: «إن الدارس لكتاب الله تعالى، يعلم علم اليقين، أن الذي بلّـغ نصوص آياته، هـو رسول الله محمد، ومن خلال تدبر هذه الآيات، يرى الإنسان رسول الله وهو يقـيم كل آية من آيات هذا الكتاب، س لوكـا عمليا في واقع حياتـه الخاصة والعامة. وإذا كانت (السنة) هي الطريقـة المطـردة، التي لا تتخلف، كما أجمعت على ذلك معاجم اللغة (مادة سنن)، فيجب أن تكون النصوص التي تستقى منها أيضا حقا لا تتخلف».
إن هذه الفقرة منقولة من مقدمة الجزء الأول من كتابي «موسوعة السنة النبوية حقيقة قرآنية – قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة»، الذي نشرته عام «٢٠٠٥م»، وقد بيّنت في هذه المقدمة مفهوم كلمة «السنة»، حسب ورودها في كتاب الله ومعاجم اللسان العربي، فقلت:
«إن السنة، طريقة أداء ثابتة، لا تتخلف، وسلوك وتصرفات عملية، تحدث في واقع الحياة، وليست نصا يُتلى على الناس، ويُدوّن في الكتب، فإذا أضيفت كلمة السنة إلى الله تعالى، فإنها تعني القوانين الثابتة التي قامت عليها فاعلية الرسالات الإلهية، وفاعلية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، يقول الله تعالى: «مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ».
«أما إذا أضفنا كلمة (السنة) إلى (النبي)، فإنها تعني فاعلية (النبوة)، أي فاعلية (الوحي)، م ع أحداث ومواقف عصرالتنزيل واكتمال الدين…، وما شاء الله أن يعلمه الناس، من تشريعات ومواقف وأحداث عصر (النبوة)، قد نزل به قرآن، كان هو المرجعية التي يستقي منها (النبي) سنته المصاحبة له دوما، سلوكا عمليا على أرض الواقع»!!
والسؤال لعلماء «مرصد الأزهر»: هل يمكن أن تتحول «سنة الله» مع رسله، و«سنة النبي» في عصر الرسالة وبلاغه عن الله، إلى سنة المحدثين في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، وبلاغهم عن رواة الفرق والمذاهب المختلفة؟!
وهل كان أئمة السلف منكرين للسنة، عندما رفضوا مروياتها، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
ثم قلت بعدها: «إن غياب المنهجية العلمية في التفكير، جعل أنصار (الفُرقة والمذهبية)، يحرّفون مفهوم (السنة النبوية) عن معناه القرآني واللساني، ليصبح كل ما صدر عن (النبي) من قول أو فعل أو تقرير…، حسب اجتهادات أئمة الجرح والتعديل، (العقدية والتشريعية)، فهم الذين يُقرّرون، ما هو سُنة، وما ليس بسنة، مما نسبه الرواة إلى (النبي)»!!
فلماذا لم يناقش علماء «مرصد الأزهر» أولا مفهوم «السنة النبوية»، حسب ما ذكرته في المقال، وذهبوا يتحدثون عن مسائل مكررة، لم أرَ عالما من علماء الفرق الإسلامية المختلفة، عبر ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، خرج عنها خلال حواراتي معهم؟!
ثالثا: عندما يتحدث علماء كل فرقة من الفرق الإسلامية باعتبارهم «الأمة الإسلامية»، وأنهم أتباع الفرقة الناجية، ويقيمون على هذا الادعاء قولهم إن مصدرهم الثاني للتشريع هو الذي حمل مرويات «السنة النبوية» الصحيحة، التي أمر الله اتباعها، فهذه وحدها مصيبة كبرى، ذلك أن أي مسلم يستطيع اتهام هؤلاء العلماء بازدراء الدين الإسلامي، والسبب:
أن الله تعالى حذر من التفرق في الدين، بنص قرآني قطعي الدلالة، خاطب فيه الرسول والذين آمنوا معه بقوله: «وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».
وبقوله تعالى لرسوله: « إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ».
فكيف يتحدث علماء «مرصد الأزهر» باعتبارهم «الأمة الإسلامية»، وهم ينتمون عقديا إلى مذهب من مذاهب فرقة «أهل السنة والجماعة»، وهو المذهب «الأشعري»، الذي أسسه أبو الحسن الأشعري، وقد أمضى فترة طويلة من حياته معتزليا، ثم تاب عن الاعتزال، وأعلن توبته أمام الملأ بالبصرة عام «٣٠٠هـ»، ثم انفرد بمذهبه؟!
كيف يتحدث علماء «مرصد الأزهر» باعتبارهم «الأمة الإسلامية»، وهم ينتمون إلى مذهب عقدي من مذاهب فرقة واحدة من الفرق الإسلامية، التي ظهرت هياكلها الدينية المختلفة بعد وفاة النبي بقرنين من الزمن، على أقل تقدير، شهد المسلمون خلالها صراعات مذهبية دموية، تُسقط حجية مرويات هذه الفرق، واقرؤوا تاريخ الصراع العقدي الدموي بينها، بل وبين مذاهب الفرقة الواحدة!!
