

(447) 30/4/2016 (عندما تصبح طاعة المحدثين المذهبية طاعة للرسول)
عدد المشاهدات : 189
هل يعقل أن يخرج الرسول على قومه ويقول لهم: إن الله يأمركم أن تطيعوا ما ورد في هذا القرآن، الذي عجزتم أن تأتوا بسورة من مثله، كما يأمركم أن تطيعوا «الأحاديث النبوية» التي سيدونها المحدثون بعد قرن ونصف القرن من وفاتي، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
إن علماء «مرصد الأزهر»، يتصورون أننا نعيش مع النبي في عصر الرسالة، ولو كان هذا التصور هو الواقع، ما وسعنا إلا أن نطيع النبي طاعة مطلقة، فقد آمنّا به نبيًا يوحى إليه ورسولا يحمل رسالة ربه.
إننا لم نر رسول الله، عليه السلام، ولم نسمع منه، وأقمنا إيماننا به على أساس الإقرار بصدق «آيته القرآنية» الدالة على صدق نبوته، والمعاصرة لنا اليوم، والتي عرفناه من خلالها، وإن ما حمله التراث الديني من مرويات ظنية الثبوت عن الرواة الذين نقلوها، وعن المحدثين الذين دوّنوها، لا علاقة له بالآيات التي جاءت تأمر بطاعة الرسول، وتنهى عن معصيته، وبيان ذلك في ما يلي:
أولا: يقول علماء «مرصد الأزهر»: «فهناك آيات أمرت باتباعه، صلى الله عليه وسلم: منها قوله عز وجل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)».
والسؤال: لماذا لا يُبيّن علماء «مرصد الأزهر» صراحة للناس، من الذين يتبعون الرسول فأحبهم الله، هل هم: أهل السنة، أم الشيعة، أم المعتزلة، أم الأباضية… ومن مذاهب فرقة أهل «أهل السنة والجماعة»، هل هم: الحنبلية، أم الأشعرية، أم الصوفية..؟!
والغريب أنهم يعتبرون قول الله تعالى: «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» دليلا على حجية مروياتهم، وأن اتباع الرسول وطاعته في اتباع مروياتهم والعمل بها، وأعطوا ظهورهم لقوله تعالى بعدها: «فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ»، الذي يصف الذين تولوا عن اتباع الرسول بالكفر!!
فإذا كان اتباع الرسول وطاعته، من وجهة نظر «أهل السنة والجماعة» على سبيل المثال، يتمثل في العمل بالمرويات التي صحت عندها، إذن فما موقف علماء «مرصد الأزهر» من المحدثين أتباع الفرق الأخرى، الذين تولوا عن مرويات «أهل السنة»، وأنكروا صحتها؟!
الحقيقة، وبناء على فهم علماء «مرصد الأزهر» لهذه الآية، وإسقاطها على «أهل السنة والجماعة»، يصبح المحدثون من أتباع الفرق الأخرى كافرين، لأنهم تولوا عن اتباع الرسول، بعدم اتباعهم المرويات التي صحت عند فرقة أهل السنة والجماعة.
إن من طبيعة وخصائص المصدر الثاني للتشريع، أنه حمل مرويات كل فرقة بما يوافق مذهبها العقدي والتشريعي، مما جعل الصحيح عند مذهب غير صحيح عند آخر، ومن تولى عن اتباع مرويات مذهب، تولى أتباع المذهب عن اتباع مروياته، وهكذا!!
والحقيقة أن كل أتباع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة قد تولوا عن اتباع «السنة النبوية»، التي تنطق بها آيات الذكر الحكيم، في كل لحظة من لحظات الزمن، على مستوى العالم، فمن الذي ينكر «السنة النبوية»:
« الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»، أم الذين تعاملوا مع كتاب الله مباشرة، يستنبطون منه «سنة النبي» بمفهومها اللساني والقرآني، الذي بيّناه في المقال السابق، في سياق الرد على بيان علماء «مرصد الأزهر»، وكان بعنوان: «البيان النبوي ليس سنيا ولا شيعيا ولا أشعريا»؟!
ثانيا: يقول علماء «مرصد الأزهر»: «هناك آيات أمرت بطاعته- صلى الله عليه وسلم – منها قوله عز وجل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، فجعل ربنا – عز وجل – طاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – طاعة له سبحانه؛ وذلك لأنه – صلى الله عليه وسلم – مبلغ عن الله…، وأن سنته من دين الله، على المسلم أن يلتزم بها، وأن يطيع أوامر القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن ينتهي بنواهيهما».
وأنا أسأل علماء «مرصد الأزهر»: لقد جئتم بالآية التي تخاطب المؤمنين، تبين لهم الجزاء الذي ينتظرهم إذا هم أطاعوا الله ورسوله: « جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»، ولم تأتوا بالآية التي بعدها، التي تبين جزاء الذين عصوا الله ورسوله: «وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ».
فهل يعقل أن يكفر المؤمن، ويدخل النار «خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»، لعدم اتباعه مرويات الفرقة التي ينتمي إليها، وكفره بمدارسها في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
لذلك كان من الضروري أن نقف على مفهوم «طاعة الرسول» كما ورد في السياق القرآني على النحو التالي:
١- «أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ»، أي أطيعوا الله منزل الكتاب، والرسول مبلغ الكتاب، ولم يخص الله الرسول بطاعة مستقلة، وذلك لبيان أنه لا يمكن فصل التنزيل عن البلاغ، كأصل من أصول الإيمان، واجب السمع والطاعة، يقول الله تعالى:
« آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ، وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»
٢- « أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ»، أي أطيعوا الله منزل الكتاب، وأطيعوا الرسول القائم على تنفيذ أحكام الكتاب بين الناس، وهنا خص الله رسوله بالطاعة كما قال تعالى في سورة النساء «الآية ٥٩»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ».
وفي ضوء ما سبق، علينا أن نفرق بين نوعين من الطاعة:
طاعة تتعلق بالسلطة التشريعية: «أَطِيعُوا اللَّهَ»، وهذه لا يملكها إلا الله تعالى.
وطاعة تتعلق بالسلطة التنفيذية: «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ»، القائمة على إدارة شؤون البلاد وتنفيذ أحكام الشريعة بين الناس، وهي مستوى واحد من الطاعة، لذلك لم يقل الله تعالى: «وأطيعوا أولي الأمر»، لأن طاعة أولي الأمر من طاعة الرسول من طاعة السلطة التنفيذية.
ولذلك فعند التنازع: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ»، يكون الرد إلى الله المشرّع، أي إلى الكتاب الإلهي، «وَالرَّسُولِ» القائم على تنفيذ أحكام الكتاب، ولذلك لم يقل الله تعالى: «وإلى الرسول»، حتى لا يُفهم أن للرسول شريعة مستقلة عن شريعة الله يُطاع فيها.
ولقد أكدت الآية «٦١» ما ذهبنا إليه سابقا، فقال تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً»، فقوله تعالى: «إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ»، يمثل «السلطة التشريعية»، وقوله تعالى: «وَإِلَى الرَّسُولِ»، يمثل «السلطة التنفيذية»، القائمة على تنفيذ الشريعة المنزلة بين الناس.
٣- «وَأَطِيع ُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»: «الآية ٥٦ من سورة النور»، هذه هي الآية الوحيدة التي ورد فيها الأمر بطاعة الرسول دون ذكر لطاعة الله، فإذا تدبرنا السياق بداية بالآية «٤٧» وجدناه يتحدث عن المنافقين، فيقول تعالى:
« وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ – وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ»
والذي يهمنا بيانه في هذا السياق، هو قوله تعالى: « لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ»، والذي يُفهم منه أن المصدر التشريعي الإلهي الحاكم هو مصدر واحد، وليس للرسول مصدر تشريعي مستقل عن هذا المصدر، وإلا لقال تعالى: «ليحكما بينهم»، وهذا ما أكده السياق بعد ذلك عند حديثه عن صفات المؤمنين «الآية ٥١»:
«إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
إن الذي يحكم بين الناس، على أرض الواقع، هو السلطة التنفيذية المختصة بإدارة شؤون البلاد، وليس السلطة التشريعية المختصة بالتشريع، ولقد كانت السلطة التنفيذية في عصر الرسالة في يد رسول الله محمد وولاة الأمور، لذلك أمر الله المؤمنين بطاعتهم، وحذر من معصيتهم.
ثم بعد بيان كذب المنافقين في ادعائهم أنهم يطيعون الرسول «الآية ٥٣»، تحول الخطاب إلى «الذين آمنوا»، يُبيّن لهم شرط استخلافهم في الأرض، وتمكين دينهم، وتحقق أمنهم، وهذا الشرط هو: « يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»
لقد حذر الله تعالى المؤمنين من الكفر، إذا هم لم يلتزموا بالشرط: «وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»، فإذا علمنا أن الخطاب في هذه الآية للمؤمنين: « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، إذن فلا عصمة من الكفر للذين آمنوا وعملوا الصالحات، إذا هم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا!!
ثم بين الله أنه لا استخلاف ولا تمكين ولا أمن، دون قيام مجتمع «الذين آمنوا» على أرض الواقع بقيادة رسول الله محمد، بصفته القائم على إدارة شؤون هذا المجتمع، لذلك عطف على ما سبق قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
فمن أين جاء أئمة السلف والخلف، أن قوله تعالى في هذه الآية «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» يعني أن للرسول طاعة تشريعية مستقلة عن طاعة الله، له أن يُحل ويُحرم من خلالها خارج حدود كتاب الله؟!
إننا إذا تدبرنا الآية القرآنية التي بيّن الله فيها أحكام الميراث، «الآية ١٢ من سورة النساء»، فهمنا أن لأحكام الشريعة حدودًا لا يجب تعديها، وأن الطاعة والمعصية لا تخرج عن هذه الحدود، لذلك بدأ الله حديثه عن طاعته وطاعة ورسوله بقوله: « تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ»، إشارة إلى أحكام الميراث التي سبقتها، وعند الحديث عن معصية الله ورسوله قال: « وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ»، لبيان أن المصدر التشريعي الإلهي لا يخرج عن حدود كتاب الله.
ثالثا: يقول علماء «مرصد الأزهر»: «كما تنص أخرى على نفي الإيمان، عمن لم يحكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما يقوله ويقضي به، ومثالها قوله تعالى في سورة النساء «الآية ٦٥»: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
إننا إذا تدبرنا سياق هذه الآية من بدايته، من الآية «٦٢»، وجدنا أن ضمير الخطاب يتوجه في هذه الآيات إلى رسول الله مباشرة، من غير واسطة، فتدبر: « ثُمَّ جَاءُوكَ»، « فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ»، «وَعِظْهُمْ»، « وَقُلْ لَهُمْ»، « وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ».
وتكتمل الصورة إذا ذهبنا إلى «الآية ٦٣»، ففيها البرهان قطعي الدلالة، على أن الأمر بطاعة الرسول يخص المعاصرين للرسول، حيث يقول الله تعالى: « أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا».
فكيف يُعرض رسول الله عن المنافقين بعد وفاته؟! وكيف يكون المعرض المنكر للأحاديث التي نسبها رواة الفرق المختلفة إلى الرسول، معرضا منكرا عاصيا لرسول في حياته؟!
ثم جاءت الآية «٦٥» تؤكد مفهوم المعاصرة، فقال تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى (يُحَكِّمُوكَ) فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا (قَضَيْتَ) وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا».
فهل يمكن أن تحل مرويات المحدثين محل الرسول في سياق هذه الآيات؟! ثم هل يمكن أن يمتد ضمير الخطاب « يُحَكِّمُوكَ – قَضَيْتَ» ليشمل المحدثين وعلماء الجرح والتعديل، للفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، وأن على أتباع هذه الفرق ألا يجدوا في أنفسهم حرجا مما حكم به أئمتهم «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»؟!
ولكن لعلماء «مرصد الأزهر» فهما آخر لهذه الآية، قالوا: «ومعلوم أن هذا الذي قضى به – صلى الله عليه وسلم – لم يكن تنفيذا لآية موجودة في القرآن، وإنما كان بحكم من عنده هو صلى الله عليه وسلم بوحي سماوي، ومع ذلك فقد أعلن القرآن أن الإنسان لا يعد – أيا كان – مؤمنا بالله إلا إن قبل حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخضع له، ثم لم يجد أي حرج تجاهه»!!
إن هذا الذي قاله علماء «مرصد الأزهر» هو المرجعية السلفية التي أفرزت فتاوى التطرف والإرهاب وسفك الدماء بغير حق، وبرهان ذلك ما يلي:
١- قولهم: « الذي قضى به – صلى الله عليه وسلم – لم يكن تنفيذا لآية موجودة في القرآن، وإنما كان بحكم من عنده هو، صلى الله عليه وسلم، بوحي سماوي»!!
أقول: إن كل الجماعات المتطرفة والإرهابية تقول إن المرويات التي أقامت عليها تطرفها كانت «وحيا يوحى»، في الوقت الذي تعترف فيه أن هذا الوحي «السماوي» فيه الصحيح والضعيف، حسب مذاهب أئمة الجرح والتعديل العقدية، وقد بيّنا تهافت هذه الشبهة في المقالين السابقين؟!
٢- قولهم: «فقد أعلن القرآن أن الإنسان لا يعد – أيا كان – مؤمنا بالله إلا إن قبل حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخضع له، ثم لم يجد أي حرج تجاهه»
أقول: الحقيقة أن كل أئمة وعلماء الجماعات المتطرفة والإرهابية، ينتزعون أولا صفة الإيمان عن كل من ينكر مروياتها، ثم على هذا الأساس يصدرون فتاوى تكفيرهم واستحلال دمائهم، بدعوى أن المحدثين الذين نقلوا هذه المرويات، هم ورثة الأنبياء، يحكمون ني ابة عن الرسول بعد وفاته: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ»، وقد قمنا بالرد على هذه الشبهة في «ثالثا».
إن الأمر بـ «طاعة الرسول»، في السياق القرآني كله، جاء يخاطب المعاصرين للرسول، الذين كان بإماكانهم سماعه وتنفيذ أمره، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ».
إن قوله تعالى: « وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ»، هو البرهان قطعي الدلالة، على أن الأمر بطاعة الرسول خاص بمن عاصروه، فلا يُعقل أن يكون المقصود: وأنتم تسمعون الرواة والمحدثين!!
أما علماء «مرصد الأزهر» فيقولون عن هذه الآية: «ومما تجدر الإشارة إليه أن القارئ المتدبر للقرآن الكريم، يجد أن القرآن في دعوته إلى التمسك بالسنة، وأمر المؤمنين بذلك، قد اتخذ ثلاث صور: الصورة الأولى: فتتمثل في طاعة الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – في آن واحد، وهذا مستمد من مثل قوله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَن ْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ».
لقد انشغل علماء «مرصد الأزهر» بمسألة الطاعة، وغاب عنهم شرطها: «وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ»، فكيف يطيع المرء من لم يسمعه؟! ألا يحتمل أن يُحرّف الراوي الكلم عن مواضعه؟! ألم يبين الله تعالى لنا، أن الذين أقروا بأصول الإيمان قالوا: « سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»، أي سمعوا بأنفسهم فأطاعوا؟!
ألم يُبيّن الله تعالى لنا أن شرط الطاعة السماع، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ»؟! فما معنى «وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ»؟! هل معناها التحذير من التولي عن المحدثين وسماعاتهم، هذه السماعات التي اختلفوا بشأنها اختلافا كبيرا، فمنهم من يشترط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين، ومنهم من لا يشترط؟!
ألم يُبيّن الله تعالى لنا أن من صفات المؤمنين أنهم «إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»، فهل السمع والطاعة لحكم الله ورسوله، أم لحكم المحدثين كلٌ حسب مذهبه في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
رابعا: عندما يقول علماء «مرصد الأزهر»: «وأما قوله: إننا لو بحثنا في القرآن كله عن آية واحدة تأمر الناس باتباع كتاب تشريعي مستقل غير القرآن لم نجد ..، فهذا طعن في القرآن وافتراء عليه، لأن القرآن أمر باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وطاعته ونهى عن مخالفته وعصيان أمره، وحث على التمسك بالسنة والاعتصام بها، فكيف يدعي بأنه يؤمن به وهو يخالفه؟!»
١- ألا يعتبر قولهم: «فهذا طعن في القرآن وافتراء عليه»، ثم قولهم في نهاية الفقرة: «فكيف يدعي بأنه يؤمن به وهو يخالفه؟!»، اتهام صريح لي بالردة عن دين الله، وتحريض على قتلي، بدعوى مخالفة رسول الله، وهو اتهام باطل من أساسه؟!
إن كاتب المقال لا ينكر دين الله، ولا نبوة رسوله، ولا شريعته، وإنما ينكر تفرق أئمة وعلماء الفرق الإسلامية في الدين، وقد حذرهم الله من هذا التفرق فقال تعالى: «وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ـ- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
٢- ما علاقة قولي: «إننا لو بحثنا في القرآن كله عن آية واحدة تأمر الناس باتباع كتاب تشريعي مستقل غير القرآن لم نجد»، بقولهم: «فهذا طعن في القرآن وافتراء عليه، لأن القرآن أمر باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وطاعته ونهى عن مخالفته وعصيان أمره، وحث على التمسك بالسنة والاعتصام بها»؟!
ما علاقة الآيات القرآنية التي جاءت تأمر بطاعة الرسول، وتنهى عن معصيته، والتي خاطبت المعاصرين للرسول، ما علاقتها بمرويات الفرق الإسلامية المختلفة، التي دوّنها المحدثون في الكتب بعد وفاة الرسول بقرن ونصف القرن من الزمن، على أقل تقدير؟!
ثم انظر إلى قولهم: «لأن القرآن أمر باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وطاعته ونهى عن مخالفته وعصيان أمره، وحث على التمسك بالسنة والاعتصام بها، فكيف يدعي بأنه يؤمن به وهو يخالفه؟!»
فأين هي هذه الآية القرآنية التي حثت «على التمسك بالسنة والاعتصام بها»؟! وعند أي فرقة من الفرق الإسلامية نجد هذه السنة التي حث القرآن على التمسك والاعتصام بها؟!
