

(463) 30/5/2016 (المرجعيات الدينية، ومستقبل الحركات الإرهابية التكفيرية)
عدد المشاهدات : 213
إن التأصيل التاريخي للمرجعيات الدينية، للفرق والمذاهب العقدية المختلفة، يبدأ من عصر التابعين، مع ظهور مدرستين:
الأولى: مدرسة الكوفة، أو العراق
والثانية: مدرسة المدينة أو الحجاز
ولقد كان للكوفة النصيب الأكبر من الثورات حتى سقطت الدولة الأموية، فأصبح لها مكانة سياسية وعلمية.
فهذه مرجعيات فرقة واحدة من الفرق الإسلامية، وهي فرقة أهل السنة والجماعة، انقسمت في عصر التابعين إلى مرجعتين رئيسيتين: أهل الحديث وأهل الرأي، وكل منهما يرفع راية التمسك بـ «الكتاب والسنة»، وبينهما خلاف عقدي تكفيري كبير!
ولقد قامت الحركات الإرهابية التكفيرية على أساس أن مرجعية الإسلام «كتاب وسنة»، مثلها مثل جميع الفرق والمذاهب المختلفة، وأن «السنة النبوية» هي الوحي الثاني المبين والمكمل لأحكام القرآن، وأن الصحابة هم الحلقة الأولى من «السند الروائي».
فإذا ذهبنا إلى هذا «السند الروائي»، وجدنا أن أهل السنة أقاموا مرجعياتهم الحديثية على أساس «عدالة الصحابة»، الذين هم الحلقة الأولى في هذا السند، وأقام الشيعة مرجعياتهم الحديثية على أساس «عصمة الأئمة»، وأصبحت مرجعيات علم الحديث من المقدس الذي يحرم المساس به.
ومن هذه المرجعيات الحديثية انطلقت فتاوى التطرف الديني وسفك الدماء بغير حق، وانتشرت البؤر الإرهابية التكفيرية في معظم دول العالم، لتدافع عن الإسلام، وتقتل الكافرين، وتقيم دولة الخلافة الإسلامية في الأرض، استنادًا إلى هذه المرجعيات الحديثية، وما استنبطه أئمة السلف منها من فتاوى الإفساد في الأرض.
فإذا أردنا تأصيل هذه المرجعيات الحديثية تأصيلا علميا، لنثبت حجيتها كشريعة إلهية، وجدنا أن وجود هذا «السند الروائي» في علم الحديث، هو في حد ذاته شهادة علمية على سقوط حجية علم الحديث من قواعده، وذلك لسبب منطقي:
هل يوجد حديث واحد منسوب إلى النبي بدون «سند روائى»؟! لا يوجد مطلقا! لماذا؟!
لأن هذه «الأحاديث» لم تدوّن في حياة النبي، ولا في حياة الخلفاء الراشدين، ولا حتى في عصر الخلافة الأموية، وإنما دوّنت بعد قرن ونصف القرن من وفاة النبي، لذلك كان لابد أن يكون لها «سند روائي»: روى فلان عن فلان عن فلان…، إلى أن يصل إلى رسول الله!
فهل يُعقل أن تكون هناك مرجعية إلهية تشريعية ثانية، تحمل «سنة نبوية» يكفر منكرها، ثم لا تُدوّن في حياة النبي وتحت إشرافه، كما دُوّن كتاب الله، ويُترك تدوينها لأهواء الرواة والمحدثين، كلٌ حسب مذهبه العقدي والتشريعي؟!
إن مرويات «السنة النبوية»، التي يكفر منكرها، لو كانت حقا وحيا إلهيا، لنُسبت إلى النبي مباشرة من غير سند روائي امتد قرنا من الزمن، وما كنا في حاجة إلى علوم الحديث المذهبية، ولا إلى جرح وتعديل!
إن المنهجية العلمية في البحث والتحقيق، تقوم على طلب البرهان المثبت للحقائق التي يريد الباحث التوصل إليها، « قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ »؟!
فأين البرهان على أن للإسلام مرجعيات دينية للفرق والمذاهب المختلفة، يدعي أئمة كل فرقة أنهم «الفرقة الناجية»، وأن مصادرهم التشريعية هي التي حملت مرويات «السنة النبوية» الصحيحة واجبة الاتباع؟!
أولا: هذه هي القضية الرئيسية التي يجب أن نتوقف عندها كثيرا: «المرجعيات الحديثية المذهبية»إن كل فرقة، وكل مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، يدعون أن مرويات السنة التي صحت عندهم « وحي يوحى »، وبذلك أصبحت من المقدس، فتعالوا نتعرف على جذور هذه الأزمة، من إمام المذهب الأشعري «ت ٣٣٠هـ»، الذي تنتمي إليه مؤسسة الأزهر، من خلال ما أثبته في كتابه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»، حيث قال:
* اختلف الناس بعد نبيهم، صلى الله عليه وسلم، في أشياء كثيرة، ضلل فيها بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين.
* وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين، بعد نبيهم، اختلافهم في الإمامة وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قبضه الله عز وجل، ونقله إلى جنته ودار كرامته، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول، وأرادوا عقد الإمامة لسعد بن عبادة.
* وبلغ ذلك أبا بكر وعمر، رضوان الله عليهما، فقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين، فأعلمهم أبو بكر أن الإمامة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم بقول النبي «الإمامة في قريش»، فأذعنوا لذلك منقادين، ورجعوا إلى الحق طائعين، بعد أن قالت الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير»، وبعد أن جرَّد الحباب بن المنذر سيفه وقال: أنا جُزَيْلها المحكّك، وعذيقها المرجب، من يبارزني؟!، ثم بايعوا أبا بكر، رضوان الله عليه، واجتمعوا على إمامته.
* وكان الاختلاف بعد الرسول في الإمامة، ولم يحدث خلاف غيره في حياة أبي بكر رضوان الله عليه، وأيام عمر، إلى أن وليّ عثمان بن عفان رضوان الله عليه.
* لقد أنكر قوم على عثمان في آخر أيامه أفعالا، كانوا في ما نقموا عليه من ذلك مخطئين، وعن سنن المحجة خارجين، فصار ما أنكروه عليه اختلافا إلى اليوم، ثم قتل رضوان الله عليه، وكانوا في قتله مختلفين، فأما أهل السنة والاستقامة فإنهم قالوا: كان رضوان الله عليه، مصيبا في أفعاله، قتله قاتلوه ظلما وعدوانا، وقال قائلون بخلاف ذلك، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.
* ثم بويع علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، فاختلف الناس في أمره، فمن بين منكر لإمامته، ومن بين قاعد عنه، ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.
* اختلف المسلمون عشرة أصناف: الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والمعتزلة والجهمية والضرارية، والحسينية، والبكرية، والعامة، و”أصحاب الحديث”، والكلابية أصحاب عبد الله بن كلاب القطان.
* فالشيعة ثلاثة أصناف، وإنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليا رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله..، ثم ذكر عشرات الفرق التي تفرعت من هذه الأصناف الثلاثة.
ثم تكل م بعد ذلك، في عشرات الصفحات، عن طائفة الخوارج وأصنافهم، ثم تحدث عن فرق المرجئة، وهم اثنتا عشرة فرقة، ثم عن المعتزلة وفرقها، وعن الجهمية والضرارية والبكرية، والحسينية، والعامة، ثم عن أهل السنة والجماعة، وبيّن بعض المسائل التي يختلف فيها أهل السنة مع الفرق والمذاهب الأخرى.
فإذا نظرنا إلى مذاهب فرقة أهل السنة، وجدنا أن الحنابلة وأهل الحديث يرون أن المذهب «الأشعري» أصلا ليس من مذاهب «أهل السنة»، وإنما هو من المذاهب المبتدعة، كالمعتزلة والخوارج، ولقد قام الإمام الأشعري بالرد عليهم في كتابه «الإبانة عن أصول الديانة»، فقال:
إن قال لنا قائل: «قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون!
قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله عز وجل، وبسنة نبينا محمد، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون»!
لقد توفي أبو الحسن الأشعري في الربع الأول من ا لقرن الرابع الهجري، في عصر كانت تؤمن فيه كل فرقة من الفرق الإسلامية، وكل مذهب من مذاهبها العقدية، أن مرجعية الدين الإسلامي هي «الكتاب والسنة»، فإذا ذهبنا إلى مرجعية «الكتاب» وجدناها كتابا واحدا، أما إذا ذهبنا إلى مرجعية «السنة» وجدناها مئات الكتب، فهل يعقل أن تكون مرجعية «السنة» وحيًا إلهيا، مستقلا بالتشريع عن مرجعية الكتاب؟!
ثانيا: إن المرجعيات الدينية المذهبية، وخاصة المرجعيات الحديثية، تحمل شعلة التفجير، التي تظل كامنة مسالمة، لا تعرف عنفًا ولا إرهابًا، فإذا استخدمت اشتعلت، وحرقت الأخضر واليابس.
إن تجفيف منابع الحركات الإرهابية التكفيرية يجب أن يبدأ بنزع شعلة التفجير عن هذه المرجعيات، وإعلان أنها ليست من المقدس واجب الاتباع.
لقد تخرج على أيدي هذه المرجعيات أمراء الجماعات والحركات الإرهابية، التي أصبحت اليوم تملك من الأسلحة المتقدمة، ما جعلها تتوسع يوما بعد يوم في الإفساد في الأرض!
فهل نجحت المواجهات الأمنية والعسكرية في القضاء على هذه الحركات الإرهابية التكفيرية، أو حتى محاصرتها، وتجفيف منابعها المالية والاقتصادية في العالم، أم ازداد نشاطها واتسع، ليشمل دولا ما كان يُتخيل أن يصل إليها الإرهاب يومًا، ويقوم فيها بمناورات عسكرية؟!
وهل إذا نجحت التحالفات العسكرية الدولية، التي تقودها الدول العظمى، في ضرب الخلافة الإسلامية الداعشية في العراق، وإلقاء القبض على زعيمها، نكون بذلك قد قضينا على الإرهاب؟!