كيف يتحدث علماء «مرصد الأزهر» باعتبارهم يمثلون «الأمة الإسلامية»، ويقولون: «فالقرآن الكريم هو الأصل الأول للدين، والسنة هي الأصل الثاني، ولقد اختص الله تعالى هذه (الأمة الإسلامية) بحفظ دينها وصيانتها له، وتعهد به سبحانه، فحفظت (هذه الأمة) كتاب الله الم نزل إليها، فتلقته بأمانة وثقة وتواتر، وذبت الكذب والخلل عن الحديث النبوي بما وضعته من قوانين للرواية هي أصح وأدق طريق علمي في نقل الروايات واختبارها».
انظر إلى استخدامهم لمصطلح «الأمة الإسلامية»، والذي يجعلنا نسألهم: أين هي هذه «الأمة الإسلامية» التي «ذبت الكذب والخلل عن الحديث النبوي، بما وضعته من قوانين للرواية، هي أصح وأدق طريق علمي في نقل الروايات واختبارها«؟!
إنهم لا شك يقصدون المذهب «الأشعري»، ويعتبرون أن جميع المسلمين، بعد وفاة النبي، يتبعون المذهب «الأشعري»، وأن المذهب «الأشعري» منذ نشأته، وهو يملك أصح وأدق الطرق العلمية في نقل الروايات واختبارها!!
الحقيقة أنا لا أعلم إذا كان علماء «مرصد الأزهر» على دراية بتاريخ ظهور الفرق والمذاهب الإسلامية، وهل «الأمة الإسلامية» التي تركها النبي محمد، عليه السلام، هم أتباع المذهب «الأشعري» الذي لم يكن صاحبه قد ولد بعد؟!
ويؤكد علماء «مرصد الأزهر»، على أن «الأمة الإسلامية» هي التي صانت الحديث النبوي من التحريف والتبد يل فيقولون بعدها:
«ولقد كانت عناية (الأمة الإسلامية) برواية الحديث النبوي وحفظه تهدف إلى صيانة هذا التراث العظيم من التحريف والتبديل فيه؛ فحاز حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – من الوقاية والمحافظة ما لم يكن – قط – لحديث نبي من الأنبياء، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الأمور كلها؛ العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله – صلى الله عليه وسلم – في طعامه وشرابه، ويقظته ونومه، وقيامه وقعوده، حتى ليشعر من يتتبع (كتب السنة) أنها ما تركت شيئا صدر عنه – صلى الله عليه وسلم – إلا روته ونقلته».
ولا أعلم أيضا إذا كان علماء «مرصد الأزهر» على دراية بالخلاف المنهجي القائم بين علماء الفرق والمذاهب الإسلامية حول جرح وتعديل الرواة، وتصحيح وتضعيف مروياتهم؟!
ثم ماذا يقصدون بقولهم: «حتى ليشعر من يتتبع كتب السنة»؟! هل «كتب السنة» الموجودة في مكتبة «مرصد الأزهر»، هي نفسها «من حيث المحتوى» الموجودة في مكتبات الفرق الأخرى؟!
إذن فلماذا اختلفت إذا كانت نصوصها «وحيا يوحى»، وقد حفظتها «الأمة الإسلامية» من التحريف والتبديل، كما يدّعون؟!
إن «المنهجية العلمية» تفرض على علماء «مرصد الأزهر» أن يحددوا أولا موقفهم، وبصراحة وشفافية، من كتب مرويات «السنة النبوية» التابعة للفرق الأخرى، وهل هي أيضا « وحي يوحى»، حسب ما ورد في قولهم:
«وذلك أن القرآن والسنة وحي من الله عز وجل، ولم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليقول شيئا من عنده (إن هو إلا وحي يوحى)، فلماذا يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن، ولا يتكفل بحفظ السنة، مع أن كليهما وحي من عنده سبحانه وتعالى»؟!
إن تكفل الله تعالى بحفظ القرآن، لا يوجد مسلم على هذه الأرض يشك فيه، ومظاهر هذا الحفظ، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، يعلمها الصغير قبل الكبير، فأين مظاهر حفظ الله لمرويات «السنة النبوية»، وعند أي فرقة من الفرق الإسلامية نجدها؟!
وإذا كان علماء كل فرقة من الفرق الإسلامية يعتبرون أنفسهم أتباع «الفرقة الناجية»، ويؤسسون على ذلك قولهم بتكفل الل ه بحفظ مروياتهم، التي هي «وحي يوحى»، ألا تعتبر هذه المصيبة مبررا لاتهام هؤلاء العلماء بازدراء الدين الإلهي، لأنه يستحيل أن يحمل للناس وحيا صحيحا ووحيا ضعيفا؟!
لذلك لم يكن غريبا على علماء «مرصد الأزهر»، قولهم:
«إذا كانت عناية المسلمين بالسنة والعمل بها معلومة من الدين والتاريخ والحضارة والتراث الإسلامي بالضرورة، ولا يجهل ذلك جاهل – فإن الإنسان بعد ذلك لتأخذه الدهشة والعجب ويحار لبه في أفهام وعقول ( منكري السنة )، كيف يطعنون في حجيتها؟! وبأي عقل وعلى أي منطق اعتمدوا في قبولهم القرآن دون السنة؟!»