الحقيقة لولا مسؤولية البلاغ والبيان، التي حَمّلْها الله للذين أوتوا الكتاب: « لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ»، ما كتبت سطرا واحدا في الرد على بيان علماء «مرصد الأزهر»، فقد قرأت وسمعت ما احتواه هذا البيان من شبهات عشرات المرات، خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود، وقمت بالرد عليها، دون جدوى!!
ومع ذلك فلهذا الموضوع بقية.
محمد السعيد مشتهري

(448) 4/5/2016 (عندما تكون مخالفة «المذهب الأشعري» كفرا وضلالا مبينا)
عدد المشاهدات : 218
في المقالات الثلاثة السابقة، ذكرت أنه لا يصح شرعًا أن يتحدث علماء الفرق الإسلامية باسم «الأمة الإسلامية»، ولا أن يتحوَّل البيان النبوي ليصبح بيان المحدثين وعلماء الجرح والتعديل، ولا أن تتحوَّل طاعة الرسول إلى طاعة أئمة السلف والخلف، كلٌ حسب مذهبه العقدي والتشريعي.وقلت: إن علماء «مرصد الأزهر»، يتصورون أنهم ومحمد مشتهري يعيشون مع رسول الله في عصر الرسالة، حيث أقوم بنشر مقالاتي ورسول الله حي، وعلى هذا الأساس يتعاملون مع الآيات التي أمرت بطاعة الرسول وحذرت من مخالفته، وبناء عليه يصدرون أحكامهم على مَنْ عصى الرسول وخالف أمره!!
ولغياب «المنهجية العلمية» عن بيانهم، نراهم يتركون عصر الرسالة الذي كانوا يعيشون فيه، ثم يذهبون إلى عصر أئمة السلف، وإلى الفرقة التي ينتمون إليها، وهي فرقة أهل السنة، ويتعاملون مع مسألة طاعة الرسول ومعصيته، على أساس أنها تتمثل في طاعة أئمة أهل السنة ومعصيتهم، فيقولون عن اتباع السلف لرسول الله:
«وقد اتبعه السلف اتباعا صادقا، فاقتدوا به، في كل أمر، واهتدوا به في كل حال، وهكذا يجب على كل مسلم أن يتبع سُنته في كل مكان وزمان، وفي كل حلال وحرام»!!
فأين هم أئمة السلف، الذين اتبعوا سُنة النبي اتباعًا صادقًا، واقتدوا به في كل أمر، واهتدوا به في كل حال، وإلى أي فرقة من الفرق الإسلامية ينتمون؟!
الحقيقة أنهم حصروا طاعة الرسول واتباعه، في طاعة أئمة فرقة أهل السنة والجماعة، وتحديدًا«المذهب الأشعري»، ويتعاملون مع الآيات القرآنية على أساس أنها نزلت من أجل اتباع «المذهب الأشعري»، وأن المصدر الثاني للتشريع الذي حمل «السنة النبوية» هو الذي يتبعه «المذهب الأشعري»!!
أولا: في سياق حديثهم عن الآيات القرآنية الدالة على حجية المصدر الثاني للتشريع، والتي ذكرنا معظمها في المقالات الثلاثة السابقة، وأن هذا المصدر هو الذي حمل مرويات السُّنة، (طبعًا التي صحّت عند أهل السنة)، يقولون:
«فالآيات السابقة تدل دلالة واضحة على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم الذي يمثل المصدر الأول له، ولا يمكن لدين الله أن يكتمل، ولا لشريعته أن تتم إلا بالأخذ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – جنبا إلى جنب مع القرآن الكريم»!!
ويقولون: «فلو كانت سُنته المطهرة غير محفوظة، أو يمكن أن يلحقها التحريف أو التبديل، فلا يتميّز صحيحها من سقيمها، ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده، فيكون قوله مخالفا للواقع، وهذا محال في حقه – صلى الله عليه وسلم – فأمره بالعمل بها يدل على أنها ستكون محفوظة»!!
وهنا نسألهم: أنتم قطعًا تقصدون بـ «المصدر الثاني للتشريع»، الذي حمل «السنة النبوية» المطهرة، المكملة لدين الله ولشريعته، والتي حفظها الله فلم «يلحقها التحريف أو التبديل»، تقصدون «المصدر الثاني للتشريع» الخاص بفرقة أهل السنة؟!
ثم تقولون: «فلا يتميز صحيحها من سقيمها»، ألا يعتبر قولكم هذا دليلا على أن الله لم يحفظ هذه السنة، فاختلط صحيحها بسقيمها، إلى أن جاء جهابذة علم الحديث، عند كل فرقة، ليميّزوا «الصحيح من السقيم»، حسب مذاهبهم العقدية المختلفة، وحسب شروطهم في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف؟!
ثانيا: يقولون عند تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الحشر: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» أن: «الآية تؤكد على عقوبة الاكتفاء بالقرآن، وتحذر من شدة العقاب يوم القيامة»!!
إن غياب «المنهجية العلمية» عن تدبرهم للقرآن، جعلهم علماء يوظفون الآية لخدمة توجههم المذهبي، دفاعًا عن مرويات السُّنة التي صحت عند محدثيهم، فأخرجوا الآية من سياقها، واستنبطو منها أحكاما ما أنزل الله بها من سلطان!!
فأين نصت هذه الآية، أو غيرها، على عقوبة مَن اكتفى بالقرآن نصَّا تشريعيًّا؟! إن سياق الآية يأمر المخاطبين أن يطيعوا الرسول في ما آتاهم، وأن ينتهوا عن ما نهاهم، وذلك في مسألة محددة تتعلق بموضوع توزيع «الفيء»!!
أما عن قاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، فلا شك أن علماء «مرصد الأزهر» يعلمون جيدًا أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فهناك كثير من الآيات يُفهم منها «الخصوصية» ولا يمكن تعميمها، أو يُفهم منها «العمومية» ولا يمكن تخصيصها، حسب السياق الذي وردت فيه، ومن هذه الآيات الآية «٧» من سورة الحشر، وقوله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا»، وبرهان ذلك ما يلي:
إن المتدبر للسياق الذي وردت فيه الآية، يعلم أن خلافًا نشب بين المهاجرين والأنصار حول توزيع الرسول للفيء، فنزل القرآن يُبيّن حقيقة هذا الخلاف، فقال تعالى:
« وَالَّذِين َ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ».
فإذا سلمنا لأئمة السلف بقاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، وأن فعل «الإيتاء» لا يشمل فقط الفيء، وإنما أيضًا مرويات «السُّنة النبوية» التي لم تكن قد ولدت بعد، فهذا معناه:
أن المهاجرين كانوا يتهمون الأنصار بأن «فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا» من مرويات «السنة النبوية»، لذلك نزل القرآن يدافع عن الأنصار، ويبين أنهم «لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا» من مرويات «السنة النبوية»، فهل هذا كلام يقبله المنطق السليم؟!
إن المتدبر للسياق القرآني، يعلم أن المنافقين كان لهم موقف من توزيع رسول الله للصدقات، فإذا رأوها توزع على غيرهم طعنوا ولمزوا، وهذا ما بينه الله تعالى في سورة التوبة بقوله:
« وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا (مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ، إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ».
تدبر فعل «الإيتاء»، الذي ورد في توزيع الفيء في سورة الحشر: «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»، وفي توزيع الصدقات في سورة التوبة: «مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، لتعلم أن قوله تعالى مخاطبا الصحابة: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا» لا علاقة له مطلقا بمرويات «السنة النبوية» المذهبية، التي لم تكن قد ولدت بعد!!
ثالثا: وبعد أن نقلوا عن الدكتور رءوف شلبي أدلته العقلية التي تثبت أن الذكر الذي تعهد الله بحفظه يشمل القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، وهم يعتبرون أن القرآن والسنة هما الرسالة الخاتمة..، قالوا:
«إن الله – عز وجل – قد تكفل بحفظ القرآن وال سنة معا، فقيض للسنة رجالا يحفظونها ويرعونها جيلا بعد جيل، من عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ومرورا بعصر الصحابة والتابعين، إلى عهد علماء الحديث والمصنفين، وهذا تحقيق لوعد الله – عز وجل – بحفظ الرسالة الخاتمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»!!
فيا علماء «مرصد الأزهر»: ألا تخافون الله، وأنتم تدّعون أنه سبحانه قيض لكل فرقة من الفرق الإسلامية رجالا يحفظون مرويات «السُّنة النبوية» المذهبية، جيلا بعد جيل تحقيقا «لوعد الله – عز وجل – بحفظ الرسالة الخاتمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»؟!
إذن فعند أي فرقة من الفرق الإسلامية وجدتم مظاهر حفظ مرويات «السُّنة النبوية» المذهبية، وأمهات كتب الحديث، والجرح والتعديل، عند الفرق الإسلامية المختلفة، تشهد بكذب هذا الادعاء؟!
ثم إذا كان الله تعالى قد حفظ «السنة النبوية» بعد وفاة النبي وإلى عصر تدوينها، إذن فلماذا نشأ علم الحديث، وعلم الجرح والتعديل؟! وهل حُفظت مرويات السُّنة من الباطل الذي آتاها؟! ألم تحمل مرويات السنة «الإسرائيليات» التي مازال المسلمون يعملون بها إلى يومنا هذا؟!
أليست عقوبة «الرجم» من مرويات السنة، التي تدّعون أنها حملت «البيان النبوي» الذي حفظه الله عن طريق المصدر الثاني للتشريع، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي لا أصل لها في كتاب الله؟!
هل كان يجرؤ النبي أن يخرج على قومه، ويقول لهم: إن الله قد أوحى إليه بمصدر ثان للتشريع، يُفسر القرآن ويستكمل أحكامه، ومن هذه الأحكام التي استقلت عن أحكام القرآن عقوبة «الرجم»؟!
فماذا لو خرج واحد من قومه، وقال له يا محمد: إن القرآن الذي تدعي أنه كلام الله، قال في مطلع سورة النور: «سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، ونحن أهل اللسان العربي نعلم أن الآيات «البَيِّنَات» لا تحتاج إلى من يبيّنها، أو يستكمل أحكامها، ولذلك نسألك:
كيف تنص الآية القرآنية، التي تقول إنها كلام الله، على عقوبة «الجلد»، ثم تأتي عقوبة «الرجم»، التي تُسفك فيها الدماء، بوحي ثانٍ، تقول إنك الذي صغته بأسلوبك، وعبَّرت عنه بكلامك، في الوقت الذي لا تملك البرهان الإلهي على أن كلامك الذي نعرفه، ونعرف أسلوبه، وتعودنا على سماعه منك..، هو وحي يوحى؟!
رابعا: يقولون: «أما الآيات التي تحذر من مخالفته – صلى الله عليه وسلم – فإنها جاءت لتبين أن من خالفه – صلى الله عليه وسلم – فقد ضل ضلالا مبينا، ومصيره جهنم خالدا فيها، وله عذاب مهين، منها: قوله عز وجل في سورة الأحزاب (الآية ٣٦):
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)».
أقول: لا شك أن الآيات التي أمرت بطاعة الرسول، ونهت عن معصيته ومخالفة أمره، كثيرة، ولو كنت أعيش مع علماء «مرصد الأزهر»، ومع رسول الله في عصر الرسالة، ولم أمتثل إلى قضائه وحكمه، فقد كفرت برسول الله وبرسالته، لأن الله يقول: «وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا»، ويقول تعالى: «وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»
ولكن هل هذه هي الحقيقة؟! هل علماء وفقهاء ومشايخ المسلمين يعيشون اليوم مع رسول الله في عصر الرسالة؟! هل هذا معقول يا أهل الإسلام، يا من تتهمون أعداءكم بالاستهزاء بدين الله وبرسول الله، والحقيقة أنكم أنتم الذين أعطيتموهم مصادركم التشريعية المتخاصمة، ومروياتكم التي حملت أحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان، ليستخدموها سلاحًا ضدكم؟!
هل الآية القرآنية التي تحدثت عن قضاء الرسول: «إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا»، تأخذ نفس حجية قضاء المحدثين وحكمهم على «المرويات» التي نسبها الرواة إلى الرسول، بعد وفاته بقرنين من الزمن، كلٌ حسب مذهبه العقدي وشروطه في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
والغريب أن نجد أن أئمة السلف والخلف، للفرق والمذاهب الإسلامية، يقولون نعم، تأخذ مرويات «السُّنة النبوية» المذهبية نفس حجية ما قاله الرسول وحكم به في عصر الرسالة، ودليلهم على ذلك:
أن جهابذة علم الحديث هم الذين قاموا بتنقية وغربلة هذه »المرويات«، وفصل الصحيح منها عن الضعيف والموضوع!!
خامسا: لقد استخدم علماء «مرصد الأزهر» في بيانهم، جملا وتعبيرات تشير إلى كفري، وإن لم يُصرحوا بذلك لفظًا كعادتهم، ومنها قولهم:
١- «وأما قوله: إننا لو بحثنا في القرآن كله عن آية واحدة تأمر الناس باتباع كتاب تشريعي مستقل غير القرآن لم نجد ..، فهذا طعن في القرآن وافتراء عليه»!!
والسؤال: إذن فما حكمهم على مَن طعن في القرآن وافترى عليه؟!
٢- «وأما ادعاؤه بأن: السنة لم يحفظها الله كما حفظ القرآن؛ فهذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان والحجة»!!
والسؤال: إذن فما حكمهم على مَن قال إن الله حفظ القرآن ولم يحفظ السُّنة؟!
٣- «وبعد.. فماذا يصنع هذا وأمثاله بهذه الحجج القرآنية التي إن قبلها رجع إلى السنة فبطل قوله، وإن لم يرجع، خالف القرآن بزعمه أن الدين اكتمل به دون السنة»!!
والسؤال: إذن، وبناء على ما سبق، فما حكمهم على من خالف الرسول وأنكر سُنتهم المذهبية، واكتفى بالقرآن؟!
إنهم قد أصدروا حكمهم أصلا، عندما قالوا، في الفقرة التي أشرنا إليها في بداية المقال: «من خالفه – صلى الله عليه وسلم – فقد ضل ضلالا مبينا، ومصيره جهنم خالدا فيها»، يعني حكموا عليه بالكفر!!
فهل اطّلع فضيلة الدكتور شيخ الأزهر على بيان علماء «مرصد الأزهر»، ورضي بحكم علمائه، وهو أن من خالف مرويات السُّنة، التي صحت عند أهل السنة والجماعة، وتحديدا عند «الأشعرية»، مصيره «جهنم خالدا فيها»؟!
لقد رفض شيخ الأزهر تكفير «داعش»، حتى وإن ارتكبت فظائع الدنيا كلها، لأنهم يُقرّون بأصول الإيمان، مع أن فضيلته يعلم أن من أصول الإيمان، التي يقر بها «داعش»، أن «مرتكب الكبيرة كافر»، وهذا ما صرَّح به في اللقاء المفتوح الذي عُقد بجامعة القاهرة، في الأول من ديسمبر ٢٠١٥، وقال إن هذا الأصل، أن «مرتكب الكبيرة كافر»، هو الذي جعل «داعش» يستحلون دماء شعوب العالم باعتبارها شعوبًا كافرة، تحكم بغير ما أنزل الله.
فإذا ذهبنا إلى أمهات كتب الفرق والمذاهب العقدية، وجدنا أن من أئمة السلف من قالوا إن «الأشاعرة» من أعظم فرق أهل الكلام غلوًّا في تكفير المسلمين، وتسرّعًا في رمي مخالفيهم به، والسبب هو الخلاف العقدي المعروف والمشهور حول مسائل الأسماء والصفات!!
إن قضية «التكفير» لم تسلم منها فرقة من الفرق الإسلامية، ولا مذهب من مذاهبها العقدية، وهذا أمر بدهي، لأنهم جميعًا يعملون داخل منظومة «التفرق في الدين»، فكافر من أثبت لله من الصفات ما نفته فرقة أخرى، وكافر كل مَن لم يُسلّم بأدلة المذهب التي لم تصح عند مذهب آخر، وعلى أساس هذا التخاصم العقدي سُفكت الدماء، وتفصيل ذلك منشور في عشرات الكتب، ومئات الدراسات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي!!
إن دعوى براءة المذهب الأشعري من تكفير المخالفين له دعوى غير صحيحة، وتاريخ الصراع العقدي، حول مسائل الأسماء والصفات الإلهية، خير شاهد على ذلك، فهل الخلاف العقدي، بين الفرق والمذاهب الإسلامية، الذي ينطلق من منظومة «التفرق في الدين»، ليس من أكبر الكبائر، التي وقعت فيها هذه الفرق، وهذه المذاهب العقدية؟!
ثم تعالوا نعطي ظهورنا إلى هذا الخ لاف، ونتجاهل منظومة «التفرق في الدين»، ونتدبر جميعا كتاب الله المعاصر لنا اليوم، فهل يعلم أئمة الخلف معنى قوله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً»، ولماذا استخدم الله تعالى هذا التعبير: «وَمَا كَانَ»؟!
إن الله تعالى يريد أن يُبين للناس، أنه ما وُجد المؤمن، وما كان له أن يوجد، هذا الذي يقتل مؤمنًا، إلاّ في حال «الخطأ»، لأن صفة الإيمان تُسلب تماما من القاتل الذي تعمَّد القتل، لقوله تعالى بعدها: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا».
أما قوله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا»، فإن هذا الاقتتال كان في بداية «الخناقة»، بدليل قوله بعدها: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»، ثم توجه الخطاب إلى السلطة الحاكمة لتقوم بدورها تجاه المعتدي الباغي: «فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي»، وهنا، وفي حالة البغي، تنتفي صفة الإيمان عن من قتل مؤمنًا متعمدًا، استنادا إلى الآية المحكمة، التي حملت هذه القاعدة العامة: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَ نَّمُ خَالِدًا فِيهَا».
إن «الخوارج» فرقة من الفرق الإسلامية، حسب تصنيف أمهات كتب الملل والنحل، ومع ذلك هناك من أئمة السلف من كفروهم، وأخرجوهم من ملة الإسلام، لأنهم خرجوا على خليفة المسلمين عليٍّ بن أبي طالب، وسفكوا الدماء عمدًا مع سبق الإصرار والترصّد، في معركة النهروان «٣٨هـ».