إن التنظيمات الإرهابية ليست هي فقط الظاهرة على السطح، التي أصبحت في مرمى النيران، وإنما هناك خلايا نائمة منتشرة في معظم بلاد العالم، وهي الأشد خطورة!
لقد حارب تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الجيش الروسي في أفغانستان، وقُتل بن لادن، وتوقف نشاط تنظيم القاعدة فترة، ثم بُعث من جديد، وأصبح يوالي ويدعم «داعش»!
وإذا كانت القوى العظمى توظف التيارات والحركات الإرهابية لخدمة مصالحها في المنطقة، فإن ذلك لم يأت من فراغ، فهذه القوى تعلم جيدا تاريخ الإسلام السياسي، والصراع الدموي بين المذاهب العقدية المختلفة، كما تعلم ما في المرجعيات الدينية المذهبية من فتاوى تخاصمية تكفيرية تكفي بتفعيل المسلمين لها، أن تحقق مصالحها في المنطقة!
لذلك لا يكفي مطلقا أن نقاتل البؤر الإرهابية ونقضي عليها، ونترك المرجعيات الدينية التي تحمل فتاوى الإرهاب وشرعية إفساده في الأرض، يتعامل معها الشباب في البيوت والمكتبات والمساجد، وتُقرأ على الناس عبر القنوات الفضائية الدينية!
ثالثا: أين كانت مؤسسة الأزهر، والقنوات الفضائية تبث على العالم أجمع الخطب المنبرية التي تحمل فتاوى الإرهاب، والتطرف الديني، والتخاصم المذهبي، وهل سيشفع لها يوم القيامة، القول بأن هذه مهمة الأجهزة المعنية، وأن مهمتها فقط تقديم التقارير التي تبيّن إشكاليات هذه القنوات؟!
إذن فلماذا لا تتركوا مراكزكم الدينية، من باب اعتزال المنكر، مادامت هذه الأجهزة المعنية لا تستجيب للتقارير التي تُرفع إليها، وأنتم المسؤولون أمام الله أولا وأخيرًا عن ما تبثه هذه القنوات الدينية من أفكار، كان لها أثرها الكبير في تطرف الكثير من الشباب، وانضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية التكفيرية؟!
ثم هل تعلم مؤسسة الأزهر، أن سلاح الإعلام يُعد من أخطر الأسلحة القادرة على تغيير عقائد وسلوكيات شعوب بأكملها، وأن هذه القنوات الدينية توظِّف عاطفة الشعوب الدينية لخدمة توجهاتها العقدية والتشريعية، استنادًا إلى هذه المرجعيات الدينية المذهبية؟!
إن على مؤسسة الأزهر أن تعلن على العالم أجمع، أن هذه المرجعيات تراث بشري، حمل الحق والباطل، ويستحيل أن يحمل وحيا إلهيا، يحمل شريعة نبوية، أمر الله اتباعها.
إن مؤسسة الأزهر تتحمل أمام الله مسؤولية انتشار الفكر الإرهابي التكفيري، الذي شوه صورة الإسلام عالميا، مهما أصدرت من بينات الشجب والإدانة، ومهما شاركت قياداتها في مؤتمرات محاربة الإرهاب، وبيّنت أن الإسلام دين الأمن والسلام..، فكراهية الغرب للإسلام وللمسلمين تزداد يوما بعد يوم، وتتسع دائرتها!
إن المعركة الحقيقية في مواجهة الحركات الإرهابية، في المقام الأول، «معركة أفكار»، ونقض لهذه الأفكار من قواعدها الأصولية، وهي مسؤولية مؤسسة الأزهر، بصرف النظر عن قدسية هذه المرجعيات عند أئمة السلف أو الخلف، فالحق أ حق أن يُتبع.
رابعا: إننا عندما نرفض أن تكون المرجعيات الدينية المذهبية للفرق المختلفة شريعة إلهية، لا يعني هذا أننا ننكر وجود النبي، وأنه كان يتحرك بين الناس، وكان يقود الجيوش لدفع المعتدين، وكان يتصرف بين الناس كبشر مثلهم، وكان يعاتبه الله تعالى ويصحح له..، لأن هذه السيرة العطرة ينطق بها القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!
إننا عندما نرفض أن تكون المرجعيات الدينية المذهبية شريعة إلهية، فهذا لأن هذه الشريعة الإلهية تُحرم التفرق في الدين، وقد جاء هذا التحريم بالدلالة القطعية، في أكثر من آية من آيات الذكر الحكيم، يحذر فيها الله المسلمين من التفرق في الدين، ومنها قوله تعالى:
* « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »
* « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »
* « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
« وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »
فهل قرأ أمراء وقادة الحركات الإرهابية التكفيرية هذه الآيات؟! هل يعلمون معنى قوله تعالى: « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا »؟! وهل يعلمون أنهم من « الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ »، وأن « لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »؟!
والسؤال: هل جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، والمؤسسات الدينية، والجماعات السلفية، والجمعيات الدينية الأهلية، لم يتفرقوا هم أيضا في الدين؟!
وهل الإمام الأشعري لم يكن يعلم، وهو في القرن الرابع الهجري، أن الفرق والمذاهب العقدية التي تحدث عنها في كتبه، قد تفرقت في الدين، وهو القائل عن أحوال المسلمين في عصره: «ضلل فيها بعضهم بعضا، وبَرِئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين»!
ألم يقرأ قوله تعالى مخاطبا النبي والذين آمنوا معه:
« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
فكيف لم تخشع لهذه الآية قلوب أئمة المذاهب العقدية المتصارعة في عصر الإمام الأشعري، ولو أنها خشعت، لخلعت ثوب التفرق في الدين، وما تخاصموا، وما تقاتلوا، إلى يومنا هذا!
خامسا: إن الاستعداد النفسي للتطرف الديني، والإصرار على التفرق في الدين، موجود في قلوب أتباع المذاهب العقدية المختلفة، بسبب أزمة التخاصم والتكفير التي حملتها لهم مرجعياتهم الدينية، وحملها أئمتهم وشيوخهم!
واقرؤوا تاريخ الفرق والمذاهب الإسلامية، والجمعيات الدينية الأهلية، لتعلموا أنه يستحيل أن تتنازل مؤسسة دينية، رسمية أو غير رسمية، ولا تيار من التيارات المتشددة وغير المتشددة، عن مرجعياتها، وإلا سقطت مذاهبها العقدية والتشريعية من قواعدها!
ولا يغرنك ما يدعيه أئمة كل مذهب بأن مذهبهم خارج دائرة التطرف، وأنه يحمل «الوسطية الإسلامية» للناس، لأنك إذا قمت بدراسة تاريخ الصراع العقدي بين هذه المذاهب المختلفة، لوجدت من الفتاوى التخاصمية التكفيرية ما يكفي لإقامة عشرات التنظيمات «الداعشية»، ولكن الفرصة لم تأت لأتباع هذه المذاهب بعد!
ولذلك أقول: لمصلحة من تسمح الحكومة المصرية للجمعيات الدينية الأهلية بممارسة الأنشطة الاجتماعية والخدمية والتجارية، ذات الطابع الجماهيري، بما يقوي نفوذها الدعوي والسياسي بين الناس، حتى أصبح لديها من الإمكانيات المادية، ومن المشاريع التجارية الكبيرة، ومن التعاطف الشعبي، ما أصبح يُشكل خطورة على أمن البلاد والعباد، وهي أصلا شعلات تفجير كامنة، وتاريخ الإسلام السياسي خير شاهد على ذلك؟!
لماذا لم نتعلم الدرس؟!
ألم يتحالف أتباع الجماعات الإسلامية، والجمعيات الدينية الأهلية، مع المنظمات الإرهابية، على مر العصور، ووقفوا جميعا صفًا واحدًا في مواجهة العدو المشترك، ثم بعد أن تحقق لهم النصر، اشتعلت أزمة التخاصم والتكفير بينهم، وتمسكت كل طائفة بمرجعياتها الدينية، وبفتاوى التكفير، وسُفكت الدماء بغير حق، وما أفغانستان منا ببعيد؟!
هل يُعقل أن ندعو إلى محاربة الحركات الإرهابية التكفيرية، وجميع المؤسسات الدينية، الرسمية وغير الرسمية، هي التي تقوم على حراسة المرجعيات الدينية التي يستند إليها المفسدون في الأرض، وعلى مرأى ومسمع من الأنظمة الحاكمة؟!
لقد باع المسلمون إسلامهم، واشتروا بثمنه تخلفا وتفرقا في الدين، وإرهابا وإفسادا في الأرض، ومصادر تشريعية يُكفر فيها بعضهم بعضا، وكانت النتيجة: أن يصبح «داعش» قوة تهدد القوى العظمى، ويعمل لها العالم ألف حساب!
إننا في أشد الحاجة إلى مؤسسة علمية «غير مذهبية»، يعمل بها علماء من كافة التخصصات العلمية، تعكف على دراسة القرآن وتدبر آياته، بعيدا عن المرجعيات الدينية المذهبية، وتخرج للعالم بالفهم الصحيح للإسلام، ولأحكام شريعته التي نزلت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، استنادا إلى قوله تعالى يقول:
الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
محمد السعيد مشتهري

(464) 1/6/2016 (القرآن مدرسة علمية، تُخَرِّج علماء)
عدد المشاهدات : 237
وأقصد بـ (العالم)، في مشروعي الفكري، هو الإنسان الذي تعلم شيئًا بالبراهين العلمية الدالة عليه، ودرسها وفهمها فهما واعيا، وإن لم يكن هو الذي استخرجها وأثبت حجيتها، ولو كان هذا الشيء هو آية قرآنية واحدة، بعد أن تدبر سياقها، وما إذا كان هناك تفصيل (أو تقييد) لها في مواضع أخرى.
صديقي العزيز محمد السعيد، وضع التعليق التالي على المنشور السابق «اللهم بلغنا رمضان»:
« وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »
ثم علق بعدها بقوله: (حنانيك ،،، يا دكتور)
ولأن استدلاله بهذه الآية القرآنية جاء في غير موضعه، لأن الآية تتحدث عن المشركين الكافرين ببعثة النبي الخاتم، عليه السلام، وصديقي ظن أنها تتحدث عن المسلمين، وفهم (كما هو قول السلفيين) أن الله لن يعذب المسلمين والرسول فيهم، أي وسنته النبوية فيهم…، لذلك أردت أن أرد على هذه الشبهة بمنشور خاص كي تعم الفائدة.