إنهم يقولون: إن العمل بـ «السنة النبوية» من المعلوم من الدين بالضرورة، ومعلوم أن مذهبهم، ومذاهب جميع الفرق الإسلامية، تُكفر من أنكر معلوما من الدين بالضرورة، فأي عقل يقبل أن تكون مرويات «السنة النبوية»، التي هي بحر مذهبي متلاطم الأمواج، من المعلوم من الدين بالضرورة؟! فأي دين هذا الذي يتلاعب بنصوصه علماؤه، لإثبات حجية مذاهبهم العقدية؟!
إن أحاديث «السلسلة الذهبية»، التي يعتبرها أهل السنة أصح درجات الحديث، هناك من لا يراها أصح درجات الحديث، كالشيعة، فكيف تكون مرويات «السنة النبوية» من المعلوم من الدين بالضرورة، إلا إذا كان المقصود بهذا الدين دين الفرقة أو المذهب الذي صحت عنده هذه الأحاديث!!
فبأي عقل، وعلى أي منطق، يتهم علماء المذهب الرافضين لمروياته بإنكار «السنة النبوية»، ثم يؤسسون على ذلك اتهامهم بالردة، ثم يستتابون، وإن لم يرجعوا عن رفضهم لهذه المرويات قُتلوا؟!
فبأي عقل، وعلى أي منطق، يساوي علماء «مرصد الأزهر» بين حجية «القرآن» قطعي الثبوت عن الله تعالى، ومرويات «السنة النبوية»، التي أثبت البحث العلمي الجاد أنها ظنية الثبوت عن الرواة وعن المحدثين، وليس عن النبي، عليه السلام؟!
إنه لا يوجد إمام من أئمة السلف والخلف، يُنكر آية قرآنية واحدة، ثم يبقى على إسلامه، فإذا كانت مرويات «السنة النبوية» وحيا يوحى، فلماذا أبقى أئمة السلف على إسلام العشرات من أئمة الجرح والتعديل، الذين أنكروا مئات الأحاديث لعدم موافقتها لمذهبهم العقدي أو التشريعي، في الوقت الذي قبلتها مذاهب أخرى لموافقتها لمذاهبهم؟!
ألا تخافون الله، وأنتم تساوون بين حجية «القرآن» قطعي الثبوت عن الله تعالى، ومرويات «السنة المذهبية»، ظنية الثبوت عن الرواة والمحدثين، ثم تقولون:
«إن الذين يطعنون في (السنة) إنما يطعنون في أخص خصوصيات هذه (الأمة) وهو الإسناد، الذي ميز الله به (أمة الإسلام) وألهمها إياه – ولم يكن في أمة من قبل – (لحفظ كتابه وسنة نبيه).
فأي أمة هذه التي تتحدثون عنها؟! لماذا لا تتحدثون باسم المذهب «الأشعري»، حتى يفهم الناس أنكم لم تخدعوهم باسم «الأمة الإسلامية»؟! ألا تخشون الله، عندما تخاطبون الناس باعتباركم «الأمة الإسلامية»، وتتهمون من يخالفكم بالكفر والضلال، وتقولون عنهم:
«إنهم يريدون للأمة الإسلامية أن تكون كالذين من قبلهم، حيث طال عليهم الأمد؛ فقست قلوبهم ونبذوا دينهم وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون، وما كان ضلال الأمم السابقة وتحريفهم لكتبهم إلا لفقدهم ما حبانا الله به من حفظ الإسناد، فهل المقصود أن نكون مثل الذين من قبلنا فنترك ونهدم شطر الدين؛ فنضل ونحرف ونغير ونبدل كل ما ليس له تفصيل في القرآن»؟!
انظروا وتدبروا هذا الأسلوب التخاصمي التحريضي التكفيري!!
لذلك فإن الذين يصدرون أحكامهم بالسجن على المخالفين لمذهبهم، بدعوى ازدراء الدين الإسلامي، أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، هل يعلم هؤلاء أين هي هذه «الأمة الإسلامية» التي يتحدث عنها علماء «مرصد الأزهر»، التابعون للمؤسسة الدينية الرسمية، التي ترفع التوصيات بمصادرة الكتب، وتتهم أصحابها بإنكار السنة، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟!
وهل يصح شرعا توظيف كلام الله وإسقاطه على المذهب «الأشعري» باعتباره هو «الأمة الإسلامية»، التي حباها الله بحفظ الإسناد، فيقول علماء «مرصد الأزهر»: «ما حبانا الله به من حفظ الإسناد»؟! ألا تعلمون أن قولكم هذا هو تدعيم لأزمة التخاصم والتكفير بين المسلمين، ثم بعد ذلك تدّعون إنكم تحملون للناس وسطية الإسلام؟!