واليوم هناك من علماء وفقهاء فرقة «أهل السنة والجماعة» من يقولون إن «داعش» خوارج العصر، «مع أنها طائفة من طوائف أهل السنة»، استنادا إلى وصف الرسول لهم في حديث متفق عليه بين البخاري ومسلم، فقال:
« سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَأونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
يقولون إن قول الرسول: « يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» دليل على كفر هؤلاء الدواعش الخوارج، وخروجهم من ملة الإسلام.
إن القتل العمد بغير حق، مع سبق الإصرار والترصد، كبيرة من الكبائر تفعلها «داعش» كل يوم، فلماذا لا تستطيع مؤسسة الأزهر تكفيرها، مع وضوح الآيات البينات التي نصت على كفرهم؟!
إن مؤسسة الأزهر لا تستطيع تكفير «داعش»، التي تفسد في الأرض، وترتكب كبائر الدنيا كلها، وتشرك بالله مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، لأنها تعتبرهم من أتباع الفرقة التي تنتمي إليها، فرقة أهل السنة والجماعة، وبدعوى أنهم أقروا بأصول الإيمان، وقد اتضح مما سبق تهافت هذه القاعدة، إذا نظرنا إليها من منظور مصيبة «التفرق في الدين»!!
فإذا ذهبنا إلى المشروع الفكري لمحمد مشتهري، الذي يكتب على أساسه مقالاته، نجد أنه يرى أن كل الفرق الإسلامية، والمذاهب العقدية التي تفرعت عنها: « مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »، فهل هذا هو السبب الذي جعل علماء «مرصد الأزهر» يشيرون في بيانهم إلى تكفيره؟!
إن التطرف الديني، والتخاصم المذهبي العقدي، والإرهاب الدموي الذي أصبح ظاهرة تنذر بخطر عظيم، لا سند له من كتاب الله، وإنما سنده مرويات المصدر الثاني للتشريع، الذي يدّعي أئمة كل فرقة، وكل مذهب عقدي من مذاهب الفرقة الواحدة، أنه حمل «السنة النبوية»، المفسرة للقرآن، والمكملة لأحكامه، التي من عمل بها دخل الجنة، ومن عصاها دخل جهنم خالدا فيها!!
إذن فكيف ستتصدّى مؤسسة الأزهر للإرهاب والتطرّف الديني، وعلماؤها على هذا التديّن المذهبي، الذي يُظهر «الوسطية»، وهو ينطلق من منظومة التخاصم و«التفرق في الدين»؟!
وفي المقال القادم، أختم هذه السلسلة من الرد على بيان علماء «مرصد الأزهر»
محمد السعيد مشتهري

(449) 5/5/2016 (عالم «تافه»، تخلى عن مسئولية إقامة الدين)
عدد المشاهدات : 220
إن كلمة «تافه» في لسان العرب، لها أكثر من معنى، والمعنى المستخدم في المنشور هو:
الإنسان الذي يعيش بلا هدف، لا يعلم ما يجب أن تكون عليه حياته، انطلاقا من قاعدة: «ليس في الإمكان أفضل مما كان»!
فإذا أردنا إسقاط هذا التعريف على واقع المسلمين، فإن أول ما يجب أن يكون، هو الالتزام بقول الله تعالى:
« شَرَعَ ( لَكُم ) مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )».
نعم: « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ »، هذا أول مقتضيات الإسلام، فهل هذا هو واقع المسلمين؟!
هناك من يعتقد أن قوله تعالى « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا ت َتَفَرَّقُوا فِيهِ » يعني: أن يكون المسلمون أمة واحدة، على فهم واحد لكتاب الله، وهو اعتقاد غير صحيح، لأن كتاب الله «آية قرآنية»، متجددة العطاء على مر العصور، حسب إمكانات كل عصر.
إن الله تعالى لم يأمر بإقامة «الأمة» وإنما أمر بإقامة «الدين»، لأن إقامة «الأمة» واستخلافها في الأرض مسألة تتعلق بوعد الله ومشيئته، أما إقامة «الدين» فتتعلق بمشيئة المسلمين وإرادتهم.
لقد « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ »، فما هو هذا الوعد؟!
الجواب: « لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا »
ولكن بشرط: « يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا * وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»
ولاحظ أن الله تعالى يخاطب « الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ».
إن ما يجب أن يشغل بال المسلمين وعلمائهم ومفكريهم ودعاتهم، على منابر الدعوة المختلفة، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، هو الالتزام بشريعة: « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ »، لا يعلو عليه شيء آخر، لماذا؟!
لأن التفرق في الدين شرك بالله تعالى، يجعل «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» غير مستحقين لوعد الله، فلا استخلاف، ولا تمكين للدين، ولا أمن، لذلك حذر الله رسوله محمدا، عليه السلام، والمؤمنين من هذا الشرك، فقال تعالى:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
إذن فما جدوى أن يتقاتل ويتخاصم أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية على أحكام الشريعة، ثم يخرج علينا أصحاب مشاريع الحداثة والمعاصرة والتعايش وحسن العشرة..، بإلغ اء نصفها، وتيسير ربعها، ووضع أغلال الربع المتبقى عنهم، ومصيبتهم الكبرى أصلا أنهم « مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا »؟!
إن «التفرق في الدين» ليس من الإسلام، وعلى المفكرين أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية أن يتوقفوا عن الحديث عن الإسلام، ويبكوا على حالهم، ويُسوّدوا صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى لا تتفاقم ظاهرة «التفاهة» ويتسع عالمها، ويكثر معجبيها أكثر وأكثر، « وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا »!!
محمد السعيد مشتهري
(450) 7/5/2016 ( يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ ، وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْها )
عدد المشاهدات : 220
إن الذي يدخل في حوار مع أي إنسان تحمل مسئوليته العلمية في ما يكتب، يجب أن يكون هو أيضا قد تحمل مسئوليته العلمية في ما يكتب، ولا يكون تابعا مقلدا بغير علم، فيضع نفسه في موقف محرج مؤسف.
إن بدعة خروج أهل النار، بعد أن يأخذ كلٌ جزاءه، لا يستحق الرد عليها أكثر مما ذكرته في عشرة أسطر في المنشور السابق، ولكن القراءات العصرية للقرآن، التي تريد إرضاء اللادينيين تحت راية «الرحمة الإلهية»، ضلت طريقها إلى الفهم الواعي للسياق القرآني، وأضلت التابعين لها، الذين ينقلون عن أصحابها بغير علم.
أولا: مسألة المشيئة الإلهية، وقوله تعالى:
«فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»
إنه بجهلهم، وعدم تنزيههم لله تعالى، وقفوا عند مشيئته: «إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ»، وأقحموا أنفسهم في ما يحرم الحديث عنه، واستنبطوا أن المشيئة الإلهية تتجه نحو عدم الخلود المؤبد في النار، ويقع في هذه المصيبة بعض نجوم المفكرين الإسلاميين، الذين أضلوا التابعين المقلدين لهم بغير علم.
لذلك قمت في المنشور السابق بالرد على هذه المصيبة بجملة واحدة: «ولو شاء الله أن يُخرج أهل الجنة وأهل النار لأخرجهم جميعا، فهو سبحانه «فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ».
والسؤال: لمصلحة من نُقحم أنفسنا في مسائل «المشيئة الإلهية»، ونكتب فيها الكتب، ونتحدث عنها بالساعات؟!
ثانيا: مسألة الخروج من الجنة أو النار:
١- الآية ٤٨ من سورة الحجر عن أصحاب الجنة:تدبر سياق الآية: «ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ، لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ»
المعنى: لما كان الحديث عن نعيم الجنة، جاء التأكيد على أن أهل الجنة لن يفارقوا نعيمها أبدا: «وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ».
٢- الآية ٣٧ من سورة المائدة عن أصحاب النار:
تدبر سياق الآية: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»
المعنى: إن «الكافرين» هم أهل النار، فلا يدخل النار إلا كافر، وهذا ما أخبر الله تعالى به الناس محذرا: «وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى:
« وَالَّذِينَ (كَفَرُوا) لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ (كَفُورٍ) »
ولما كان الحديث عن عذاب الكافرين، الذين أُعدّت لهم النار أصلا، وهم يطمعون أن يخرجوا منها، أو أن يخفف عنهم العذاب، قال تعالى بعدها:
« وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ، فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ»
إذن فقضية الكافرين هي «إرادة الخروج من النار»، وهذا ما بينه الله تعالى في سورة المائدة بقوله:«يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ»
لقد جاء قوله تعالى: «وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا» ردا على إرادتهم الخروج، ويستحيل أن يكون الله تعالى سيخرج الكافرين بعد فترة من الزمن ثم ينفي فكرة الخروج أصلا!!
بل إن الله جعل إرادة الخروج نفسها عذابا، فقال تعالى:
«وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ»
ثالثا: نعلم من السياق القرآني، أنه بعد وضع الموازين، وظهور نتيجة الحساب، يبدأ تنفيذ الجزاء:« فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»
وأهل الجنة هم «المؤمنون»، المخلدون في نعيمها، الذين يخاطبهم الله تعالى بقوله:
« الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ»
وأهل جهنم هم «الكافرون»، المخلدون في عذابها، الذين يخاطبهم الله تعالى بقوله:
« هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ»
إذن فمن أين جاء السلفيون، وأهل الهوى، وأصحاب القراءات العصرية، والمتحدثون باسم «الرحمة الإلهية»، ببدعة خروج الموحدين من النار؟!
رابعا: إن الله تعالى الذي أخبرنا أنه « الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »، وقال: « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»..، هو الذي قال لنا ونحن مازلنا في الدنيا:
«وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»، أي لا تكونوا من الكافرين!!
ومن رحمته أن بيّن لنا كيف لا نقع في هذا الكفر، حتى لا نكون من أصحاب النار، فقال تعالى ردا على الذين أقحموا أنفسهم في المشيئة الإلهية، وقالوا إن أهل النار سيخرجون منها:
«وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»
ثم وضع الله تعالى بعدها القانون العام للحساب والجزاء في الآخرة:
«بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
لذلك جعلت عنوان المنشور السابق: «كن تائبا مستغفرا دوما»، فلماذا تغفل عن التوبة والاستغفار، ثم تذهب تبحث عن الرحمة الإلهية، إلا إذا كنت من المغرورين الذين قال الله فيهم:
« ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ»
نعم، هذه هي القضية: « وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ»
إنه الغرور الذي جعل من يحملون راية تجديد الفكر الإسلامي، وراية القراءات العصرية للقرآن، يفترون على الله الكذب، ويُقحمون أنفسهم في مشيئته عز وجل، حتى أصبحوا يعلمون أن مشيئته اقتضت فناء النار وخروج أهلها منها، ولو كانوا منصفين لقالوا وفناء الجنة أيضا وخروج أهلها منها، وهنا لا تكون هناك أصلا قضية للمناقشة!!
لذلك عندما كتبت المنشور السابق، قمت باختصار هذا المشوار الطويل في جملة واحدة، فوضت فيها الأمر إلى الله تعالى، وأكررها:
«ولو شاء الله أ ن يُخرج أهل الجنة وأهل النار لأخرجهم جميعا، فهو سبحانه « فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ »
محمد السعيد مشتهري
(451) 8/5/2016 (القواصم التي قصمت ظهر المذاهب)
عدد المشاهدات : 205
لقد كان على علماء «مرصد الأزهر»، أن يبيّنوا للناس أولاً، ماذا يقصدون بقولهم «معصية الرسول»، و«مخالفة أمره»، و«إنكار سُنته»، هذه الاتهامات التي ذكروها في سياق ردهم على المقال الذي نشرته لي جريدة «المقال»، بتاريخ «٢٢-٥-٢٠١٥م»، بعنوان «السُّنة حقيقة قرآنية في عصر النبوة.. وبعدها اجتهادات أئمة»، ثم ما الفرق بين معصية الرسول ومخالفة أمره وإنكار سُنته، ومعصية المحدثين ومخالفة مذاهبهم العقدية والتشريعية وإنكار مروياتهم المذهبية؟!
لقد خالف علماء «مرصد الأزهر» أصول النقد العلمي عندما اعتبروا أنفسهم يمثلون الأمة الإسلامية، يعيشون مع رسول الله في عصر الرسالة، يعلمون من الذي أطاع الرسول ومن الذي عصاه وخالف أمره، ثم نراهم يسقطون الآيات القرآنية المتعلقة بمعصية الرسول على كل من خالف مذهب أهل السنة والجماعة، الذي لم يكن قد وُلد بعد!
لقد خالف علماء «مرصد الأزهر» أصول النقد العلمي، عندما جعلوا «السند الروائي» المذهبي، الذي إن صح عند مذهب لم يصح عند آخر، حاكمًا على مقام النبوة، فتوافر شروط العدالة والضبط في الراوي هو الذي يقرر ما إذا كان النبي قال هذا الحديث أم لم يقُله، وهذه مسألة احتارت فيها عقول جهابذة علم الجرح والتعديل، ومع ذلك نراهم يصدرون أحكام التكفير على من يطعن في هذا السند الروائي!
أولا: يقول علماء «مرصد الأزهر»: «إن الذين يطعنون في السنة إنما يطعنون في أخص خصوصيات هذه الأمة وهو الإسناد الذي ميز الله به أمة الإسلام وألهمها إياه – ولم يكن في أمة من قبل – لحفظ كتابه وسنة نبيه»!
تدبر قولهم: «الإسناد الذي ميز الله به أمة الإسلام وألهمها إياه»!
الحقيقة أنني توقفت كثيرا عند هذه الجملة، باعتبار أني أحمل قدرًا من العلم بقواعد ما يُسمى بعلم الحديث، وشعرت أن الذين يكتبون مثل هذا الكلام، من علماء الفرق المختلفة، يجب أن يقدموا للمحاكمة بتهمة «التدليس والتلبيس» على عامة المسلمين، وذلك لأنهم:
عندما يتحدثون عن «الإسناد» باسم «الأمة الإسلامية»، ويقولون إن الله ميزها بهذا «الإسناد» وألهمها إياه، هم في الحقيقة لا يقصدون «الأمة الإسلامية»، التي لا وجود لها أصلا، وإنما يقصدون مذهبهم العقدي الذي ينتمون إليه.
ولا يصح قولهم: إن كلمة الأمة اسم مشترك يطلق على الجماعة من الناس الذين يجمعهم جامع، وهم قد جمعهم مذهب أهل السنة والجماعة، لأن مصطلح «الأمة الإسلامية» عندما يُطلق يقصد به أمة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، التي تفرقت في الدين، ولم يعد لها وجود أصلا.
لذلك فعندما يتحدثون عن «الإسناد» باسم «الأمة الإسلامية»، فإنهم يجعلون «الحديث» الذي صح في مذهبهم، يأخذ في ذهن السامع حجية إجماع الأمة التي لا وجود لها أصلا!!
فإذا قام أحد شيوخ السلفية وروى حديثا يحرض أتباعه على الخروج في مظاهرات دفاعًا عن مذهبهم العقدي، فإن المتظاهرين سيخرجون يدمرون ويحرقون الممتلكات العامة والخاصة، ويسفكون الدماء بغير حق، وهم يعتقدون أنهم يدافعون عن الإسلام وعن الأمة الإسلامية وعن السنة النبوية وليس عن فرقة أو مذهب من مذاهبها!!
لقد شهدت كثير من البلاد، في الصومال وأفغانستان وباكستان.. هذا التحريض الدموي دفاعا عن العقيدة السلفية، ويرفعون راية الدفاع عن «الأمة الإسلامية»، ويقولون لأتباعهم: إن أعداء الإسلام يطعنون في سُنة نبيكم، ويريدون القضاء على أمتكم الإسلامية، وأنتم صامتون نائمون، فهيا إلى الجهاد!
ثم يأتي علماء «مرصد الأزهر»، وهم ينتمون إلى «المذهب الأشعري»، أحد مذاهب فرقة أهل السنة والجماعة، ويتحدثون باسم «الأمة الإسلامية»، ردا على الذين يطعنون في السنة النبوية، فيقولون:
«إنهم يريدون للأمة الإسلامية أن تكون كالذين من قبلهم، حيث طال عليهم الأمد؛ فقست قلوبهم ونبذوا دينهم وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون»!!
إن الاتهامات التي ذكرها علماء «مرصد الأزهر» في الفقرة السابقة، خاطب الله بها الذين أوتوا الكتاب، فقال تعالى:« وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ».
ولم ينص الله تعالى على عقوبة في الدنيا لهؤلاء الذين نبذوا الكتاب « وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا»، قال فقط: « فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»، أما مرويات الرواة المذهبية، التي وسمها المحدثون باسم «السُنة النبوية»، فقد حملت عشرات العقوبات لمَن حاول أن يطعن في صحة ما حكموا بصحته من هذه المرويات بدعوى إنكار السنة!
إن علماء «مرصد الأزهر» لو جاؤوا بمن يتهمونهم بإنكار السنة في جمْع عام، وأشار أحدهم إلى المتهمين قائلا: هؤلاء هم منكروا السنة فانظروا أيها الجمع الغفير ماذا تريدون أن نفعل بهم، لسمعنا مَن يقول: «تكبير»، ثم يندفع هذا الجمع نحو المتهمين ويقتلونهم وهم يكبّرون، فهذه هي الثقافة الدينية التي تربوا عليها، ثقافة الجهل والتخاصم المذهبي والتقليد الأعمى!
ثم يقول علماء «مرصد الأزهر»: «وما كان ضلال الأمم السابقة وتحريفهم لكتبهم إلا لفقدهم ما حبانا الله به من حفظ الإسناد، فهل المقصود أن نكون مثل الذين من قبلنا، فنترك ونهدم شطر الدين؛ فنضل ونحرف ونغير ونبدل كل ما ليس له تفصيل في القرآن؟!».
* القاصمة: انظر كيف أقاموا ضلال الأمم السابقة، وتحريفهم لكتبهم على قاعدة متهافتة أصلا اسمها «الإسناد»، الذي لا حجية له في دين الله، وإنما حجيته عند من صنعوه بأيديهم، ثم اتهموا من يطعن فيه بهدم شطر الدين، يعني كافر!
ثانيا: إن أصل بدعة «الإسناد»، ومسألة حفظ الله له، أن المحدثين أرادوا إعطاء قدسية لمروياتهم عن طريق إيجاد علاقة بين الرواة الذين نقلوا الحديث، والقرّاء الذين نقلوا القرآن، فقالوا إن الرواة الذين نقلوا الحديث بـ «سند الرواة»، هم الذين نقلوا القرآن بـ «سند القراء»، فإذا طعنّا في الحديث فهذا معناه أننا نطعن في القرآن لأن الناقل لهما واحد!!