أولا: قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »
لقد جاءت هذه الآية (٣٣ من سورة الأنفال) في سياق الحدي ث عن موقف المشركين من بعثة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، هؤلاء الذين وصل بهم الكفر والاستهزاء بالنبي وبرسالته، أن دعوا الله الذي يشركون به أصلا، فقالوا في الآية قبلها (٣٢):
« وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»
تدبر قولهم « أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ »، الذي جاءت الآية (٣٣) تعقب عليه.
وهنا تأتي أهمية أن يكون (العالم) الناقل للمعلومة القرآنية، على دراية كاملة بالموضوع الذي ينقله، حتى لا يرتكب معصية، ليست ككل المعاصي، لأن التقول على الله بغير علم جريمة كبرى!!
فعلى سبيل المثال، قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »، يجب أن يُفهم في إطار قوله تعالى مخاطبا الكافرين المشركين:
« وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ ( وَفِيكُمْ رَسُولُهُ )»
ثانيا: إن قوله تعالى لرسوله: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »، أي « وَأَنتَ فِيهِمْ »، أي أن فاعلية هذه الآية قد انتهت بموت النبي.
والذي يقول إن المحدثين الذين نقلوا المرويات المنسوبة إلى النبي، قد أخذوا مكان النبي، فقد كفر بالله تعالى.
ثالثا: قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »
هنا تأتي أيضا أهمية أن يكون (العالم) الناقل للمعلومة القرآنية على فهم واع لسياق الآية التي يستدل بها، فإذا لم يفهمه عليه إلا ينقلها إلى غيره حتى يسأل عنها ويفهما.
فعلى سبيل المثال، قوله تعالى: « وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »
فهل المشركون مؤمنون أصلا، حتى يطالبهم الله تعالى بالاستغفار؟!
إن فهم القرآن يحتاج إلى تعليم ودراسة، وهذه كانت مهمة الرسل، يُعلّمون الناس كيف يقرؤون آيات الله ويتدارسونها بينهم، فالله تعالى يقول:
« مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ »
« ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ »
« وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ »
« بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ »
ومما يجب أن يتعلمه متدبر القرآن، المستنبط لأحكامه، علم اللسان العربي، وعلم «البيان» المتفرع عنه، ومنه ما يُسمى بالكناية العرضية، والتي نفهم عن طريقها:
أن الاستغفار الوارد في قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »، عندما يأتي في سياق الحديث عن أحوال الكافرين المشركين، ومعلوم أنه لا يستغفر الله إلا المسلمون، إذن فقد جاء طلب الاستغفار لبيان القاعدة العامة للجزاء:
أن الاستغفار يجب أن يسبقه توبة من المعاصي، وفي مقدمتها الشرك بالله، وأن هذه التوبة تدفع العذاب، أي وما كان الله معذبهم لو أنهم استغفروا.
ومما تقدم علينا أن نعلم، أن المسلم لا يبقى على إسلامه إذا أصر على ارتكاب السيئات دون توبة واستغفار.
وما أنا يا صديقي العزيز إلا (عالم)، أعلم ما أنقله لكم، لذلك لم أجد لجملة (حنانيك ،،، يا دكتور) محلا من الإعراب، وكان من المفترض أن يكون تعليقك على المنشور بعد أن (تعلم) سياق الآية التي قمت بالاستدلال بها، وظننت أنها تخاطب المسلمين، وبالتالي وجدتني أقسوا عليهم، فقلت: (حنانيك ،،، يا دكتور)!!
محمد السعيد مشتهري
(465) 5/6/2016 ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )
عدد المشاهدات : 226
لقد كان العرب، الذين نزل القرآن يخاطبهم بلسانهم العربي، في عصر التنزيل، يعلمون ما يحدث في الكون من ظواهر كونية، لأنه يستحيل أن يخاطبهم الله تعالى بما لا يعلمون عنه شيئًا، وهو القائل: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ».
والغريب أن هناك من يريدون فهم هذه الظواهر الكونية، بنفس الطريقة التي فهمها العرب في عصر التنزيل، بمجرد رؤيتها بالعين المجردة، ثم يدّعون أنهم يقرؤون القرآن قراءة معاصرة!
وهناك من يفهمون قول الله تعالى: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»، بمعنى ثم أتموا الصيام إلى ظلمة الليل، أي عندما يختفي آخر ضوء للنهار عند «غسق الليل»، ويقولون إن مَن أفطر قبل دخول ظلام الليل فقد فسد صومه!
لذلك لزم البيان:
أولا: الليل والنهار في اللسان العربي
لقد أجمعت معظم معاجم اللسان العربي، على أن الليل مبدؤه من غروب الشمس، عند غياب حافة قرص الشمس عن الأفق، وينتهي عند تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وأن النهار مبدؤه تبين الخيط الأبيض، وينتهي عند غروب الشمس. [راجع ابن منظور في لسان العرب، والزبيدي، في تاج العروس، والراغب في مفردات القرآن]
ثانيا: الرؤية الفلكية لآية اختلاف الليل والنهار
هناك حقائق فلكية، يجب أن يعلمها من أراد قراءة القرآن قراءة عصرية، باعتباره الآية الإلهية المعاصرة لنا اليوم، وهذه الحقائق هي:
١- فيزياء الليل: إن الأصل في هذا الكون الظلمة، وقد نشأت عن المادة السوداء التي خُلق منها الكون، وهذه المادة هي العامل الثابت الذي لا يتغيَّر، أما العامل المتغير فهو ضوء الشمس، الذي يصل إلى الأرض عبر طبقات الغلاف الجوي، ولولا وجود هذا الغلاف الجوي، ما وُجد «النهار»، فالقمر يَسقط عليه ضوء الشمس مباشرة، ولا يوجد عليه نهار لعدم وجود غلاف جوي يحيط به.
٢- فيزياء النهار: النهار طبقة رقيقة، تحيط بنصف الكرة الأرضية المقابل للشمس، وتتكون من ألوان الطيف السبعة: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، البنفسجي، وعندما تكون الشمس عمودية، يقوم الغلاف الجوي بتشتيت لون الطيف «الأزرق»، فتبدو السماء زرقاء، وعند الغروب يقوم بتشتيت اللون «الأحمر»، فيظهر الأفق بلونه المائل إلى الحمرة.
٣- فيزياء الغلاف الجوي: وهو المسؤول عن تنظيم الأشعات الحرارية والضوئية القادمة من الشمس إلى الأرض، ومنها أشعة «النهار» بطبقاتها ودرجاتها الضوئية المختلفة، والتي ظن البعض أن ضوءها نهار، وهو في الحقيقة «الشفق المسائي» الذي يظهر مع غروب الشمس، مع بداية الليل.
٤- فيزياء الشمس: الشمس هي أقرب نجم إلى الأرض، ويحيط بها السواد من كل جانب، فتراها عبارة عن ضوء موجود وسط مادة سوداء، يُخرج أشعة متوازية، ثم تنكسر عند عبورها طبقات الغلاف الجوي، مخترقة ظلمة الأرض، ونتخيَّل «لمجرد تقريب الفكرة» أن هذه الأشعة تخترق الغلاف الجوي على هيئة «مخروط ضوئي»، على النحو التالي:
عند غروب الشمس، تظهر قاعدة «المخروط الضوئي» عند ظهور الشفق المسائي، لح ظة اختفاء الحافة العلوية لقرص الشمس من الأفق الغربي، حيث يبدأ الليل، ويحين وقت صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
ثم يتلاشى ضوء النهار تدريجيا من الأفق، ويحل ظلام الليل «غسق الليل»، ويحين وقت صلاة العشاء، عندما يكون رأس المخروط أسفل الأفق الغربي، بمقدار ١٨ درجة قوسية.
قصدت أن نتخيل هذا «المخروط الضوئي»، لأن الخلاف حول تعريف الليل الذي عنده يفطر الصائم، ناتج عن غياب عمل هذا المخروط، ولذلك سأحاول بيانه بمثال.
نتخيل أن هذا المخروط الضوئي عبارة عن مثلث مضيء، موضوع على لوحة سوداء نتخيل أنها الأرض، وتكون قاعدة المثلث على الحافة السفلى لهذه الوحة، لتمثل لحظة غروب الشمس، وتكون رأس المثلث وسط هذه اللوحة.
إننا كلما سحبنا المثلث تدريجيا إلى أسفل، سيحل السواد تدريجيا محل الضياء الصادر عن رأس المثلث، حتى تصبح اللوحة سوداء مرة أخرى، وهكذا نفهم قوله تعالى: «وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ، نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ، فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ».
وعلى العكس تماما، إذا وضعنا رأس المثلث على الحافة السفلى للوحة، واعتبرنا أن هذه النقطة هي نقطة تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم حركناه إلى أعلى، سيحل الضياء محل السواد تدريجيا، حتى تصل قاعدة المثلث إلى حافة اللوحة، فإذا اعتبرناها قرص الشمس، فعندها يكون شروق الشمس.
يتضح مما سبق، أن «ضياء» النهار، و«ظلمة» الليل، لا يظهران للناس فجأة، ولكن بصورة تدريجية، ومتداخلة، ومتعاقبة، فإذا كان القادم هو «الليل»، سميت أول نقطة عند تداخله مع النهار «ليلًا»، وذلك عند غروب الشمس، وإذا كان القادم هو «النهار»، سميت أول نقطة عند تداخله مع الليل «نهارًا»، وذلك عند تبين «الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ».
وإن الضوء الأبيض الذي نراه أسفل الصورة، الخاصة بالكرة الأرضية، هو ضوء الشمس، الذي نراه يتلاشى تدريجيًا حتى نصل إلى أول نقطة مضيئة في هذه المنطقة، والتي عندها يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، حيث يكون قرص الشمس (فلكيًا) أسفل الأفق الشرقي لهذه المنطقة بمقدار ١٨ درجة قوسية، ومع تحرك هذه المنطقة نحو الأفق الشرقي، تظهر حافة قرص الشمس العلوية، حيث تشرق الشمس، ويصبح ضوء النهار جليًا.