إن حديثكم الدائم عن أن المذهب «الأشعري» هو الذي حمل للناس وسطية الإسلام، هو خير برهان على أنه انطلق من البيئة التخاصمية التكفيرية ا لتي شهدتها القرون الأولى، بعد أحداث الفتن الكبرى، وتكونون بذلك قد وضعتم مصير تدين المسلمين في يد أبي الحسن الأشعري، الذي توفي في القرن الرابع الهجري، «ت٣٢٤هـ»!!
ألا يعلم علماء «مرصد الأزهر» الصراع العقدي القائم بين «الأشعرية» بقيادة إمام «أهل السنة والجماعة» أبي الحسن الأشعري، «ت٣٢٤هـ»، و«السلفية» من قبله بقرن من الزمن بقيادة إمام «أهل السنة والجماعة»، أحمد بن حنبل، «ت٢٤١هـ»، هذا الصراع الذي جعل المسلمين لا يعرفون شيئا عن الإسلام «ملة وشريعة»، إلا من خلال المذهب «الحنبلي، أو المذهب «الأشعري»، وكلٌ يدعي أن أتباعه هم «الأمة الإسلامية»، و«الفرقة الناجية»!!
إنه لمن الخطر الكبير على ملة «الوحدانية»، وعلى حكمة الرسالة «الإلهية»، وعلى قدسية «النبوة»، وعلى أمن البلاد والعباد، اتباع مصادر تشريعية لم يأذن الله تعالى بها، وكانت سببا في استمرار أزمة التخاصم والتكفير بين المسلمين، على مر العصور، كما كانت خير سند للجماعات الإرهابية، التي تسعى في الأرض فسادا، وتسفك الدماء بغير حق، تحت راية التمسك بالكتاب و«السنة النبوية»!!
لذلك أنصح علماء كل فرقة من الفرق الإسلامية، أن يتحدثوا باسم الفرقة التي ينتمون إليها، وليس باسم «الأمة الإسلامية»، كما أنصح علماء كل مذهب عقدي من مذاهب الفرقة الواحدة، أن يتحدثوا باسم المذهب الذي ينتمون إليه، وليس باسم «الأمة الإسلامية»، وأنا ناصح لكم أمين، وادعي أني على علم.
وللموضوع بقية.
محمد السعيد مشتهري

(445) 24/4/2016 (البيان النبوي ليس سنيا ولا شيعيا ولا أشعريا)
عدد المشاهدات : 232
ذكرت في المقال السابق، في سياق الرد على الشبهات التي أثارها علماء «مرصد الأزهر»، بخصوص مقال نشرته لي جريدة «المقال»، بتاريخ «٢٢-٥-٢٠١٥م»، بعنوان «السُّنة حقيقة قرآنية في عصر النبوة.. وبعدها اجتهادات أئمة»، أنه كان يجب على علماء المرصد أن يقيموا ردهم على أسس «منهجية علمية»، تُبيّن للناس مفهوم «السُّنة النبوية»، والفرق بينها وبين «مرويات» الرواة، التي وسموها با سم «الحديث النبوي»، والتي إن صحت عند مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، لا تصح عند آخر.
كما ذكرت أنه يجب على علماء الفرق والمذاهب المختلفة، أن يتحدثوا باسم المذهب العقدي الذي ينتمون إليها، وليس باسم «الأمة الإسلامية»، حتى يخرجوا من دائرة التخاصم والتكفير، التي جعلت أتباع كل فرقة يعتبرون أنفسهم هم «الأمة الإسلامية»، وباقي الفرق غير إسلامية، وأنهم «الفرقة الناجية»، وباقي الفرق في النار!!
واستكمالا لما جاء في بيان علماء «مرصد الأزهر» من شبهات، والرد عليها، قالوا في ردّهم:أولا: «أما عن زعمه بأن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع وأن السنة النبوية ليست المصدر الثاني للتشريع وإنما هي تفعيل الرسول – صلى الله عليه وسلم – للنص القرآني …الخ، فهذا زعم باطل؛ فالله – سبحانه وتعالى – أنزل القرآن الكريم هداية بينة، ومعجزة لرسوله – صلى الله عليه وسلم – باهرة باقية، ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له كما قال عز وجل: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)، فكانت السنة أصلا من أصول الدين تاليا لكتاب الله تعالى، تؤخذ منها العقائد والأحكام والأخلاق، وغير ذلك».
١- قولهم «ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له»:والسؤال: عند أي فرقة من الفرق الإسلامية نجد هذا الكتاب الذي حمل «السنة النبوية» المفصلة للقرآن والشارحة له، بين مئات كتب التفسير الموجودة في المكتبة الإسلامية؟!
فهل المفسرون والمحدثون أولى من رسول الله، لتكون لهم مؤلفاتهم في بيان «السنة النبوية»، وصاحب السنة نفسه ليس له مؤلف باسمه، محفوظ بحفظ الله له، يستقي منه المسلمون مباشرة سُنته، بعيدًا عن إشكاليات «السند الروائي» المذهبي؟!
٢- ألم يقرأ علماء «مرصد الأزهر» كتاب «الصحيح المسند من التفسير النبوي للقرآن الكريم» للشيخ أبىِ محمد السيد إبراهيم بن أبي عمة، تحقيق ومراجعة الشيخ مصطفى العدوي، الذي قال في مقدمته: «لذلك فقد راودتنا فكرة تفسير القرآن بالسنة الصحيحة وبالأثر الصحيح»؟!