وهذه هي مصيبة المصائب، لأنها تمس ملة الوحدانية، وتنزيه الله عن أن يكون حفظه لآيات الذكر الحكيم قد شمل أيضًا حفظ مرويات السنة، التي تشهد بذاتها أنها لم تُحفظ حتى من الذين نقلوها، ولا من الذين دوّنوها!!
إن على أئمة وعلماء وشيوخ الفرق الإسلامية مجتمعين، أن يعلموا أن أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه علم الإسناد هو إثبات صحة ما نسَبه الرواة إلى الرسول، وهو أمر مشكوك فيه أصلا، ولذلك نجدهم يصفون مروياتهم بأنها «ظنية الثبوت» عن رسول الله، أما دين الله فلا تثبت حجية نصوصه بصحة السند إلى الرسول، وإنما بصحة النسبة إلى الله تعالى.
إن صحة النسبة إلى الله تعالى تحتاج إلى برهان من الله، وليس من المحدثين، وهذا البرهان لا يملكه علم «الإسناد»، وإنما تملكه «الآية الإلهية» الدالة على أن هذه «الأحاديث» وحي إلهي، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأين هذا البرهان يا أهل الحديث؟!
إن الدراس لعلم الحديث يعلم أن «السند الروائي» أخذ ينمو وينمو، حتى توقف عند عصر تدوين المحدثين وعلماء الجرح والتعديل لكتبهم، بعد ما يزيد عن قرنين من الزمن من وفاة النبي، عليه السلام، فلماذا لم يتوقف «السند الروائي» عند خليفة المسلمين الأول؟!
لماذا لم يُدوّن خليفة المسلمين الأول «الأحاديث» تحت إشرافه باسم الخلافة الإسلامية، وفي هذه الحالة ما كان لعلم الحديث أن يولد أصلا؛ لأن المسلمين كانوا سيرثون جميعًا كتابًا واحدًا للحديث، بسند خليفة المسلمين أبي بكر الصديق، صاحب النبي في الغار؟!
* القاصمة: لقد غاب عن أئمة السلف والخلف هذه الحقيقة الإيمانية، فأنا عندما أريد الاستدلال بكلام الله أقول: قال الله تعالى، وأقرأ الآية مباشرة من المصحف، دون إسنادها إلى أحد من البشر، ولو كان الرسول نفسه، لأن الذي يحتاج إلى «سند» هو الشيء المائل الذي لا يقوم إلا به وإلا وقع، وكلام الله تعالى لا يحتاج إلى مَن يسنده.
ثالثا: يقول علماء «مرصد الأزهر»: «أليس الذي أخبرنا بالقرآن هو صاحب السُنة، الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى؟! أليس رواة القرآن هم رواة السنة من خير القرون وخيرة الأجيال؟!…فلماذا يقبل منكرو السنة رواية الصحابة والتابعين للقرآن ولم يقبلوها في السنة؟!».
أقول: عندما خرج الصادق المصدوق على قومه بكلام غير الذي اعتادوا سماعه منه وعرفوه به، اتهموه بالضلال والغواية، فنزل القرآن يُبيّن لهم أن الذي نطق به الرسول ليس من كلامه، وإنما هو كلام الله الذي أوحاه إليه عن طريق جبريل عليه السلام، فقال تعالى:
« وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى»
إذن فنحن أمام شخص عرفه قومه وصاحبوه، وعرفوا أسلوب كلامه، وعندما اصطفاه الله رسولًا، وقال لهم أنا رسول الله، وتلى عليهم كتاب الله، اتهموه بالضلال والجنون، أي أنهم لم يوجهوا إليه هذا الإتهام، إلا عندما نطق بالقرآن، وقال إنه كلام الله، الذي نزل به جبريل عليه السلام: « عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى»، وقال في موضع آخر:
« قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ، مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ».
فكيف يجرؤ مسلم أن يقول: إن اتهام الرسول بالضلال والجنون كان بسبب الكلام الذي خرج على لسانه، سواء كان كلامه المع روف لقومه، أو كلام الله الذي أوحاه إليه؟!
إن السياق القرآني لآية سورة النجم، بدأ بالرد على الطعن الموجه لنبوة الرسول، والضمير «هو»، الوارد في قوله تعالى: « إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»، يشير إلى كلام الله وليس إلى كلام الرسول، فما علاقة كلام الله، الذي تعهد الله بحفظه، بكلام رواة الفرق الإسلامية المختلفة، التي وسمها أئمة السلف باسم «السنة النبوية»، لتأخذ قدسية في قلوب أتباعها؟!
أين هم رواة السنة، الذين قال علماء «مرصد الأزهر» عنهم بعد ذلك: «الذين استرعاهم الله على الكتاب فكانوا أمناء وشهداء بالقسط في حفظه وصيانته وروايته»، وإلى أي فرقة من الفرق الإسلامية ينتمون؟!
ثم كيف يقول علماء «مرصد الأزهر» بعدها: «ألم يكن منهجهم في الحفظ والتثبت والرواية واحدًا، وإن اختلف في جعل الصدارة والأولوية للمصدر الأول للدين وهو القرآن، إلا أنه لم يهمل المصدر الثاني وهو السنة»؟!
أين هي بصمات هذا المنهج الواحد في الحفظ والتثبت؟! لذلك لم يكن غريبًا على علماء «مرصد الأزهر» اتهامي بافتراء الكذب على الله، فيقولون بعدها:
«وأما ادعاؤه بأن: السنة لم يحفظها الله كما حفظ القرآن؛ فهذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان والحجة، فما دليله على ذلك؟!».
* القاصمة: إنهم يسألونني عن الدليل «أن السنة لم يحفظها الله كما حفظ القرآن»، وقد جئت لهم بخمسة مقالات في بيان ذلك، وتهافت بدعة: «إن رواة القرآن هم رواة السنة»، فكيف لا يرى علماء «مرصد الأزهر» الفرق بين كلام الله وكلام الرواة، وقد وصل القرآن إلينا بطريق واحد محفوظ بحفظ الله له، أما مرويات السنة فوصلت إلينا من خلال آلاف الطرق المذهبية؟!
رابعا: يقول علماء «مرصد الأزهر» عن حفظ الله للسنة، ردا على قولي إن الله لم يحفظها: «ربما هو يستند إلى قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، حيث اقتصر فهمه على أن المراد بكلمة الذكر في الآية هو «القرآن الكريم» فقط، والحقيقة أن ما وعد الله به من حفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من أن يكون قرآنا أو سُنة»!!
انظروا إلى هذا التعريف الهلامي للذكر: «شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من أن يكون قرآنًا أو سُنة»!!
يعلم المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الصغير منهم قبل الكبير، أن مصادر التشريع الرئيسية «كتاب وسُنة»، ولا يعلمون شيئا عن هذا «الشرع الأعم من أن يكون قرآنًا أو سُنة»، أما الذي يعلم هذا «الشرع الأعم» هم نخبة من العلماء، فقالوا:
«وإذا رجعنا إلى الكتب المتخصصة نجدها تعدد معاني الذكر التي وردت في القرآن، فقد وردت كلمة (الذكر) في القرآن اثنين وخمسين مرة، ولها معان كثيرة؛ فهي تأتي بمعنى القرآن، وبمعنى الرسالة والشريعة، وبمعنى الحفظ، وبمعنى السنة، وبمعنى التذكرة، وبمعنى الشرف، وبمعنى العبادة… إلخ، وفي ذلك نقل صاحب كتاب «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» عن أحد العلماء قوله: «ذكر الله الذكر في القرآن على عشرين وجها، وفيها الذكر بمعنى رسالة الرسول»!!
وبعد بيان المعاني المتعددة للذكر، خرجوا علينا بالمعنى المناسب لهم، فقالوا:
«إذن فالمعنى المناسب للذكر في قوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) هو رسالة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بصفة عامة، بما في ذلك الكتاب والسنة، وذلك أن القرآن والسنة وحي من الله عز وجل، ولم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليقول شيئا من عنده: ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) فلماذا يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن، ولا يتكفل بحفظ السنة مع أن كليهما وحي من عنده سبحانه وتعالى؟!»
لقد استبدلوا جملة «الشرع الأعم» بجملة «الرسالة بصفة عامة»، والحقيقة أنا شخصيا لا أعلم ماذا يقصدون بقولهم «بصفة عامة»، ولا أعلم حدود هذه الرسالة التي تعدى محتواها «الكتاب والسُنة»، ولا أعلم مرجعية هذه الرسالة كي أطلع عليها!!
ثم ينقلون عن ابن حزم قوله: «ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله – عز وجل – فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ الله – عز وجل – له بيقين»!!
* القاصمة: فهل قضيتنا في حفظ الله للوحي أم في هل هذا الوحي المحفوظ يمكن أن يتحول إلى «مرويات» مذهبية، إن صحّت عند م ذهب لم تصح عند آخر؟!
يكفينا أن ننظر إلى كتاب الله، فنشكر الرواة الذين جعلهم الله سببًا في نقله إلى الناس جميعًا، محفوظًا بحفظ الله له، دون أن تمسّه بصمات الرواة العقدية والتشريعية.
ثم ننظر إلى مرويات «السنة»، على مستوى الفرق الإسلامية كلها، وإلى انتماءات رواتها العقدية والتشريعية، وهل كانت هذه الانتماءات سببا في قبول أو رفض علماء الجرح والتعديل لمروياتهم، وعندها سنعلم كيف قصمت القاصمة ظهر المذهبية!!
خامسا: إن «الذكر»، ليس وحيا إلهيا مستقلا عن وحي «الكتاب»، يُدوّنه المحدثون كلٌ حسب مذهبه العقدي، وشروطه في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، وإنما هو اسم من أسماء الكتاب المنزل: « ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛهُدًى لِّلْمُتَّقِينَ»، الذي يحمل صفة من صفاته التي يُعرف بها، ومن هذه الصفات:
القرآن: « إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»الفرقان: « تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا»النور: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً»الذكر: « وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ»
وهذا ما بيّنه الله تعالى بقوله: « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ – لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ».
وقوله تعالى: «ص، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ«
وقوله تعالى: «وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ»
وقوله تعالى: « قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا، رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ»
حتى أعداء الرسول كانوا يعلمون أن الذكر اسم من أسماء الكتاب، وليس مصدرا تشريعيا مستقلا عنه، فقالوا:
« يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ»، وقال تعالى: « وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ – وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ».
فيا أهل اللسان العربي، ويا علماء وفقهاء المسلمين: هل اتهم الكافرون الرسول بالجنون عندما سمعوا منه «الكتاب»، ومرويات «السنة»، التي لم تولد بعد، وأشياء أخرى لم يشر الله تعالى إليها في كتابه، وإنما أوحى إليكم بها؟!
إن الظالم سيعض على يديه يوم القيامة ويقول:
«يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً – يَا وَيْلَتا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً – لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً».
فهل كان هذا الظالم يعلم، أن «الذِّكْرِ» يعني «الكتاب»، ومرويات «السنة»، وأشياء أخرى، كلٌ حسب الفرقة أو المذهب العقدي الذي ينتمي إليه؟! إذن فلماذا تُكفّرون القاديانية والبهائية وغيرهما، عندما يستدلون بمرويات «السنة»، وهذه «الأشياء الأخرى» على شرعية مذاهبهم العقدية، وولاية أئمتهم الربانية؟!
* القاصمة: لقد جاء القرآن بعدها يكذب ادعاءاتكم، ويبين المقصود بالذكر تحديدا، بقوله تعالى:
« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً».
سادسا: إن منهج التفكير العلمي، يفرض على علماء المسلمين عند حديثهم عن طاعة الرسول ومعصيته، أن يتحدثوا باعتبارهم يعيشون مع رسول الله في عصر الرسالة، فإن لم يفعلوا ذلك، إذن فهم يفترون على الله ورسوله الكذب، لأنهم يساوون بين طاعة الرسول وطاعة المحدثين، الذين قسموا أحاديث الرسول كلٌ حسب رؤيته المذهبية، على النحو التالي:
«حديث صحيح، حسن، ضعيف، مرفوع، موقوف، موصول، مرسل، مقطوع، منقطع، معضل، معلق، مدلس، غريب، شاذ، منكر، مضطرب، موضوع..»
وطبعا كل هذه الأنواع تنقلب رأسًا على عقب عند مذهب آخر، فيجعل الص حيح ضعيفًا، ويجعل الضعيف صحيحًا… وهكذا، وأمهات كتب الحديث خير شاهد على ذلك، وموسوعة الشيخ الألباني الحديثية، التي صحح فيها ما ضعّفه أئمة السلف، وضعف ما صححوه، ثم جاء الشيخ حسن بن علي السقاف فهدم منهج الألباني في التصحيح والتضعيف، وكتب كتبًا في تناقضات الألباني، فأين تتحق طاعة الرسول وسط هذه المنظومة الحديثية الهلامية؟!
* قاصمة القواصم: إنه لا توجد آية واحدة في كتاب الله تحدثت عن طاعة الرسول أو عن معصيته، إلا وكانت تخاطب المعاصرين للرسول فقط، فكيف يُطاع الرسول وهو ميت؟!
مثال: قوله تعالى في سورة النور عن صفات المؤمنين:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ …، إلى أن قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
إن أئمة السلف وعلماء الخلف، يستقطعون هذه الجملة القرآنية: « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» من سياقها الذي يخاطب الذين كانوا مع رسول الله «عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ»، ثم يسقطونها على المخالفين لمذاهبهم، بعد قرون من وفاة النبي، ويتهمونهم بمعصية الرسول ومخالفة أمره!!
فيا من تقولون إن رواة القرآن هم رواة السنة، وإن حفظ الله للقرآن قد شمل حفظ السنة وحفظ مصادرها الثانية للتشريع، ألا تتقون الله في دينكم، وفي المسلمين الذين يتبعون مذاهبكم، ويظنون أنهم يتبعون «السنة النبوية»، التي حملتها نصوص «الآية القرآنية»، المحفوظة بحفظ الله لها؟!
لقد ذكرت في المقال الأول، أن مشروعي الفكري لا يخاطب فرقة من الفرق الإسلامية، وإنما يخاطب أتباع الفرق جميعهم، فلو أن علماء «مرصد الأزهر» أرادوا الرد على المقالات الخمسة، أرجو أن يكون ردّهم موضوعيًا على مشروعي الفكري، وليس دفاعًا عن فرقة أهل السنة والجماعة.
محمد السعيد مشتهري

(452) 11/5/2016 (وبعدين … ح عمل إيه لو حبيت اتجوز؟)
عدد المشاهدات : 222
سؤال يأتيني كثيرًا، منذ أن كتبت سلسلة منشورات «آية الزواج» في سبتمبر ٢٠١٤، بداية بمنشور (١٧-٩-٢٠١٤) وحتى المنشور الأخير في (٢-١٠-٢٠١٤)
إن ورود الآية «٢١» من سورة الروم: « وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً »، وسط منظومة من الآيات الكونية، تبدأ بالآية «١٧» وتنتهي عند الآية «٢٧»، نفهم منه أن الزواج آية من آيات الله الكونية، يريد الله منا أن نقيمه على هذا الأساس، فتنشأ الذرية في بيئة مسبحة ساجدة لخالقها، الله عز وجل.
فإذا علمنا أن «الآية» تعني البرهان الإلهي، سواء كان خيرًا أم شرًا، نعمة أم عذابًا، فعلينا أن نعلم، أن الله جعل ثمرة «آية الزواج» بيد الإنسان، فإن أحسن الرجل والمرأة الاختيار، وفق ما شرعه الله، عاشا في نعمة السكن: «لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا»، وجعل الله بينهما مودة ورحمة: « وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ».
وإن لم يحسن الرجل والمرأة الاختيار، انفكت عرى الزوجية، حتى ولو رضيا بالأمر الواقع، ولم ينفصلا.
إن البيت المسلم المؤمن جزء من هذا الكون الساجد المسبح، أي أنه جزء من «منظومة العبودية» الخالصة لله تعالى، هذه المنظومة التي سيقوم عليها مجتمع « الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » الذي وعده الله بدوام «الود» بين أفراده في الجنة، فقال تعالى:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً »
إن هذا «الجعل الإلهي»، الذي سيتمتع به أهل الجنة في الآخرة، يشعر به في الدنيا مجتمع « الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ »، الذي خرج منه البيت المسلم المؤمن، لقوله تعالى:
« وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً »، فهل يمكن أن يجعل الله المودة والرحمة بين زوجين أحدهما مؤمن والآخر مشرك؟!
يستحيل، لأن «الزواج» طرفان يتحدان ليكونا ن نفساً واحدة، متناغمة إيمانياً وفكرياً، وهذا معنى كلمة «زوج»، ولذلك الصحيح أن نقول عن المرأة المتزوجة «زوج» فلان، وليس «زوجة» فلان.
صحيح ممكن أن نجد المودة والرحمة بين زوجين غير مسلمين، وهو أمر طبيعي، ماداما متماثلين فكريا في أشياء أخرى، ولكنهما سيجنيان ثمرة هذه المودة، وهذه الرحمة، في الدنيا فقط، لقوله تعالى:
«مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ»
لذلك لجأ بعض أصحاب القراءات العصرية إلى تحريف دﻻﻻت «الإيمان»، و«الإسلام» في القرآن الحكيم، لفتح باب الزواج على مصراعيه، يدخل منه كل من اتصف بالأمن والأمان، والسلم والسلام، مهما كانت ملته، كافرا، مشركا، منافقا، وقد قمت بالرد على هذه الشبهة الواهية في منشورات «سبتمبر ٢٠١٤» السابق الإشارة إليها.
ولكن ماذا سنفعل أمام قوله تعالى:
« وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ »« وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ »« أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ »« وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »
إن أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية إذا ماتوا ولم يخلعوا ثوب «التفرق في الدين» ماتوا مشركين، استنادا إلى النص القرآني، الذي خاطب الرسول والذين آمنوا معه:
« وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
إذن يصبح للسؤال الذي جعلته عنوانا للمنشور أهمية:
وبعدين … حعمل إيه لو حبيت اتجوز؟
الجواب: سأعرض الأمر على الأصدقاء، لعل عندهم وسيلة يمكن عن طريقها التوفيق بين راغبي الزواج، المسلمين المؤمنين، الذين يعلمون معنى أن الزواج آية، ضمن منظومة كونية ساجدة مسبحة، هي البيئة التي تنشأ فيها ذريتهم.