ثالثا: تأتي كلمة «الليل»، بالمفهوم العام الذي يقابل «النهار»، وذلك في سياق بيان «دلائل الوحدانية»، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة:
«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ … لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»
وقول الله تعالى في سورة الفرقان:
«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً، لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً»
إن اختلاف الليل والنهار آية من الآيات الكونية، تحمل آيات وآيات، ولذلك يستحيل حصرها في ظلمة الليل، وضياء النهار.
لقد جعل الله «اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً»، يخلف أحدهما الآخر، وذلك نتيجة كروية الأرض، ودورانها حول محورها أمام الشمس، بصورة متعاقبة متناغمة، ولولا هذا الدوران، وهذا التعاقب، لأصبح الجزء المواجه للشمس نهارا دائما، والآخر ليلا دائما.
ويقول الله تعالى في سورة القصص:
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ»؟!
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ»؟!
نلاحظ في سياق الآية الأولى، استخدام «الضياء» في مقابل «الليل»، وفي الثانية استخدام «الليل» في مقابل «النهار»، والآيتان في سياق الحديث عن دلائل الوحدانية.
ذلك أن الأصل في الوجود «الظلمة»، فأراد الله بيان نعمة خلق الشمس، وأن بدونها تظل الأرض في ظلمة دائمة، «سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، فخلق الشمس، وجعلها مصدر الضياء: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً»، لذلك جاء في الآية الأولى بـ «الضياء» في مقابل «الليل»، في سياق الحديث عن نعم الله التي لا تحصى.
أما في الآية الثانية، فذكر «النهار»، لبيان الدور الذي تقوم به الشمس في إنشاء ظاهرتي الليل والنهار، فالليل أصلا لا يغطي الشمس، وإنما الذي يغطيها نصف الكرة الأرضية المقابل لها، فيكون نهارا في الوقت الذي يكون فيه النصف الآخر ليلا، لذلك جاء بـ «الليل» في مقابل «النهار».
ويقول الله تعالى في سورة الإسراء:
«وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ، وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً، لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ، وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»
وأيضا جاء الليل والنهار بالمفهوم العام الذي يعلمه كل إنسان، وهو الظلمة والضياء، فقال تعالى عن آية النهار أنها «مُبْصِرَةً»، ولكن هل هذا الإبصار يظهر فجأة، أم خلال مساحة زمنية تمت فيها عملية محو آية الليل، وجعل آي ة النهار مبصرة، بصورة تدريجية؟!
رابعا: وتأتي كلمة «الليل» باعتباره ظاهرة كونية، تأخذ مساحة زمنية مرتبطة بحركة دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، تقابلها مساحة زمنية تتداخل معها، وهي النهار، وذلك في سياق بيان أحكام الصلاة والصوم.
وهذا ما أحدث اللبس عند البعض، الذين لم يفرقوا بين السياق الذي جاء يتحدَّث عن دلائل الوحدانية، من خلال بيان المفهوم العام لليل والنهار، والسياق الذي جاء يتحدَّث عن أحكام الشريعة، من صلاة وصيام، والذي تعامل مع الليل والنهار باعتبارهما من الظواهر الكونية المتداخلة، التي تحمل درجات من ظلمة الليل، ودرجات من ضياء النهار، عرفها العرب بأسمائها، كما يعرفها اليوم علماء الفلك، وهي ظواهر: الانسلاخ، والإيلاج، والتغشية، والتكوير.
١- الانسلاخ:
يقول الله تعالى: «وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ»
إن ظاهرة «الانسلاخ»، تكشف الليل الذي كان يغطيه ال نهار، وهي تحدث تدريجيا، وكل مكان ينسلخ منه النهار يصبح ليلًا، حتى ينتهي آخر ضوء للنهار: «فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ».
إننا إذا قمنا بتصوير عملية سلخ جلد الشاة بتقنية حديثة، وشاهدنا هذا الفيلم بالسرعة البطيئة، سنرى أثناء عملية «الانسلاخ»، أن هناك جزءًا بين الجلد واللحم، لا يمكن أن نسميه جلدًا، ولا يمكن أن نسميه لحمًا، ولكن يمكن أن نسمي الجزء القريب من الجلد جلدًا، والجزء القريب من اللحم «لحمًا».
وهذا ما يحدث تماما بالنسبة لانسلاخ النهار من الليل، فالليل «الظلمة» موجود أصلًا في الكون، ثم يأتي النهار «الضياء» فيغطيه تدريجيًا، ويستحيل فلكيًا وعمليًا أن نرى النهار ينسلخ من الليل مرة واحدة!
إذن فهناك مساحة زمنية بين انسلاخ النهار عند غروب الشمس، وتمام عملية الانسلاخ عند غسق الليل، يستحيل أن نسميها نهارًا، لأن هذا معناه أن نسمي ما بعد الفجر إلى شروق الشمس، ليلًا!
٢- الولوج:
يقول الله تعالى: «يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ»
إن «الولوج» يعني إدخال الشيء في غيره، فالنهار يدخل في الليل، والليل يدخل في النهار، ولاحظ أنه منذ اللحظة الأولى سمى الله الداخل «نهارًا»، وهو يتحدَّث عن بداية الضياء، وسمى الخارج «ليلًا»، وهو يتحدث عن بداية الظلمة، لأن السياق يتحدث عن دلائل الوحدانية.
أما عن تفصيل عملية «الولوج» كظاهرة كونية تأخذ مساحة زمنية، فإنها تبدأ عند اختفاء الحافة العلوية لقرص الشمس، من الأفق الغربي، وذلك عند غروب الشمس، وتستمر حتى يتلاشى ضوء النهار كلية عند «غسق الليل».
ثم تظهر مرة أخرى عند تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، في الأفق الشرقي، وتستمر حتى ظهور الحافة العلوية لقرص الشمس عند شروقها، وعندها يكون «الليل» قد انسحب تماما، وظهر «النهار» بوضوح.
٣- التغشية
يقول الله تعالى: «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً»
إن «التغشية» تعني التغطية والستر، وسمى الله فاعل الإغشاء «نهارًا»، وسماه «ليلًا»، لبيان أن كليهما يصلح أن يكون غاشيًا ومغشيًا، وليس مُزيحًا للآخر، لأن الأصل هو ظلمة الكون، ثم يأتي ضياء الشمس فيخفيها.
لذلك وقع الليل والنهار مفعولَين في حالة نصب: «اللَّيْلَ النَّهَارَ»، فالنهار يغشي الليل، ويحل محله، والليل يغشي النهار، ويحل محله، يطلب كل منهما الآخر طلبا «حَثِيثاً»، أي جادًا سريعًا، كناية عن تعاقبهما بلا فاصل.
٤- التكويريقول الله تعالى: «يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ»
إن عملية «التكوير» تثبت حقيقة فلكية، أن الليل والنهار يتخذان الشكل الكروي للأرض، وذلك بصورة دائمة، متعاقبة، متصلة، وهذا معناه أن هناك مساحة زمنية، لا يكون فيها الليل مظلمًا كليةً، ولا النهار مضيئًا كلية.
ومما سبق نعلم أن غياب الفهم الواعي لطبيعة المساحة الزمنية المتداخلة بين الليل والنهار، هو الذي أحدث اللبس عند البعض ف ي تعريف ميقات الليل الذي يفطر عنده الصائم.
خامسا: الشفق المسائي والشفق الصباحي
إن «ضياء» النهار، و«ظلمة» الليل، لا يظهران فجأة للناس، وإنما بصورة تدريجية، ومتداخلة، ومتعاقبة، وعندما يحدثنا السياق القرآني عن هذا التداخل بين الليل والنهار، فإنه يحدثنا عن شيء يشاهده الناس بأعينهم، وليس عن تفاصيل ما يحدث في الفضاء الخارجي.
إن اختلاط ضوء النهار مع ظلمة الليل، أثناء عملية التداخل بين الليل والنهار، يجعلنا لا نرى أثناء حدوث هذا التداخل نهارًا ولا ليلًا، وإنما نرى درجة من درجات النهار، ودرجة من درجات الليل.فإذا كان القادم ليلًا، وذلك عند غروب الشمس، سميت درجة الإضاءة الموجودة بالأفق، بـ «الشفق المسائي»، وهي أول درجة من درجات الليل، وهي ليست من النهار.
وإذا كان القادم نهارًا، وذلك مع ظهور الخيط الأبيض من الفجر، سميت درجة الظلمة الموجودة بالأفق، بـ «الشفق الصباحي»، وهي أول درجة من درجات النهار، وهي ليست من الليل.
سادسا: إن المساحة الزمنية الناتجة عن عملية التداخل بين الليل والنهار، تُسفر عن ليل ليس بظلام، وعن نهار ليس بضياء، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى، في سياق بيان مواقيت الصلاة:
«أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً»
إن قوله تعالى: «إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»، يُبيّن أن هناك درجات من الليل، تصل إلى تمام الظلمة، حتى انتهاء ظواهر: الانسلاخ، والإيلاج، والتغشية، والتكوير، وهذا الظلمة هي التي عبر عنها القرآن بكلمة «الغسق»، وهذا معناه أن «غسق الليل» غير «الليل»، ولو أراد الله أن تمتد فترة الصيام إلى ظلمة الليل، لقال تعالى: ثم أتموا الصيام إلى «غسق الليل»، وليس إلى «الليل»!
سابعا: لقد حدد علماء الفلك، بالاستعانة بتقنيات حديثة لقياس حساسية الضوء، أن أول ضوء يصل من الشمس إلى الأرض قبل شروقها، والذي أطلق عليه القرآن «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ»، يظهر عندما يصبح قرص الشمس تحت الأفق الشرقي بمقدار ١٨ درجة قوسية.