إذن حتى عصرنا هذا، لم يكن هناك كتاب يُعتمد عليه في «تفسير القرآن بالسنة الصحيحة وبالأثر الصحيح»، وهذا ما يثبته فعلا الواقع، فلو كان النبي، عليه السلام، قد فسّر القرآن، ما كان لأمهات كتب التفسير أن تولد أصلا، فمن يجرؤ أن يُفسر القرآن بع د تفسير النبي؟!
ثم قال الشيخ مصطفى العدوي: «لذلك فقد رأينا أن نضيق نطاق العمل تضييقا آخر وصورته تفسير الآيات التي فسرها النبي صراحة، والآيات التي فسرها النبي بقوله قليلة محصورة».
تدبر قول الشيخ: «والآيات التي فسرها النبي بقوله قليلة محصورة»، ثم قال بعدها: «فعهدنا بهذا العمل إلى أخينا في الله سيد بن إبراهيم أبي عمة، فقام جزاه الله خيرا بجمع الأحاديث التي فسر بها رسول الله الآيات، وقام بتحقيق هذه الأحاديث وانتقاء الصحيح منها وترك ما سواه».
إذن حتى عصرنا هذا، لم ينته المحققون من انتقاء الصحيح من «السنة النبوية» وترك ما سواه!!
٣- وإذا كان علماء «مرصد الأزهر» قد قالوا في ردّهم على رفضي حجية المصدر الثاني للتشريع: «ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له، كما قال عز وجل: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)، فكانت السنة أصلا من أصول الدين تاليا لكتاب الله تعالى، تؤخذ منها العقائد والأحكام والأخلاق، وغير ذلك»
فإن الشيخ مصطفى العدوي قال أيضا في مقدمة هذا الكتاب: «الصحيح المسند من التفسير النبوي للقرآن الكريم»:
« ولأنّ القرآن نزل على رسول الله، فلا شك أنه عليه السلام أعلم الناس بتأويله فعليه أنزل، وبلسانه تلي، وبسنته فسر، قال الله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، فسنة رسول الله كلها تفسير للقرآن، وبيان لمعانيه وألفاظه وأحكامه »!
واللافت للنظر أن هذا الذي قاله علماء «مرصد الأزهر»، والذي قاله الشيخ العدوي، هو ما تعودنا على قراءته وسماعه من علماء الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، عبر قرون مضَت، والذي ليس له واقع مشاهد في أمهات كتب التفسير، والبرهان على ذلك هو:
لقد بذل مؤلف كتاب «الصحيح المسند من التفسير النبوي للقرآن الكريم»، والعلماء الذين ساعدوه على إنجاز موضوعه، جهدا كبيرا حتى جنوا ثماره، فتعالوا نتعرف على هذه الثمار المتعلقة بسورة البقرة وحدها كمثال:
إن عدد آيات سورة البقرة «٢٨٦» آية، فقط سبع «٧» آيات منها هي التي وردت فيها أحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي، «طبعا حسب شروط علماء أهل السنة»، وهي:
أ- « فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» (البقرة ٥٩)ب- « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا… الآية» (البقرة ١٤٣)ج- « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ… الآية» (البقرة ١٨٧)د- « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.. الآية» (البقرة ١٩٦)هـ- « وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (البقرة ٢٢٢)و- « حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» (البقرة ٢٣٨)ز- « يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» (البقرة ٢٧٦)
إن الذي يتدبر هذه الآيات السبع، ثم يذهب إلى أمهات كتب التفسير، عند الفرق الإسلامية المختلفة، ليقف على تفسيرها النبوي، الذي ورد في أصح المرويات المرفوعة إلى النبي، سيصل إلى هذه النتيجة:
أنه لو ترك علماء السلف المسلمين يفهمون القرآن بالأدوات المستنبطة من ذات النص القرآني، وفي مقدمتها «اللسان العربي»، لفهموا هذه الآيات السبع بعيدا عن كل هذه «المرويات» المذهبية، التي سيجد القارئ فيها من السهام المسمومة التي يستخدمها الأعداء في ضرب الإسلام والمسلمين، خصوصا الآية «٢٢٢»، كما سيجد من الفتاوى ما يُحلّون به الحرام، يخجل المسلم من نشرها!!
٤- إذا كان الله تعالى قد أعطى رسوله محمدا، عليه السلام: «السنة مفصلة للكتاب وشارحة له، كما قال عز وجل: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)، فكانت السنة أصلا من أصول الدين تاليا لكتاب الله تعالى، تؤخذ منها العقائد والأحكام والأخلاق، وغير ذلك»، أليس من المفترض ألا يحتاج البيان النبوي إلى من يبينه؟!
وإذا كان الله تعالى قد أعطى رسوله محمدا، عليه السلام: «السنة مفصلة للكتاب وشارحة له»، فلماذا احتاجت السنة الشارحة للكتاب إلى شرح المفسرين والمحدثين والفقهاء لها؟! فما أهمية كل هذه الكتب بعد بيان النبي وشرحه لآيات الكتاب وأحكامه؟!