محمد السعيد مشتهري
(453) 14/5/2016 (لا عزاء … فقد مات المُعَزّون)
عدد المشاهدات : 249
أحيانا أقوم بجولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أتعرف خلالها على أحول المفكرين الإسلاميين، والقضايا التي يناقشونها، ويُعجب بها مئات التابعين، فأشعر أني أعيش في كوكب آخر!أرى عالما يؤمن بوجود إله واحد أحد، خلقه ولم يرسل له رسلا، ولم يكلفه بشريعة، عالما مسيّرًا نحو هدف واحد مقدس، يعيش من أجله، هو خدمة الإنسانية، والعمل على بناء حضارتها!
أرى عالما يقوم على حرية الفكر والإبداع، والتعايش السلمي بين أفراده، لا شريعة تحكمه، ترفض المرأة فيه أن تستر مفاتنها، لأن ذلك يتعارض مع حرية الإنسان!
ولكنه في نفس الوقت عالم متناقض، ففي الوقت الذي يرفض فيه أن تكون هناك شريعة إلهية تقيد حريته، وتأمره بأداء شعائر تعبدية معينة، نراه يتحدث عن القيم الدينية، وهو لا يعلم مقتضيات «الدين الإلهي»، ونراه يناقش أحكام الشريعة، وهو لا يعلم أين هو الكتاب الذي يحوي هذه الأحكام، وكيف يثبت حجيته!
كوكب لا تعرف له هوية ولا دين، يعيش فيه مفكرون إسلاميون يخرجون علينا كل ساعة، وأحيانا كل دقيقة، بمنشورات تحمل موضوعات لا علاقة لها بمستوى الرقي الفكري والحضاري، الذي يعيشه هذا الكوكب!
فما علاقة أهل هذا الكوكب بمسألة إذا كان الحديث صحيحا أم ضعيفا، وإذا كان مس المرأة، أو مس الفروج، ينقض الوضوء أم لا، وهل يُشترط أن يكون صوت المؤذن جميلا، وهل المعراج حقيقة أم خيال…، وهم لا يعلمون أصلا كيف يثبتون حقيقة «الوحدانية»، ومقتضياتها الواجب العمل بها؟!
عالم لا يعمل بمقتضيات «الوحدانية»، لأن ذلك سيفقده الحرية المطلقة التي يستمتع بها أهل هذا الكوكب!
عالم لا يعمل بمقتضيات «النبوة»، لأن ذلك سيفرض عليه الإيمان بالآية الدالة على صدق «النبوة» الخاتمة، والتي حملها الكتاب الخاتم، القرآن الكريم، والعمل بشريعته، وفي مقدمتها مقتضيات «الوحدانية».
وإن من مقتضيات «الوحدانية»، عدم التفرق في الدين، الذي حذر الله منه، وبيّن أنه شرك بالله، ومع ذلك نرى المسلمون وقد أعطوا ظهورهم لهذا التحذير، وذهبوا يختلفون على أحكام الشريعة، التي لا تقوم أصلا إلا على قواعد «الوحدانية»!
هذه هي أولويات الفكر والعمل الإسلامي، التي يحرم الحديث خارج حدودها، حتى يتحقق العمل بمقتضيات: الوحدانية، والنبوة، والكتاب!
إنك إذا تحدثت عن التغيير، ووجوب العمل بهذه المقتضيات، انفض عنك الحواريون، والمقربون، والأصدقاء، الذين لا تحمل قلوبهم إيمانا صادقا يتحمل عبء التغيير!
لذلك كلفت أحد الأصدقاء بإقامة سرادق أتلقى فيه العزاء، في وفاة القلوب المؤمنة الصادقة، التي أخلصت دينها لله تعالى، وعملت بمقتضياته، ولكنني عندما دخلت السرادق، لم أجد أحدا!
فسألت صديقي: أين المُعَزّون؟!
قال: ماتوا
محمد السعيد مشتهري
(454) 15/5/2016 (أسئلة مشروعة وغير مشروعة)
عدد المشاهدات : 206
يسأل أحد أصدقاء الصفحة:
١- فيقول: «ما زلت لم أفهم منك ما تعريف الإسلام عندك بدقة»
أقول: تعريف الإسلام ليس عندي، وإنما في كتاب الله، وعليك أن تبحث عنه بنفسك، حتى لا تكون مقلدا بغير علم، في أهم قضية في حياتك!
٢- ويقول: «وهل الشعائر المحمدية شرط لدخول الإسلام؟»
أقول: عندما تقف على تعريف الإسلام، ستعلم تلقائيا الإجابة على هذا السؤال.
٣- ويقول: «وما مصير مولود عند النصارى طالما أنه لا يؤذي أحدا ويعمل عملا صالحا ومؤمن بالله»
أقول: الحقيقة أنا لا أعلم أن هناك مولودا يمكن أن يؤذي أحدا، أو يعمل عملا صالحا، أو يؤمن بالله!وإنما إذا كان المقصود هو الإنسان الذي بلغ رشده، فوجد نفسه (بالوراثة) متدينا بدين آبائه..، فهكذا هو العالم كله، بجميع ملله ونحله!
لذلك عليك أن تقرر:
أولا: هل تؤمن بوجود إله واحد أحد؟!
إذا كانت الإجابة بـ (لا)، إذن فكل هذه الأسئلة تصبح غير مشروعة، والملف الوحيد الذي عليك أن تدرسه، هو أن تبحث عن إله هذا الكون، وعن أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وهو ما نسميه بـ «دلائل الوحدانية».
أما إذا كانت الإجابة بـ (نعم)، إذن فأنت من الموحدين، الأمر الذي يستلزم أن تؤمن أن لهذا الإله الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وأنه منزه عن (الظلم) وسائر الصفات السيئة، وإلا فأنت لست من الموحدين!
ثانيا: هل وأنت من «الموحدين»، تتبع رسولا من الرسل؟!
إذا كنت لا تتبع رسولا من الرسل، فكل هذه الأسئلة تصبح غير مشروعة، والملف الوحيد الذي عليك أن تدرسه، هو أن تعلم مفهوم «النبوة»، وحجيتها على العالمين، وأن من مقتضياتها إرسال الرسل!
أما إذا كنت تتبع رسولا، إذن فأنت تؤمن بيوم اسمه «اليوم الآخر»، وبوجود حساب في هذا اليوم، وأن نتيجة هذا الحساب: فريق في الجنة، وفريق في النار.
والسؤال الذي سيفرض نفسه:
إذا كان الناس جميعا قد فُرضت عليهم مللهم في طفولتهم فرضا، وعندما بلغوا رشدهم أصبحوا يقاتلون في سبيل الدفاع عنها، حمية ودفاعا عن ميراث «آبائهم»، فهم جميعا سواء في هذه الأزمة، إذن فلماذا خلق الله النار؟
إذا أعطينا (المنطق) الحق في الإجابة على هذا السؤال، فستكون الإ جابة:
أن وجود النار، التي تحدث عنها الرسل، وأخبرت بها الكتب الإلهية، على مر العصور، يتعارض مع صفة «العدل الإلهي»!
أما إذا أعطينا الرسل والكتب الإلهية، الحق في الإجابة على هذا السؤال، فستكون الإجابة:
أن جميع الرسل، جاؤوا يحذرون الناس من اتباع الآباء بغير علم، وأن على الناس عند بلوغ رشدهم، أن يعيدوا النظر في تدينهم الوراثي، بالاستعانة بما أنعم الله عليهم من آليات عمل القلب: آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر..، للوقوف على الدين الحق الذي أمر الله اتباعه.
٤- الإجابة على باقي الأسئلة موجودة في ما سبق بيانه!
محمد السعيد مشتهري
(455) 18/5/2016 (عندما يصبح لـ «الجهل» علماء وفلاسفة)
عدد المشاهدات : 297
لا يوجد داخل النفس الإنسانية، أو خارجها، شيء اسمه «الجهل»، وإنما توجد في هذا الوجود أشياء لا تُحصى، من عرفها أصبح «عالما» بها، ومن لم يعرفها أصبح «جاهلا» بها، وعليه أن يقول: «لا أعلم».
إن «الجاهل» لا يعلم ما يجب أن يُعلم، وقد وُصف بالجهل لأن صور الأشياء ومعرفته إياها لم تذهب إلى مستودع المعلومات في قلبه، لذلك فإن «الجهل» لا يظهر، ولا يُكتشف إلا في بيئة «علمية»، وسط «علماء» يعلمون الأشياء التي لا يعلمها «الجاهل».
إن إدراك الإنسان أنه «يعلم»، أو «لا يعلم»، يتوقف على تفعيل آليات «التعلم» التي أنعم الله بها عليه، وهي آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه..، إلى آخر آليات عمل القلب، وهذا التفعيل يجعله «عالمًا» بما تعلمه.
ولذلك يصف الله الذين لا يقومون بتفعيل هذه الآليات بقوله تعالى:
« لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ »
إننا لا نستطيع أن نصف «الأنعام» بأنها جاهلة، لأنها أصلا لا تملك آليات التعلم، ولو تعلمت شيئا بالتدريب، حسب الإمكانيات التي خلقها الله بها، فإنها قد تفوق الإنسان في أدائه، ولكنها لا تفقه ماذا تفعل، لذلك جعل الله الذين لا يقومون بتفعيل آليات عمل قلوبهم أضل من هذه الأنعام، فقال تعالى بعدها: « بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ »
إن الأنعام، وسائر الحيوانات، إذا تعلمت شيئًا فإنها لا تعلم «أنها تعلم»، وإذا جهلت أشياء ً فهي لا تعلم «أنها لا تعلم»، أما الإنسان فقد خلقه الله تعالى بقدرات تمكنه أن يعلم أنه «يعلم»، أو «لا يعلم»، وعليه أن يعترف بذلك، لماذا؟
فرق بين الذي «لا يعلم» الشيء، ويعترف أنه يجهله، وبين الذي «لا يعلم» الشيء، ولا يعترف أنه يجهله، بل ويرى أنه عالم به، والواقع يشهد بجهله!
إن الذي يُميز الإنسان الذي «لا يعلم» الشيء، ويعترف أنه يجهله، أنه يسعى إلى التعلم لمحو جهله، فتراه دائما يستكمل ما نقصه من علم.
أما «الجاهل» الذي لا يعترف بجهله، ويتصور أنه «عالم»، فإنه لا يسعى إلى استكمال ما نقصه من علم، ويظل يعيش في ظلمات «الجهل»، ويستحيل أن يجعل هذا التصور منه عالماً.
إن «الجاهل» الذي لا يعترف بجهله، يعيش داخل دائرة «الجهل المركب»، وهو من أخطر أنواع الفيروسات القاتلة التي أمسكت بشرايين شبكات التواصل الاجتماعي.
إن الإسلام «علم»، لا يحمله إلا من «يعلم» ما هو «الإسلام»، وعلى أي قواعد يقوم، وأن أول هذه القواعد الإقرار بأصول الإيمان، وهذا الإقرار «علم».
وإن من أصول الإيمان الإيمان بالكتب الإلهية، واختيار أي الكتب على الإنسان أن يتبعها يقوم على «العلم».
وإذا اخترت الكتاب الخاتم، القرآن الكريم، فأنت أمام منظومة «علمية»، تحتاج إلى أدوات لتدبرها وفهم آياتها.
فإذا خلا مستودع العلوم والمعارف، الذي تحمله في قلبك، من أدوات تدبر وفهم هذا القرآن، فأنت «جاهل»، ولا تدعى أنك «عالم» بالقرآن، تفهم آياته!
وعليك أن تعلم أنك لم تقم أصلا إيمانك، ولا إسلامك، على «علم»، وفي هذه الحالة تكون أضر على الفكر الإسلامي من «الجاهل» الذي يعترف بجهله، ويسعى إلى التعلم.
إن «الجاهل» الذي لا يعترف بجهله، يُحب ويكره ذات الشيء في نفس الوقت، ويُعجب بأفكار وموضوعات، من هنا وهناك، لو اجتمعت أفسد بعضها بعضا، ويجمع بين الضدّين في وقت واحد، لذلك يقول الله تعالى:
« خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ »
محمد السعيد مشتهري
(456) 18/5/2016 (الأخوة الأعزاء)
عدد المشاهدات : 186
موضوع المنشور السابق يدخل في باب من أبواب «علم ال منطق»، وهو باب «أقسام العلم»، باعتبار أن العلم يقابل الجهل.
والقاعدة الرئيسية التي يقوم عليها «الإسلام»، هي قاعدة الإقرار بـ «الوحدانية»، وهذه القاعدة تقوم على «العلم»، يقول الله تعالى:
« فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ »
ثم تأتي القاعدة الثانية وهي قاعدة الالتزام بأحكام الشريعة، وهذه القاعدة تقوم أيضا على «العلم»، يقول الله تعالى:
« قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ »
« قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ »
« كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ »
ثم تأتي القاعدة الثالثة وهي قاعدة التقليد الأعمى والاتباع بغير علم، وهي القاعدة التي حذر الله تعالى أن يقوم إسلام المرء عليها، وللأسف تقوم عليها معظم المشاركات والتعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، سواء كانت سلفية أو عصرية، والله تعالى يقول:
« وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ »
« قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا »
« أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ »
فالعلم … ثم العلم … ثم العلم
في أصول «الإيمان»، وقواعد «الإسلام»، والالتزام بأحكام الشريعة.
و« خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ »
محمد السعيد مشتهري
(457) 19/5/2016 (عندما تتخلف خير أمة أخرجت للناس)
عدد المشاهدات : 199
إننا نعيش أمام شاشة عرض كبيرة، تشمل كل ذرة من ذرات هذا الكون، تشهد أن لا إله إلا الله، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم، هو كتاب الله، وآيته الدالة على صدق نبوة رسوله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
إن أفضل كتاب يحدثنا عن الله وعن دلائل وحدانيته، بأسلوب علمي سهل، لا تكلف فيه ولا تعقيد، هو هذا القرآن، الذي يتفاعل سريعا مع القلوب السليمة، التي تحمل آليات التفكر والتعقل والتفقه والنظر، فتقف على التناغم القائم بين آيات الذكر الحكيم، ومقابلها الكوني في الآفاق والأنفس، بطرق الاستدلال المنطقية.
لقد ضرب الله تعالى المثل بإبراهيم، عليه السلام، في استخدام منهج الاستدلال العقلي للتعرف على خالقه، من خلال دلائل الوحدانية المنتشرة في الكون من حوله، بعد أن رفض عبادة الأصنام كما يفعل قومه:
« وَإِذْ قَ الَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ »
لقد خرج إبراهيم يبحث عن الإله الحق خالق هذا الكون، وسط الآلهة المزيفة التي كانت تُعبد من دون الله:
« فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ »وأخيرا اتخذ قراره:
« إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ »
لقد أقام إبراهيم، عليه السلام، قناعته بالوحدانية على الحجة والبرهان، فقال:
« وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ »
ويقول الله تعالى في سياق آخر عند الحديث عن الوحدانية:
« أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ »
وفي سياق آخر عند الحديث عن المحرمات، يقول تعالى:
« قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ »
إذن فلا حديث عن الإسلام، ولا حوار علمي، بدون حجة وعلم وبرهان:
* «أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً»
* «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»
* «وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»
أولا:إن الطريق الموصل إلى «الوحدانية»، هو «العلم»، ولا طريق غيره، ففي سياق بيان تفاعل الآيات القرآنية مع مقابلها الكوني في الآفاق والأنفس، ذكرت الآيات التالية من سورة فاطر، أن «العلم» هو الطريق إلى «خشية الله»، فتدبر هذه الآيات، التي تعبر بذاتها عن المراد بيانه.
« وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ »
« وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ»
«وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْح ٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
« يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ »
« وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ، وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ »
« أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا، وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ »
« وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ »
إن ما سبق بيانه من آيات الآفاق والأنفس، تكتب فيه المجلدات، وهو يشمل التخصصات العلمية المختلفة، ولكن المراد التوقف عنده، هو قوله تعالى في الآية الأخيرة: « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ »
فأين هم العلماء المسلمون، أصحاب التخصصات العلمية المختلفة، الذين تولّدت عندهم «خشية الله» نتيجة تفعيل آليات عمل قلوبهم، آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر، في سبر أغوار آيات الآفاق والأنفس، للتعرّف على سنن الله الكونية، وكيف تعمل في هذا الوجود، فأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ولم يفسدوا في الأرض، ولم يلوثوا البيئة؟!
انظر وتدبر ماذا قال الله تعالى بعد قوله: « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ »:
« وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْ حَقُّ، مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ »
إن البرهان على أن هذا الكتاب حق، هو المقابل الكوني لمنظومة آياته السابق ذكرها، والتي يكشف عن كنوزها وعطاءاتها العلماء، الذين يخشون ربهم، فأين هم؟!
يقول الله تعالى بعدها:
« ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ، ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ »
لقد تخلى المسلمون الذين ورثوا الكتاب، عن شرف اصطفائهم ليكونوا رواد التقدم الحضاري، الذين أحاطوا علما بمنظومة الآيات الكونية، وسبروا أغوارها، ظاهرها وباطنها، وها هم يعيشون في ذيل الحضارة، عالة على الأمم المتقدمة، والسبب:
أنهم يوم أن تخاصموا وتقاتلوا وتفرقوا في الدين، انشغلوا بعلوم شرعية صنعوها بأيديهم، وجعلتها كل فرقة سندها في إثبات أنها الفرقة الناجية، فاتسعت دائرة التقول على الله بغير علم اتساعا كبيرا، فغاب نور «العلم» عن قلوبهم، وهو أساس التقدم الحضاري، فخرجوا من النور إلى الظلمات.
لقد افترى أتباع الفرق والمذاهب المختلفة على الله مصادر تشريعية ما أنزل بها من سلطان، والآية السابقة تنطق بهذه الحقيقة ليل نهار، وتقول إن الله لم ينزل على رسوله نصًا تشريعيا يرثه المسلمون بعد وفاة النبي غير كتاب الله: «
« ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا »
فمن أين جاء أئمة السلف بالمصدر الثاني للتشريع؟!