وفي المقابل، يبدأ الليل مع غروب الشمس، ثم يتلاشى ضوء النهار تدريجيًا حتى يختفي آخر ضوء، عندما يصبح قرص الشمس تحت الأفق الغربي بمقدار ١٨ درجة قوسية، وهو ما عبر عنه القرآن بـ «غسق الليل».
إن الحديث عن وجوب تبين: «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»، كميقات يبدأ عنده الصيام، يعني أن هذا الميقات لا يرتبط بالمفهوم العام لليل والنهار، وإنما بالعلامات الفلكية التي تحدث أثناء فترة تتداخل الليل مع النهار، والنهار مع الليل، والتي ارتبطت مواقيت الصلاة والصيام بها.
لذلك فإن قوله تعالى بعدها: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»، يعني صياما متصلًا غير متقطع، ينتهي عند أول نقطة تظهر من «الليل»، وليس إلى «غسق الليل»، باعتبار أن الليل يبدأ مع اختفاء آخر نقطة من قرص الشمس عن الأفق، وعندها ينتهي الصيام.
وتتساوى دائما الفترة ما بين أول ضوء وشروق الشمس، وما بين غروب الشمس وآخر ضوء، في المكان الواحد، وتختلف مدة طول هذه الفترة باختلاف خطوط الطول والعرض، واختلاف الفصول، حسب موقع المكان على الكرة الأرضية.
إنه بدون منهجية علمية، تحمل أدوات لفهم القرآن، سنقرأ القرآن قراءات عصرية شاذة، نُضيّع معها الفهم الواعي لآيات الذكر الحكيم، ثم نخرج بمنظومة من الأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، فيضل سعينا ونحن نحسب أننا نحسن صنعا!
«اللهم بلغنا رمضان»
تنتشر هذه الجملة على شبكات التواصل الاجتماعي بصورة جعلتني أتوقف عندها كثيرًا.
إننا عندما لا نفهم معنى الدعاء الذي ندعوا به ربنا، فهذا جهل عظيم.
إن الذين ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر، ظنا منهم أنه شهر تكفير ما تقدم من السيئات استنادًا إلى رواية منسوبة إلى النبي، في أصح كتب المرويات تقول: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » هؤلاء ضلوا صراط ربهم المستقيم!
إن الله تعالى لا يغفر الذنوب بـ «الجملة»، إلا في حالة إسلام الكافر، الذي تُفتح له صفحة جديدة، لأنه عز وجل هو الذي وضع القانون العام للحساب في الآخرة:
« بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ »
إنه كلام الله تعالى، الذي نفهم منه: أن المسلم الذي لم يتب من معصيته، وتراكمت عليه سيئاته، حتى دخل عليه شهر رمضان، ماذا سيفعل معه شهر الصوم، وعليه أن يدخل في الإسلام أولا، لقوله تعالى: « فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ »؟!
محمد السعيد مشتهري
ملاحظة هامة:
أعلم أن من أصحاب القراءات العصرية، من أقاموا مشاريعهم الفكرية على قاعدة:
«خالف تُعرف، وتُصبح نجمًا، يتبعك آلاف المعجبين»
لذلك نراهم يبحثون دائما عن أي جديد وشاذ، يُفجِّرونه بين الناس، حتى وإن خالف الشريعة القرآنية.
ولقد أثار هؤلاء في العام الماضي، على هذه الصفحة، جدلًا عقيمًا عند مناقشة موضوع هذا المقال، وذهبوا يمينًا ويسارًا، وشرقًا وغربًا، وماذا سيفعل المسلم الذي يعيش في نهار «٢٠» ساعة، أو في نهار «٦» أشهر…، وكلها مسائل خاصة جدا، تُبحث أحكامها في المراكز الإسلامية العالمية المعنية بمناقشة إشكاليات الجاليات المسلمة الموجودة في هذه الدول.
ولكن الغريب، هو استغلالهم هذه الشبهات للطعن في عالمية القرآن، وأنه رسالة الله للعالمين، فيريدون أن ينظروا في المصحف، فيجدون الآيات التي تتحدث عن مواقيت الصلاة والصيام في المناطق التي يعيشون فيها، وإلا سقطت عالمية القرآن!!
يقولون هذا، لأنهم يجهلون المنهجية العلمية التي يستحيل فهم القرآن بدونها، والأدوات اللازم الاستعانة بها لاستنباط أحكامه!
فهل يُعقل أن يعيش مجموعة من المسلمين في غواصة تحت الماء، أو في منجم تحت الأرض، أو فوق سطح القمر، ثم يريدون أن يفتحوا المصحف، فيجدوا الآيات التي تبين لهم مواقيت صلاتهم وصيامهم في هذه المناطق، وإلا ما كان رسالة عالمية!!
وعندما يعجزون عن مواجهة البراهين القرآنية، يقولون: (وفيها إيه يعني لما المسلم يأخر إفطاره شوية)؟!
ولأنهم تربوا على العشوائية الفكرية، لا يعلمون أنهم بذلك يتقولون على الله بغير علم، لأنهم لا يملكون دليلا قرآنيا واحدا على ما يدّعون.
أما إذا كان تأخير الإفطار لعذر، والصائم يؤمن إن موعد إفطاره عند غروب الشمس، فهذا لا شيء عليه.
لذلك أرجو أن يكون التعليق على موضوع مقال اليوم حول الآيات القرآنية التي وردت فيه، «فقط»، فقد درست جميع الآيات المتعلقة بهذا الموضوع، وأعلم جيدًا علاقتها بالمحاور الرئيسية التي وردت في المقال.
وفي حالة عدم الالتزام بالموضوعية، وبالشروط التي ذكرناها أكثر من مرة، والخاصة بالتعليق على هذه الصفحة، وأهمها الابتعاد عن الكلام المرسل…، سأضطر آسفا إلى إلغاء صداقة صاحب التعليق.
محمد السعيد مشتهري

(466) 5/6/2016 (ليس من الإسلام التقول على الله بغير علم)
عدد المشاهدات : 196
إن كاتب هذا المقال قضى ثلاث سنوات، في أوائل التسعينيات، في بحث مواقيت الصلاة والصيام، مع علماء من المراصد الفلكية في مصر والإمارات العربية..، لماذا؟!
لأن مشروعه الفكري، يقوم أساسا على منهجية علمية، تحمل أدوات لفهم القرآن، ويرى وجوب الاستعانة بأهل التخصصات العلمية المختلفة، لبيان ما يتعلق بالإشارات العلمية التي وردت في القرآن، سواء كانت تتعلق بعلم الفلك، أو بغيره من العلوم المختلفة.
ولذلك عندما أردت أن أقف على مفهوم الليل، والنهار، والفرق بين الليل وغسق الليل، وكيف نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر..، ذهبت إلى المتخصصين، ولم أعتمد على فهمي وتدبري ل آيات الذكر الحكيم، لأن هذه هي المنهجية العلمية التي أقمت عليها مشروعي الفكري.
وهذا المقال « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »، خلاصة هذه الرحلة العلمية القرآنية الفلكية.
والجديد الذي أتيت به هو:
أن كلمة «الليل»، أو كلمة النهار، إذا جاءت في سياق الحديث عن دلائل الوحدانية، جاءت بالمفهوم العام الذي يعلمه كل الناس، وهو الظلمة، وكذلك كلمة «النهار» جاءت بمعنى الضياء، وقد أتيت بالأمثلة المبينة لذلك.
وأضيف لها علشان خاطر أحد الأصدقاء، قوله تعالى في سياق الحديث عن إبراهيم عليه السلام، وبحثه عن دلائل الوحدانية:
«فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ»
ولذلك قلت في المقال:
«وهذا ما أحدث اللبس عند البعض، الذين لم يفرقوا بين السياق الذي جاء يتحدَّث عن دلائل الوحدانية، من خلال بيان المفهوم العام لليل والنهار، والسياق الذي جاء يتحدَّث عن أحكام الشريعة، من صلاة وصيام..، والذي تعامل مع الليل والنهار باعتبارهما من الظواهر الكونية المتداخلة، التي تحمل درجات من ظلمة الليل، ودرجات من ضياء النهار، عرفها العرب بأسمائها، كما يعرفها اليوم علماء الفلك، وهي ظواهر: الانسلاخ، والإيلاج، والتغشية، والتكوير».
والحقيقة أني لم أجد في التعليقات التي وردت على هذا المقال، من الأدلة العلمية الني تستحق الرد عليها، للأسف الشديد، خاصة وأني قد طلبت من الأخوة الأصدقاء، في «الملاحظة الهامة»، الابتعاد عن الكلام المرسل الذي ليس عليه دليل.
لذلك أقول:
لو سمحتم إلي عنده «عالم فلك»، يطلب منه التعليق بنفسه على هذا المنشور، وكفانا عشوائية، وتقوّل الله بغير علم!!
محمد السعيد مشتهري
(467) 7/6/2016 «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ»
عدد المشاهدات : 212
لقد بعث الله تعالى نبيه الخاتم محمدًا في بيئة جاهلية اعتادت على أنماط من السلوك المنحرف عن صراط الله المستقيم، وكان يصعب اقتلاع جذورها وتغييرها وتخليهم عنها دفعة واحدة.
لقد كان من الحكمة أن يقوم التغيير على أساس الامتثال لأحكام الشريعة الإلهية بصورة تدريجية، يراعى فيها ظروف هذا الجيل الأول من المسلمين، الذين انتقلوا من بيئة الشرك إلى الوحدانية بمجرد قرار إيماني.
من أجل ذلك لم ينزل القرآن دفعة واحدة، وارتبط نزوله بحكمة التشريع الإلهي، فلم يُحرم الجمع بين المرأة وأختها في نكاح واحد، وترك المسلمين على ما هم عليه، ثم نزل التحريم، فكان يوجد في عصر التنزيل من جمع بين الأختين، وفي نفس الوقت من يحرم عليه الجمع بين الأختين، «إلى يوم الدين»، لقوله تعالى في سياق الحديث عن المحرمات من النساء:
«وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ»
والأمثلة على مسألة التدرج التشريعي كثيرة، وأهمها التدرج في تصفية الرق.