يا علماء «مرصد الأزهر»، أنتم الذين قلتم: إن الله «أنزل القرآن الكريم هداية بينة، ومعجزة لرسوله»، وأنتم الذين قلتم: «ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له»، فهل يُعقل أن ينزل الله كتابا لا يُفهم إلا بشرح النبي لآياته وأحكامها، ثم يحفظ الله «الكتاب»، ويترك بيان النبي يتداوله رواة الفرق والمذاهب المختلفة شفاهة، عبر قرن ونصف القرن من الزمن، على أقل تقدير، إلى أن جاء عصر تدوينه؟!
٥- كيف تساوون بين حجية «الكتاب» المنزل، الذي هو القرآن الكريم، الذي يعلم حدوده وعدد سوره كل مسلم على هذه الأرض، بحجية «مرويات» الفرق الإسلامية المتصارعة، التي لم يُجمع علماؤها حتى اليوم، على حدود المقطوع منها بصحته؟!
كيف تساوون بين حجية «الكتاب» المنزل، الذي ورثه المسلمون، منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا، محفوظا بحفظ الله له، لذلك لم يستطع رواة الفرق الإسلامية أن يضعوا بصماتهم المذهبية على نصوصه، وبين «المرويات» التي لم تُدوّن في أمهات الكتب إلا بعد أن وضع الرواة عليها بصماتهم المذهبية؟!
ولماذا لم يظهر أصح كتاب للبيان النبوي، عند أهل السُّنة، إلا في القرن الثالث الهجري، وهو صحيح البخاري «ت٢٥٦هـ»، ولم يظهر أصح كتاب عند الشيعة إلا في القرن الرابع الهجري، وهو صحيح الكافي للكليني «ت٣٢٩هـ»، ولماذا لم يظهر أصح كتاب للبيان النبوي في حياة النبي، وتحت إشرافه؟!
قالوا: خشية اختلاط حديث النبي بحديث الله تعالى!!
انظر وتدبر هذا التبرير الذي يفقد قائله أهلية الحديث عن الآية الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، عليه السلام، والتي يستحيل أن يحملها لسان النبي وأسلوب حديثه مع قومه، حتى ولو كان في أصله وحيًا يوحى، وإلا لأصبح البرهان على صدق نبوة الرسول، أن يعجز المكذبون أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، أو بحديث من أحاديث النبي!! فهل هذا هو ما كان عليه أئمة السلف؟!
وعلى فرض صحة هذا التبرير، وأن الصحابة، أهل اللس ان العربي، كانوا حديثي عهد بالإسلام، فلماذا بعد أن استطاعوا التمييز بين حديث النبي وحديث الله، لم يُدوّن الخلفاء الراشدون «السنة النبوية»، في كتاب واحد، مهما بلغ عدد أجزائه، إذا كانت حقا أصلا من أصول الدين، كما قال علماء «مرصد الأزهر»: «فكانت السنة أصلا من أصول الدين، تاليا لكتاب الله تعالى، تؤخذ منها العقائد والأحكام والأخلاق، وغير ذلك»؟!
ثانيا: يقول علماء «مرصد الأزهر»: «فالله ـ عز وجل – قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله – صلى الله عليه وسلم – ويدل على ذلك الكتاب الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والعقل».
والسؤال: كيف تكفل الله تعالى «بحفظ ما صح من حديث رسوله»؟!
الحقيقة أنا مش فاهم هذه الجملة!! ماذا يعني حفظ الله لما صح؟!
هل جعلتم من أنفسكم آلهة تشاركون الله في فصل الصحيح من وحيه عن الضعيف، فيحفظ أهل السنة ما صح عندها، ويحفظ الشيعة ما صح عندها، وكذلك باقي الفرق؟!
ما هذا الكلام الذي لا محل له من الإعراب؟!
ثم يقولون: «أما الأدلة من كتاب الله – عز وجل – على تكفل الله بحفظ السنة النبوية فهي كثيرة، منها: قوله عز وجل: « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» فهذا نص صريح يدل على أن الله – عز وجل – قد تكفل بحفظ السنة على وجه الأصالة والاستقلال على طريق اللزوم والتتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن في قوله عز وجل: « ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ »، أي: بيان القرآن، والبيان كما يكون للنبي – صلى الله عليه وسلم – يكون لأمته من بعده, وهو يكون للنبي – صلى الله عليه وسلم – بالإيحاء به إليه ليبلغه الناس، وهو المراد من قوله عز وجل: «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ».
١- يقول علماء «مرصد الأزهر»: «لأنه تكفل فيه ببيان القرآن في قوله عز وجل: « ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ »، أي: بيان القرآن».
والسؤال: هل يُعقل أن يكون معنى « ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ »، أي ثم إنا علينا تفسير آياته، عن طريق مرويات الفرق والمذاهب المختلفة، التي إن صحّت عند مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، لم تصح عند آخر؟!