ثانيا: كلما بعد الزمان عن عصر الرسالات الإلهية، ازداد التحريف والتبديل لها، واختلط ما هو بشري بما هو إلهي، ولولا تعهد الله بحفظ رسالته الخاتمة، لحدث لها مثل ما حدث للرسالات السابقة، من تحريف وتبديل!
لقد قست قلوب المسلمين كما قست قلوب السابقين، فتفرقوا واختلفوا وتخاصموا وتقاتلوا، ولكن المصيبة أن يحدث هذا بينهم ، وهم يحملون القرآن الذي تعهد الله بحفظه، وقد أمرهم بالاعتصام بحبل الله، وحذرهم من التفرق، فقال تعالى:
« وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »
لقد حذر الله المؤمنين من البغي والاختلاف في الدين، فهل اهتدى أتباع الفرق والمذاهب المختلفة إلى نعمة تأليف القلوب، فأصبحوا بها إخوانا، بعد أن خاطبهم الله بقوله: « كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ (لَكُمْ) آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »؟!
إنه عندما يقسو القلب، يخرج من دائرة الدين الذي ارتضاه الله للناس، إلى دائرة الدين الذي ارتضاه له أئمة وعلماء ومشايخ الفرقة التي ينتمي إليها، وهي دائرة « التقليد الأعمى »، والاتباع بغير علم، فكيف يقف المرء على الحق بدون «علم» والله تعالى يقول:
« وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ، وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »
إن «الإسلام» دين العلم، والذين «أوتوا العلم» هم الذين يهتدون إلى الحق المنزل، فلماذا لم يجتمع أتباع الفرق والمذاهب المختلفة حول هذا الحق المنزل، ولم ينبذوا الفُرقة والمذهبية والتفرق في الدين، بعد أن جاءهم الحق من ربهم؟!
الجواب: لأنهم يعيشون داخل منظومة «الإسلام الوراثي»، والقرآن جاء لإعلاء قيمة «العلم»، وبيان أنه الطريق الوحيد الموصل إلى دلائل الوحدانية، وصدق النبوة، وفاعلية الرسالة الإلهية، في مواجة الإسلام الوراثي، وإعادة النظر في ميراث «الآبائية»، فتدبر:
« وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ (لَا يَعْقِلُونَ) شَيْئًا وَ(لَا يَهْتَدُونَ) »؟!
ثالثا: لقد خلق الله تعا لى الإنسان بآليات التفكر والتعقل والتفقه والنظر، آليات عمل القلب، ليكون مسؤولًا أمام الله عن تديّنه هو، وليس عن تديّن غيره واتباعه بغير علم، قال تعالى:
« وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً »
وعندما تكون المسؤولية الدينية فردية، تصبح أنت مسؤولا عن تدينك، وبالتالي مسؤولا عن تحصيل «العلم» الذي على أساسه ستتحمل هذه المسؤولية، وفي مقدمة ذلك العلم بالوحدانية ومقتضياتها، فتدبر:
« شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ (وَأُوْلُوا الْعِلْمِ) قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »
إن «الجاهل» يضل الناس بغير علم، لأنه يعلم علما يخالف الحقيقة، وغروره بعلمه الضال يجعله يعتقد أنه على الحق، فتراه يُقحم نفسه في مسائل علمية لا يملك أداة واحدة من أدوات فهمها، والله تعالى يقول: « قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ »
إن الجاهل لا يحب أن يسمع، والله تعالى يقول: « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ »
وإذا سمع لا يعقل، والله تعالى يقول: « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »
وإذا تعقل لا يتفكّر، والله تعالى يقول: « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ »
وإذا تفكر لا يتدّبر، والله تعالى يقول: « أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »؟!
لقد جاء الأمر بتدبر القرآن للناس كافة، وليس لفئة معينة، لذلك كانت مهمة علماء المسلمين العمل على تعليم الناس كيف يتدبرون القرآن، وذلك بنقل خبرة وآليات وأدوات التدبر إليهم، وليس بنقل تدين أئمة السلف، واجتهاداتهم في فهم القرآن!
إن القرآن «آية» تتحرك فاعلية نصوصها على مر العصور، لذلك فهي تحتاج إلى خبرات علماء العصر، من كافة التخصصات العلمية المختلفة، وليس خبرات علماء السلف، ا لذين أعطوا كل ما يملكون من علم، وفق إمكانيات عصرهم!
إن علماء العصر مصابيح هداية وإرشاد، ونقل خبرات علمية وتقنية، إنهم والناس جميعا طلاب علم أمام كلام الله، فليس في الإسلام وظيفة يتقاضى عليها المسلم أجرًا نظير تخصصه في علم من العلوم الدينية، أو الشرعية، وإنما العالم المسلم يتقاضى أجره من وظيفته المهنية التي تخصص فيها، وهو في نفس الوقت دارس للقرآن ومتدبر لآياته.
رابعا: إن المسلم الذي تعلم ودرس القرآن، بالإضافة إلى تخصصه المهني، وقام بتفعيله في حياته، سلوكا عمليا، هو الذي يعلم معنى « كُونُوا رَبَّانِيِّينَ»، في قوله تعالى:
« مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ »
إن « الربانيّين » هم الذين عَلّموا القرآن ودرسوه، وتحملوا مسؤولية الشهادة على الناس، وإخراج هم من الظلمات إلى النور، وهي مسؤولية علمية، تجعلهم يشعرون بمزيد من الخشية من الله: « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ».
إن القرآن مدرسة تربوية علمية، يتخرج منها « الربانيّون »، لتكون مهمتهم الرئيسية هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى مخاطبا رسوله محمدا، عليه السلام:
« الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ( لِتُخْرِجَ النَّاسَ ) مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »
فكيف يُخرج المسلمون الناس من الظلمات إلى النور، وهم يعيشون أصلا في الظلمات، داخل دائرة مغلقة، يخاطبون فيها أنفسهم بخطاب سلفي، عبر منابر الدعوة المختلفة، يأخذون منه شريعتهم التي ارتضاها لهم أئمة الفرقة التي ينتمون إليها، بمعزل عن «الربانية» التي جاء بها النبي الخاتم، عليه السلام، وأمر باتباعها: « وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ »؟!
إن البرهان الوح يد، الذي يملكه المسلمون على صدق نبوة رسولهم محمد، هو «الآية القرآنية»، التي يقتضي الإيمان بها أن يكون المسلم «ربّانيا»، لا يتقول على الله ما لا يعلم، ولا يتخذ مصدرا تشريعيا ما أنزل الله به من سلطان، ولا يعمل وفق هواه، لأن الله تعالى يقول:
« أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً، فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ، أَفَلَا تَذَكَّرُونَ »
ويسبق «الربانية» الإيمان بـ «النبوة»، ويسبق الإيمان بـ «النبوة» الإيمان بـ «الآية» الدالة على صدق «النبوة»، ولقد كانت الآيات حسية حجة فقط على من شاهدها، ثم تنتهي فاعليتها بوفاة النبي.
وانتهى عصر «الآيات الحسية» ببعثة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، وجاء عصر «الآية العقلية»، التي تراها القلوب بآليات التفكر والتعقل والنظر..، وعن طريق هذه الآليات يتعلم الناس الكتاب ويدرسونه « بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ».
لقد جاء عصر « الآية القرآنية »، التي هي الباب الوحيد للدخول في الإسلام، على مر العصور وإلى يوم الدين، عصر العلم والبحث والدراسة، عصر « الربانية »، التي يشترط للالتحاق بمدرستها أن يملك الإنسان قلبا حيا يعمل بآليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر، ولسانًا عربيًا يفهم به معاني القرآن، ومنهجية علمية يستنبط على أساسها أحكامه.
خامسا: لقد نزل القرآن على قلب النبي محمد، عليه السلام، بلسان عربي مبين:
« وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ »
إن تعلم «اللسان العربي» هو الباب الوحيد إلى فهم القرآن وتدبر آياته، ولقد اصطفى الله تعالى نبيه الخاتم محمدًا من بيئة عربية، لسانها عربي، لأنه اللسان الوحيد بين ألسن الشعوب والقبائل المختلفة، الذي يحمل المواصفات التي تجعل رسالة الله الخاتمة «آية قرآنية»، يعجز الإنس والجن أن يأتوا بمثلها.
لقد فهم أهل الجزيرة العربية القرآن، وتفاعلوا مع آياته، حسب إمكانياتهم المعرفية، ولكن هل فهمهم لآياته وكلماتها العربية، جعلهم يستطيعون أن يأتوا بمثلها، على أساس أن الله تعالى يقول: « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ »؟!
إن أهل الجزيرة العربية لم يستطعوا أن يأتوا بمثل سور القرآن، وقد نزلت بلسانهم العربي، لأن القضية ليست في الإتيان بكلمات وحروف عربية مماثلة، وإنما في تركيب هذه الكلمات، وهذه الحروف، على نحو محكم، يعجز أهل اللسان العربي أن يأتوا بمثله.
ولذلك عندما يخبرنا الله تعالى أن الرسول أُرسل إلى قومه بلسانهم العربي ليبين لهم: « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ »، فإن المقصود اللسان العربي الذي كان يتحدث به الرسول مع قومه، ويتحدثون به معه، وذلك « لِيُبَيّنَ لَهُمْ » ما أنزله الله عليه، وليس هو «اللسان العربي المبين» الذي نزل به القرآن، إلا عندما ينطق الرسول بالقرآن أثناء حديثه مع قومه:
« وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْ يٌ يُوحَى »
إن القرآن كلام الله الذي نزل « بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ »، لذلك: « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ »، وكلمة « مبين » تعني أنه مبين بذاته لايحتاج إلى من يُبيّنه، فكيف يدّعون أن مرويات «السنة المذهبية» جاءت لتبين القرآن، وتستكمل أحكامه؟!
أما كلام النبي، عليه السلام، مع قومه، وكلام قومه معه، فكلام «عربي»، قاموا بتركيب كلماته وحروفه، حسب قواعد اللسان العربي، ولذلك لا يصح وصفه بأنه «مبين»، لأنه كلام بشر يمكن أن يأتيه الباطل: « قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ، يُوحَى إِلَيَّ »
لقد هجر المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، « اللسان العربي »، وعلموا أبناءهم « اللسان الأعجمي »، وأوقفوا فاعلية آليات عمل قلوبهم، إذن فكيف سيفهمون القرآن الذي نزل « بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ »؟!
سادسا: لقد أرسل الله رسوله محمدا رحمة للعالمين: « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »، وتعهد بحفظ رسالته إلى يوم الدين، الأمر الذي يقتضي أن يصبح المسلمون على المستوى العلمي والتقني، الذي يمكنهم من مخاطبة «العالمين» بلغة العصر، ومن موقع القوة العلمية والتقدم الحضاري، الذي يجعل الناس يقفون على حقيقة الإسلام، وهل هو حقا رحمة للعالمين؟!
إننا في أشد الحاجة إلى الارتفاع إلى مستوى الفهم الواعي لمقتضيات إيماننا بأن كتاب الله، يحمل في ذاته «آية قرآنية»، لا تفتح كنوزها إلا للعلماء الذين يخشون ربهم، هؤلاء الذين يحملون أدوات وآليات الكشف عنها، وفي مقدمتها «اللسان العربي»، وآليات التفكر والتعقل والتدبر..، وليس هؤلاء الذين يحملون الإجازات العلمية المذهبية، من مؤسسات الفرق والمذاهب الإسلامية!
إن « العلم » هو الطاقة الدافعة والمحركة لفاعلية نصوص « الآية القرآنية »، التي لم ينجح المسلمون إلا في تفعيل ما يتعلق منها بالشعائر التعبدية، ثم عندما أرادوا تجديد الخطاب الديني، تحركوا من قاعدة التراث الديني للفرقة التي ينتمون إليها، وجعلوا هدفهم المقدس، الذي يدافعون عنه حتى الموت، هو تنقية أمهات كتب الفرقة التي ينتمون إليها، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!
لقد سقطت « النهضة الإسلامية » عندما سقطت «خشية الله» من قلوب علماء المسلمين، بعد أن أُصيبت بفيروس المذهبية والتغييب العقلي، وبعد أن أصبح الشغل الشاغل لهم هو معالجة «العَرَض» وليس «المَرَض»، فظنوا أن تجديد الخطاب الديني، وتنقية تراث الفرقة التي ينتمون إليها هو الحل، و«المريض» قد أوشك على الموت!
لقد أضاع أئمة وعلماء ودعاة المسلمين قرونا من الزمن في علاج أعراض المرض بالخطب المنبرية المعلبة، وتركوا مرض « التقليد الأعمى »، و« الاتباع بغير علم »، و« التديّن الوراثي »، و« التفرق في الدين » يسري في دماء المسلمين، فماذا كانت النتيجة؟!
لقد غاب نور « الخشية » والخوف من الله عن قلوبهم، ليعودوا مرة أخرى أعداءً، ولكن من الذي سيؤلف بين قلوبهم هذه المرة، وينقذهم بعد أن أصبحوا: «عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ»؟!
محمد السعيد مشتهري

(458) 23/5/2016 (عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة)
عدد المشاهدات : 258
لقد جاءت الآية الدالة على صدق «النبي» الخاتم محمد، آية عقلية، تشاهدها القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر..، ولا تنتهي فاعليتها بوفاة النبي، وتظل قائمة بين الناس إلى يوم الدين.
وعندما يحمل القرآن الآية الدالة على صدق «النبي» الخاتم، ويطلب الله تعالى من الناس جميعا، بجميع مللهم ونحلهم، التحقق من صدق هذه «الآية»، ويقول لهم:
« وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ »
ثم لا يستطيعون أن يأتوا بسورة من مثله، وإلى يومنا هذا، فهذا دليل على أن هذا الكتاب حقا «آية»، تقتضي الإيمان بها، وبالرسول الذي بلغها للناس.
إنني انطلق في هذا الموضوع من قاعدة الإيمان بأن هذا القرآن كلام الله، وآيته ال دالة على صدق نبوة رسوله محمد، عليه السلام، وأنقل ما بينه القرآن في هذه المسألة، للرد على الشبهات التي يثيرها أصحاب القراءات القرآنية العصرية، دون أي إسقاط على الواقع المعاصر.
لقد استقطع أصحاب القراءات القرآنية العصرية، بعض الآيات من سياقاتها، وقاموا بعزلها عن هذه السياقات، ثم جعلوها البرهان على أن جميع الملل والنحل المختلفة ستدخل الجنة، وإن لم تتبع النبي الخاتم محمدًا، مادامت تؤمن بالله، واليوم الآخر، وتعمل صالحا، استنادًا إلى الآيات التالية:
١- قوله تعالى في سورة البقرة «الآية ٦٢»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
٢- قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٦٩»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّ ابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
٣- قوله تعالى في سورة الحج «الآية ١٧»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ »
ولبيان حقيقة هذه الشبهة والرد عليها، علينا أن نتدبر السياق الذي وردت فيه هذه الآيات الثلاث.أولا: قوله تعالى في سورة البقرة «الآية ٦٢»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
لقد جاءت الآية «٦٢» من سورة البقرة، في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وكيف قابلوا نعم الله بالكفر، فاستحقوا الذلة والمسكنة والغضب، فقال تعالى «الآية ٦١»:
* « وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ … وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ »
ثم قال تعالى «الآية ٦٢»:
* « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
ثم يستكمل السياق الحديث عن بني إسرائيل فيقول بعدها «الآية ٦٣»:
* « وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَف َعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ…، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ…، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ…»
فكما نلاحظ أن «الآية ٦٢»: « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ..» جاءت وسط سياق يخاطب ذرية بني إسرائيل، الموجودين في عصر الرسالة، المعاصرين لرسول الله محمد، عليه السلام، وهذا السياق يبدأ بالآية «٤٠»، وقول الله تعالى:
* «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ»
إن قوله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»، لا يخاطب الموجودين في عصر موسى، عليه السلام، وإنما يخاطب ذريتهم المعاصرين لرسول الله محمد، يذكرهم بمواقف أسلافهم من الرسل، وكفرهم بنعم الله عليهم، لعلهم يراجعون أنفسهم، ويؤمنون بالنبي الخاتم محمد، ويتبعون رسالته.
إن « الَّذِينَ آمَنُوا »، و« الَّذِينَ هَادُوا »، و« النَّصَارَى »، و « الصَّابِئِينَ »، هم الذين اتبعوا رسلهم، كلٌ في عصره، ثم تمسكوا بعد وفاة الرسل بأصول الإيمان، ولم يشركوا بالله شيئا، وعملوا الصالحات، حتى بعث الله لهم رسولا فاتبعوه، لذلك وعدهم الله بقوله:
« فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ».
ولقد بعث الله نبيه الخاتم محمدًا، وأرسله للناس جميعًا، يقول الله تعالى في سورة المائدة «الآية ١٥»:
* « يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ »فمن هم الذين يخطابهم الله هذا السياق: « قَدْ (جَاءَكُم) مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ »؟! لتعلم أن أصحاب الكتب الإلهية مأمورون باتباع الكتاب، الذي جاء به النبي الخاتم محمد، عليه السلام.
وتدبر قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ١٩»:
* « يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ، أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »
فمن هم الذين يخطابهم الله هذا السياق: « أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَقَدْ (جَاءَكُم) بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ »؟! لتعلم أن أصحاب الكتب الإلهية السابقة مأمورون باتباع النبي الخاتم، رسول الله محمد، عليه السلام.
ثانيا: قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٦٩»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
جاءت الآية «٦٩» من سورة المائدة في سياق يبدأ بالآية «٦٨»:
* « قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ »
ثم قال تعالى «الآية ٦٩»:
* « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
ثم قال تعالى بعدها «الآية ٧٠»:
* « لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ »
ولقد جاءت أيضا «الآية ٦٩» من سورة المائدة، في سياق بيان تذكير أهل الكتب السابقة بما فعله أسلافهم مع رسلهم، وقتلهم الأنبياء بغير حق..، ولذلك نقول فيها ما قلناه في «أولا» عن الآية «٦٢» من سورة البقرة.