والذي يهمنا بيانه، في سياق الحديث عن أحكام الصيام، هو قوله تعالى:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ…»
والسؤال: من هم الذين «علم الله أنهم كانوا يختانون أنفسهم، فتاب عليهم»؟!
هم الجيل الأول من المسلمين، الذين انتقلوا من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي، وعاشوا في عصر التنزيل واكتمال الدين، في إطار منظومة التدرج التشريعي.
وخيانة النفس أن توقعها في المعصية، يُفهم من ذلك أنهم كانوا يخالفون أمر الله في حكم إتيان النساء في شهر الصيام، فتاب الله عليهم، ونزلت الآية تحدد أن إتيان النساء لا يحل إلا في فترة الليل: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ».
وهؤلاء هم أيضا الذين خاطبهم الله تعالى «في المقام الأول»، بقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ، فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ، وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ، إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
إن قوله تعالى: «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ»، يبين لنا كيف كانت منظومة التدرج التشريعي تتعامل مع هذا الجيل ا لأول من المسلمين، فلم يقل لهم شهرا كاملا متواصلا، تطمينا لنفوسهم، ولبيان أنه لا مشقة عليهم في هذه الفريضة، وخيرهم بين الصوم والفدية، فمن شاء صام، ومن شاء أطعم، مع بيان أن الصوم لهم أفضل:
«وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ، وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ، إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
ثم نزل بعد ذلك التشريع النهائي، الذي حدد أيام الصوم، وألغى حكم التخيير لانتهاء الغرض من تشريعه، فقال تعالى:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
إن قوله تعالى: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»، جعل الصوم فريضة على كل مسلم لا خيار له فيها، ولذلك لم يأت في سياق هذه الآية بحكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، وإنما جاء مكانها بقوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ».
إن قوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، جاء مكان «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، وبعد قوله تعالى: «وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، وذلك لبيان:
١- أن قوله تعالى: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» للمريض والمسافر اللذان يستطيعان صيام هذه الأيام بعد انتهاء شهر رمضان.
٢- أما المريض الذي لا يُرجى شفاؤه فهذا لا شيء عليه.
٣- والذي يؤدي عملا من طبيعته بذل الجهد الشاق، وصيامه يؤثر على أدائه لهذا العمل، فهذا في حكم المريض، يدخل في حكم: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
٤- وا لذي يؤدي عملا مستديما من طبيعته بذل الجهد الشاق، وصيامه يؤثر على أدائه لهذا العمل، فهذا في حكم المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، فلا شيء عليه.
مع ملاحظة أن مسألة «الناسخ والمنسوخ»، من المسائل المفتراة على كتاب الله، ولا علاقة لها بالتدرج في التشريع الذي اقتضاه عصر التنزيل، والذي أشار إليه قوله تعالى:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً»
والسؤال: كيف يجرؤ مسلم، أن يُفتي بأن من يطيق الصوم فعنده خياران: اﻷول: أن يصوم، والثاني: أن يفدي بإطعام مسكين كحد أدنى؟!
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
محمد السعيد مشتهري
(468) 8/6/2016 (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
عدد المشاهدات : 198
لقد كتب الله تعالى على المسلمين الصيام، كما كتبه على الذين من قبلهم، فقال تعالى في سورة البقرة، «الآية ١٨٣»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
ثم بيّن أن هذا الصيام الذي كُتب على الذين من قبلنا: «أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ»، ولم يُبيّن لنا ما هي هذه الأيام المعدودات، فقال تعالى، «الآية ١٨٤»:
«أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْ تَصُومُ وا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
إذن فهذه الآية تشير إلى الإطار العام لأحكام الصيام، بعد بيان أنه فريضة على الذين من قبلنا، خوطب به الجيل الأول من المسلمين، وقد بيّنا ذلك في المنشور السابق.
ثم نزلت الآيات المحمكة «الأم»، التي حملت أحكام الصيام الخاصة بشريعة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، مبينة للأيام المعدودات، فقال تعالى «الآية ١٨٥»:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»
إذن فقد أصبح صيام «شهر رمضان» فريضة على كل مسلم: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»، وترك حكم المريض والمسافر الوارد في الآية «١٨٤» كما هو، فقال تعالى:
«وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
إذن فهناك حالات يصعب عليها الصيام، أو يستحيل، حددها الله تعالى بالمريض والمسافر، اللذان قد يضطرهما المرض أو السفر إلى الإفطار، وعليهما إكمال «عدة شهر الصيام» في أيام أخر، هذا «في حالة القدرة على الصيام».
فإن لم تكن هناك قدرة، بسبب مرض لا يُرجى شفاؤه، إذن فليس على هذا المريض شيء، لا صيام ولا فدية، وقد يكون هو نفسه من المساكين الذين يستحقون الصدقة!!
ولقد ظن كثير من المفكرين، وعامة المسلمين، أن قوله تعالى: «وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، جاء للترخيص للمسافرين والمرضى في الإفطار، ثم قضائه في أيام أخر، والحقيقة أن سياق الآيات لا يدل على ذلك!!
إن سياق الآيات يأمر «المريض»، أو «المسافر»، بوجوب إكمال العدة في حالة الإفطار، وليس للترخيص لهما بالإفطار في حالة المرض أو السفر، والفرق كبير!!
إن الله تعالى لم يقل: «ومن كان مريضا أو على سفر فليفطر»، وإنما قال: «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، أى أن الأصل في شريعة الصيام التي حملها الق رآن للناس هو إكمال «عدة شهر الصيام»، لذلك تكررت «العدة» أكثر من مرة، فتدبر:
«أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ»، «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، ثم «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، ثم قال: «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ».
لذلك لم يتكرر حكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» في الآية الثانية، لانتفائه أصلا في الشريعة الخاتمة التي أمر الله أتباع النبي الخاتم اتباعها، وقال تعالى بعد إكمال العدة مباشرة:
«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
إن قوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ»
دليل على أن «الْعُسْرَ» هو السبب الرئيسي للإفطار، وليس مجرد السفر أو المرض، وأن «اليسر» في إباحة الإفطار عند وجود «الْعُسْرَ»، فقد يستطيع المسافر بالطائرة لأي دولة عربية أو أوربية، أن يصوم بدون عسر ومشقة، فإذا زال «العسر» وجب الصيام.
ولم يبق إلا «عسر» المرض أو السفر، هو الذي يوجب الإفطار، ثم إكمال العدة بعد زوال «العسر»، فإن تعذر الإكمال لاستمرار «العسر»، فإن «اليسر» في: لا صوم ولا فدية.
محمد السعيد مشتهري
(469) 10/6/2016 ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )
عدد المشاهدات : 358
يرفض نجوم القراءات العصرية الترادف في القرآن، ولكن، ولغياب «المنهجية العلمية» في مشاريعهم الفكرية، يؤمنون بالترادف ويستخدمونه وهم لا يعلمون، والضحية: هم التابعون لهم، المقلدون بغير علم.
يقولون: «الإطاقة» في قوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، تعني «الاستطاعة»، ويكون معنى الآية:
وعلى الذين يستطيعون الصيام، ولا يريدون أن يصوموا، ولا يوجد مانع يمنعهم من الصيام، عليهم إطعام مسكين، ولا ذنب عليهم، وهذه من وجهة نظرهم هي الرحمة الإلهية!!
أما الغلابة المساكين الذين يستحقون الصدقات، فيجب عليهم الصيام، لأنهم لا يملكون المال الذي يُطعمون به غيرهم من المساكين!!
هذا هو إسلامهم الجميل، المريح، السهل، وخاصة بالنسبة لرجال الأعمال!!
فأقول:
إن الإسلام الذي أمر الله تعالى الناس اتباعه، لا يُحمّل هذا العامل المسكين أو غيره من الذين يقف الصيام عقبة أمام عملهم، لا يحملهم الله شيئًا، لا عدة ولا إطعام مسكين: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»، وهذا هو التيسير الإلهي.
إن الذي يريد اتباع الحق، عليه أن يبحث عن معنى «يطيقونه» بنفسه، ولا يكون تابعًا مقلدًا بغير علم، خاصة وقد أصبح من السهل جدًا أن يحقق ذلك من خلال أي محرك بحث على شبكة الإنترنت.
إنك لو أردت أن تعلم عدد المرات التي وردت فيها كلمة «يطيقون» في كتاب الله، عليك أن تبحث عنها من خلال جذر الكلمة «طوق»، فستجد الآتي:
١- كلمة «طاقة»، في سورة البقرة «الآية ٢٤٩»:
«فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ (لاَ طَاقَةَ لَنَا) ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ»
[أي لا نملك «الطاقة» التي تجعلنا قادرين على مواجهة جالوت وجنوده].
وقوله تعالى «الآية ٢٨٦»:
«رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا (مَا لاَ طَاقَةَ) لَنَا بِهِ»
[أي لا تحملنا ما يتطلب منا «طاقة» لا نملكها، كي نؤديه كما أمرتنا].
٢- كلمة «يُطوَّقون»، في سورة آل عمران «الآية ١٨٠»:
«سَيُطَوّ َقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ»
[أي سيُعذّبون عذابًا فوق «طاقتهم»، عقاب ما بخلوا به].
٣- وهي الآية موضوع البحث:
كلمة «يُطِيقُونَهُ»، في سورة البقرة «الآية ١٨٤»:
«وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ»
[أي وعلى الذين يحتاجون إلى بذل كل طاقتهم لأداء فريضة الصيام]
ولقد كان هذا الحكم على سبيل التخيير، في بداية مرحلة التشريع لأحكام الصيام، يُفهم ذلك من الآية «١٨٦»، كما سبق بيانه في المنشور السابق، ومن الآية «١٨٤»، حيث عطف الحكم على جملة «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، ولم يعطفه على نفس الجملة في الآية «١٨٥».
نفهم من ذلك، أن هناك حالات تحتاج إلى بذل كل الجهد كي تؤدي فريضة الصيام، وأصحاب هذه الحالات قد أدرجوا ضمن حالات المرض الذي لا يُرجى شفاؤه، لذلك لا عدة ولا فدية على أصحاب هذه الأعذار، لأن الله تعالى قال بعد حكم العدة:
«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ»
فهذه هي كل الآيات التي وردت في مسألة «الطاقة»، فمن أين جاء أصحاب القراءات العصرية أن كلمة «يُطِيقُونَهُ» تعني «يستطيعونه»؟!