إن الضمير في قوله تعالى: « ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ »، هو نفسه الضمير في قوله تعالى: « لِتَعْجَلَ بِهِ»، وفي « جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»، وفي « قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»، أي يعود على القرآن كله، فأين هو هذا الكتاب الجامع للبيان النبوي للقرآن كله؟!
أرجو من علماء الفرق والمذاهب المختلفة مجتمعين أن يُخرجوا للناس هذا الكتاب عبر القنوات الفضائية، لإثبات صحة حجية مروياتهم!
٢- ثم يقول علماء «مرصد الأزهر» عن البيان النبوي للقرآن: « وهو يكون للنبي – صلى الله عليه وسلم – بالإيحاء به إليه ليبلغه الناس، وهو المراد من قوله عز وجل: «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ».
وإن المتدبر لهذه الآية «٦٤» من سورة النحل، والسياق القرآني الذي وردت فيه، يعلم أنها لا تخاطب المؤمنين برسالة محمد، عليه السلام، أصلا، وإنما تخاطب المكذبين بها!
ألستم على دراية بعلم السياق القرآني؟! إذن تعالوا نستعين بهذا العلم، لنثبت بطلان استدلالكم بهذه الآية، وبقوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»، على حجية «مرويات» الفرق الإسلامية المختلفة كشريعة إلهية وسمها أئمة السلف والخلف باسم «السنة النبوية» لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم.
إن السياق القرآني الذي وردت فيه الآية «٧» من سورة الأنبياء:
«وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»
والسياق الذي وردت فيه الآيتان «٤٣ ـ٤٤» من سورة النحل:
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» – «بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ».
يخاطب أصلا المكذبين برسالة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، وليس المؤمنين بها، فيُبيّن لهم أن الله تعالى لم يرسل رسلا من النساء أو من الملائكة، وإنما من الرجال: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ»، وإن عليهم أن يتأكدوا من هذه الحقيقة بسؤال أهل الكتب السابقة، أهل الذكر: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ».
وإن سياق هذه الآيات يبدأ بقوله تعالى «الآية ٣٩»:
« لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ »
فمن هم «المختلفون»، الذين سيُبيّن لهم النبي الخاتم محمد، عليه السلام، حقيقة « الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ»؟! إنهم الكافرون المكذبون، الذين قال الله فيهم: « وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ»!!
ثم جاءت الآية «٦٤» تؤكد ذلك، وتخاطبهم بقوله تعالى: «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».
إن الله تعالى لم يشر في كتابه، بأي صورة من الصور، إلى أن الصحابة اختلفوا حول هذا الكتاب، وإنما أشار إلى أن الاختلاف حدث بين أهل الكتب السابقة: « إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ»، فنزل القرآن ليبين « لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ – وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».
٣- فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، وجدناهم أيضا يُخرجون الآية عن سياقها الذي يخاطب الكافرين المكذبين، وأنهم هم المقصودون بكلمة «الناس»: « لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»، وهذا ما أفاد به الاسم الموصول «مَا»، وصلته «نُزّل»، وبيان ذلك على النحو التالي:
إن «الذكر» المنزل على رسول الله محمد: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ»، مهمته المحددة في سياق هذه الآية أن يُبيّن لهؤلاء المكذبين: «مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» من كتب اختلفوا بشأنها، وبشأن كتاب النبي الخاتم، وليس أن يُبيّن للمؤمنين، بالشرح والتفسير، اختلافهم حول الذكر المنزل، وإلا لقال تعالى: «لتبينه للمؤمنين»، وليس «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»!!
إن «الذكر» المنزل على رسول الله هو «القرآن»، وهذا القرآن جاء مبينًا لغيره من الكتب السابقة، وكاشفا عما أخفًاه أهلها وحرّفوه منها، وهذا ما بيّنه قوله تعالى في سورة المائدة:
«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ».
إذن فمن وراء تحريف الكلم عن مواضعه، لتصبح الآية «٤٤» من سورة النحل: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»، دليلا على حجية مرويات «الأحاديث» المنسوبة إلى النبي، التي ألبسها أئمة السلف والخلف لباس «السنة النبوية»، لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم، في الوقت الذي لا يملك فيه أئمة السلف ولا الخلف، كتابا واحدا متفقًا عليه بينهم، يشهد بالبيان النبوي لآيات الذكر الحكيم؟!
إن «البيان»، في السياق القرآني يأتي بمعنى «الإظهار»، وهو عكس الكتمان، نفهم ذلك من قوله تعالى في سورة البقرة:
« إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ـ- إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
تدبر قوله تعالى: «مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ»، فالكتاب هو مصدر البيان، وتدبر قوله تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا»، أي «أظهروا» ما أخفوه وكتموه.
ثالثا: ثم يستكمل علماء «مرصد الأزهر» ردهم ويقولون:
«أما الدليل من السنة النبوية على تكفل الله -ـ سبحانه وتعالى ـ- بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم: فقوله صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
لقد أوصى الرسول المسلمين باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ولم يُدوّن الخلفاء الراشدون أصلا «السنة النبوية» في كتاب، وإلا فأين هو؟! فهل يُعقل أن تكون مرويات «السنة النبوية»، أصلا من أصول الدين، تاليا لكتاب الله تعالى، حملت وحيا إليها، يؤخذ منه العقائد والأحكام والأخلاق، ثم لا يهتم الخلفاء الراشدون بتدوينها في كتاب باسم الخلافة الإسلامية، وتحت إشرافها؟!