ثالثا: قوله تعالى في سورة الحج «الآية ١٧»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ »
ولقد جاءت الآية «١٧» من سورة الحج في سياق يبدأ بالآية «١٥»:
* « مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ »
ثم قال تعالى «الآية ١٦»:
* « وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ »
ثم جاءت الآية «١٧»:
* « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ »
ثم قال تعالى بعدها «الآية ١٨»:
* « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ »
وهنا نلاحظ أن السياق الذي وردت فيه الآية «١٧» من سورة الحج، جاء مختلفًا عن سياق آيتي البقرة والمائدة، فهو هنا يتحدث عن تأييد الله ونصره للمؤمنين، أتباع الدين الحق، وبيان أن الفصل بين أهل الملل المختلفة سيكون يوم القيامة، وأضاف إلى الملل المجوس والمشركين.
ولم يذكر في هذا السياق جملة: « مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً »، التي ذُكرت في آيتي البقرة والمائدة، ذلك أن المجوس والمشركين لا يؤمنون «بالله واليوم الآخر»، ولا يوحدون الله تعالى، فالمجوس يعبدون إلهين: إلها للخير، وإلها للشر، والمشركون يشركون بالله ما لم ينزل به سلطانا!
كما لم يذكر جملة: « فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »، ذلك أن آية سورة الحج لا تتحدث عن الشروط الواجب توافرها للنجاة في الآخرة، وإنما عن الفصل بين الملل المختلفة يوم القيامة، لذلك فهي خارج موضوع آيتي البقرة والمائدة.
رابعا: وحسب ما يقتضيه علم «السياق القرآني»، كان علينا أن نتوقف عند قوله تعالى: « وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »، الذي ورد في آية سورة البقرة، وقوله تعالى: « فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » الذي ورد في آية سورة المائدة، وعلاقتهما بسياق سورة البقرة، الذي يخاطب الله تعالى فيه أهل الكتب السابقة، والذي يبدأ بالآية «٤٠»، وقوله تعالى:
« يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ»
تدبر قوله تعالى: « وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ »
إذن فـ « الَّذِينَ هَادُوا »، مأمورون بالإيمان بالكتاب الخاتم، القرآن الكريم، واتباع النبي الخاتم، رسول الله محمد، عليه السلام.
ثم بعد بيان جانب من قصة بني إسرائيل مع رسولهم موسى، عليه السلام، وضع الله القانون العام للحساب في الآخرة، فقال تعالى «الآية ٦٢»:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
ثم اس تكمل السياق قصة بني إسرائيل، وأنهم افتروا على الله الكذب، وقولهم «الآية ٨٠»:
« وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ »
ثم ذكر الله القانون العام للحساب في الآخرة، فقال تعالى «الآية ٨١ ـ-٨٢»:
« بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ »
وعلينا أن نلاحظ ونتذكر، أن « الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ »، هم الذين آمنوا بالرسل كلٌ في عصره، ثم بالنبي الخاتم محمد، عليه السلام، كما بيّنت ذلك الآية «٤٠».
ثم يستكمل السياق قصة بني إسرائيل وموقفهم من رسلهم، فيقول الله تعالى «الآية «٨٧-٨٨»:
* « وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ »
* « وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ، بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ »
تدبر قوله تعالى: « أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ »، وهو البرهان على أن أتباع الرسل السابقين، مأمورون أن يؤمنوا بكل رسول يرسله الله إليهم، وأن عليهم اتباع رسالته.
ولقد كانت آخر الرسالات، هي الرسالة التي أرسل الله بها نبيه الخاتم محمدًا، عليه السلام، القرآن الكريم، وهذا ما بيّنه الله بعد ذلك بقوله «الآيات ٨٩-٩١»:
* « وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ »
* « بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ »
* « وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا، وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ، قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ »
ويستكمل السياق قصة بني إسرائيل، ويؤكد على وجوب الإيمان بالنبي الخاتم واتباع رسالته، فيقول الله تعالى «الآية «٩٩-١٠١»:
* « وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ »
* « أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ »
* « وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ »
ثم ينتقل السياق للحديث عن ملل الكفر التي كانت موجودة في عصر الرسالة، فيقول الله تعالى «الآية ١٠٥»:
« مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ »
ثم يبين السياق كيف كانت هذه الملل تفتري على الله الكذب، فيقول تعالى «الآية ١١١»:
« وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
ثم يضع الله الميزان، والقانون العام، الذي سيحاسب على أساسه الناس جميعا يوم القيامة، فقال تعالى بعدها «الآية ١١٢»:
« بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »
وعند هذه الآية نكون قد وصلنا إلى ما أريد بيانه، وهو أن هذا الوعد: « وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » يقوم على قاعدة إسلام الوجه لله تعالى: « بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ »
فهل الملل التي وعدها الله بهذا الوعد، في سياق الآية «٦٢» من سورة البقرة، والآية «٦٩» من سورة المائدة: ظلت متمسكة بإسلام الوجه لله تعالى بعد وفاة رسلهم؟!
فتعالوا نتعرف على معنى «إسلام الوجه لله» في السياق القرآني؟!
يقول الله تعالى في سورة آل عمران «الآيات ١٩ ـ٢٠»:
* « إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ »
* « فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا، وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ »
تدبر قوله تعالى: « فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ »
ثم بيّن بعد ذلك ما يجب أن تفعله الملل التي كانت موجودة في عصر الرسالة بقوله: « فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ».
إذن فـ «إسلام الوجه لله»، بعد وفاة النبي الخاتم، و إلى يوم الدين، يقوم على الإيمان بالنبي الخاتم محمد، واتباع الكتاب الذي أنزله الله عليه: «فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا»، وهذا ما بينته بعد ذلك «الآيات٨٤ ـ ٨٥» من سورة آل عمران:
« قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »
تدبر قول الله تعالى: « وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »، ثم قوله بعدها:
« وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ »
ولقد وردت «الآية ٨٤»، السابقة، في سياق مشابه في سورة البقرة «الآية ١٣٦»، وقال الله تعالى بعدها:
« فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »
وبمقابلة الآيتين نعلم، وبالدلالة القطعية، أن الله تعالى أمر جميع الملل والنحل التي كانت موجودة في عصر الرسالة، الإيمان برسول الله محمد، واتباع رسالته، وهذا ما جاءت «الآية ١٧٠» من سورة النساء تؤكده، فيقول الله تعالى:
« يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً »
والسؤال: إذا كان جموع الناس، بجميع مللهم ونحلهم، الذين خاطبهم الله بهذه الآية في عصر الرسالة، مأمورين بالإيمان برسول الله محمد:
« فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ »
وباتباع رسالته:
« قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ »
فكيف يدعي مسلم، يؤمن بالوحدانية، وبأن هذا القرآن كلام الله تعالى، أن دخول الجنة لا يُشترط فيه الإيمان بالنبي الخاتم، واتباع رسالته؟!
محمد السعيد مشتهري
ملاحظة هامة:
أعلم أن هذا المقال سيفتح بابا من الجدل، أعرفه منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، ولذلك لن ألتفت إلى التعليقات المرسلة التي لا حجة فيها ولا برهان، وأرحب بالتعليقات التي تناقش الأدلة والبراهين الواردة في المقال، مناقشة علمية تستند إلى الآيات القرآنية

(459) 24/5/2016 (على هامش مقال: عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة)
عدد المشاهدات : 197
ورد إلى بريدي الخاص أسئلة، حول بعض الآيات القرآنية، التي قد يُفهم منها أن من أهل الكتب السابقة، من ظلوا على ملتهم التي كانوا عليها في عصر الرسالة الخاتمة، ولم يدخلوا في الإسلام، ولم يتبعوا النبي الخاتم، ولقد وعدهم الله بالجنة، وسماهم الله بأهل الكتاب، ولم يسمهم بالمؤمنين، ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران «الآيات ١١٣-١١٥»:
* « لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ»
* « يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»
* « وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ»
وكما سبق أن قلت في أكثر من مقال ومنشور، إنه يستحيل فهم القرآن دون منهجية علمية، تحمل أدوات لفهم الآيات القرآنية، وفي مقدمتها «اللسان العربي»، وم ا يتفرع عنه من علوم، منها «علم البيان»، وكذلك علم «السياق القرآني»، ومنظومة التواصل المعرفي.
والذين استقطعوا هذه الآيات من سياقها، لا دراية لهم لا باللسان العربي، ولا بعلم السياق القرآني، ولا بمنظومة التواصل المعرفي.
إن سياق هذه الآيات يبدأ بالآية «١١٠» من سورة آل عمران، حيث يقول الله تعالى:
« كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»
« وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم»
« مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ»
تدبر قوله تعالى: « وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم»
والسؤال: لو آمنوا (بمن)، لكان خيرًا لهم؟!
الجواب: السياق القرآني، في كتاب الله، يدعو جميع الملل والنحل التي كانت موجودة في عصر الرسالة، إلى الإيمان بالنبي الخاتم وبرسالته.
والذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم: هم الفاسقون، وهم أكثر هذه الملل، التي قال الله تعالى عنها بعدها «الآية ١١١»:
« لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ»
وقال بعدها «الآية ١١٢»:
« ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ»
« ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ»
ولذلك كان من ال طبيعي أن ينصف الله تعالى من آمن من هذه الملل، وينعتهم بما كانوا عليه، ليبيّن للناس أنهم ليسوا جميعا سواء «الآية ١١٣»:
« لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ»
« يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»
« وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ»
ونعت الذين آمنوا منهم بـ «أهل الكتاب»، يُسمى في علم البيان بالمجاز المرسل، والذي من شواهده القرآنية ما يلي:
١- تسمية الشيء بما كان عليه في الزمن الماضي:
يقول الله تعالى: « وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ»، سماهم «يتامى»، حال البلوغ، لما كانوا عليه من اليتم في صغرهم.
ويقول الله تعالى: « إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا»، سماه مجرما في الآخرة، باعتبار ما كان عليه في الدنيا.
٢- النظر إلى الشيء مما سيكون عليه في الزمن المستقبل:
يقول الله تعالى: « وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا»، لقد سمى المولود «فَاجِرًا كَفَّارًا»، باعتبار ما سيصير إليه من الكفر والفجور.
ويقول الله تعالى: « إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا»، لقد سمى العصير الذي يُعصر في الحال «خَمْرًا» باعتبار ما سيؤول إليه في المستقبل.
ثم بعد ذلك يقول أصحاب القراءات القرآنية العصرية الشاذة:
لقد يسر الله القرآن للذكر، فلا يحتاج إلى منهجية علمية، ولا إلى أدوات لفهمه، ولا إلى علم باللسان العربي، ولا بالسياق القرآني، ولا بمنظومة التواصل المعرفي!!
إنني أحترم اللادينيين في حوارهم، الذين ينطلقون من منهجية علمية، تجعلهم يعلمون ما يقولون، ويعترفون صراحة بما يؤمنون به، وما لا يؤمنون به.
ولا أحترم الدينيين في حوارهم، الذين لا ينطلقون من منهجية علمية، تجعلهم يعلمون ما يقولون، ولا يعترفون صراحة بما يؤمنون به، وما لا يؤمنون به، ويتقولون على الله بغير علم.
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
محمد السعيد مشتهري
(460) 25/5/2016 (Amjad Omer)
عدد المشاهدات : 78
بعد حوار طويل مع الصديق «أمجد عمر»، عن موضوع المقال الأخير: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، قال في تعليقه الأخير:
«يا استاذي انت لم تأتي بأدلة من القرآن بل أتيت بتفسيرك أنت وفهمك الخاص للآيات والفرق كبير ولو احتجت أن أستدل بآيات من القرآن فمن الممكن أن أستدل بنفس الآيات، ثم أني بنيت ردي على حضرتك على الآية (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) فكيف لم استدل بآيات من القران؟!
وكما يعلم أصدقاء الصفحة، أني لا أخصص منشورًا خاصا، للتعقيب على تعليق أحد الأصدقاء، إلا إذا كان الهدف هو بيان مزيد من الأمثلة على استحالة فهم القرآن بمعزل عن المنهجية العلمية التي تحمل أدوات فهمه.
فتعليق الصديق «أمجد عمر» مثال لافتقاد هذه المنهجية العلمية
فهو يقول: «ولو احتجت أن أستدل بآيات من القرآن فمن الممكن أن أستدل بنفس الآيات»والمنطق يقول: إذن فلماذا لم تفعل؟! تفضل استدل بنفس الآيات وأتي بتفسيرك لها حسب مذهبك!!! هذا هو الأسلوب العلمي في الحوار
أما عن الآية: « لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ..»
فماذا تعلم عن «علم السياق»؟!
وماذا تعلم من «علوم اللسان العربي»؟!
ولذلك سأجعل هذه الآية مثالا لتعلم كيف نتعامل مع السياق القرآني
لقد جاءت هذه الآية في سياق يُفهم منه أن هناك مشكلة يشترك فيها المسلمون مع أهل الكتاب، نزل القرآن ليضع لها ضوابط، ويبدأ السياق بقوله تعالى في سورة النساء مخاطبا النبي الخاتم:
* إِنّا أَنزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَب بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَينَ النّاسِ بمَا أَرَاك اللّهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائنِينَ خَصِيماً
وَلا تجَدِلْ عَنِ الّذِينَ يخْتَانُونَ أَنفُسهُمْ إِنّ اللّهَ لا يحِب مَن كانَ خَوّاناً أَثِيماً
ثم تحدث عن هذا الجدال الخاص بهذا الموقف، وبيّن ميزان الحساب في الآخرة، ثم قال:
* وَمَن يَكْسِب خَطِيئَةً أَوْ إِثماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بهْتَناً وَ إِثْماً مّبِيناً
ثم تدبر ماذا قال بعدها، ومن هم المخاطبين؟!
* وَلَوْلا فَضلُ اللّهِ عَلَيْك وَرَحْمَتُهُ لهََمّت ( طائفَةٌ مِّنْهُمْ ) أَن يُضِلّوك وَمَا يُضِلّونَ إِلا أَنفُسهُمْ وَ مَا يَضرّونَك مِن شىْءٍ
ثم قال بعدها:
* وَمَن يُشاقِقِ الرّسولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُ الْهُدَى وَيَتّبِعْ غَيرَ سبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلى وَنُصلِهِ جَهَنّمَ وَساءَت مَصِيراً
إذن فالذين لم يتبعوا سبيل المؤمنين في جهنم «وَساءَت مَصِيراً»
ولذلك قال بعدها:
إِنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَن (يُشرَك بِهِ) وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك لِمَن يَشاءُ وَ مَن (يُشرِك بِاللّهِ) فَقَدْ ضلّ ضلَلا بَعِيداًفهل أهل الكتب السابقة، المخاطبين في عصر الرسالة، لم يكفروا بالله، ولم يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا؟!
ثم تدبر ماذا قال بعدها عن ميزان الحساب في الآخرة:
وَالّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصلِحَتِ سنُدْخِلُهُمْ جَنّتٍ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّا وَمَنْ أَصدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً
فهل يمكن أن يكون «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم الذين كفروا وأشركوا بالله تعالى؟!
هل يمكن أن يكون «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم الذين قالوا:
لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ( تِلْك أَمَانِيُّهُمْ ) قُلْ هَاتُوا ( بُرْهَانَكُمْ ) إِن كُنتُمْ صَادِقِينَهل تعلم معني:
لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى؟!
يعني: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، والسياق يثبت أن الدين الذي هم عليه دين باطل، فكيف يدخلون الجنة؟!
هل يمكن أن يكون «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم الذين قال الله عنهم:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا (أَمَانِيَّ) وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ
ألم يحرف اليهود والنصارى كتبهم، ولم يحفظها الله تعالى؟!
لقد جاء قوله تعالى:
لّيْس ( بِأَمَانِيِّكُمْ ) وَلا ( أَمَانىِّ ) أَهْلِ الْكتَبِ
يطلب من الملل الثلاث: ال يهود والنصارى والمسلمين، إعادة النظر في حقيقة إقرارهم بأصول الإيمان، وحقيقة عملهم الصالح.
ثم وضع الميزان
مَن يَعْمَلْ سوءاً يجْزَ بِهِ وَلا يجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّا وَلا نَصِيراً
فهل يُعقل أن يعاقب الله تعالى من عمل سوءًا، من هذه الملل، ولا يعاقبه أولا على كفره وشركه؟!لذلك اشترط الله الإقرار بالوحداينة وبأصول الإيمان:
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصلِحَتِ مِن ذَكرٍ أَوْ أُنثى وَهُوَ (مُؤْمِنٌ) فَأُولَئك يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيراًانظر إلى معنى وَهُوَ (مُؤْمِنٌ) في هذا السياق الذي قال الله فيه من قبل:
إِنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَن (يُشرَك بِهِ)
ثم أكد على الإقرار بالوحدانية بقوله بعدها:
وَمَنْ أَحْسنُ دِيناً مِّمّنْ أَسلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ محْسِنٌ وَ اتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَهِيمَ حَنِيفاً
فهل نعلم معنى إسلام الوجه لله تعالى؟!
وهل نعلم الأصول التي قامت عليها ملة إبراهيم عليه السلام؟!
فكيف يدخل الجنة من كفر بهذه الأصول، ولم يتبع النبي الخاتم، الذي أمر الله الناس جميعا اتباعه؟!
هذا المنشور طبعا لمن آمن أن القرآن كلام الله تعالى.
ومنذ تاريخ نشر مقال «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، لم أتلق تعليقا علميا، وها هي التعليقات كلها على الصفحة، وإنما للأسف الشديد كلاما مرسلا، ثم عندما تأتي البراهين القرآنية محكمة، يهرب الأصدقاء من الحوار العلمي لأسباب واهية!!
محمد السعيد مشتهري(460) 25/5/2016 (Amjad Omer)
عدد المشاهدات : 78
بعد حوار طويل مع الصديق «أمجد عمر»، عن موضوع المقال الأخير: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، قال في تعليقه الأخير:
«يا استاذي انت لم تأتي بأدلة من القرآن بل أتيت بتفسيرك أنت وفهمك الخاص للآيات والفرق كبير ولو احتجت أن أستدل بآيات من القرآن فمن الممكن أن أستدل بنفس الآيات، ثم أني بنيت ردي على حضرتك على الآية (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) فكيف لم استدل بآيات من القران؟!