لقد أفتوا على أساس هذا الفقه المتهافت، أن الصائم الذي يستطيع الصيام دون أي مشقة، يمكنه أن يفطر، ولا ذنب عليه، بشرط أن يُطعم مسكينًا عن كل يوم!
إن الله تعالى، بعد اكتمال الدين وتمام النعمة، إذا أراد أن يُخيّر المسلمين في أداء حكم من أحكام الشريعة، فجاء السياق القرآني بكلمة «الاستطاعة»، كقوله تعالى:
«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَتِ ٱلْمُؤْمِنَتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُم مِّن فَتَيَتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَتِ»فلم يقل: «وَمَن لَّمْ (يطق) مِنكُمْ طَوْلاً أَن ي َنكِحَ»
ويقول الله تعالى:
«فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»
فلم يقل: «فَمَن لَّمْ (يطق) فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»
وأكرر: من أين جاء أصحاب القراءات العصرية، والتابعون لهم بغير علم، بأن مفهوم «يطيقون الصيام»، يعني «يستطيعون الصيام»، مع عدم وجود عذر يمنعهم منه، وأن هؤلاء يمكنهم الإفطار، وإطعام مسكين عن كل يوم، ولا وزر عليهم؟!
لذلك أقول: إن هذا هو المنشور الثالث في بيان تهافت هذه القراءات العصرية، فمن أراد التعليق أرجو منه أن يقرأ ويتدبر جيدا المنشورات السابقة، ولا يُعلق إلا بآية قرآنية يصحح بها آية قرآنية أتيت بها، أما الكلام المرسل، ونظام القص من صفحات أخرى، واللصق على هذه الصفحة، فهذا غير مقبول.
محمد السعيد مشتهري
(470) 12/6/2016 (خلاصة القول في أحكام الصيام، ولا نسخ ولا تردف في القرآن)
عدد المشاهدات : 223
الشبهة: يقولون إن الله تعالى خيّر المسلم السليم المقيم، الذي لا هو مريض ولا هو مسافر، بين أن يصوم، أو يفطر، في شهر رمضان، بشرط أن يُفدي بإطعام مسكين عن كل يوم إذا أراد أن يفطر، وذلك استنادا إلى قوله تعالى في سورة البقرة «الآية ١٨٤»:
«..وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ».
وقبل الرد على هذه الشبهة، علينا أن نفرق بين فعل «يطيق»، وفعل «يستطيع».
إن اللافت للنظر، أن السياق القرآني لم يستخدم فعل «يطيق» للتعبير عن التخيير في أداء الحكم الش رعي، مطلقا، وإنما استخدم فعل «يستطيع»، فقال تعالى:
«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَتِ ٱلْمُؤْمِنَتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُم مِّن فَتَيَتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَتِ»
وقال تعالى: «فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»
إن فعل «يطيق»، يتعلق بما يحمله الإنسان في داخله من طاقة، تساعده على القيام بالعمل المكلف به.
أما فعل «يستطيع»، فيتعلق بالوسائل المتاحة التي تساعد الإنسان على القيام بالعمل المكلف به، سواء كانت مادية أو غير مادية.
فقد يملك الإنسان «الطاقة» ليقود سيارته، ولكنه لا «يستطيع» التحرك بها لعدم وجود وقود.ولذلك لم يُخير الله تعالى المسلم «السليم المقيم» أن يصوم أو لا يصوم، ولم يترك للإنسان تقدير الاستطاعة أو عدم الاستطاعة، وإنما أمر المسلمين جميعًا بالصيام، وبيّن أن على كل من يمنعه مرضه أو سفره من الصيام، فعليه استكمال عدة الصوم بعد زوال المرض أو السفر.
والآن تعالوا نضع أمامنا الآيات التي جاء حكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» في سياقها، ونتدبرها، لنقف على تهافت هذه الشبهة.
علينا أن نتدبر جيدًا الآيات التي تحدثت عن أحكام الصيام، وهي قوله تعالى في سورة البقرة «الآيات ١٨٣ – ١٨٧»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» [١٨٣]
«أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ، وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» [١٨٤]
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» [١٨٥]
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» [١٨٦]
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِ ي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» [١٨٧]
أولا: فرضية الصيام
جاءت بها الآية «١٨٣»: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، وكذلك الآية «١٨٥»: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».
ثانيا: مدة الصيام
جاءت بها الآية «١٨٤»: «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ»، ثم بيّنها في الآية «١٨٥»: «شَهْرُ رَمَضَانَ».
ثالثا: الصيام فريضة على كل مسلم
استثنى ما ورد في قوله تعالى «الآية ١٨٤»:
«فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
وقوله تعالى في الآية «١٨٥»:
«وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
نفهم من هذه الآيات أن صيام شهر رمضان فريضة على كل مسلم، «مقيم، سليم، قادر»، لا خيار له ولا تخيير في صيام شهر رمضان.
رابعا: والآن نأتي إلى السؤال المحير:
لماذا ورد حكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» في الآية «١٨٤»، بعد بيان حكم العدة،ولم يتكرر بعد بيان نفس الحكم في الآية «١٨٥»، وقال تعالى مباشرة:
«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»؟!
الجواب: في الآية الأخيرة «١٨٧» من أحكام الصيام، وهي قوله تعالى:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ…عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ…»
ومن تدبر سياق الآية نعلم، بما لا يدع مجالا للشك، أن تطبيق أحكام الصيام جاء على مراحل، حسب مقتضيات ظروف وتحديات عصر التنزيل واكتمال الدين.
إن خيانة النفس، الواردة في قوله تعالى: «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ»، تعني أن توقع النفس في معصية الله، مما يبيّن أن من المسلمين، في عصر التنزيل، من كان يأتي النساء ليلة الصيام، وأن ذلك كان محرما في بداية الأمر، ثم نزل التشريع في مرحلته النهائية بقوله تعالى:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ»
ولقد تاب الله تعالى عن الذين كانوا يختانون أنفسهم: «فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ»، ثم قال تعالى بعدها: «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ».
إن ورود الآية «١٨٧» في سياق بيان أحكام الصيام، «١٨٣-١٨٧»، يلفت النظر إلى أن الآية «١٨٣»، التي ورد فيها حكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، كانت هي أيضا داخل مرحلية العمل بأحكام الصيام، ثم نزلت الآية «١٨٥»، بالأحكام النهائية المبينة والمفصلة، وبرهان ذلك ما يلي:
١- لقد بيّن الله تعالى ما هي «الأيام المعدودات»، بقوله تعالى في الآية «١٨٥»: «شَهْرُ رَمَضَانَ».
٢- وأكد على فرضية الصوم: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، فقال تعالى في الآية «١٨٥»: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».
٣- كما أكد على فرضية العدة «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، فقال تعالى في الآية «١٨٥»: «وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».
٤- ولم يرد حكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» في الآية «١٨٥»، مما يعني كما ذكرت سابقا أنه كان حكمًا استثنائيًا خاصا بمرحلة ما قبل نزول قوله تعالى في الآية «١٨٧»:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ … فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ».
٥- لقد نزلت الآية «١٨٥» بالتشريع النهائي لأحكام الصيام، وأنه فريضة على المسلمين جميعا: المقيم والمسافر، السليم والمريض، وأن من يضطره المرض أو السفر إلى الإفطار، عليه أن يستكمل عدة الشهر بعد انتهائه، وبذلك يكون قد أدى صيام الشهر كاملا كباقي المسلمين، استنادا إلى قوله تعالى: «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ».
٦- نفهم من قوله تعالى «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ»، أنه إذا استحال إكمال العدة، لأي سبب من الأسباب، كالمريض الذي لا يرجى شفاؤه، أو العامل الذي تمنعه طبيعة عمله الشاق من الصيام..، فإن هذه الحالات لا شيء عليها، لا عدة ولا فدية.
٧- ولقد ترك الله تعالى الآيات الدالة على مرحلية العمل بأحكام الشريعة لبيان أن هذه المرحلية كانت من مقتضيات عصر التنزيل، وفرق كبير بين مرحلية العمل بأحكام الشريعة، حسب تحديات العصر، وبين نسخ الأحكام القرآنية، فلا نسخ، ولا ترادف، في القرآن مطلقا.
وسأضرب مثالا تفصيليا يبيّن مرحلية العمل بأحكام الشريعة في منشور مستقل.
«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
محمد السعيد مشتهري
(471) 12/6/2016 (لماذا يُصرّون على التقليد الأعمى؟)
عدد المشاهدات : 201
أربعة منشورات في بيان أحكام الصيام التي وردت في سياق منظومة من الأحكام المتتالية، تفرض على المتدبر لكتاب الله أن يتوقف عند:
أولا: لماذا لم يأت حكم «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» بعد حكم «العدة» في الآية «١٨٥»:
«وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
كما جاء بعد حكم «العدة» في الآية «١٨٤»، بعد قوله تعالى:
«فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
ثانيا: لماذا بيّن الله تعالى أن هناك أحكاما للصيام، كان المسلمون في عصر التنزيل يتبعونها، غير التي نزلت عليهم بعد ذلك، وقد أشار الله إلى ذلك بقوله:
«عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ»
ثم نزلت أحكام بحل ما كان محرما عليهم:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ … فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ»؟!
سؤلان فقط لا غير، طلبت من الأخوة الأصدقاء، المخالفين لي في الرأي، الإجابة عليهما بصورة محددة ومباشرة، مستعينين بالآيات القرآنية التي تؤيد وجهة نظرهم، بعيدا عن:
١- الكلام الم رسل: للهروب من الإجابة المباشرة
٢- نظام القص من صفحات واللصق على هذه الصفحة: للهروب من الإجابة المباشرة.
٣- وضع روابط لمفكرين تتعلق بأحكام الصيام بصفة عامة: للهروب من الإجابة المباشرة.
٤- النقل من كتب التفسير لشرح الآيات: للهروب من الإجابة المباشرة.
٥- النقل من معاجم اللسان العربي لشرح معاني الكلمات: للهروب من الإجابة المباشرة.