إنه يستحيل أن يتساوى «من حيث طاعة الرسول ومعصيته»، من عاصروا الرسول وسمعوا منه مباشرة، مع من جاؤوا من بعده، وقال لهم المحدثون، كلٌ حسب الفرقة والمذهب العقدي الذي ينتمي إليه، إن الرسول قال!
لذلك فمن العبث بدين الله تعالى، أن تُوظف الآيات القرآنية التي أمرت بطاعة الرسول واتباعه والاقتداء به والتحاكم إليه، لخدمة توجهات الفرق الإسلامية العقدية والتشريعية، تحت راية العمل بكتاب الله وسنة رسوله.
وللموضوع بقية.
محمد السعيد مشتهري

(446) 29/4/2016 ( فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ )
عدد المشاهدات : 173
إن الذي يريد أن يدخل في الإسلام، عربيا كان أو أجنبيا، أين يذهب ليعلن إسلامه رسميا؟!
إنه سيذهب إلى المؤسسة الدينية التابعة للفرقة الإسلامية التي سيختارها، في داخل البلاد أو في خارجها، ويعلن إسلامه بالطريقة التي يمليها عليه علماء هذه الفرقة.
أي أن الذي يريد أن يدخل في الإسلام يدخله من باب «التفرق في الدين»، وعلى أساس غياب الفهم الواعي لحقيقة الدين الإسلامي الذي أمر الله اتباعه.
لذلك لم يكن غريبا أن نجد آلاف الذين اعتنقوا الاسلام، من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا..، يقاتلون مع الجماعات والمنظمات الإرهابية دفاعا عن الإسلام، وعن إقامة الخلافة الإسلامية، لأنهم هكذا فهموا الإسلام!!
إن الذين اعتنقوا الإسلام، لم يدفعهم إلى ذلك، حسب تصريحات بعضهم، إلا حب الانتقال من المجتمع المادي المتفكك، الذي يعيش فيه الفرد حياة تافهة، سجين الماديات، قاسي القلب، إلى «المجتمع الإيماني»، حيث الحياة الجادة، التي تسودها المحبة والأخوة في الله، والالتزام والطاعة للأمير، والذي لم يجدوه إلا في تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، ال ذي أصبح العالم أجمع يخافه، ويعمل له ألف حساب!!
لقد فتح تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» الباب أمام الآلاف الذين استهوتهم فكرة الجهاد من أجل أن يقاتلوا في الحرب المقدسة لإعلاء كلمة الله، فقاموا بتكوين كتائب صغيرة في بلادهم استعدادا للانضمام إلى الجيش الكبير الذي سيعيد الخلافة الإسلامية إلى الأرض.
إن أنصار «داعش»، الذين يتواجدون حاليا على أرض الواقع، في العراق وسوريا وليبيا..، والخلايا النائمة التابعة لهم الموجودة في كثير من الدول العربية والأجنبية، إذا أضفنا إليهم الجماعات الدينية السلفية، والجمعيات الأهلية والمراكز الإسلامية، التي يتسلل أتباعها يوميا بالعشرات للانضمام إلى «داعش» سيبقى من؟! سيبقى من المسلمين:
١- حزب «الكنبة»، و«الشلتة»، وهؤلاء «معاهم معاهم، عليهم عليهم»!!
٢- الذين لا ينتمون إلى جماعات، لأنهم يعتبرون الدين الإسلامي حرية شخصية، يعيش الفرد أحكامه حسب ما يفهمه من القرآن، أو من القرآن والسنة، وما يمليه عليه قلبه، «ورايح فين رايح الشغل، وجي منين جي من الشغل»، لأن العمل عبادة وتقدم وحضارة!!
٣- المفكرون الذين يعيشون الإسلام ترفا فكريا، «كلاما في كلام»، لا علاقة له بسنن التغيير، وإقامة دين الله في الأرض، تاركين هذا التغيير لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
وهذه الطوائف الثلاث، هم أول من سيدفعون ثمن تخاذلهم عن إقامة دين الله في الأرض، وسيكون الثمن هو:
١- إما البيعة والاعتراف بتنظيم الدولة الإسلامية، وأظن أن معظمهم سيبايعون، وهم صاغرون، منافقون!!
٢- وإما القتل، ومصيرهم جهنم، لأنهم تخاذلوا ولم يعدوا العدة التي أمرهم الله بها.
٣- وإما أن يكونوا عبيدا وسبايا وملك يمين، وهذا أفضل اختيار!!
ودليل ذلك قوله تعالى:
« قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ ، وَأَبْنَاؤُكُمْ ، وَإِخْوَانُكُمْ ، وَأَزْوَاجُكُمْ ، وَعَشِيرَتُكُمْ ، وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُو هَا ، وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ، وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ، أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ »
«ولا إيه رأيكم نمسح هذه الآية من المصحف ونخلص»!!
محمد السعيد مشتهري