وكما يعلم أصدقاء الصفحة، أني لا أخصص منشورًا خاصا، للتعقيب على تعليق أحد الأصدقاء، إلا إذا كان الهدف هو بيان مزيد من الأمثلة على استحالة فهم القرآن بمعزل عن المنهجية العلمية التي تحمل أدوات فهمه.
فتعليق الصديق «أمجد عمر» مثال لافتقاد هذه المنهجية العلمية
فهو يقول: «ولو احتجت أن أستدل بآيات من القرآن فمن الممكن أن أستدل بنفس الآيات»والمنطق يقول: إذن فلماذا لم تفعل؟! تفضل استدل بنفس الآيات وأتي بتفسيرك لها حسب مذهبك!!! هذا هو الأسلوب العلمي في الحوار
أما عن الآية: « لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ..»
فماذا تعلم عن «علم السياق»؟!
وماذا تعلم من «علوم اللسان العربي»؟!
ولذلك سأجعل هذه الآية مثالا لتعلم كيف نتعامل مع السياق القرآني
لقد جاءت هذه الآية في سياق يُفهم منه أن هناك مشكلة يشترك فيها المسلمون مع أهل الكتاب، نزل القرآن ليضع لها ضوابط، ويبدأ السياق بقوله تعالى في سورة النساء مخاطبا النبي الخاتم:
* إِنّا أَنزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَب بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَينَ النّاسِ بمَا أَرَاك اللّهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائنِينَ خَصِيماً
وَلا تجَدِلْ عَنِ الّذِينَ يخْتَانُونَ أَنفُسهُمْ إِنّ اللّهَ لا يحِب مَن كانَ خَوّاناً أَثِيماً
ثم تحدث عن هذا الجدال الخاص بهذا الموقف، وبيّن ميزان الحساب في ال آخرة، ثم قال:
* وَمَن يَكْسِب خَطِيئَةً أَوْ إِثماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بهْتَناً وَ إِثْماً مّبِيناً
ثم تدبر ماذا قال بعدها، ومن هم المخاطبين؟!
* وَلَوْلا فَضلُ اللّهِ عَلَيْك وَرَحْمَتُهُ لهََمّت ( طائفَةٌ مِّنْهُمْ ) أَن يُضِلّوك وَمَا يُضِلّونَ إِلا أَنفُسهُمْ وَ مَا يَضرّونَك مِن شىْءٍ
ثم قال بعدها:
* وَمَن يُشاقِقِ الرّسولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُ الْهُدَى وَيَتّبِعْ غَيرَ سبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلى وَنُصلِهِ جَهَنّمَ وَساءَت مَصِيراً
إذن فالذين لم يتبعوا سبيل المؤمنين في جهنم «وَساءَت مَصِيراً»
ولذلك قال بعدها:
إِنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَن (يُشرَك بِهِ) وَيَغْفِرُ م َا دُونَ ذَلِك لِمَن يَشاءُ وَ مَن (يُشرِك بِاللّهِ) فَقَدْ ضلّ ضلَلا بَعِيداًفهل أهل الكتب السابقة، المخاطبين في عصر الرسالة، لم يكفروا بالله، ولم يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا؟!
ثم تدبر ماذا قال بعدها عن ميزان الحساب في الآخرة:
وَالّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصلِحَتِ سنُدْخِلُهُمْ جَنّتٍ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّا وَمَنْ أَصدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً
فهل يمكن أن يكون «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم الذين كفروا وأشركوا بالله تعالى؟!
هل يمكن أن يكون «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم الذين قالوا:
لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ( تِلْك أَمَانِيُّهُمْ ) قُلْ هَاتُوا ( بُرْهَانَكُمْ ) إِن كُنتُمْ صَادِقِينَهل تعلم معني:
لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى؟!
يعني: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، والسياق يثبت أن الدين الذي هم عليه دين باطل، فكيف يدخلون الجنة؟!
هل يمكن أن يكون «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» هم الذين قال الله عنهم:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا (أَمَانِيَّ) وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ
ألم يحرف اليهود والنصارى كتبهم، ولم يحفظها الله تعالى؟!
لقد جاء قوله تعالى:
لّيْس ( بِأَمَانِيِّكُمْ ) وَلا ( أَمَانىِّ ) أَهْلِ الْكتَبِ
يطلب من الملل الثلاث: اليهود والنصارى والمسلمين، إعادة النظر في حقيقة إقرارهم بأصول الإيمان، وحقيقة عملهم الصالح.
ثم وضع الميزان
مَن يَعْمَلْ سوءاً يجْزَ بِهِ وَلا يجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّا وَلا نَصِيراً
فهل يُعقل أن يعاقب الله تعالى من عمل سوءًا، من هذه الملل، ولا يعاقبه أولا على كفره وشركه؟!لذلك اشترط الله الإقرار بالوحداينة وبأصول الإيمان:
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصلِحَتِ مِن ذَكرٍ أَوْ أُنثى وَهُوَ (مُؤْمِنٌ) فَأُولَئك يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيراًانظر إلى معنى وَهُوَ (مُؤْمِنٌ) في هذا السياق الذي قال الله فيه من قبل:
إِنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَن (يُشرَك بِهِ)
ثم أكد على الإقرار بالوحدانية بقوله بعدها:
وَمَنْ أَحْس نُ دِيناً مِّمّنْ أَسلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ محْسِنٌ وَاتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَهِيمَ حَنِيفاً
فهل نعلم معنى إسلام الوجه لله تعالى؟!
وهل نعلم الأصول التي قامت عليها ملة إبراهيم عليه السلام؟!
فكيف يدخل الجنة من كفر بهذه الأصول، ولم يتبع النبي الخاتم، الذي أمر الله الناس جميعا اتباعه؟!
هذا المنشور طبعا لمن آمن أن القرآن كلام الله تعالى.
ومنذ تاريخ نشر مقال «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، لم أتلق تعليقا علميا، وها هي التعليقات كلها على الصفحة، وإنما للأسف الشديد كلاما مرسلا، ثم عندما تأتي البراهين القرآنية محكمة، يهرب الأصدقاء من الحوار العلمي لأسباب واهية!!
محمد السعيد مشتهري
(461) 25/5/2016 (مثال آخر Maiz Redasm)
عدد المشاهدات : 187
علق الصديق Maiz Redasm على المنشور الخاص بالصديق «أمجد عمر»، والذي كتبت في نهايته هذه الفقرة:
«ومنذ تاريخ نشر مقال «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، لم أتلق تعليقا علميا، وها هي التعليقات كلها على الصفحة، وإنما للأسف الشديد كلاما مرسلا، ثم عندما تأتي البراهين القرآنية محكمة، يهرب الأصدقاء من الحوار العلمي لأسباب واهية!!»
فرد الصديق Maiz Redasm على قولي: «لم أتلق تعليقا علميا» بوضع هذه الآية القرآنية:
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ »
فقط لا غير
فظننت أنه لم يقرأ المقال الذي كتبته للرد على الشبهات المثارة حول هذه الآية، فسألته: هل قرأت المقال؟!
فأجاب: قرأت لكني اقتنعت أكثر بمقالة المهندس عدنان الرفاعي
ثم وقف على منبر الخطابة، على صفحتي، وقال:
« .. إخوتي الأفاضل .. إن شاء الله تعالى، لا ننتصر لغير الحق .. ولا ننطلق إلاَّ من دلالات نصوص كتاب الله تعالى .. ولا نهدف إلاَّ لإيصال نور الحق إلى الناس .. وأرجو أن يعلم الإخوة الأفاضل الذين يخالفوننا الرأي، أنَّ الاعتقاد بتكفير الآخرين، وبأنَّ مصيرهم الحتمي هو جهنّم، لهم جميعاً، فضلاً عن كونه مخالفاً لما يحمله كتاب الله تعالى، فإنه لا يخدم منهج الإسلام الذي ينتصرون له، ولا يزيد الآخرين إلاَّ نفوراً عن الحق، وكلَّ ما يخدمه هو الابتعاد عن مراد الحق، وما يترتّب عليه من فتن كالتي نراها الآن تحرق بلداناً عربيّة .. ومع ذلك .. واجبنا أن نحترم رأيهم، وأن نجيبهم على أيِّ استفسار .. ولا نظنّ بهم إلاَّ خيراً .. وفيما يلي اقتباسٌ لنصٍّ من كتاب: الدولة الحرّة مطلب قرآني:(.. وهنا قد يقول قائل: إنَّ شرط الإيمان هو الإيمان بجميع الرسل عليهم السلام، ومنهم الرسول محمّد .. وأهل الكتاب لا يؤمنون بالرسالة التي أنزلها الله تعالى على النبيِّ، يقولون ذلك محتجّين بقوله تعالى .. «آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير»فكلمة «ورسله» واضحة وجليّة كشرط للإيمان بجميع الرسل عليهم السلام، ومنهم النبيّ محمّد .. وبالتالي – بناء على قولهم – لا يتّصف بالإيمان إلاَّ من آمن بالرسالة الخاتمة التي أنزلها الله تعالى على النبيِّ محمّد .... ونجيب على ذلك فنقول: هذه الآية الكريمة خاصّة بتصوير المؤمنين من متَّبعي الرسالة الخاتمة، ودليل ذلك هو كلمة «الرسول» التي تعني محمَّداً، وبالتالي فكلمة «والمؤمنون» التي تتبعها بذات السياق تعني المؤمنين من أتباع الرسول محمَّد … وهؤلاء المؤمنون من أتباع الرسالة الخاتمة مطالبون بالإيمان بجميع الرسل عليهم السلام، وذلك كون القرآن الكريم الموجود بين أيديهم والحامل للرسالة الخاتمة لن يحرَّف أبداً، لأنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظه، وفيه يُذْكَر كلُّ الرسل عليهم السلام الذين يُطالَب المسلمون بالإيمان بهم .... وممّا يؤكِّد ذلك أنَّ أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمنهج الرسالة الخاتمة «كنتم خير أمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم»، يصف الله تعالى بعضهم بقوله: «منهم المؤمنون»، وبعضهم الآخر بقوله «وأكثرهم الفاسقون» .. فعلى الرغم من عدم إيمانهم بمنهج الرسالة الخاتمة وعدم مجيئهم إليه «ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم .. على الرغم من ذلك، منهم من يصفه الله تعالى بقوله «منهم المؤمنون» .... وممّا يؤكِّد ذلك أنَّ احتكار الخلاص – كما رأينا – هو أكذوبة .. فوضْعُ هذا الشرط وهو الإيمان بنبوّة محمّد ليكون الآخرون «غير المسلمين» مؤمنين، هو احتكارٌ للخلاص، وأمنيات كأمنيات أهل الكتاب، وكنّا قد رأينا كيف أنَّ القرآن الكريم ينقض هذه الأمنيات جملةً وتفصيلاً ..«ليس بأمانيّكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله وليّاً ولا نصيراً»«ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة ولا يُظلمون نقيراً».. إذاً .. شرط الإيمان بكلِّ الرسل دون استثناء يتعلَّق بمتّبعي الرسالة الخاتمة .. بينما الرسالات الأخرى حكمها آخر، فلو آمن أتباعها بالرسول محمَّد لكانوا مسلمين .. هذه الحقيقة نراها جليّةً في قوله تعالى ..«كنتم خير أمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون، لن يضروكم إلاَّ أذى وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثمّ لا يُنصرون، ضُربت عليهم الذلّة أين ما ثقفوا إلاَّ بحبلٍ من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه والله عليم بالمتّقين«.. هنا لا نرى شرط الإيمان بجميع الرسل كما رأيناه في وصف المؤمنين بالرسالة الخاتمة التي أنزلها الله تعالى على النبيِّ محمَّدٍ .. فصفات المؤمنين من أهل الكتاب بيّنها الله تعالى بقوله «يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه والله عليم بالمتّقين».. فالمتدبّر لكتاب الله تعالى بتجرّد يرى هذه الحقيقة جليّة، فذمُّ الله تعالى لاحتكار الخلاص، وبيانه جلَّ وعلا أنَّ هذا الاحتكار أكذوبة، كما رأينا، يكفي كلَّ باحث عن الحقيقة»
انتهت الخطبة
التعليق:
لقد كتبت للرد على شبهة هذه الآيات:
١- مقال صفحة كاملة في جريدة المقال بعنوان: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة».٢- ثم منشور بعنوان: «على هامش مقال: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»٣- ثم منشور باسم الصديق «أمجد عمر» للرد على نفس الشبهات الواهية التي ذكرها الصديق Maiz Redasm في تعليقه
فهل ترون، بعد تعليقه هذا، أن الصديق قرأ هذا المقال، والمنشورات، واستوعب ما فيها؟!
الحقيقة عندما قرأت تعليقه، كنت أتمنى أن أجد علما جديدا أضيفه إلى ما أنا عليه، والذين يعرفونني يعلمون أني منذ عقود وأنا أنتظر علما يقدمه المخالفون لمشروعي الفكري
لذلك أردت أن أضع أمامكم تعليق الصديق Maiz Redasm، وما حمله من رأي مخالف لما أنا عليه، لاحتمال أني لم أر هذا العلم الذي أجهد نفسه ليض يفه لي!!
طبعا هذا حقه في التفكير، وفي الاقتناع بأي مشروع فكري، هو حر مع نفسه، ولكن الذي ليس من حقه، أن يأتي على صفحتي، ويلصق فقرات لصاحب مشروع فكري آخر، دون جهد علمي منه هو شخصيا ليبين لي ولأصدقاء الصفحة، الذين وقف واعظا فيهم، ويقول لهم: « إخوتي الأفاضل .. إن شاء الله تعالى، لا ننتصر لغير الحق…»
فأين الحق الذي انتصر له؟!
أعتذر لكم جميعا، على ضياع هذا الوقت في قراءة هذا المنشور، ولكني، وبعد أن اتسعت دائرة القراءات القرآنية العصرية الشاذة، وبشكل ينذر بخطر كبير على مستقبل الوعي القرآني، قررت أن أهتم بالكشف عن تهافت هذه القراءات في منشوراتي ومقالاتي
محمد السعيد مشتهري
(462) 26/5/2016 ( نحو إسلام الرسول مدرسة فكرية لها أصولها وضوابطها)
عدد المشاهدات : 193
« نحو إسلام الرسول »، اسم اخترته لمشروعي الفكري، بعد دراسة علمية متدبرة لكتاب الله، كان من أهم نتائجها، أن المسلمين جميعا، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، إذا ماتوا اليوم ماتوا مشركين، قولا واحدًا، استنادًا إلى آيات الكتاب الحكيم، ذات الدلالة القطعية، التي يستحيل أن يختلف حولها العقلاء.
تدبروا جيدا أيها « المؤمنون»، « المسلمون »، قول الله تعالى الذي يخاطبكم به اليوم، والذي خاطب به رسوله محمدًا والذين آمنوا معه، فقال:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »
تدبر: إن الله تعالى يخاطب الذين آمنوا يأمرهم بتقوى الله، وينهاهم عن الموت على غير الإسلام، ثم يأمرهم بالاعتصام وعدم التفرق:
« وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »
« وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
ثم يؤكد الله تعالى على النهي عن التفرق والاختلاف بقوله:
« وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ »
ثم يبيّن لهم ثمرة هذا التفرق:
« وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »
وفي موضع آخر، يُفصّل لهم أسباب هذا العذاب العظيم، مع أنهم أصلا قد أقروا بأصول الإيمان، وسلّموا لأحكام الشريعة تسليما، فيقول تعالى مخاطبا أيضا النبي والذين آمنوا معه:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ »
ثم بيّن لهم من هم « المشركون »:
« مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
والسؤال: هل تفرق المسلمون في الدين، إلى فرق وشيع وأحزاب؟!
إذا أجبت بنعم، فلا تضع رأسك في الرمال، لتخفي المصيبة الكبرى التي تعيش فيها أنت، ويعيش فيها أهلك وجيرانك وأقاربك، ومن في الأرض جميعًا من أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، وهي أن من مات منهم، ولم يخلع ثوب التفرق والمذهبية، مات مشركًا.
هذا عن « عموم » المصيبة، التي يجب أن يُقام لها سرادق للعزاء في كل بيت، وفي كل شارع، أما عن إسقاط أحكام هذه المصيبة على « أشخاص » بعينهم، فأقول: لا، لأنهم قوم يجهلون مصيبتهم، وإلا ما كان هذا هو حالهم، وعلينا أن نُبيّن لهم.
وأكرر قولي: لا نسقط أحكام هذه المصيبة على « أشخاص » بعينهم، لأن هناك أشخاص لا يبصرون ما أكتب، وإذا أبصروا لا يتدبرون، وإذا تدبروا وفهموا وبيّنت لهم يهربون!
والسؤال: هل يُعقل ونحن جالسون في سرادق العزاء، نُبيّن للناس حقيقة مصيبتهم، ونعظهم، أن ننشغل بغيرها؟!
هل يُعقل ونحن جالسون نتلقى العزاء في مصيبتنا، أن يخرج علينا من يشغلنا عن مصيبتنا، بخلافات فرقته مع الفرق الأخرى، أو بأحكام شريعته، وهل النقاب فرض أم سنة، وهل الكلب ينقض الوضوء أم لا؟!
هل يُعقل ونحن جالسون نتلقى العزاء في مصيبتنا، أن يخرج علينا من «يهزر»، أو يضحك «هههههه»، أو يتكلم في موضوع خارج هذه المصيبة، ويشاركه في ذلك صاحب السرادق، فإذا خرج لهم من ينهاهم عن هذا الفعل المشين، قالوا له: « يا عم، رفقا بالقرارير »؟!
إن سرادق العزاء، هو ما يجب أن تكون عليه صفحات المفكرين الإسلاميين على شبكات التواصل الاجتماعي، يدخله كل مسلم من بيته، أو من عمله، وهو يعلم حجم المصيبة التي يعيشها المسلمون.
إن هذا هو مشروعي الفكري، وهذه هي ضوابطه، وصفحتي هذه سرادق للعزاء، لا أقبل فيها ما يقبله الآخرون، فمن أراد أن يدخل هذا السرادق فليلتزم بضوابطه، ثم بعد أن يخرج منه، يذهب إلى حيث يشاء، فمئات الصفحات التي تؤمن بحرية الرأي المطلقة أمامه، والمعجبون بها بالآلاف!
محمد السعيد مشتهري