٦- تحويل الإجابة على سؤالي إلى سؤال يطرحه، للهروب من الإجابة المباشرة.
ولقد طلبت أكثر من مرة، من الأخوة الأصدقاء المخالفين لي في الرأي، الإلتزام بشروط التعليق على منشورات الصفحة، وبيّنت لهم أن من حقي أن أضع ما شئت من شروط وتعليمات لمن يريد زيارتي في بيتي، وقلت: إن هذه الصفحة مدرسة فكرية، يدخلها من يريد أن يتعلم أو يُعلّم، ولكن بشرط أن يكون المُعلّم يحمل علمًا!!
والحقيقة أني عندما أنشأت هذا الحساب، والصفحة التي تحمل عنوان «نحو إسلام الرسول»، كان الهدف هو مساعدة الأصدقاء على خلع ثوب التقليد الأعمى، ببذل الجهد «هم أنفسهم» في الدراسة والبحث، وأن يقفوا على «المنهجية العلمية» التي يحملها صاحب المشروع الفكري الذي يتبعونه، وأن يتحققوا من الأدلة والبراهين القرآنية التي يستدل بها، وهل جاءت تخدم سياق الموضوع الذي يتحدث عنه أم لا.
إن تعليقات الأصدقاء المخالفين لي في الرأي، موجودة على المنشورات الأربعة الخاصة بأحكام الصيام، فأرجو من يكتشف تعليقا التزم صاحبه بهذه الشروط، وأجاب على السؤالين بصورة مباشرة ومحددة، مستعينا بالآيات القرآنية التي تؤيد وجهة نظره، أن يظهره لي للتعليق عليه.
محمد السعيد مشتهري
(472) 13/6/2016 (مرحلية العمل بأحكام الشريعة)
عدد المشاهدات : 240
على هامش منشور: «خلاصة القول في أحكام الصيام»
إن الذي يدرس القرآن ويستنبط أحكامه، بمعزل عن «المنهجية العلمية» التي أمر الله اتباعها، بدءًا بعلم الوحدانية، سيَضِل، ويُضِل الناس بغير علم، لأن الله تعالى يقول:
«شَهِدَ (اللَّهُ) أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَ(الْمَلَائِكَةُ)، وَ(أُولُو الْعِلْمِ)، قَائِمًا بِالْقِسْطِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
ويقول الله تعالى: «أَفَلَا (يَتَدَبَّرُونَ) الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ (أَقْفَالُهَا)»
والقلوب تُغلق عندما لا تعمل آليات التفكر والتعقل والتفقه والنظر.. إلى آخر آليات عمل القلب.
إن الذي لا يعلم، أن القرآن نزل يخاطب في المقام الأول، الذين آمنوا برسول الله في عصر التنزيل، ثم بعد ذلك الناس جميعا إلى يوم الدين، سيتوقف عند آيات كثيرة لا يدري جدوى وجودها في كتاب الله، كقوله تعالى:
«الْآنَ (خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ) وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»
وكقوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ (لَا يَعْقِلُونَ) . وَلَوْ أَنَّهُمْ (صَبَرُوا) حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ، وَاللَّهُ (غَفُورٌ رَّحِيمٌ)»
إن الذي لا يعلم، أن هناك أحكاما نزلت لمواجهة ظروف وتحديات عصر التنزيل، وليست لكافة العصور، سيجد نفسه مضطرا لاتباع السلفية في قبول النسخ والترادف..، واستنباط أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
لقد أمر الله المسلمين باجتناب الخمر، وبيّن لهم أسباب تحريمها، ووجوب كراهيتها، فقال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ (رِجْسٌ مِنْ ع َمَلِ الشَّيْطَانِ) (فَاجْتَنِبُوهُ) لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
إن الرجس: «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، لا يقبل القلب المؤمن فعله، فهل يمكن أن تكون أعمال الشيطان حلالا؟!
وإن الاجتناب: معناه ألا يتوقف المسلم عند عدم فعل المحرم، وإنما يجب عليه أن يكره هذا المحرم، ولذلك وردت كلمة الاجتناب مع كل محرم خبيث، فقال تعالى:
«وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ»، «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ»، «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»، «اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»
لقد بيّن الله تعالى أن الخمر «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، وأمر باجتنابه «فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، فهل يمكن أن يتحقق الفلاح في الآخرة، دون اجتناب المحرمات، التي يسعى الشيطان بكل جهده أن يُوقع المؤمنين فيها؟!
«إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»
ولا شك أن هناك علاقة بين قوله تعالى: «وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ»، وقوله تعالى مخاطبا الجيل الأول من المسلمين:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ»
إن «السكارى»، جمع «سكران»، مشتق من «السَّكْر»، وهو الغلق، وهم الذين ذهبت تدريجيًا آليات عمل قلوبهم، «آليات التفكر، والتعقل..»، حتى أُغلقت تماما، فلا يعلمون ما يقولون، سواء كان ذلك بسبب شرب الخمر، أو لأسباب أخرى.
لقد عاش الجيل الأول من المسلمين، في مجتمع كان شرب الخمر فيه كشرب الماء، ثم انتقلوا إلى المجتمع الإسلامي، وكان الخمر محرما من أول يوم، وغير صحيح أن شرب الخمر كان حلالا في «غير أوقات الصلاة»، ولكن الله تعالى تركهم فترة يشربون فيها الخمر، ولا يقربون الصلاة وهم سكارى، وذلك لعلاج حدة الإدمان تدريجيا.
نفهم من ذلك، أن العمل بتحريم الخمر كان لابد أن يمر بمراحل، تتربى فيها النفس تربية إيمانية، حتى يصبح سلطان «الإيمان» هو الحاكم على سلطان «الهوى»، فيستطيع الإنسان العمل بالحكم الشرعي دون مشقة.
وعندما قال الله تعالى لهم: «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»، كان في ذلك إشارة إلى وضع أحكام تحريم الخمر موضع التنفيذ.
لقد واجه الجيل الأول من المسلمين تحديات لن تتكرر، إلا إذا عادت الجاهلية الأولى مرة أخرى، وقد ارتبطت هذه التحديات بسيطرة سلطان الشهوة على النفس، وفي مقدمته سلطان الخمر، والرفث إلى النساء!!
ولذلك كان مما شغل بال الجيل الأول من المسلمين في عصر التنزيل، كيف سيتخلصون من سلطان الخمر، لذلك سألوا رسول الله:
«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ، وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا»
فانظر وتدبر: لم تأت الإجابة مباشرة: إن الخمر والميسر حرام، وإنما جاءت الإجابة بأسلوب يُرجّح كفة الإثم، وهم يعلمون أن الإثم محرم أصلا، قال تعالى:
«قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ (الْفَوَاحِشَ) مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَ(الإِثْمَ) وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ…»
لقد كان الغرض من مرحلية العمل ببعض أحكام الشريعة، علاج مشاكل تجذَّرت واستحكمت في قلوب الجيل الأول من المسلمين، الذين لا شك أنهم لن يسمحوا لذريتهم، والأجيال القادمة، أن يعودوا إلى عصر الجاهلية الأولى.
إن الذين يفتون أن الخمر حلال، بدعوى أن الله تعالى لم ينص على تحريمها، قوم لا يفقهون.
محمد السعيد مشتهري
(473) 16/6/2016 (هل يجب أن تستمر الحياة، بمعزل عن الشريعة الإلهية؟)
عدد المشاهدات : 208
إن دول العالم المتقدم، لا تؤمن بالنبي الخاتم، ولا برسالته، ولا بشريعته الخاتمة، ومع ذلك وصلت إلى مرحلة من التقدم العلمي يعجز الإنسان عن وصفه، ولكن تدبر قول الله تعالى مبينًا فاعلية السنن الكونية في حياة الناس:
«مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا، وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»
و«المسلمون»، الذين يؤمنون بالنبي الخاتم وبرسالته، ويتبعون شريعته الخاتمة، والذين تفرقوا في الدين وكانوا شيعا، يعيشون في ذيل التقدم الحضاري عالة على دول العالم المتقدم، والله تعالى يخاطبهم بقوله:
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِي نَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
والذين عرفوا الحق وتبرؤوا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وأقاموا إسلامهم على الإيمان بمصدر تشريعي واحد هو كتاب الله، هؤلاء نراهم حولنا، لا فرق بين حياتهم وحياة الناس، فالجميع يعيشون مشاريعهم الفكرية، مؤلفات وخطب منبرية ومنشورات، لا فاعلية لها على أرض الواقع.
إن الله عندما وعد الذين عرفوا الحق بشيء، هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لم يعدهم بكتب، ولا بخطب ولا بمنشورات، وإنما وعدهم بشيء على أرض الواقع، فحاول أن تتدبره وتقف عليه من خلال هذه الآية:
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ – لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ – وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ـ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا – يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا – وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»
فإذا سألت الذين عرفوا الحق، ثم أعطوا ظهورهم له:
فلماذا لم تقيموا مجتمع الإيمان والعمل الصالح، كي تنطلقوا منه في تفعيل آيات الكتاب بين الناس، لإخراجهم من الظلمات إلى النور؟!
قالوا: يصعب علينا جدا أن نُغير واقعنا، ونهجر أهلنا، ونخسر أعمالنا وأموالنا، ونرفض زواج أولادنا من هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا..، (فعلا غلابة ومساكين)
لقد أردت أن أقف على حجم هذه الإشكالية بين الذين عرفوا الحق، فكتبت منشورا في «١١-٥ -٢٠١٦»، بعنوان: «وبعدين … حعمل إيه لو حبيت اتجوز؟!»، وقد كانت مفاجأة لي: كأني لم أكتب شيئًا .. إعجاب فقط!!
هذه هي المشكلة، وهذه هي المصيبة الكبرى، التي جعلت من يعرفون الحق يُعطون ظهورهم لأشياء، ويغضون الطرف عن أشياء، من أجل أن تسير عجلة معيشتهم، حتى ولو كان ذلك على حساب هجر الشريعة الإلهية، الأمر الذي جعلني أضع للمنشورات الثلاثة الأخيرة العناوين التالية: